أوقاتها منضبطة .. صرفها محسوب .. كل شيء بانتظام ..
يومان في الأسبوع ( إلى النورية ) تشتري اللحمة من الجزار
( الشلبي ) تشتري الدجاج من( المتبولي )
والفول من عبد القادر أمير ..
والقشطة من ( الأفندي )
والعيش من ( القاروب )
والفاكهة من (السروي)
والعطارة من ( باديب )
والجبنة والزيتون من ( خواجة يني ) أو ( الخضري )
والمطبق من أبو (عوف ) وتصلح الأتريك عند ( عمر نصار ) ..
وتنجد المساند عند ( مصطفى سروجي ) وتحلق شعره عند
( أبو سداح ) ..
تخيط ثياب ابنها بنفسها إلا في العيد فالعم ( عمر حلمي ) يقوم
بذلك .
قال لها أحدهم مداعبا : ابنك دائما مبتسم .. قالت : قول ما شاء
الله تم تمتمت الله أكبر .. ومسحت على رأسه أعيذك بكلمات
الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ..
وقرأت المعوذتين ..
وكثرت من لاحول ولا قوة إلا بالله ..
وآثرت ألا تمر من أمام دكانه مرة أخرى
دائمة الابتسامة والبهجة ..
لم يرى أحد دموعها إلا عندما أستيقظ ابنها فوجدها في صلاة
الليل تذرف الدمع ساجدة ..
قالت له بعد أن رأى ما رأى لا تجزع فإني مع حبيبي وسندي
إني مع الله ..
وأخذت مروحة اليد المدنية لتخفف عنه حرارة الغرفة ..
ويهدأ لينام .
تسمح لابنها بمشاركة اقرانه في برحة الحارة اللعب ( بالمكر )
و ( الكبوش ) و ( الكرة الشراب ) و ( البراجو )
تراقبه من خلف الشيش وهي تدعوا له
( الله يحفظك الله يرعاك )
وترفع يديها وتقول اللهم انك كريم حنان ..
لا تتوفاني إلا وقد جعلته ملأ السمع والبصر ..
اللهم انه وحيدي اليتيم فعامله بما أمرتنا أن نتعامل به
فاجعلني وإياه عباد رحمة ولا تجعلنا عبيد ابتلاء ..
يا كريم , من أناقتها وعفتها يحسبها الكثير أنها لا تحتاج ..
أرسل لها أحد أغنياء الحارة في رمضان نقود لمساعدتها
فردتها وقالت : نحن من أسرة لا تقبل الزكاة ولكننا نقبل
الهدية ..
في إجازات المدرسة ..
تذهب إلى النجار ( المشورة )
تتمنى عليه أن يعلمه وأن يبقيه معه حتى يشغل وقته ويستفيد
بنصائحه
في السنة الثانية تذهب به إلى دكان الصيرفي في الخاسكيه
وتتمنى عليه أ تبقيه للعمل لديه حفاظا على وقته
لا تطلب لابنها أجرا ..
ولا تشترط على أحد مكافأته ..
فالكل يرعى الصغير واليتيم حبا وكرامة وعطفا , تمر السنون
على هذا اليتيم ..
من محل إلى آخر ..
يستمع ويرى ويخدم ..
يحضر الشاي من القهوة المجاورة ..
ويكنس المحل .. وينظف الفوانيس ..
ويوصل المقاضي ..
ويعود إلى أمه .
تحبس دموعها التي تحجرت في مقلتيها ..
كبقايا شمعة أنطفئت فتجمدت دموعها عند نهايتها ..
تسئل عنه كيف وكيف ..
تلقنه كل لحظة معنى الصبر والكفاح داعمة رأيها بشيء من
القرآن تارة ..
حتى أنه عرف أسماء يونس ويوسف وأيوب عليهم السلام
وقصصهم والنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم وكفاحه
وصحابته وصبرهم ..
يسأل وتجيبه .
يستمع إلى محاضرات مسجد عكاش من الواعظين فيه ما يثري
فكره وأحلامه ..
تأخذ ما تبقى من المجلات والجرائد من مكتبة الأصفهاني ليقرأ
ابنها ..
وانتقل إلى المدرسة الكبيرة حتى آخر سنة وقد التهم علمها
وأصبح رجلا له تقديره واحترامه.
أراد أن يعمل فالتحق بالرجل الوقور في مكتبة كاتب حسابات
أمين صندوق..
وهكذا تدرج
[center]