قطنا
مرحبا بك في منتديات قطنا الثقافية و العلمية
و نشكر زيارتكم
ولتتمكن من الإستمتاع بكافة ما يوفره لك هذا المنتدى من خصائص, يجب عليك أن تسجل الدخول الى حسابك في المنتدى. إن لم يكن لديك حساب بعد, نتشرف بدعوتك لإنشائه.
و يرجى الانتباه بادخال الايميل الصحيح لانه عند التسجيل ستصلك رسالة تفعيل رمز الدخول الى بريدك الالكتروني و بعد التفعيل ستتمكن من الدخول بالاسم و كلمة المرور التي ادخلتها
كما ندعوكم لزيارة موقعنا قطنا نت www.qatana.net
قطنا
مرحبا بك في منتديات قطنا الثقافية و العلمية
و نشكر زيارتكم
ولتتمكن من الإستمتاع بكافة ما يوفره لك هذا المنتدى من خصائص, يجب عليك أن تسجل الدخول الى حسابك في المنتدى. إن لم يكن لديك حساب بعد, نتشرف بدعوتك لإنشائه.
و يرجى الانتباه بادخال الايميل الصحيح لانه عند التسجيل ستصلك رسالة تفعيل رمز الدخول الى بريدك الالكتروني و بعد التفعيل ستتمكن من الدخول بالاسم و كلمة المرور التي ادخلتها
كما ندعوكم لزيارة موقعنا قطنا نت www.qatana.net
قطنا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
قطنا

منتدى مدينة قطنا
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  
"وقـل اعمـلوا فسـيرى الله عـملكم ورسـوله والمؤمنـون"    

 

 تابع جبل الشيح - جبل الرؤى - 2

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو محمد الشيخ
عضو فعال
عضو فعال
avatar


المزاج : قطنا
ذكر
عدد المساهمات : 111
نقاط : 331
تاريخ الميلاد : 30/01/1948
العمر : 76
تاريخ التسجيل : 08/11/2010
مكان الإقامة : سوريا-قطنا

تابع جبل الشيح - جبل الرؤى - 2 Empty
مُساهمةموضوع: تابع جبل الشيح - جبل الرؤى - 2   تابع جبل الشيح - جبل الرؤى - 2 Emptyالخميس يوليو 12, 2012 1:24 am

تابع جبل الشيح - جبل الرؤى - 2
ونعود فنقول إن الرؤى لها دور هام في التاريخ البشري ، ولأهميتها الكبرى فإن الله تعالى قص علينا عددًا منها في القرآن الكريم ، فقد قص ثلاث رؤى علينا في سورة واحدة ، رؤيا يوسف – عليه السلام – ورؤيا السجينين ، ورؤيا فرعون مصر ، وقبل ذلك قص رؤيا إبراهيم - الجد الأول ليوسف – عليه السلام – وبعد ذلك بعض رؤى الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم - وذلك لتكون نموذجًا حيًّا لتلك الرؤى التي تحدث لكثير من الناس ، ولكن رؤى الأنبياء حق ووحي ، بخلاف رؤى الناس . قال الله تعالى في كتابه الكريم عن الرؤيا الأولى : « رؤيا إبراهيم » – عليه السلام –: « فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ : يَا بُنَيَّ ! إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ، فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى ؟ قَالَ : يَا أَبَتِ ! افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ، سَتَجِدُنِي - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا . إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ »( ). قال الشنقيطي : اعلم أوّلاً : أن العلماء اختلفوا في هذا الغلام الذي أمر إبراهيم في المنام بذبحه ، ومعلوم أن رؤيا الأنبياء وحي ، ثم لمّا باشر عمل ذبحه امتثالاً للأمر، فداه اللَّه بذبح عظيم ، هل هو إسماعيل أو إسحاق ؟ .. اعلم - وفّقني اللَّه وإياك - أن القرآن العظيم قد دلّ في موضعين ، على أن الذبيح هو إسماعيل لا إسحاق . أحدهما : في « الصافّات » ، والثاني في « هود » . أمّا دلالة آيات « الصافّات » على ذلك ، فهي واضحة جدًا من سياق الآيات ، وإيضاح ذلك أنه تعالى قال عن نبيّه إبراهيم : « وَقَالَ : إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ، كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ »( ) ، قال بعد ذلك عاطفًا على البشارة الأولى : « وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ »( ) ، فدلّ ذلك على أن البشارة الأولى شيء غير المبشّر به في الثانية ؛ لأنه لا يجوز حمل كتاب اللَّه على أن معناه : فبشرناه بإسحاق ، ثم بعد انتهاء قصة ذبحه يقول أيضًا : « وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ »( ) ، فهو تكرار لا فائدة فيه ينزّه عنه كلام اللَّه ، وهو واضح في أن الغلام المبشر به أوّلاً الذي فدي بالذبح العظيم ، هو إسمعيل ، وأن البشارة بإسحاق نصّ اللَّه عليها مستقلّة بعد ذلك . وقد أوضحنا في سورة « النحل » ، في الكلام على قوله تعالى : « مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً »( ) ، أن المقرّر في الأصول : أن النص من كتاب اللَّه وسنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - إذا احتمل التأسيس والتأكيد معًا وجب حمله على التأسيس ، ولا يجوز حمله على التأكيد ، إلا لدليل يجب الرجوع إليه . ومعلوم في اللغة العربية ، أن العطف يقتضي المغايرة ، فآية « الصافّات » هذه ، دليل واضح للمنصف على أن الذبيح إسماعيل لا إسحاق ، ويستأنس لهذا بأن المواضع التي ذكر فيها إسحاق يقينًا عبّر عنه في كلّها بالعلم لا الحلم ، وهذا الغلام الذبيح وصفه بالحلم لا العلم . وأمّا الموضع الثاني الدالّ على ذلك الذي ذكرنا أنه في سورة « هود » ، فهو قوله تعالى : « وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ »( ) ؛ لأن رسل اللَّه من الملائكة بشَّرتها بإسحاق ، وأن إسحاق يلد يعقوب ، فكيف يعقل أن يؤمر إبراهيم بذبحه ، وهو صغير ، وهو عنده علم يقين بأنه يعيش حتى يلد يعقوب . فهذه الآية أيضًا دليل واضح على ما ذكرنا ، فلا ينبغي للمنصف الخلاف في ذلك بعد دلالة هذه الأدلّة القرآنية على ذلك ، والعلم عند اللَّه تعالى( ). وقال أحد الأدباء : واستجاب الله دعاء عبده الصالح المتجرد « إبراهيم » ، الذي ترك وراءه كل شيء ، وجاء إليه بقلب سليم « فبشرناه بغلام حليم ».. هو إسماعيل كما يرجح سياق السيرة والسورة وسنرى آثار حلمه الذي وصفه ربه به وهو غلام . ولنا أن نتصور فرحة إبراهيم الوحيد المفرد المهاجر المقطوع من أهله وقرابته . لنا أن نتصور فرحته بهذا الغلام ، الذي يصفه ربه بأنه حليم . والآن آن أن نطلع على الموقف العظيم الكريم الفريد في حياة إبراهيم . بل في حياة البشر أجمعين . وآن أن نقف من سياق القصة في القرآن أمام المثل الموحي الذي يعرضه الله للأمة المسلمة من حياة أبيها إبراهيم .. « فلما بلغ معه السعي . قال : يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك ، فانظر ماذا ترى . قال : يا أبت افعل ما تؤمر : ستجدني إن شاء الله من الصابرين ».. يا لله ! ويا لروعة الإيمان والطاعة والتسليم .. هذا إبراهيم الشيخ . المقطوع من الأهل والقرابة . المهاجر من الأرض والوطن . ها هو ذا يرزق في كبرته وهرمه بغلام . طالما تطلع إليه . فلما جاءه جاء غلاماً ممتازاً يشهد له ربه بأنه حليم . وها هو ذا ما يكاد يأنس به ، وصباه يتفتح ، ويبلغ معه السعي ، ويرافقه في الحياة .. ها هو ذا ما يكاد يأنس ويستروح بهذا الغلام الوحيد ، حتى يرى في منامه أنه يذبحه . ويدرك أنها إشارة من ربه بالتضحية . فماذا ؟ إنه لا يتردد ، ولا يخالجه إلا شعور الطاعة ، ولا يخطر له إلا خاطر التسليم .. نعم إنها إشارة . مجرد إشارة . وليست وحياً صريحاً ، ولا أمراً مباشراً . ولكنها إشارة من ربه .. وهذا يكفي .. هذا يكفي ليلبي ويستجيب . ودون أن يعترض . ودون أن يسأل ربه .. لماذا يا ربي أذبح ابني الوحيد ؟! ولكنه لا يلبي في انزعاج ، ولا يستسلم في جزع ، ولا يطيع في اضطراب .. كلا إنما هو القبول والرضى والطمأنينة والهدوء . يبدو ذلك في كلماته لابنه وهو يعرض عليه الأمر الهائل في هدوء وفي اطمئنان عجيب : « قال : يا بني ! إني أرى في المنام أني أذبحك . فانظر ماذا ترى ؟ » فهي كلمات المالك لأعصابه ، المطمئن للأمر الذي يواجهه ، الواثق بأنه يؤدي واجبه . وهي في الوقت ذاته كلمات المؤمن ، الذي لا يهوله الأمر فيؤديه ، في اندفاع وعجلة ليخلص منه وينتهي ، ويستريح من ثقله على أعصابه ! والأمر شاق ما في ذلك شك فهو لا يطلب إليه أن يرسل بابنه الوحيد إلى معركة . ولا يطلب إليه أن يكلفه أمراً تنتهي به حياته .. إنما يطلب إليه أن يتولى هو بيده . يتولى ماذا ؟ يتولى ذبحه .. وهو مع هذا يتلقى الأمر هذا التلقي ، ويعرض على ابنه هذا العرض ؛ ويطلب إليه أن يتروى في أمره ، وأن يرى فيه رأيه ! إنه لا يأخذ ابنه على غرة لينفذ إشارة ربه وينتهي . إنما يعرض الأمر عليه كالذي يعرض المألوف من الأمر . فالأمر في حسه هكذا : ربه يريد . فليكن ما يريد ، على العين والرأس ، وابنه ينبغي أن يعرف . وأن يأخذ الأمر طاعة وإسلاماً ، لا قهراً واضطراراً . لينال هو الآخر أجر الطاعة ، وليسلم هو الآخر ويتذوق حلاوة التسليم ! إنه يحب لابنه أن يتذوق لذة التطوع التي ذاقها ؛ وأن ينال الخير الذي يراه هو أبقى من الحياة وأقنى .. فماذا يكون من أمر الغلام ، الذي يعرض عليه الذبح ، تصديقاً لرؤيا رآها أبوه ؟ إنه يرتقي إلى الأفق الذي ارتقى إليه من قبل أبوه : « قال : يا أبت افعل ما تؤمر . ستجدني - إن شاء الله - من الصابرين ».. إنه يتلقى الأمر لا في طاعة واستسلام فحسب . ولكن في رضى كذلك وفي يقين .. « يا أبت ».. في مودة وقربى . فشبح الذبح لا يزعجه ولا يفزعه ولا يفقده رشده . بل لا يفقده أدبه ومودته . « افعل ما تؤمر » .. فهو يحس ما أحسه من قبل قلب أبيه . يحس أن الرؤيا إشارة . وأن الإشارة أمر . وأنها تكفي لكي يلبي وينفذ بغير لجلجة ولا تمحل ولا ارتياب . ثم هو الأدب مع الله ، ومعرفة حدود قدرته وطاقته في الاحتمال ؛ والاستعانة بربه على ضعفه ونسبة الفضل إليه في إعانته على التضحية ، ومساعدته على الطاعة : « ستجدني إن شاء الله من الصابرين ».. ولم يأخذها بطولة . ولم يأخذها شجاعة . ولم يأخذها اندفاعاً إلى الخطر دون مبالاة . ولم يظهر لشخصه ظلاً ولا حجماً ولا وزناً .. إنما أرجع الفضل كله لله إن هو أعانه على ما يطلب إليه ، وأصبره على ما يراد به : « ستجدني إن شاء الله من الصابرين ».. يا للأدب مع الله ! ويا لروعة الإيمان . ويالنبل الطاعة . ويا لعظمة التسليم ! ويخطو المشهد خطوة أخرى وراء الحوار والكلام .. يخطو إلى التنفيذ : « فلما أسلما وتله للجبين ».. ومرة أخرى يرتفع نبل الطاعة . وعظمة الإيمان . وطمأنينة الرضى وراء كل ما تعارف عليه بنو الإنسان .. إن الرجل يمضي فيكب ابنه على جبينه استعداداً . وإن الغلام يستسلم فلا يتحرك امتناعاً . وقد وصل الأمر إلى أن يكون عياناً . لقد أسلما .. فهذا هو الإسلام . هذا هو الإسلام في حقيقته . ثقة وطاعة وطمأنينة ورضى وتسليم .. وتنفيذ .. وكلاهما لا يجد في نفسه إلا هذه المشاعر التي لا يصنعها غير الإيمان العظيم . إنها ليست الشجاعة والجراءة . وليس الاندفاع والحماسة . لقد يندفع المجاهد في الميدان ، يقتل ويقتل . ولقد يندفع الفدائي وهو يعلم أنه قد لا يعود . ولكن هذا كله شيء والذي يصنعه إبراهيم وإسماعيل هنا شيء آخر .. ليس هنا دم فائر ، ولا حماسة دافعة ولا اندفاع في عجلة تخفي وراءها الخوف من الضعف والنكوص ! إنما هو الاستسلام الواعي المتعقل القاصد المريد ، العارف بما يفعل ، المطمئن لما يكون . لا بل هنا الرضى الهادئ المستبشر المتذوق للطاعة وطعمها الجميل ! وهنا كان إبراهيم وإسماعيل قد أديا . كانا قد أسلما . كانا قد حققا الأمر والتكليف . ولم يكن باقياً إلا أن يذبح إسماعيل ، ويسيل دمه ، وتزهق روحه .. وهذا أمر لا يعني شيئاً في ميزان الله ، بعدما وضع إبراهيم وإسماعيل في هذا الميزان من روحهما وعزمهما ومشاعرهما كل ما أراده منهما ربهما .. كان الابتلاء قد تم . والامتحان قد وقع . ونتائجه قد ظهرت . وغاياته قد تحققت . ولم يعد إلا الألم البدني . وإلا الدم المسفوح . والجسد الذبيح . والله لا يريد أن يعذب عباده بالابتلاء . ولا يريد دماءهم وأجسادهم في شيء . ومتى خلصوا له واستعدوا للأداء بكلياتهم فقد أدوا ، وقد حققوا التكليف ، وقد جازوا الامتحان بنجاح . وعرف الله من إبراهيم وإسماعيل صدقهما . فاعتبرهما قد أديا وحققا وصدقا : « وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا . إنا كذلك نجزي المحسنين . إن هذا لهو البلاء المبين . وفديناه بذبح عظيم ».. قد صدقت الرؤيا وحققتها فعلاً . فالله لا يريد إلا الإسلام والاستسلام بحيث لا يبقى في النفس ما تكنه عن الله أو تعزه عن أمره أو تحتفظ به دونه ، ولو كان هو الابن فلذة الكبد . ولو كانت هي النفس والحياة . وأنت يا إبراهيم قد فعلت . جدت بكل شيء . وبأعز شيء . وجدت به في رضى وفي هدوء وفي طمأنينة وفي يقين . فلم يبق إلا اللحم والدم . وهذا ينوب عنه ذبح . أي ذبح من دم ولحم ! ويفدي الله هذه النفس التي أسلمت وأدت . يفديها بذبح عظيم . قيل : إنه كبش وجده إبراهيم مهيأ بفعل ربه وإرادته ليذبحه بدلاً من إسماعيل ! وقيل له : « إنا كذلك نجزي المحسنين » .. نجزيهم باختيارهم لمثل هذا البلاء . ونجزيهم بتوجيه قلوبهم ورفعها إلى مستوى الوفاء . ونجزيهم بإقدارهم وإصبارهم على الأداء . ونجزيهم كذلك باستحقاق الجزاء ! ومضت بذلك سنة النحر في الأضحى ، ذكرى لهذا الحادث العظيم الذي يرتفع منارة لحقيقة الإيمان . وجمال الطاعة . وعظمة التسليم . والذي ترجع إليه الأمة المسلمة لتعرف فيه حقيقة أبيها إبراهيم ، الذي تتبع ملته ، والذي ترث نسبه وعقيدته . ولتدرك طبيعة العقيدة التي تقوم بها أو تقوم عليها ، ولتعرف أنها الاستسلام لقدر الله في طاعة راضية واثقة ملبية لا تسأل ربها لماذا ؟ ولا تتلجلج في تحقيق إرادته عند أول إشارة منه وأول توجيه . ولا تستبقي لنفسها في نفسها شيئاً ، ولا تختار فيما تقدمه لربها هيئة ولا طريقة لتقديمه إلا كما يطلب هو إليها أن تقدم ! ثم لتعرف أن ربها لا يريد أن يعذبها بالابتلاء ؛ ولا أن يؤذيها بالبلاء ، إنما يريد أن تأتيه طائعة ملبية وافية مؤدية . مستسلمة لا تقدم بين يديه ، ولا تتألى عليه ، فإذا عرف منها الصدق في هذا أعفاها من التضحيات والآلام( ) .
وقال تبارك وتعالى في كتابه الكريم عن الرؤيا الثانية : « إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ : يَا أَبَتِ ! إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ : يَا بُنَيَّ ! لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ، إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ، وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ، وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ، إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ »( ). قال الشعراوي : وهكذا تبدأ قصة يوسف ، حين يقول لأبيه يعقوب - عليهما السلام -: « يا أبت » ، وأصل الكلمة « يا أبي » ، ونجد في اللغة العربية كلمات « أبي » و « أبتِ » و « أبتَاهُ » و« أَبَة » وكلها تؤدي معنى الأبوة ، وإن كان لكل منها مَلْحظ لغوي . ويستمر يوسف في قوله : « يا أبت ! إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً والشمس والقمر رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ »( ). وكلنا رأينا الشمس والقمر ؛ كُلٌّ في وقت ظهوره ؛ لكن حلُم يوسف يُبيِّن أنه رآهما معاً ، وكلنا رأينا الكواكب متناثرة في السماء آلافاً لا حَصْرَ لها ، فكيف يرى يوسف أحد عشر كوكباً فقط ؟ لا بُدَّ أنهم اتصفوا بصفات خاصة ميَّزتهم عن غيرهم من الكواكب الأخرى ؛ وأنه قام بعدِّهِم . ورؤيا يوسف - عليه السلام - تبيِّن أنه رآهم شمساً وقمراً وأحد عشر كوكباً ؛ ثم رآهم بعد ذلك ساجدين . وهذا يعني أنه رآهم أولاً بصفاتهم التي نرى بها الشمس والقمر والنجوم بدون سجود ؛ ثم رآهم وهم ساجدون له ؛ بملامح الخضوع لأمر من الله ، ولذلك تكررت كلمة « رأيت » وهو ليس تكراراً ، بل لإيضاح الأمر . ونجد أن كلمة : « سَاجِدِينَ » وهي جمع مذكر سالم ؛ ولا يُجمع جَمْع المذكر السالم إلا إذا كان المفرد عاقلاً ، والعقل يتميز بقدرة الاختيار بين البدائل ؛ والعاقل المؤمن هو مَنْ يجعل اختياراته في الدنيا في إطار منهج الدين ، وأسْمَى ما في الخضوع للدين هو السجود لله . ومَنْ سجدوا ليوسف إنما سجدوا بأمر من الله ، فَهُم إذن يعقلون أمر الحق - سبحانه وتعالى - مثلهم في ذلك مَثَلْ ما جاء في قول الحق سبحانه : « إِذَا السمآء انشقت * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ »( ) هذه السماء تعقل أمر ربها الذي بناها . وقال عنها أنها بلا فُرُوجٍ : « أَفَلَمْ ينظروا إِلَى السمآء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ »( ) وهي أيضاً تسمع أمر ربها ، مصداقاً لقوله سبحانه : « وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ »( ). أي : أنها امتلكت حاسة السمع ؛ لأن « أذنت » من الأذن ؛ وكأنها بمجرد سماعها لأمر الله ؛ تنفعل وتنشق . وهكذا نجد أن كل عَالَم من عوالم الكون أُمَم مثل أمة البشر ، ويتفاهم الإنسان مع غيره من البشر ممَّن يشتركون معه في اللغة ، وقد يتفاهم مع البشر أمثاله ممن لا يعرف لغتهم بالإشارة ، أو من خلال مُترجم ، أو من خلال تعلُّم اللغة نفسها . ولكن الإنسان لا يفهم لغة الجماد ، أو لغة النبات ، أو لغة الحيوان ؛ إلا إذا أنعم الله على عبد بأن يفهم عن الجماد ، أو أن يفهم الجماد عنه . والمثل : هو تسبيح الجبال مع داود ، ويُشكِّل تسبيحه مع تسبيحها « جوقة » من الانسجام مُكَوَّن من إنسان مُسبِّح ؛ هو أعلى الكائنات ، والمُردِّد للتسبيح هي الجبال ، وهي من الجماد أدنى الكائنات . ونحن نعلم أن كل الكائنات تُسبِّح ، لكننا لا نفقه تسبيحها ، ولكن الحق سبحانه يختار من عباده مَنْ يُعلِّمه مَنْطِق الكائنات الأخرى ، مثلما قال سبحانه عن سليمان : « وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ : يا أيها الناس ! عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطير .. »( ) وهكذا عَلِمْنا أن للطير منطقاً . وعلَّم الحقُّ سبحانه سليمان لغة النمل ؛ لأننا نقرأ قول الحق : « حتى إِذَآ أَتَوْا على وَادِ النمل قَالَتْ نَمْلَةٌ : يا أيها النمل ادخلوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ : رَبِّ أوزعني أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعلى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصالحين »( ). إذن : فلكُلِّ أُمَّة من الكائنات لغة ، وهي تفهم عن خالقها ، أو مَنْ أراد له الله - سبحانه وتعالى - أن يفهم عنها ، وبهذا نعلم أن الشمس والقمر والنجوم حين سجدتْ بأمر ربها ليوسف في رؤياه ؛ إنما فهمتْ عن أمر ربها . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : « قَالَ : يا بني » . وحين يُورِد القرآن خطاب أب لابن لا نجد قوله « يا بني » وهو خطابُ تحنينٍ ، ويدل على القرب من القلب ، و« بُني » تصغير « ابن » . أما حين يأتي القرآن بحديث أب عن ابنه فهو يقول « ابني » مثل قول الحق - سبحانه - عن نوح يتحدث عن ابنه الذي اختار الكفر على الإيمان : « إِنَّ ابني مِنْ أَهْلِي »( ). وكلمة « يا بني » بما فيها من حنان وعطف ؛ ستفيدنا كثيراً فيما سوف يأتي من مواقف يوسف ؛ ومواقف أبيه منه . وقول يعقوب ليوسف « يا بني » يُفْهم منه أن يوسف - عليه السلام - ما زال صغيراً ، فيعقوب هو الأصل ، ويوسف هو الفرع ، والأصل دائماً يمتلئ بالحنان على الفرع ، وفي نفس الوقت نجد أيَّ أب يقول : مَنْ يأكل لقمتي عليه أن يسمع كلمتي . وقول الأب : يا بني ، يفهم منه أن الابن ما زال صغيراً ، ليست له ذاتية منفصلة عن الأب ليقرر بها ما هو المناسب ، وما هو غير المناسب . وحين يفزع يوسف مما يُزعِجه أو يُسيء إليه ؛ أو أي أمر مُعْضَل ؛ فهو يلجأ إلى مَنْ يحبه ؛ وهو الأب ؛ لأن الأب هو الأقدر في نظر الابن - على مواجهة الأمور الصعبة . وحين روى يوسف - عليه السلام - الرؤيا لأبيه ؛ قال يعقوب - عليه السلام -: « قَالَ : يا بني ! لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ على إِخْوَتِكَ »( ). ونفهم من كلمة « رؤيا » أنها رؤيا منامية ؛ لأن الشمس والقمر والنجوم لا يسجدون لأحد ، وهذا ما يوضح لنا دقة اللغة العربية ، فكلمة واحدة هي « رأى » قد يختلف المعنى لها باختلاف ما رُؤيَ ؛ فرؤيتك وأنت يقظانُ يُقال عنها « رؤية » ؛ ورؤيتك وأنت نائم يُقال عنها « رؤيا » . والرؤية مصدر مُتفق عليه من الجميع : فأنت ترى ما يراه غيرك ؛ وأما « الرؤيا » فهي تأتي للنائم . وهكذا نجد الالتقاء في « رأى » والاختلاف في الحالة ؛ هل هي حالة النوم أو حالة اليقظة . وفي الإعراب كلاهما مؤنث ؛ لأن علامة التأنيث إما : « تاء » ، أو « ألف ممدودة » ، أو « ألف مقصورة » . وأخذت الرؤية الحقيقية التي تحدث في اليقظة « التاء » وهي عمدة التأنيث ؛ أما الرؤيا المنامية فقد أخذت ألف التأنيث . ولا يقدح في كلمة « رؤيا » أنها منامية إلا آية واحدة في القرآن حيث تحدث الحق سبحانه عن لحظة أن عُرِجَ به - صلى الله عليه وسلم - فقال : « وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا التي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ »( ) ولكن من يقولون : « إنها رؤيا منامية » لم يفقهوا المعنى وراء هذا القول ؛ فالمعنى هو : إن ما حدث شيء عجيب لا يحدث إلا في الأحلام ، ولكنه حدث في الواقع ؛ بدليل أنه قال عنها : أنها « فتنة للناس » . فالرسول - صلى الله عليه وسلم - لو كان قد قال إنها رؤيا منامية لما كذَّبه أحد فيما قال : لكنه أعلن أنها رؤيا حقيقية ؛ لذلك عَبّر عنها القرآن بأنها فتنة للناس . وهنا يقول يعقوب - عليه السلام -: « قَالَ : يا بني لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ على إِخْوَتِكَ .. »( ). لأن يعقوب - عليه السلام - كأب مأمونٌ على ابنه يوسف ؛ أما إخوة يوسف فهم غير مأمونين عليه ، وحين يقصُّ يوسف رؤياه على أبيه ، فهو سينظر إلى الصالح ليوسف ويدلُّه عليه . أما إن قصَّ الرؤيا على إخوته ؛ فقد تجعلهم الأغيار البشرية يحسدون أخاهم ، وقد كان . وإن تساءل أحد : ولماذا يحسدونه على رؤيا منامية ، رأى فيها الشمس والقمر وأحدَ عشرَ كوكباً يسجدون له ؟ نقول : لا بُدَّ أن يعقوب - عليه السلام - قد عَلِم تأويل الرُّؤيا : وأنها نبوءة لأحداث سوف تقع ؛ ولا بُدَّ أن يعقوب - عليه السلام - قد علم أيضاً قدرة إخوة يوسف على تأويل تلك الرؤيا ، ولو قالها يوسف لهم لَفهِموا المقصود منها ، ولا بُدَّ حينئذ أن يكيدوا له كيداً يُصيبه بمكروه . فهم قد أصابهم الضيق من يوسف وهو ما زال طفلاً ، فما باله بضيقهم إنْ عَلِموا مثل هذه الرؤيا التي يسجد له فيها الأب والأم مع الإخوة . ولا يعني ذلك أن نعتبر إخوة يوسف من الأشرار؛ فهم الأسباط ؛ وما يصيبهم من ضيق بسبب عُلُو عاطفة الأب تجاه يوسف هو من الأغيار التي تصيب البشر ، فهم ليسوا أشراراً بالسَّليقة ؛ لأن الشرير بالسَّليقة تتصاعد لديه حوادثُ السوء ، أما الخيِّر فتتنزَّل عنده حوادث السوء . والمثال على ذلك : أنك قد تجد الشرير يرغب في أن يصفع إنساناً آخر صفعة على الخَدِّ ؛ ولكنه بعد قليل يفكر في تصعيد العدوان على ذلك الإنسان ، فيفكر أن يصفعه صفعتين بدلاً من صفعة واحدة ؛ ثم يرى أن الصفعتين لا تكفيان ؛ فيرغب أن يُزيد العدوان بأن يصوِّب عليه مسدساً ؛ وهكذا يُصعِّد الشرير تفكيره الإجرامي . أما الخَيِّر فهو قد يفكر في ضرب إنسان أساء إليه « علقة » ؛ ولكنه يُقلِّل من التفكير في رَدِّ الاعتداء بأن يكتفي بالتفكير في ضربه صفعتين بدلاً من « العلقة » ، ثم يهدأ قليلاً ويعفو عَمَّنْ أساء إليه . وإخوة يوسف وهم الأسباط بدأوا في التفكير بانتقام كبير من يوسف ، فقالوا لبعضهم : « اقتلوا يُوسُفَ ..»( ). ثم هبطوا عن هذه الدرجة المُؤْلمة من تعبيرهم عن الغيرة من زيادةِ محبة أبيهم ليوسف ، فقالوا : « أَوِ اطرحوه أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ »( ). وحينما أرادوا أن يطرحوه أرضاً ترددوا ؛ واستبدلوا ذلك بإلقائه في الجُبِّ لعل أن يلتقطه بعض السيَّارة . فقالوا : « وَأَلْقُوهُ فِي غيابت الجب يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السيارة »( ). وهذا يدل على أنهم تنزَّلوا عن الانتقام الشديد بسبب الغيرة ؛ بل إنهم فكروا في نجاته . وفي الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها يقول الحق سبحانه : « لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ على إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً .. »( ). والكيد : احتيال مستور لمَنْ لا تقوى على مُجَابهته ، ولا يكيد إلا الضعيف ؛ لأن القوي يقدر على المواجهة . ولذلك يُقَال : إن كيد النساء عظيم ؛ لأن ضعفهن أعظم . ويُذيِّل الحق سبحانه الآية الكريمة بقوله : « إِنَّ الشيطان لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ »( ). وهذه العداوة معروفة لنا تماماً ؛ لأنه خرج من الجنة ملعوناً مطروداً ؛ عكس آدم الذي قَبِل الله توبته ؛ وقد أقسم الشيطان بعزة الله لَيُغْوِينَّ الكُلَّ ، واستثنى عبادَ اللهِ المخلصين . ولذلك يقول - صلى الله عليه وسلم -: « لقد أعانني الله على شيطاني فأسلم »( ). ويصف الحق سبحانه عداوة الشيطان للإنسان أنها عداوةٌ مُبينة . أي : محيطة . وحين نقرأ القرآن نجد إحاطة الشيطان للإنسان فيها يقظة : « ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ »( ) ولم يأت ذِكْر للمجيء من الفوقية أو من التحتية ؛ لأن مَنْ يحيا في عبودية تَحتية ؛ وعبادية فوقية ؛ لا يأتيه الشيطان أبداً . ونلحظ أن الحق سبحانه جاء بقول يعقوب - عليه السلام - مخاطباً يوسف - عليه السلام - في هذه الآية : « فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً »( ) ، ولم يقل : فيكيدوك ، وهذا من نَضْح نبوة يعقوب - عليه السلام - على لسانه ؛ لأن هناك فارقاً بين العبارتين ، فقول : « يكيدوك » يعني أن الشرَّ المستور الذي يدبرونه ضدك سوف يصيبك بأذى . أما « فَيَكِيدُواْ لَكَ »( ) فتعني أن كيدهم الذي أرادوا به إلحاق الشر بك سيكون لحسابك ، ويأتي بالخير لك . ولذلك نجد قوله الحق في موقع آخر بنفس السورة : « كذلك كِدْنَا لِيُوسُفَ .. »( ) أي : كدنا لصالحه . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : « وكذلك يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ .. » أي : كما آنسَك الله بهذه الرؤيا المُفْرحة المُنْبِئة بأنه سيكون لك شأن كبير بالنسبة لإخوتك وبالنسبة لأبيك ، فلسوف يجتبيك ربك ؛ لا بأن يحفظك فقط ؛ ولكن بأن يجعل كيدهم سبباً لصالحك ، ويُعلِّمك من تأويل الأحاديث ما يجعل أصحابَ الجاهِ والنفوذ يلتفتون إليك . ومعنى تأويل الشيء أي معرفة ما يؤول إليه الشيء ، ونعلم أن الرُّؤى تأتي كطلاسم ، ولها شَفرة رمزية لا يقوم بِحلِّها إلا مَنْ وهبه الله قدرة على ذلك ؛ فهي ليست عِلْماً له قواعد وأصول ؛ لأنها إلهامات من الله سبحانه وتعالى . وبعد ذلك تصير يا يوسف على خزائن الأرض ؛ حين يُوجد الجَدْبُ ، ويعُمُّ المنطقة كلها ، وتصبح عزيز مصر . ويتابع الحق سبحانه : « وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ .. »( ) . فكل ما تَمَتَّع به يوسف هو من نعم الدنيا ، وتاج نعمة الدنيا أن الله اجتباه رسولاً . أو أن : « وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ .. »( ). بمعنى ألا تسلب منك النعمة أبداً ؛ ففي حياة يوسف منصبٌ مهم ، هو منصب عزيز مصر ، والمناصب من الأغيار التي يمكن أن تنزع . أو أن : « وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ .. »( ). بأن يصل نعيم دنياك بنعيم أُخْراك . ويتابع الحق سبحانه : « وعلى آلِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَآ على أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ »( ). يُذكِّر الحق سبحانه يوسف - عليه السلام - بأن كيد إخوته له لا يجب أن يُحوِّله إلى عداوة ؛ لأن النِّعم ستتم أيضاً على هؤلاء فهم آلُ يعقوب ؛ هم وأبناؤهم حَفَدة يعقوب ، وسينالهم بعضٌ من عِزِّ يوسف وجاهه وماله ، كما أتمَّها من قبل على إبراهيم الجد الأول ليوسف باتخاذه خليلا لله ، وأتمَّ سبحانه نعمته على إسحق بالنبوة . وهو سبحانه أعلمُ بمَنْ يستحق حمْل الرسالة ، وهو الحكيم الذي لا يترك شيئاً للعبث ؛ فهو المُقدِّر لكل أمر بحيث يكون مُوافِقاً للصواب( ) .
الباحث : محمود بن سعيد الشيخ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تابع جبل الشيح - جبل الرؤى - 2
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تابع جبل الشيح - جبل الرؤى - 1
» تابع جبل الشيح - جبل الرؤى - 3
» تابع جبل الشيح - جبل الرؤى - 4
» تابع جبل الشيح - جبل بعل جاد
» تابع جبل الشيح - جبل الجليل - 3

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
قطنا :: المنتديات العامة :: شخصيات لها تاريخ-
انتقل الى: