قطنا
مرحبا بك في منتديات قطنا الثقافية و العلمية
و نشكر زيارتكم
ولتتمكن من الإستمتاع بكافة ما يوفره لك هذا المنتدى من خصائص, يجب عليك أن تسجل الدخول الى حسابك في المنتدى. إن لم يكن لديك حساب بعد, نتشرف بدعوتك لإنشائه.
و يرجى الانتباه بادخال الايميل الصحيح لانه عند التسجيل ستصلك رسالة تفعيل رمز الدخول الى بريدك الالكتروني و بعد التفعيل ستتمكن من الدخول بالاسم و كلمة المرور التي ادخلتها
كما ندعوكم لزيارة موقعنا قطنا نت www.qatana.net
قطنا
مرحبا بك في منتديات قطنا الثقافية و العلمية
و نشكر زيارتكم
ولتتمكن من الإستمتاع بكافة ما يوفره لك هذا المنتدى من خصائص, يجب عليك أن تسجل الدخول الى حسابك في المنتدى. إن لم يكن لديك حساب بعد, نتشرف بدعوتك لإنشائه.
و يرجى الانتباه بادخال الايميل الصحيح لانه عند التسجيل ستصلك رسالة تفعيل رمز الدخول الى بريدك الالكتروني و بعد التفعيل ستتمكن من الدخول بالاسم و كلمة المرور التي ادخلتها
كما ندعوكم لزيارة موقعنا قطنا نت www.qatana.net
قطنا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
قطنا

منتدى مدينة قطنا
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  
"وقـل اعمـلوا فسـيرى الله عـملكم ورسـوله والمؤمنـون"    

 

 تابع أضواء على ألقاب الشيخ حسن الراعي - لقب الفتى - الحلقة الثانية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو محمد الشيخ
عضو فعال
عضو فعال
avatar


المزاج : قطنا
ذكر
عدد المساهمات : 111
نقاط : 331
تاريخ الميلاد : 30/01/1948
العمر : 76
تاريخ التسجيل : 08/11/2010
مكان الإقامة : سوريا-قطنا

تابع أضواء على ألقاب الشيخ حسن الراعي - لقب الفتى - الحلقة الثانية Empty
مُساهمةموضوع: تابع أضواء على ألقاب الشيخ حسن الراعي - لقب الفتى - الحلقة الثانية   تابع أضواء على ألقاب الشيخ حسن الراعي - لقب الفتى - الحلقة الثانية Emptyالأربعاء مارس 21, 2012 5:45 pm

تابع لقب الفتى - الحلقة الثانية
الحلقة الثانية
مراتب الفتوة و دَرَجَاتُها
قال الهروي : « الْفُتُوَّة : أَنْ لَا تَشْهَدَ لَكَ فَضْلًا ، وَلَا تَرَى لَكَ حَقًّا » ( ) . والناس في هذا على ثلاث مراتب :
1- المرتبة العليا وهي أشرف المراتب : أَن تغيب بشهادة نقصك وعيبك عن فضلك ، وتغيب بشهادة حقوق الخَلْق عليك عن شهادة حقوقك عليهم ، وهذا قلب الفتوّة وإِنسان عينها ، فأَشرف الناس هم أَهل هذه المرتبة .
2- المرتبة الدنيا : وهي أَخسّ المراتب ، وأهلها عكسهم . وَهُمْ أَهْلُ الْفَنَاءِ فِي شُهُودِ فَضَائِلِهِمْ عَنْ عُيُوبِهِمْ ، وَشُهُودِ حُقُوقِهِمْ عَلَى النَّاسِ عَنْ شُهُودِ حُقُوقِ النَّاسِ عَلَيْهِمْ .
3- المرتبة الوسطى : وأهلها ممَنْ شَهِدَ هَذَا وَهَذَا ، فَيَشْهَدُ مَا فِي الْعَيْبِ وَالْكَمَالِ ، وَيَشْهَدُ حُقُوقَ النَّاسِ عَلَيْهِ وَحُقُوقَهُ عَلَيْهِمْ( ) .

أما درجات الفتوة فهي ثلاث أيضًا :
أ‌- الدرجة الأولى : قال الهروي : « تَرْكُ الْخُصُومَةِ ، وَالتَّغَافُلُ عَنِ الزَّلَّةِ ، وَنِسْيَانُ الْأَذِيَّةِ » ( ) وَهِيَ تتضمن ثَلَاثة منازل :
1- المنزلة الْأُولَى : « تَرْكُ الْخُصُومَةِ ». هَذه المنزلة مِنْ بَابِ التَّرْكِ وَالتَّخَلِّي ، وَهيَ أَنْ لَا يُخَاصِمَ أَحَدًا ، فَلَا يُنَصِّبُ نَفْسَهُ خَصْمًا لِأَحَدٍ غَيْرَهَا ، فَهِيَ خَصْمُهُ . وَهَذِهِ الْمَنْزِلَةُ أَيْضًا ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ : لَا يُخَاصِمُ بِلِسَانِهِ ، وَلَا يَنْوِي الْخُصُومَةَ بِقَلْبِهِ ، وَلَا يُخْطِرُهَا عَلَى بَالِهِ . هَذَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ . وَأَمَّا فِي حَقِّ رَبِّهِ : فَالْفُتُوَّةُ أَنْ يُخَاصِمَ بِاللَّهِ ، وَفِي اللَّهِ ، وَيُحَاكِمَ إِلَى اللَّهِ ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ : « وَبِكَ خَاصَمْتُ ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ » وَهَذِهِ دَرَجَةُ فُتُوَّةِ الْعُلَمَاءِ الدُّعَاةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى .
2- المنزلة الثانية « التَّغَافُلُ عَنِ الزَّلَّةِ » ، فَهُوَ أَنَّهُ إِذَا رَأَى مِنْ أَحَدٍ زَلَّةً يُوجِبُ عَلَيْهِ الشَّرْعُ أَخْذَهُ بِهَا : أَظْهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَرَهَا، لِئَلَّا يُعَرِّضَ صَاحِبَهَا لِلْوَحْشَةِ. وَيُرِيحَهُ مِنْ تَحَمُّلِ الْعُذْرِ . وَفُتُوَّةُ التَّغَافُلِ : أَرْفَعُ مِنْ فُتُوَّةِ الْكِتْمَانِ مَعَ الرُّؤْيَةِ . قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ : جَاءَتِ امْرَأَةٌ فَسَأَلَتْ حَاتِمًا عَنْ مَسْأَلَةٍ ؟ فَاتَّفَقَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا صَوْتٌ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ، فَخَجِلَتْ . فَقَالَ حَاتِمٌ : ارْفَعِي صَوْتَكِ . فَأَوْهَمَهَا أَنَّهُ أَصَمُّ . فَسُرَّتِ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ ، وَقَالَتْ : إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعِ الصَّوْتَ ، فَلُقِّبَ بِحَاتِمٍ الْأَصَمِّ ، وَهَذَا التَّغَافُلُ هُوَ نِصْفُ الْفُتُوَّةِ .
3- المنزلة الثالثة : « نِسْيَانُ الْأَذِيَّةِ » ، فَهُوَ بِأَنْ تَنْسَى أَذِيَّةَ مَنْ نَالَكَ بِأَذًى ، لِيَصْفُوَ قَلْبُكَ لَهُ ، وَلَا تَسْتَوْحِشَ مِنْهُ . قُلْتُ – ابن القيم -: وَهُنَا نِسْيَانٌ آخَرُ أَيْضًا ، وَهُوَ مِنَ الْفُتُوَّةِ ، وَهُوَ نِسْيَانُ إِحْسَانِكَ إِلَى مَنْ أَحْسَنْتَ إِلَيْهِ ، حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْكَ ، وَهَذَا النِّسْيَانُ أَكْمَلُ مِنَ الْأَوَّلِ . وَفِيهِ قِيلَ :
يَنْسَى صَنَائِعَهُ وَاللَّهُ يُظْهِرُهَا إِنَّ الْجَمِيلَ إِذَا أَخْفَيْتَهُ ظَهَرَا

ب - الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ : : قَالَ الهروي : « أَنْ تُقَرِّبَ مَنْ يُقْصِيكَ ، وَتُكْرِمَ مَنْ يُؤْذِيكَ ، وَتَعْتَذِرَ إِلَى مَنْ يَجْنِي عَلَيْكَ ، سَمَاحَةً لَا كَظْمًا ، وَمَوَدَّةً لَا مُصَابَرَةً »( ). هَذِهِ الدَّرَجَةُ أَعْلَى مِمَّا قَبْلَهَا وَأَصْعَبُ ، فَإِنَّ الْأُولَى : تَتَضَمَّنُ تَرْكَ الْمُقَابَلَةِ وَالتَّغَافُلَ ، وَهَذِهِ تَتَضَمَّنُ الْإِحْسَانَ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ ، وَمُعَامَلَتَهُ بِضِدِّ مَا عَامَلَكَ بِهِ ، فَيَكُونُ الْإِحْسَانُ وَالْإِسَاءَةُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ خُطَّتَيْنِ : فَخُطَّتُكَ : الْإِحْسَانُ ، وَخَطَّتُهُ : الْإِسَاءَةُ . وَفِي مَثْلِهَا قَالَ الْقَائِلُ :
إِذَا مَرِضْنَا أَتَيْنَاكُمْ نَعُودُكُمُ وَتُذْنِبُونَ فَنَأْتِيكُمْ وَنَعْتَذِرُ
وَمَنْ أَرَادَ فَهْمَ هَذِهِ الدَّرَجَةِ كَمَا يَنْبَغِي فَلْيَنْظُرْ إِلَى سِيرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ النَّاسِ يَجِدْهَا هَذِهِ بِعَيْنِهَا ، وَلَمْ يَكُنْ كَمَالُ هَذِهِ الدَّرَجَةِ لِأَحَدٍ سِوَاهُ ، ثُمَّ لِلْوَرَثَةِ مِنْهَا بِحَسَبِ سِهَامِهِمْ مِنَ التَّرِكَةِ ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ أَجْمَعَ لِهَذِهِ الْخِصَالِ مِنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ ، وَكَانَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ الْأَكَابِرِ يَقُولُ : وَدِدْتُ أَنِّي لِأَصْحَابِي مِثْلُهُ لِأَعْدَائِهِ وَخُصُومِهِ ، وَمَا رَأَيْتُهُ يَدْعُو عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ قَطُّ ، وَكَانَ يَدْعُو لَهُمْ . وَجِئْتُ يَوْمًا مُبَشِّرًا لَهُ بِمَوْتِ أَكْبَرِ أَعْدَائِهِ ، وَأَشَدِّهِمْ عَدَاوَةً وَأَذًى لَهُ . فَنَهَرَنِي وَتَنَكَّرَ لِي وَاسْتَرْجَعَ ، ثُمَّ قَامَ مِنْ فَوْرِهِ إِلَى بَيْتِ أَهْلِهِ فَعَزَّاهُمْ ، وَقَالَ : إِنِّي لَكُمْ مَكَانَهُ ، وَلَا يَكُونُ لَكُمْ أَمْرٌ تَحْتَاجُونَ فِيهِ إِلَى مُسَاعَدَةٍ إِلَّا وَسَاعَدْتُكُمْ فِيهِ . وَنَحْوَ هَذَا مِنَ الْكَلَامِ ، فَسُّرُوا بِهِ وَدَعَوْا لَهُ ، وَعَظَّمُوا هَذِهِ الْحَالَ مِنْهُ . وَأَمَّا « الِاعْتِذَارُ إِلَى مَنْ يَجْنِي عَلَيْكَ » فَإِنَّهُ غَيْرُ مَفْهُومٍ فِي بَادِي الرَّأْيِ ، إِذْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْكَ جِنَايَةٌ تُوجِبُ اعْتِذَارًا ، وَغَايَتُكَ : أَنَّكَ لَا تُؤَاخِذُهُ . فَهَلْ تَعْتَذِرُ إِلَيْهِ مِنْ تَرْكِ الْمُؤَاخَذَةِ ؟ وَمَعْنَى هَذَا : أَنَّكَ تُنْزِلُ نَفْسَكَ مَنْزِلَةَ الْجَانِي لَا الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ، وَالْجَانِي خَلِيقٌ بِالْعُذْرِ . وَالَّذِي يُشْهِدُكَ هَذَا الْمَشْهَدَ : أَنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ إِنَّمَا سُلِّطَ عَلَيْكَ بِذَنْبٍ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : « وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ »( ). فَإِذَا عَلِمْتَ أَنَّكَ بَدَأْتَ بِالْجِنَايَةِ فَانْتَقِمْ بِالِلَّهِ مِنْكَ عَلَى يَدِهِ - كُنْتَ فِي الْحَقِيقَةِ أَوْلَى بِالِاعْتِذَارِ . وَالَّذِي يُهَوِّنُ عَلَيْكَ هَذَا كُلَّهُ : مُشَاهَدَةُ تِلْكَ الْمَشَاهِدِ الْعَشَرَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، فَعَلَيْكَ بِهَا ، فَإِنَّ فِيهَا كُنُوزَ الْمَعْرِفَةِ وَالْبِرِّ . وَقَوْلُهُ : « سَمَاحَةً لَا كَظْمًا ، وَمَوَدَّةً لَا مُصَابَرَةً » يَعْنِي : اجْعَلْ هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ مِنْكَ صَادِرَةً عَنْ سَمَاحَةٍ ، وَطَيِبَةِ نَفْسٍ ، وَانْشِرَاحِ صَدْرٍ ، لَا عَنْ كَظْمٍ ، وَضِيقٍ وَمُصَابَرَةٍ . فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ فِي خُلُقِكَ ، وَإِنَّمَا هُوَ تَكَلُّفٌ يُوشِكُ أَنْ يَزُولَ وَيَظْهَرَ حُكْمُ الْخَلْقِ صَرِيحًا فَتُفْتَضَحَ . وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ إِلَّا إِصْلَاحَ الْبَاطِنِ وَالسِّرِّ وَالْقَلْبِ . وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّيْخُ لَا يُمْكِنُ إِلَّا بَعْدَ الْعُبُورِ عَلَى جِسْرِ الْمُصَابَرَةِ وَالْكَظْمِ ، فَإِذَا تَمَكَّنَ مِنْهُ أَفْضَى بِهِ إِلَى هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ بِعَوْنِ اللَّهِ .

ج - الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ : قَالَ الهروي : « أَنْ لَا تَتَعَلَّقَ فِي السَّيْرِ بِدَلِيلٍ ، وَلَا تَشُوبَ إِجَابَتَكَ بِعِوَضٍ ، وَلَا تَقِفَ فِي شُهُودِكَ عَلَى رَسْمٍ » ( ). هَذِهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا هَذِهِ الدَّرَجَةُ . أَمَّا عَدَمُ تَعَلُّقِهِ فِي السَّيْرِ بِدَلِيلٍ : فَقَدْ بَيَّنَ مُرَادَهُ بِهِ فِي آخِرِ الْبَابِ ، إِذْ يَقُولُ : « وَفِي عِلْمُ الْخُصُوصِ : مَنْ طَلَبَ نُورَ الْحَقِيقَةِ عَلَى قَدَمِ الِاسْتِدْلَالِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ دَعْوَى الْفُتُوَّةِ أَبَدًا »( ) . وَهَذَا مَوْضِعٌ عَظِيمٌ يَحْتَاجُ إِلَى تَبْيِينٍ وَتَقْدِيرٍ ، وَالْمُرَادُ : أَنَّ السَّائِرَ إِلَى اللَّهِ يَسِيرُ عَلَى قَدَمِ الْيَقِينِ ، وَطَرِيقِ الْبَصِيرَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ . فَوُقُوفُهُ مَعَ الدَّلِيلِ : دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَشَمَّ رَائِحَةَ الْيَقِينِ . وَالْمُرَادُ بِهَذَا : أَنَّ الْمَعْرِفَةَ عِنْدَهُمْ ضَرُورِيَّةٌ لَا اسْتِدْلَالِيَّةٌ ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ . وَلِهَذَا لَمْ تَدْعُ الرُّسُلُ قَطُّ الْأُمَمَ إِلَى الْإِقْرَارِ بِالصَّانِعِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَإِنَّمَا دَعَوْهُمْ إِلَى عِبَادَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ ، وَخَاطَبُوهُمْ خِطَابَ مَنْ لَا شُبْهَةَ عِنْدِهِ قَطُّ فِي الْإِقْرَارِ بِاللَّهِ تَعَالَى ، وَلَا هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ . وَلِهَذَا « قَالَتْ رُسُلُهُمْ : أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ؟ » ( ) وَكَيْفَ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى مَدْلُولٍ هُوَ أَظْهَرُ مِنْ دَلِيلِهِ ؟ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ : كَيْفَ أَطْلُبُ الدَّلِيلَ عَلَى مَنْ هُوَ دَلِيلٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ؟ فَتَقَيُّدُ السَّائِرِ بِالدَّلِيلِ وَتَوَقُّفُهُ عَلَيْهِ ، دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ يَقِينِهِ ، بَلْ إِنَّمَا يَتَقَيَّدُ بِالدَّلِيلِ الْمُوصِّلِ لَهُ إِلَى الْمَطْلُوبِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِهِ ، فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ - بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ - إِلَى دَلِيلٍ يُوَصِّلُهُ إِلَيْهِ ، وَيَدُلُّهُ عَلَى طَرِيقِ الْوُصُولِ إِلَيْهِ . وَهَذَا الدَّلِيلُ : هُوَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ يَتَقَيَّدُ بِهِ ، لَا يَخْطُو خَطْوَةً إِلَّا وَرَاءَهُ . وَأَيْضًا فَالْقَوْمُ يُشِيرُونَ إِلَى الْكَشْفِ ، وَمُشَاهَدَةِ الْحَقِيقَةِ . وَهَذَا لَا يُمْكِنُ طَلَبُهُ بِالدَّلِيلِ أَصْلًا . وَلَا يُقَالُ : مَا الدَّلِيلُ عَلَى حُصُولِ هَذَا ؟ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِالسُّلُوكِ فِي مَنَازِلِ السَّيْرِ ، وَقَطْعِهَا مَنْزِلَةً مَنْزِلَةً ، حَتَّى يَصِلَ إِلَى الْمَطْلُوبِ . فَوُصُولُهُ إِلَيْهِ بِالسَّيْرِ لَا بِالِاسْتِدْلَالِ ، بِخِلَافِ وُصُولِ الْمُسْتَدِلّ ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَصِلُ إِلَى الْعِلْمِ ، وَمَطْلُوبُ الْقَوْمِ وَرَاءَهُ . وَالْعِلْمُ مَنْزِلَةٌ مِنْ مَنَازِلِهِمْ . وَلِهَذَا يُسَمُّونَ أَصْحَابَ الِاسْتِدْلَالِ : أَصْحَابَ الْقَالِ ، وَأَصْحَابَ الْكَشْفِ : أَصْحَابَ الْحَالِ . وَالْقَوْمُ عَامِلُونَ عَلَى الْكَشْفِ الَّذِي يُحَصِّلُ نُورَ الْعِيَانِ ، لَا عَلَى الْعِلْمِ الَّذِي يُنَالُ بِالِاسْتِدْلَالِ وَالْبُرْهَانِ . وَهَذَا مَوْضِعُ غَلَطٍ وَاشْتِبَاهٍ ، فَإِنَّ الدَّلِيلَ فِي هَذَا الْمَقَامِ شَرْطٌ ، وَكَذَلِكَ الْعِلْمُ . وَهُوَ بَابٌ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِهِ إِلَى الْمَطْلُوبِ ، وَلَا يُوصَلُ إِلَى الْمَطْلُوبِ إِلَّا مِنْ بَابِهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : « وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا » ( ) . ثُمَّ إِنَّهُ يُخَافُ عَلَى مَنْ لَا يَقِفُ مَعَ الدَّلِيلِ مَا هُوَ أَعْظَمُ الْأُمُورِ وَأَشَدُّهَا خَطَرًا ، وَهُوَ الِانْقِطَاعُ عَنِ الطَّلَبِ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَالْوُصُولِ إِلَى مُجَرَّدِ الْخَيَالِ وَالْمُحَالِ . فَمَنْ خَرَجَ عَنِ الدَّلِيلِ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ . فَإِنْ قِيلَ : تَعَلُّقُهُ فِي الْمَسِيرِ بِالدَّلِيلِ : يُفَرِّقُ عَلَيْهِ عَزْمَهُ وَقَلْبَهُ ، فَإِنَّ الدَّلِيلَ يُفَرِّقُ وَالْمَدْلُولَ يُجَمِّعُ ، فَالسَّالِكُ يَقْصِدُ الْجَمْعِيَّةَ عَلَى الْمَدْلُولِ . فَمَا لَهُ وَلِتَفْرِقَةِ الدَّلِيلِ ؟ قِيلَ : هَذِهِ الْبَلِيَّةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا أَعْرَضَ مَنْ أَعْرَضَ مِنَ السَّالِكِينَ عَنِ الْعِلْمِ وَنَهَى عَنْهُ ، وَجُعِلَتْ عِلَّةً فِي الطَّرِيقِ ، وَوَقَعَ هَذَا مِنْ زَمَنِ الشُّيُوخِ الْقُدَمَاءِ الْعَارِفِينَ فَأَنْكَرُوهُ غَايَةَ الْإِنْكَارِ ، وَتَبَرَّؤُوا مِنْهُ وَمِنْ قَائِلِهِ ، وَأَوْصَوْا بِالْعِلْمِ ، وَأَخْبَرُوا أَنَّ طَرِيقَهُمْ مُقَيَّدَةٌ بِالْعِلْمِ ، لَا يُفْلِحُ فِيهَا مَنْ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالْعِلْمِ . وَالْجُنَيْدُ كَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ مُبَالَغَةً فِي الْوَصِيَّةِ بِالْعِلْمِ ، وَحَثًّا لِأَصْحَابِهِ عَلَيْهِ . وَالتَّفَرُّقُ فِي الدَّلِيلِ خَيْرٌ مِنَ الْجَمْعِيَّةِ عَلَى الْوَهْمِ وَالْخَيَالِ ، فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ كَوْنُ الْجَمْعِيَّةِ حَقًّا إِلَّا بِالدَّلِيلِ وَالْعِلْمِ . فَالدَّلِيلُ وَالْعِلْمُ ضَرُورِيَّانِ لِلصَّادِقِ ، لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُمَا . نَعَمْ يَقِينُهُ وَنُورُ بَصِيرَتِهِ وَكَشْفُهُ : يُغْنِيهِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْأَدِلَّةِ الَّتِي يَتَكَلَّفُهَا الْمُتَكَلِّفُونَ ، وَأَرْبَابُ الْقَالِ ، فَإِنَّهُ مَشْغُولٌ عَنْهَا بِمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهَا ، وَهُوَ الْغَايَةُ الْمَطْلُوبَةُ . مِثَالُهُ : أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ يُفْنِي زَمَانَهُ فِي تَقْرِيرِ حُدُوثِ الْعَالَمِ ، وَإِثْبَاتِ وُجُودِ الصَّانِعِ ، وَذَلِكَ أَمْرٌ مَفْرُوغٌ مِنْهُ عِنْدَ السَّالِكِ الصَّادِقِ صَاحِبِ الْيَقِينِ ، فَالَّذِي يَطْلُبُهُ هَذَا بِالِاسْتِدْلَالِ - الَّذِي هُوَ عُرْضَةُ الشَّبَهِ ، وَالْأَسْئِلَةِ ، وَالْإِيرَادَاتِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا - هُوَ كَشْفٌ وَيَقِينٌ لِلسَّالِكِ ، فَتَقَيُّدُهُ فِي سُلُوكِهِ بِحَالِ هَذَا الْمُتَكَلِّمِ انْقِطَاعٌ ، وَخُرُوجٌ عَنِ الْفُتُوَّةِ . وَهَذَا حَقٌّ لَا يُنَازِعُ فِيهِ عَارِفٌ ، فَتَرَى الْمُتَكَلِّمَ يَبْحَثُ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ ، وَالْجَوَاهِرِ وَالْأَعْرَاضِ ، وَالْأَكْوَانِ ، وَهِمَّتُهُ مَقْصُورَةٌ عَلَيْهَا لَا يَعُدُوهَا لِيَصِلَ مِنْهَا إِلَى الْمُكَوِّنِ وَعُبُودِيَّتِهِ . وَالسَّالِكُ قَدْ جَاوَزَهَا إِلَى جَمْعِ الْقَلْبِ عَلَى الْمُكَوِّنِ وَعُبُودِيَّتِهِ بِمُقْتَضَى أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ ، لَا يَلْتَفِتُ إِلَى غَيْرِهِ ، وَلَا يَشْتَغِلُ قَلْبُهُ بِسِوَاهُ . فَالْمُتَكَلِّمُ مُتَفَرِّقٌ مُشْتَغِلٌ فِي مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ ، وَالْعَارِفُ قَدْ شَحَّ بِالزَّمَانِ أَنْ يَذْهَبَ ضَائِعًا فِي غَيْرِ السَّيْرِ إِلَى رَبِّ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ . وَبِالْجُمْلَةِ : فَصَاحِبُ هَذِهِ الدَّرَجَةِ لَا يَتَعَلَّقُ فِي سَيْرِهِ بِدَلِيلٍ ، وَلَا يُمْكِنُهُ السَّيْرُ إِلَّا خَلْفَ الدَّلِيلِ ، وَكِلَاهُمَا يَجْتَمِعُ فِي حَقِّهِ ، فَهُوَ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى دَلِيلٍ عَلَى وُجُودِ الْمَطْلُوبِ ، وَلَا يَسْتَغْنِي طَرْفَةَ عَيْنٍ عَنْ دَلِيلٍ يُوَصِّلُهُ إِلَى الْمَطْلُوبِ . فَسَيْرُ الصَّادِقِ عَلَى الْبَصِيرَةِ وَالْيَقِينِ وَالْكَشْفِ ، لَا عَلَى النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : « وَلَا تَشُوبُ إِجَابَتَكَ بِعِوَضٍ ». أَيْ تَكُونُ إِجَابَتُكَ لِدَاعِي الْحَقِّ خَالِصَةً ، إِجَابَةَ مَحَبَّةٍ وَرَغْبَةٍ ، وَطَلَبٍ لِلْمَحْبُوبِ ذَاتِهِ ، غَيْرَ مَشُوبَةٍ بِطَلَبِ غَيْرِهِ مِنَ الْحُظُوظِ وَالْأَعْوَاضِ ، فَإِنَّهُ مَتَى حَصَلَ لَكَ حَصَلَ لَكَ كُلُّ عِوَضٍ وَكُلُّ حَظٍّ بِهِ وَكُلُّ قَسَمٍ . كَمَا فِي الْأَثَرِ الْإِلَهِيِّ : « ابْنَ آدَمَ ، اطْلُبْنِي تَجِدْنِي ، فَإِنْ وَجَدْتَنِي ، وَجَدْتَ كُلَّ شَيْءٍ ، وَإِنْ فُتُّكَ فَاتَكَ كُلُّ شَيْءٍ . وَأَنَا أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ »( ) . فَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ طَلَبِ مَا سِوَى اللَّهِ ، وَلَمْ يَشُبْ طَلَبَهُ لَهُ بِعِوَضٍ ، بَلْ كَانَ حُبًّا لَهُ ، وَإِرَادَةً خَالِصَةً لِوَجْهِهِ ، فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ الَّذِي يَفُوزُ بِالْأَعْوَاضِ وَالْأَقْسَامِ وَالْحُظُوظِ كُلِّهَا ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجْعَلْهَا غَايَةَ طَلَبِهِ ، تَوَفَّرَتْ عَلَيْهِ فِي حُصُولِهَا ، وَهُوَ مَحْمُودٌ مَشْكُورٌ مُقَرَّبٌ ، وَلَوْ كَانَتْ هِيَ مَطْلُوبَةً لَنَقَصَتْ عَلَيْهِ بِحَسَبِ اشْتِغَالِهِ بِطَلَبِهَا وَإِرَادَتِهَا عَنْ طَلَبِ الرَّبِّ تَعَالَى لِذَاتِهِ وَإِرَادَتِهِ . فَهَذَا قَلْبُهُ مُمْتَلِئٌ بِهَا وَالْحَاصِلُ لَهُ مِنْهَا : نَزْرٌ يَسِيرٌ ، وَالْعَارِفُ لَيْسَ قَلْبُهُ مُتَعَلِّقًا بِهَا ، وَقَدْ حَصَلَتْ لَهُ كُلُّهَا . فَالزُّهْدُ فِيهَا لَا يُفِيتُكُهَا ، بَلْ هُوَ عَيْنُ حُصُولِهَا ، وَالزُّهْدُ فِي اللَّهِ هُوَ الَّذِي يُفِيتُكَهُ وَيُفِيتُكَ الْحُظُوظَ . وَإِذَا كَانَ لَكَ أَرْبَعَةُ عَبِيدٍ : أَحَدُهُمْ : يُرِيدُكَ وَلَا يُرِيدُ مِنْكَ ، بَلْ إِرَادَتُهُ مَقْصُورَةٌ عَلَيْكَ وَعَلَى مَرْضَاتِكَ . وَالثَّانِي : يُرِيدُ مِنْكَ وَلَا يُرِيدُكَ ، بَلْ إِرَادَتُهُ مَقْصُورَةٌ عَلَى حُظُوظِهِ مِنْكَ . وَالثَّالِثُ : يُرِيدُكَ وَيُرِيدُ مِنْكَ . وَالرَّابِعُ : لَا يُرِيدُكَ وَلَا يُرِيدُ مِنْكَ ، بَلْ هُوَ مُتَعَلِّقُ الْقَلْبِ بِبَعْضِ عَبِيدِكَ ، فَلَهُ يُرِيدُ ، وَمِنْهُ يُرِيدُ . فَإِنَّ آثَرَ الْعَبِيدِ عِنْدَكَ ، وَأَحَبَّهُمْ إِلَيْكَ ، وَأَقْرَبَهُمْ مِنْكَ مَنْزِلَةً ، وَالْمَخْصُوصَ مِنْ إِكْرَامِكَ وَعَطَائِكَ بِمَا لَا يَنَالُهُ الْعَبِيدُ الثَّلَاثَةُ - هُوَ الْأَوَّلُ . هَكَذَا : وَهَذَا عِنْدَ الْقَوْمِ غَيْرُ مُكْتَسَبٍ ، فَإِنَّ الشُّهُودَ إِذَا صَحَّ مَحَا الرُّسُومَ ضَرُورَةً فِي نَظَرِ الشَّاهِدِ ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى أَنْ يَشْرُطَ عَلَيْهِ عَدَمَ الْوُقُوفِ عَلَيْهَا. وَالشُّهُودُ الصَّحِيحُ مَاحٍ لَهَا بِالذَّاتِ ، لَكِنَّ أَوَّلَهُ قَدْ لَا يَسْتَغْنِي عَنِ الْكَسْبِ ، وَنِهَايَتُهُ لَا تَقِفُ عَلَى كَسْبٍ . قَالَ : « وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ أَحْوَجَ عَدُوَّهُ إِلَى شَفَاعَةٍ ، وَلَمْ يَخْجَلْ مِنَ الْمَعْذِرَةِ إِلَيْهِ : لَمْ يَشَمَّ رَائِحَةَ الْفُتُوَّةِ » ( ). يَعْنِي أَنَّ الْعَدُوَّ مَتَّى عَلِمَ أَنَّكَ مُتَأَلِّمٌ مِنْ جِهَةِ مَا نَالَكَ مِنَ الْأَذَى مِنْهُ احْتَاجَ إِلَى أَنْ يَعْتَذِرَ إِلَيْكَ ، وَيُشَفِّعَ إِلَيْكَ شَافِعًا يُزِيلُ مَا فِي قَلْبِكَ مِنْهُ . فَالْفُتُوَّةُ كُلُّ الْفُتُوَّةِ : أَنْ لَا تُحْوِجَهُ إِلَى الشَّفَاعَةِ ، بِأَنْ لَا يَظْهَرَ لَهُ مِنْكَ عَتَبٌ وَلَا تَغَيُّرٌ عَمَّا كَانَ لَهُ مِنْكَ قَبْلَ مُعَادَاتِهِ ، وَلَا تَطْوِيَ عَنْهُ بِشْرَكَ وَلَا بِرَّكَ ، وَإِذَا لَمْ تَخْجَلْ أَنْتَ مِنْ قِيَامِهِ بَيْنَ يَدَيْكَ مَقَامَ الْمُعْتَذِرِ لَمْ يَكُنْ لَكَ فِي الْفُتُوَّةِ نَصِيبٌ . وَلَا تَسْتَعْظِمُ هَذَا الْخُلُقَ ، فَإِنَّ لِلْفِتْيَانِ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ ، وَلَا تَسْتَصْعِبُهُ فَإِنَّهُ مَوْجُودٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ الشُّطَّارِ وَالْعُشَرَاءِ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي حَالِ الْمَعْرِفَةِ وَلَا فِي لِسَانِهَا نَصِيبٌ ، فَأَنْتَ أَيُّهَا الْعَارِفُ أَوْلَى بِهِ . قَالَ : « وَفِي عِلْمِ الْخُصُوصِ : مَنْ طَلَبَ نُورَ الْحَقِيقَةِ عَلَى قَدَمِ الِاسْتِدْلَالِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ دَعْوَى الْفُتُوَّةِ أَبَدًا "( ). كَأَنَّهُ يَقُولُ : إِذَا لَمْ تُحْوِجْ عَدُوَّكَ إِلَى الْعُذْرِ وَالشَّفَاعَةِ ، وَلَمْ تُكَلِّفْهُ طَلَبَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى صِحَّةِ عُذْرِهِ ، فَكَيْفَ تُحْوِجُ وَلِيَّكَ وَحَبِيبَكَ إِلَى أَنْ يُقِيمَ لَكَ الدَّلِيلَ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالْمَعْرِفَةِ ، وَلَا تُشِيرُ إِلَيْهِ حَتَّى يُقِيمَ لَكَ دَلِيلًا عَلَى وُجُودِهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ ؟ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ دَرَجَةِ الْفُتُوَّةِ ؟ وَهَلْ هَذَا إِلَّا خِلَافَ الْفُتُوَّةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ؟ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا دَعَاكَ إِلَى دَارِهِ فَقَلْتَ لِلرَّسُولِ : لَا آتِي مَعَكَ حَتَّى تُقِيمَ لِيَ الدَّلِيلَ عَلَى وُجُودِ مَنْ أَرْسَلَكَ ، وَأَنَّهُ مُطَاعٌ ، وَأَنَّهُ أَهْلٌ أَنْ يُغْشَى بَابُهُ ، لَكُنْتَ فِي دَعْوَى الْفُتُوَّةِ زَنِيمًا . فَكَيْفَ بِمَنْ وَجُودُهُ وَوَحْدَانِيَّتُهُ وَقُدْرَتُهُ وَرُبُوبِيَّتُهُ وَإِلَهِيَّتُهُ - أَظْهَرُ مَنْ كُلِّ دَلِيلٍ تَطْلُبُهُ ؟ فَمَا مِنْ دَلِيلٍ يُسْتَدَلُّ بِهِ ، إِلَّا وَوَحْدَانِيَّةُ اللَّهِ وَكَمَالُهُ أَظْهَرُ مِنْهُ . فَإِقْرَارُ الْفِطَرِ بِالرَّبِّ سُبْحَانَهُ خَالِقِ الْعَالَمِ لَمْ يُوقِفْهَا عَلَيْهِ مُوقِفٌ . وَلَمْ تَحْتَجْ فِيهِ إِلَى نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ « أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ؟» ( ) فَأَبْعَدُ النَّاسِ مِنْ دَرَجَةِ الْفُتُوَّةِ طَالِبُ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ( ). قال الشاعر :
وليس يصحّ فى الأَذهان شيءٌ إِذا احتاج النهار إِلى دليل ( )

الباحث : محمود سعيد الشيخ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تابع أضواء على ألقاب الشيخ حسن الراعي - لقب الفتى - الحلقة الثانية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تابع أضواء على ألقاب الشيخ حسن الراعي - لقب الفتى - الحلقة الثالثة
» تابع أضواء على ألقاب الشيخ حسن الراعي - لقب الفتى - الحلقة الثامنة
» تابع أضواء على ألقاب الشيخ حسن الراعي - لقب الفتى - الحلقة الأولى
» تابع أضواء على ألقاب الشيخ حسن الراعي - لقب الفتى - الحلقة السابعة
» تابع أضواء على ألقاب الشيخ حسن الراعي - لقب الفتى - الحلقة السادسة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
قطنا :: المنتديات العامة :: شخصيات لها تاريخ-
انتقل الى: