قطنا
مرحبا بك في منتديات قطنا الثقافية و العلمية
و نشكر زيارتكم
ولتتمكن من الإستمتاع بكافة ما يوفره لك هذا المنتدى من خصائص, يجب عليك أن تسجل الدخول الى حسابك في المنتدى. إن لم يكن لديك حساب بعد, نتشرف بدعوتك لإنشائه.
و يرجى الانتباه بادخال الايميل الصحيح لانه عند التسجيل ستصلك رسالة تفعيل رمز الدخول الى بريدك الالكتروني و بعد التفعيل ستتمكن من الدخول بالاسم و كلمة المرور التي ادخلتها
كما ندعوكم لزيارة موقعنا قطنا نت www.qatana.net
قطنا
مرحبا بك في منتديات قطنا الثقافية و العلمية
و نشكر زيارتكم
ولتتمكن من الإستمتاع بكافة ما يوفره لك هذا المنتدى من خصائص, يجب عليك أن تسجل الدخول الى حسابك في المنتدى. إن لم يكن لديك حساب بعد, نتشرف بدعوتك لإنشائه.
و يرجى الانتباه بادخال الايميل الصحيح لانه عند التسجيل ستصلك رسالة تفعيل رمز الدخول الى بريدك الالكتروني و بعد التفعيل ستتمكن من الدخول بالاسم و كلمة المرور التي ادخلتها
كما ندعوكم لزيارة موقعنا قطنا نت www.qatana.net
قطنا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
قطنا

منتدى مدينة قطنا
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  
"وقـل اعمـلوا فسـيرى الله عـملكم ورسـوله والمؤمنـون"    

 

 تابع جبل الشيح - جبل الرؤى - 3

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو محمد الشيخ
عضو فعال
عضو فعال
avatar


المزاج : قطنا
ذكر
عدد المساهمات : 111
نقاط : 331
تاريخ الميلاد : 30/01/1948
العمر : 76
تاريخ التسجيل : 08/11/2010
مكان الإقامة : سوريا-قطنا

تابع جبل الشيح - جبل الرؤى - 3 Empty
مُساهمةموضوع: تابع جبل الشيح - جبل الرؤى - 3   تابع جبل الشيح - جبل الرؤى - 3 Emptyالخميس يوليو 12, 2012 1:30 am

تابع جبل الشيح - جبل الرؤى - 3
وقال الله تعالى في كتابه الكريم عن الرؤيا الثالثة : « إِذْ وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ، قَالَ أَحَدُهُمَا : إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا . وَقَالَ الْآَخَرُ : إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا ، تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ . نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ، ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ، إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ، وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ، مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ، ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ! أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ ، أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ؟ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ ، مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ . إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ، أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ، ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ! أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ، وَأَمَّا الْآَخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ . قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ * وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا : اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ . فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ ، فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ »( ). قال الأديب : وهذه هي الحلقة الثالثة والمحنة الثالثة والأخيرة من محن الشدة في حياة يوسف ؛ فكل ما بعدها رخاء ، وابتلاء لصبره على الرخاء ، بعد ابتلاء صبره على الشدة . والمحنة في هذه الحلقة هي محنة السجن بعد ظهور البراءة . والسجن للبريء المظلوم أقسى ، وإن كان في طمأنينة القلب بالبراءة تعزية وسلوى . وفي فترة المحنة هذه تتجلى نعمة الله على يوسف ، بما وهبه من علم لدني بتعبير الرؤيا وبعض الغيب القريب الذي تبدو أوائله فيعرف تأويله . ثم تتجلى نعمة الله عليه أخيراً بإعلان براءته الكاملة إعلاناً رسمياً بحضرة الملك ، وظهور مواهبه التي تؤهله لما هو مكنون له في عالم الغيب من مكانة مرموقة وثقة مطلقة ، وسلطان عظيم . « ثم بدا لهم من بعدما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين ».. وهكذا جو القصور ، وجو الحكم المطلق ، وجو الأوساط الأرستقراطية ، وجو الجاهلية ! فبعد أن رأوا الآيات الناطقة ببراءة يوسف . وبعد أن بلغ التبجح بامرأة العزيز أن تقيم للنسوة حفل استقبال تعرض عليهن فتاها الذي شغفها حباً ، ثم تعلن لهم أنها به مفتونة حقاً ، ويفتتن هن به ويغرينه ، بينما هو يلجأ إلى ربه ليغيثه منها وينقذه ، والمرأة تعلن في مجتمع النساء دون حياء أنه إما أن يفعل ما يؤمر به ، وإما أن يلقى في السجن والصغار ، فيختار السجن على ما يؤمر به ! بعد هذا كله ، بدا لهم أن يسجنوه إلى حين ! وهنا يسقط السياق أن التأويل قد تحقق ، وأن الأمر قد قضي على ما أوله يوسف . ويترك هنا فجوة ، نعرف منها أن هذا كله قد كان . ولكن الذي ظن يوسف أنه ناج فنجا فعلاً لم ينفذ الوصية ، ذلك أنه نسي الدرس الذي لقنه له يوسف ، ونسي ذكر ربه في زحمة حياة القصر وملهياتها وقد عاد إليها ، فنسي يوسف وأمره كله .. « فأنساه الشيطان ذكر ربه » . « فلبث في السجن بضع سنين » . والضمير الأخير في لبث عائد على يوسف . وقد شاء ربه أن يعلمه كيف يقطع الأسباب كلها ويستمسك بسببه وحده ، فلم يجعل قضاء حاجته على يد عبد ولا سبب يرتبط بعبد . وكان هذا من اصطفائه وإكرامه . إن عباد الله المخلصين ينبغي أن يخلصوا له سبحانه ، وأن يدعوا له وحده قيادهم ، ويدعوا له سبحانه تنقيل خطاهم . وحين يعجزون بضعفهم البشري في أول الأمر عن اختيار هذا السلوك ، يتفضل الله سبحانه فيقهرهم عليه حتى يعرفوه ويتذوقوه ويلتزموه بعد ذلك طاعة ورضى وحباً وشوقاً .. فيتم عليهم فضله بهذا كله .. والآن نحن في مجلس الملك ، وقد رأى رؤيا أهمته ، فهو يطلب تأويلها من رجال الحاشية ومن الكهنة والمتصلين بالغيبيات : « وقال الملك : إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف ، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات . يا أيها الملأ ! أفتوني في رؤياي ، إن كنتم للرؤيا تعبرون . قالوا : أضغاث أحلام ، وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين » .. طلب الملك تأويل رؤياه . فعجز الملأ من حاشيته ومن الكهنة عن تأويلها ، أو أحسوا أنها تشير إلى سوء لم يريدوا أن يواجهوا به الملك على طريقة رجال الحاشية في إظهار كل ما يسر الحكام وإخفاء ما يزعجهم . وصرف الحديث عنه ! فقالوا : إنها « أضغاث أحلام » أي أخلاط أحلام مضطربة وليست رؤيا كاملة تحتمل التأويل . « وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين » .. إذا كانت أضغاثاً مختلطة لا تشير إلى شيء ! والآن لقد مرت بنا رؤى ثلاث : رؤيا يوسف ، ورؤيا صاحبي السجن ، ورؤيا الملك . وطلب تأويلها في كل مرة ، والاهتمام بها يعطينا صورة من جو العصر كله في مصر وخارج مصر- كما أسلفنا - وأن الهبة اللدنية التي وهبها يوسف كانت من روح العصر وجَوِّه ، على ما نعهد في معجزات الأنبياء ، فهل كانت هذه هي معجزة يوسف ؟ ولكن هذا بحث ليس مكانه هذه الظلال . فنكمل حديث رؤيا الملك الآن ! هنا تذكر أحد صاحبيه في السجن ، الذي نجا منهما وأنساه الشيطان ذكر ربه ، وذكر يوسف في دوامة القصر والحاشية والعصر والخمر والشراب .. هنا تذكر الرجل الذي أوّلَ له رؤياه ورؤيا صاحبه ، فتحقق التأويل : « وقال الذي نجا منها وادكّر بعد أمة : أنا أنبئكم بتأويله ، فأرسلون » ! أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون .. ويسدل الستار هنا ، ليرفع في السجن على يوسف وصاحبه هذا يستفتيه : ولعل المرأة كانت قد يئست من محاولاتها بعد التهديد ؛ ولعل الأمر كذلك قد زاد انتشاراً في طبقات الشعب الأخرى .. وهنا لا بد أن تحفظ سمعة « البيوتات » ! وإذا عجز رجال البيوتات عن صيانة بيوتهن ونسائهن ، فإنهم ليسوا بعاجزين عن سجن فتى بريء كل جريمته أنه لم يستجب ، وأن امرأة من « الوسط الراقي ! » قد فتنت به ، وشهرت بحبه ، ولاكت الألسن حديثها في الأوساط الشعبية ! « ودخل معه السجن فتيان » .. سنعرف من بعد أنهما من خدم الملك الخواص .. ويختصر السياق ما كان من أمر يوسف في السجن ، وما ظهر من صلاحه وإحسانه ، فوجه إليه الأنظار ، وجعله موضع ثقة المساجين ، وفيهم الكثيرون ممن ساقهم سوء الطالع مثله للعمل في القصر أو الحاشية ، فغضب عليهم في نزوة عارضة ، فألقي بهم في السجن .. يختصر السياق هذا كله ليعرض مشهد يوسف في السجن وإلى جواره فتيان أنسا إليه ، فهما يقصان عليه رؤيا رأياها . ويطلبان إليه تعبيرها ، لما يتوسمانه فيه من الطيبة والصلاح وإحسان العبادة والذكر والسلوك : « قال أحدهما : إني أراني أعصر خمراً ؛ وقال الآخر : إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه نبئنا بتأويله ، إنا نراك من المحسنين » . وينتهز يوسف هذه الفرصة ليبث بين السجناء عقيدته الصحيحة ؛ فكونه سجيناً لا يعفيه من تصحيح العقيدة الفاسدة والأوضاع الفاسدة ، القائمة على إعطاء حق الربوبية للحكام الأرضيين ، وجعلهم بالخضوع لهم أرباباً يزاولون خصائص الربوبية ، ويصبحون فراعين ! ويبدأ يوسف مع صاحبي السجن من موضوعهما الذي يشغل بالهما ، فيطمئنهما ابتداء إلى أنه سيؤول لهم الرؤى ، لأن ربه علمه علماً لدنياً خاصاً ، جزاء على تجرده لعبادته وحده ، وتخلصه من عبادة الشركاء . هو وآباؤه من قبله .. وبذلك يكسب ثقتهما منذ اللحظة الأولى بقدرته على تأويل رؤياهما ، كما يكسب ثقتهما كذلك لدينه : « قال : لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ، ذلكما مما علمني ربي . إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله ، وهم بالآخرة هم كافرون . واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء . ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ، ولكن أكثر الناس لا يشكرون ».. ويبدو في طريقة تناول يوسف للحديث لطف مدخله إلى النفوس ، وكياسته وتنقله في الحديث في رفق لطيف .. وهي سمة هذه الشخصية البارزة في القصة بطولها .. « قال : لا يأتيكما طعام ترزقانه ، إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ، ذلكما مما علمني ربي » .. بهذا التوكيد الموحي بالثقة بأن الرجل على علم لدني ، يرى به مقبل الرزق وينبئ بما يرى . وهذا فوق دلالته على هبة الله لعبده الصالح يوسف وهي كذلك بطبيعة الفترة وشيوع النبوءات فيها والرؤى وقوله : « ذلكما مما علمني ربي » تجيء في اللحظة المناسبة من الناحية النفسية ليدخل بها إلى قلبيهما بدعوته إلى ربه ؛ وليعلل بها هذا العلم اللدني الذي سيؤول لهما رؤياهما عن طريقه . « إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله ، وهم بالآخرة هم كافرون » .. مشيراً بهذا إلى القوم الذي ربي فيهم ، وهم بيت العزيز وحاشية الملك والملأ من القوم والشعب الذي يتبعهم . والفتيان على دين القوم ، ولكنه لا يواجههما بشخصيتهما ، إنما يواجه القوم عامة كي لا يحرجهما ولا ينفرهما وهي كياسة وحكمة ولطافة حس وحسن مدخل . وذكر الآخرة هنا في قول يوسف يقرر كما قلنا من قبل أن الإيمان بالآخرة كان عنصراً من عناصر العقيدة على لسان الرسل جميعاً ؛ منذ فجر البشرية الأول ؛ ولم يكن الأمر كما يزعم علماء الأديان المقارنة أن تصور الآخرة جاء إلى العقيدة بجملتها متأخراً .. لقد جاء إلى العقائد الوثنية الجاهلية متأخراً فعلاً ، ولكنه كان دائماً عنصراً أصيلاً في الرسالات السماوية الصحيحة . ثم يمضي يوسف بعد بيان معالم ملة الكفر ليبين معالم ملة الإيمان التي يتبعها هو وآباؤه : « واتبعت ملة آبائي : إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء » .. فهي ملة التوحيد الخالص الذي لا يشرك بالله شيئاً قط .. والهداية إلى التوحيد فضل من الله على المهتدين ، وهو فضل في متناول الناس جميعاً لو اتجهوا إليه وأرادوه . ففي فطرتهم أصوله وهواتفه ، وفي الوجود من حولهم موحياته ودلائله ، وفي رسالات الرسل بيانه وتقريره . ولكن الناس هم الذين لا يعرفون هذا الفضل ولا يشكرونه : « ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ، ولكن أكثر الناس لا يشكرون » .. مدخل لطيف .. وخطوة خطوة في حذر ولين .. ثم يتوغل في قلبيهما أكثر وأكثر ، ويفصح عن عقيدته ودعوته إفصاحاً كاملاً ، ويكشف عن فساد اعتقادهما واعتقاد قومهما ، وفساد ذلك الواقع النكد الذي يعيشون فيه .. بعد ذلك التمهيد الطويل : « يا صاحبي السجن ، أأرباب متفرقون خير؟ أم الله الواحد القهار؟ ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ، ما أنزل الله بها من سلطان . إن الحكم إلا لله . أمر ألا تعبدوا إلا إياه . ذلك الدين القيم . ولكن أكثر الناس لا يعلمون » .. لقد رسم يوسف - عليه السلام - بهذه الكلمات القليلة الناصعة الحاسمة المنيرة ، كل معالم هذا الدين ، وكل مقومات هذه العقيدة . كما هز بها كل قوائم الشرك والطاغوت والجاهلية هزاً شديداً عنيفاً .. « يا صاحبي السجن ، أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار؟ » .. إنه يتخذ منهما صاحبين ، ويتحبب إليهما هذه الصفة المؤنسة ، ليدخل من هذا المدخل إلى صلب الدعوة وجسم العقيدة . وهو لا يدعوهما إليها دعوة مباشرة ، إنما يعرضها قضية موضوعية : « أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار؟ » .. وهو سؤال يهجم على الفطرة في أعماقها ويهزها هزاً شديداً .. إن الفطرة تعرف لها إلهاً واحداً ففيم إذن تعدد الأرباب ؟ .. إن الذي يستحق أن يكون رباً يعبد ويطاع أمره ويتبع شرعه هو الله الواحد القهار . ومتى توحد الإله وتقرر سلطانه القاهر في الوجود فيجب تبعاً لذلك أن يتوحد الرب وسلطانه القاهر في حياة الناس . وما يجوز لحظة واحدة أن يعرف الناس أن الله واحد ، وأنه هو القاهر ، ثم يدينوا لغيره ويخضعوا لأمره ، ويتخذوا بذلك من دون الله ربًّا .. إن الرب لا بد أن يكون إلهاً يملك أمر هذا الكون ويسيره . ولا ينبغي أن يكون العاجز عن تسيير أمر هذا الكون كله رباً للناس يقهرهم بحكمه ، وهو لا يقهر هذا الكون كله بأمره ! والله الواحد القهار خير أن يدين العباد لربوبيته من أن يدينوا للأرباب المتفرقة الأهواء الجاهلة القاصرة العمياء عن رؤية ما وراء المنظور القريب ، كالشأن في كل الأرباب إلا الله ، وما شقيت البشرية قط شقاءها بتعدد الأرباب وتفرقهم ، وتوزع العباد بين أهوائهم وتنازعهم .. فهذه الأرباب الأرضية التي تغتصب سلطان الله وربوبيته ؛ أو يعطيها الجاهليون هذا السلطان تحت تأثير الوهم والخرافة والأسطورة ، أو تحت تأثير القهر أو الخداع أو الدعاية ! هذه الأرباب الأرضية لا تملك لحظة أن تتخلص من أهوائها ، ومن حرصها على ذواتها وبقائها ، ومن الرغبة الملحة في استبقاء سلطانها وتقويته ، وفي تدمير كل القوى والطاقات التي تهدد ذلك السلطان من قريب أو من بعيد ؛ وفي تسخير تلك القوى والطاقات في تمجيدها والطبل حولها والزمر والنفخ فيها كي لا تذبل ولا تنفثىء نفختها الخادعة ! والله الواحد القهار في غنى عن العالمين ؛ فهو سبحانه لا يريد منهم إلا التقوى والصلاح والعمل والعمارة وفق منهجه فيعدّ لهم هذا كله عبادة . وحتى الشعائر التي يفرضها عليهم إنما يريد بها إصلاح قلوبهم ومشاعرهم ، لإصلاح حياتهم وواقعهم . . وإلا فما أغناه سبحانه عن عباده أجمعين ! « يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله ، والله هو الغني الحميد » ففرق بين الدينونة لله الواحد القهار والدينونة للأرباب المتفرقة بعيد ! ثم يخطو يوسف - عليه السلام -خطوة أخرى في تفنيد عقائد الجاهلية وأوهامها الواهية : « ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان » .. إن هذه الأرباب سواء كانت من البشر أم من غير البشر من الأرواح والشياطين والملائكة والقوى الكونية المسخرة بأمر الله ليست من الربوبية في شيء ، وليس لها من حقيقة الربوبية شيء . فالربوبية لا تكون إلا لله الواحد القهار؛ الذي يخلق ويقهر كل العباد .. ولكن البشر في الجاهليات المتعددة الأشكال والأوضاع يسمون من عند أنفسهم أسماء ، ويخلعون عليها صفات ، ويعطونها خصائص ؛ وفي أول هذه الخصائص خاصية الحكم والسلطان .. والله لم يجعل لها سلطاناً ، ولم ينزل بها من سلطان .. وهنا يضرب يوسف - عليه السلام - ضربته الأخيرة الحاسمة فيبين : لمن ينبغي أن يكون السلطان ! لمن ينبغي أن يكون الحكم ! لمن ينبغي أن تكون الطاعة .. أو بمعنى آخر لمن ينبغي أن تكون « العبادة » ! « إن الحكم إلا لله . أمر ألا تعبدوا إلا إياه . ذلك الدين القيم . ولكن أكثر الناس لا يعلمون » .. إن الحكم لا يكون إلا لله . فهو مقصور عليه سبحانه بحكم ألوهيته . إذ الحاكمية من خصائص الألوهية . من ادعى الحق فيها فقد نازع الله سبحانه أولى خصائص ألوهيته ؛ سواء ادعى هذا الحق فرد ، أو طبقة ، أو حزب . أو هيئة ، أو أمة ، أو الناس جميعاً في صورة منظمة عالمية . ومن نازع الله سبحانه أولى خصائص ألوهيته وادعاها فقد كفر بالله كفراً بواحاً ، يصبح به كفره من المعلوم من الدين بالضرورة ، حتى بحكم هذا النص وحده ! وادعاء هذا الحق لا يكون بصورة واحدة هي التي تخرج المدعي من دائرة الدين القيم ، وتجعله منازعاً لله في أولى خصائص ألوهيته سبحانه فليس من الضروري أن يقول : ما علمت لكم من إله غيري ؛ أو يقول : أنا ربكم الأعلى ، كما قالها فرعون جهرة . ولكنه يدعي هذا الحق وينازع الله فيه بمجرد أن ينحي شريعة الله عن الحاكمية ؛ ويستمد القوانين من مصدر آخر . وبمجرد أن يقرر أن الجهة التي تملك الحاكمية ، أي التي تكون هي مصدر السلطات ، جهة أخرى غير الله سبحانه .. ولو كان هو مجموع الأمة أو مجموع البشرية . والأمة في النظام الإسلامي هي التي تختار الحاكم فتعطيه شرعية مزاولة الحكم بشريعة الله ؛ ولكنها ليست هي مصدر الحاكمية التي تعطي القانون شرعيته . إنما مصدر الحاكمية هو الله . وكثيرون حتى من الباحثين المسلمين يخلطون بين مزاولة السلطة وبين مصدر السلطة . فالناس بجملتهم لا يملكون حق الحاكمية إنما يملكه الله وحده . والناس إنما يزاولون تطبيق ما شرعه الله بسلطانه ، أما ما لم يشرعه الله فلا سلطان له ولا شرعية ، وما أنزل الله به من سلطان .. ويوسف - عليه السلام - يعلل القول بأن الحكم لله وحده . فيقول : « أمر ألا تعبدوا إلا إياه » . ولا نفهم هذا التعليل كما كان يفهمه الرجل العربي إلا حين ندرك معنى « العبادة » التي يخص بها الله وحده .. إن معنى عبد في اللغة : دان ، وخضع ، وذل .. ولم يكن معناه في الاصطلاح الإسلامي في أول الأمر أداء الشعائر .. إنما كان هو معناه اللغوي نفسه .. فعندما نزل هذا النص أول مرة لم يكن شيء من الشعائر قد فرض حتى ينطلق اللفظ إليه . إنما كان المقصود هو معناه اللغوي الذي صار هو معناه الاصطلاحي . كان المقصود به هو الدينونة لله وحده ، والخضوع له وحده ، واتباع أمره وحده . سواء تعلق هذا الأمر بشعيرة تعبدية ، أو تعلق بتوجيه أخلاقي ، أو تعلق بشريعة قانونية . فالدينونة لله وحده في هذا كله هي مدلول العبادة التي خص الله سبحانه بها نفسه ؛ ولم يجعلها لأحد من خلقه .. وحين نفهم معنى العبادة على هذا النحو نفهم لماذا جعل يوسف - عليه السلام - اختصاص الله بالعبادة تعليلاً لاختصاصه بالحكم . فالعبادة أي الدينونة لا تقوم إذا كان الحكم لغيره .. وسواء في هذا حكمه القدري القهري في حياة الناس وفي نظام الوجود ، وحكمه الشرعي الإرادي في حياة الناس خاصة . فكله حكم تتحقق به الدينونة . ومرة أخرى نجد أن منازعة الله الحكم تخرج المنازع من دين الله حكماً معلوماً من الدين بالضرورة لأنها تخرجه من عبادة الله وحده .. وهذا هو الشرك الذي يخرج أصحابه من دين الله قطعاً . وكذلك الذين يقرون المنازع على ادعائه ، ويدينون له بالطاعة وقلوبهم غير منكرة لاغتصابه سلطان الله وخصائصه .. فكلهم سواء في ميزان الله . ويقرر يوسف - عليه السلام - أن اختصاص الله سبحانه بالحكم تحقيقاً لاختصاصه بالعبادة هو وحده الدين القيم : « ذلك الدين القيم » .. وهو تعبير يفيد القصر . فلا دين قيماً سوى هذا الدين ، الذي يتحقق فيه اختصاص الله بالحكم ، تحقيقاً لاختصاصه بالعبادة . « ولكن أكثر الناس لا يعلمون » .. وكونهم « لا يعلمون » لا يجعلهم على دين الله القيم . فالذي لا يعلم شيئاً لا يملك الاعتقاد فيه ولا تحقيقه .. فإذا وجد ناس لا يعلمون حقيقة الدين ، لم يعد من الممكن عقلاً وواقعاً وصفهم بأنهم على هذا الدين ! ولم يقم جهلهم عذراً لهم يسبغ عليهم صفة الإسلام . ذلك أن الجهل مانع للصفة ابتداء . فاعتقاد شيء فرع عن العلم به .. وهذا منطق العقل والواقع .. بل منطق البداهة الواضح . لقد رسم يوسف - عليه السلام - بهذه الكلمات القليلة الناصعة الحاسمة المنيرة كل معالم هذا الدين ، وكل مقومات هذه العقيدة ؛ كما هز بها كل قوائم الشرك والطاغوت والجاهلية هزاً شديداً .. إن الطاغوت لا يقوم في الأرض إلا مدعياً أخص خصائص الألوهية ، وهو الربوبية . أي حق تعبيد الناس لأمره وشرعه ، ودينونتهم لفكره وقانونه . وهو إذ يزاول هذا في عالم الواقع يدعيه - ولو لم يقله بلسانه - فالعمل دليل أقوى من القول . إن الطاغوت لا يقوم إلا في غيبة الدين القيم والعقيدة الخالصة عن قلوب الناس . فما يمكن أن يقوم وقد استقر في اعتقاد الناس فعلاً أن الحكم لله وحده ، لأن العبادة لا تكون إلا لله وحده ، والخضوع للحكم عبادة . بل هي مدلول العبادة . وإلى هنا يبلغ يوسف أقصى الغاية من الدرس الذي ألقاه ، مرتبطاً في مطلعه بالأمر الذي يشغل بال صاحبيه في السجن . ومن ثم فهو يؤول لهما الرؤيا في نهاية الدرس ، ليزيدهما ثقة في قوله كله وتعلقاً به : « يا صاحبي السجن ، أما أحدكما فيسقي ربه خمراً ، وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه » .. ولم يعين من هو صاحب البشرى ومن هو صاحب المصير السيء تلطفاً وتحرجاً من المواجهة بالشر والسوء . ولكنه أكد لهما الأمر واثقاً من العلم الذي وهبه الله له : « قضي الأمر الذي فيه تستفتيان » .. وانتهى فهو كائن كما قضاه الله . وأحب يوسف السجين البريء ، الذي أمر الملك بسجنه دون تحر ودون بحث ، إلا ما نقله إليه بعض حاشية من وشاية لعلهم صوروا له فيها حادث امرأة العزيز وحادث النسوة تصويراً مقلوباً ، كما يقع عادة في مثل هذه الأوساط .. أحب يوسف أن يبلغ أمره إلى الملك ليفحص عن الأمر : « وقال للذي ظن أنه ناج منهما : اذكرني عند ربك » .. اذكر حالي ووضعي وحقيقتي عند سيدك وحاكمك الذي تدين وتخضع لحكمه ، فهو بهذا ربك . فالرب هو السيد والحاكم والقاهر والمشرع .. وفي هذا توكيد لمعنى الربوبية في المصطلح الإسلامي . ومما يلاحظ أن ملوك الرعاة لم يكونوا يدعون الربوبية قولاً كالفراعنة ، ولم يكونوا ينتسبون إلى الإله أو الآلهة كالفراعنة . ولم يكن لهم من مظاهر الربوبية إلا الحاكمية وهي نص في معنى الربوبية . وهنا يسقط السياق أن التأويل قد تحقق ، وأن الأمر قد قضي على ما أوله يوسف . ويترك هنا فجوة ، نعرف منها أن هذا كله قد كان . ولكن الذي ظن يوسف أنه ناج فنجا فعلاً لم ينفذ الوصية ، ذلك أنه نسي الدرس الذي لقنه له يوسف ، ونسي ذكر ربه في زحمة حياة القصر وملهياتها وقد عاد إليها ، فنسي يوسف وأمره كله .. « فأنساه الشيطان ذكر ربه » .. « فلبث في السجن بضع سنين » .. والضمير الأخير في لبث عائد على يوسف . وقد شاء ربه أن يعلمه كيف يقطع الأسباب كلها ويستمسك بسببه وحده ، فلم يجعل قضاء حاجته على يد عبد ولا سبب يرتبط بعبد . وكان هذا من اصطفائه وإكرامه . إن عباد الله المخلصين ينبغي أن يخلصوا له سبحانه ، وأن يدعوا له وحده قيادهم ، ويدعوا له سبحانه تنقيل خطاهم . وحين يعجزون بضعفهم البشري في أول الأمر عن اختيار هذا السلوك ، يتفضل الله سبحانه فيقهرهم عليه حتى يعرفوه ويتذوقوه ويلتزموه بعد ذلك طاعة ورضى وحباً وشوقاً .. فيتم عليهم فضله بهذا كله ( ) .
وقال الله تعالى في كتابه الكريم عن الرؤيا الرابعة : « وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ ، وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ، يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ ! أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ ، إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ * قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ ، وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ * وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ : أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ ، فَأَرْسِلُونِ * يُوسُفُ ، أَيُّهَا الصِّدِّيقُ : أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ ، وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ، لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ * قَالَ : تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ »( ). قال ابن عاشور : والتعريف في « الْمَلِكُ » للعهد ، أي ملك مصر . وسماه القرآن هنا ملكًا ولم يسمه فرعون ، لأن هذا الملك لم يكن من الفراعنة ملوك مصر القبط ، وإنما كان ملكًا لمصر أيام حكمها « الهكسوس » ، وهم العمالقة ، وهم من الكنعانيين ، أو من العرب ، ويعبر عنهم مؤرخو الإغريق بملوك الرعاة ، أي البدو . وقد ملكوا بمصر من عام 2601- 2214 ق.هـ( ). وكان عصرهم فيما بين مدة العائلة الثالثة عشرة والعائلة الثامنة عشرة من ملوك القبط ، إذ كانت عائلات ملوك القبط قد بقي لها حكم في مصر العليا في مدينة طيبة كما تقدم عند قوله تعالى : « وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ »( ). وكان ملكهم في تلك المدة ضعيفًا لأن السيادة كانت لملوك مصر السفلى . ويقدر المؤرخون أن ملك مصر السفلى في زمن يوسف - عليه السلام - كان في مدة العائلة السابعة عشرة . فالتعبير عنه بالملك في القرآن دون التعبير بفرعون مع أنه عبر عن ملك مصر في زمن موسى - عليه السلام - بلقب فرعون هو من دقائق إعجاز القرآن العلمي . وقد وقع في التوراة إذ عبر فيها عن ملك مصر في زمن يوسف - عليه السلام - فرعون وما هو بفرعون لأن أمته ما كانت تتكلم بالقبطية وإنما كانت لغتهم كنعانية قريبة من الآرامية والعربية ، فيكون زمن يوسف - عليه السلام - في آخر أزمان حكم ملوك الرعاة على اختلاف شديد في ذلك . وقوله : « سِمَانٍ » جمع سمينة وسمين ، مثل كرام ، وهو وصف لـ « بَقَرَاتٍ » و« عِجَافٌ » جمع عجفاء . والقياس في جمع عجفاء : عُجُف لكنه صيغ هنا بوزن فعال لأجل المزاوجة لمقارنه وهو « سِمَانٍ » . كما قال الشاعر : « هتاك أخبية ولاج أبوية » . والقياس أبواب لكنه حمله على أخبية . والعجفاء : ذات العَجَف - بفتحتين - وهو الهزال الشديد . و « سَبْعَ سُنْبُلاتٍ » معطوف على « سَبْعَ بَقَرَاتٍ » . والسنبلة تقدمت في قوله تعالى : « كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ » ( ). والملأ : أعيان الناس . وتقدم عند قوله تعالى : « قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ »( ). والإفتاء : الإخبار بالفتوى . وتقدمت آنفًا عند قوله : « قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ »( ). و « في » للظرفية المجازية التي هي بمعنى الملابسة ، أي أفتوني إفتاء ملابسًا لرؤياي ملابسة البيان للمجمل . وتقديم « لِلرُّؤْيا » على عامله وهو « تَعْبُرُونَ » للرعاية على الفاصلة مع الاهتمام بالرؤيا في التعبير . والتعريف في « لِلرُّؤْيا » تعريف الجنس . واللام في « لِلرُّؤْيا » لام التقوية لضعف العامل عن العمل بالتأخير عن معموله . قال : عبر الرؤيا من باب نصر . قال في « الكشاف » : وعبرت الرؤيا بالتخفيف هو الذي اعتمده الإثبات. ورأيتهم ينكرون « عَبَّرت » بالتشديد والتعبير، وقد عثرت على بيت أنشده المبرد في كتاب « الكامل » لبعض الأعراب :
رأيت رؤياي ثم عبَّرتها ... وكنت للأحلام عبَّارًا
والمعنى : فسر ما تدل عليه وأوَّل إشاراتها ورموزها . وكان تعبير الرؤيا مما يشتغلون به . وكان الكهنة منهم يعدونه من علومهم ، ولهم قواعد في حل رموز ما يراه النائم . وقد وجدت في آثار القبط أوراق من البردي فيها ضوابط وقواعد لتعبير الرؤى ، فإن استفتاء صاحبي السجن يوسف - عليه السلام - في رؤييهما ينبئ بأن ذلك شائع فيهم ، وسؤال الملك أهل ملئه تعبير رؤياه ينبئ عن احتواء ذلك الملأ على من يظن بهم علم تعبير الرؤيا ، ولا يخلو ملأ الملك من حضور كهان من شأنهم تعبير الرؤيا . وفي التوراة في الإصحاح الحادي والأربعون من سفر التكوين : « فأرسل ودعا جميع سحرة مصر وجميع حكمائها وقص عليهم حلمه فلم يكن من يعبره له » . وإنما كان مما يقصد فيه إلى الكهنة لأنه من المغيبات . وقد ورد في أخبار السيرة النبوية أن كسرى أرسل إلى سطيح الكاهن ليعبر له الرؤيا أيام ولادة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي معدودة من الإرهاصات النبوية . وحصل لكسرى فزع فأوفد إليه عبد المسيح . فالتعريف في قوله : « لِلرُّؤْيا » تعريف العهد ، والمعهود الرؤيا التي كان يقصها عليهم ، على طريقة إعادة النكرة معرفة باللام أن تكون الثانية عين الأولى . والمعنى : إن كنتم تعبرون هذه الرؤيا . والأضغاث : جمع ضِغْث - بكسر الضاد المعجمة – وهو : ما جمع في حزمة واحدة من أخلاط النبات وأعواد الشجر ، وإضافته إلى الأحلام على تقدير اللام ، أي أضغاث للأحلام . والأحلام : جمع حُلُم - بضمتين - وهو ما يراه النائم في نومه . والتقدير : هذه الرؤيا أضغاث أحلام . شبهت تلك الرؤيا بالأضغاث في اختلاطها وعدم تميز ما تحتويه لما أشكل عليهم تأويلها . والتعريف فيه أيضا تعريف العهد ، أي ما نحن بتأويل أحلامك هذه بعالمين . وجمعت « أَحْلامٍ » باعتبار تعدد الأشياء المرئية في ذلك الحلم ، فهي عدة رؤى . والباء في « بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ » لتأكيد اتصال العامل بالمفعول ، وهي من قبيل باء الإلصاق مثل باء « وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ »( ) ، لأنهم نفوا التمكن من تأويل هذا الحلم . وتقديم هذا المعمول على الوصف العامل فيه كتقديم المجرور في قوله : « إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ » . فلما ظهر عوص تعبير هذا الحلم تذكر ساقي الملك ما جرى له مع يوسف - عليه السلام - فقال « أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ » . وابتداء كلامه بضميره وجعله مسندًا إليه وخبره فعلي لقصد استجلاب تعجب الملك من أن يكون الساقي ينبئ بتأويل رؤيا عوصت على علماء بلاط الملك ، مع إفادة تقوي الحكم ، وهو إنباؤه إياهم بتأويلها ، لأن تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي في سياق الإثبات يفيد التقوي ، وإسناد الإنباء إليه مجاز عقلي لأنه سبب الإنباء ، ولذلك قال « فَأَرْسِلُونِ » . وفي ذلك ما يستفز الملك إلى أن يأذن له بالذهاب إلى حيث يريد ليأتي بنبأ التأويل إذ لا يجوز لمثله أن يغادر مجلس الملك دون إذن . وقد كان موقنًا بأنه يجد يوسف - عليه السلام - في السجن ، إنه كان سجن الخاصة ، فكان ما يحدث فيه من إطلاق أو موت يبلغ مسامع الملك وشيعته . « وَادَّكَرَ » بالدال المهملة أصله : اذتكر ، وهو افتعال من الذكر ، قلبت تاء الافتعال دالًا لثقلها ولتقارب مخرجيهما ، ثم قلبت الذال ليتأتى إدغامها في الدال ، لأن الدال أخف من الذال . وهذا أفصح الإبدال في ادكر . وهو قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى : « فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ »( ) كما في الصحيح . ومعنى « بَعْدَ أُمَّةٍ » بعد زمن مضى على نسيانه وصاية يوسف - عليه السلام – والأمة : أطلقت هنا على المدة الطويلة ، وأصل إطلاق الأمة على المدة الطويلة هو أنها زمن ينقرض في مثله جيل ، والجيل يسمى أمة ، كما في قوله تعالى : « كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ »( ) على قول من حمله على الصحابة . وإطلاقه في هذه الآية مبالغة في زمن نسيان الساقي . وفي التوراة كانت مدة نسيانه سنتين . وضمائر جمع المخاطب في « أُنَبِّئُكُمْ » - « فَأَرْسِلُونِ » مخاطب بها الملك على وجه التعظيم كقوله تعالى : « قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ »( ). ولم يسم لهم المرسل إليه لأنه أراد أن يفاجئهم بخبر يوسف - عليه السلام – بعد حصول تعبيره ليكون أوقع ، إذ ليس مثله مظنة أن يكون بين المساجين . « يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ » . الخطاب بالنداء مؤذن بقول محذوف في الكلام ، وأنه من قول الذي نجا وادكر بعد أمة . وحذف من الكلام ذكر إرساله ومشيه ووصوله ، إذ لا غرض فيه من القصة . وهذا من بديع الإيجاز . و« الصِّدِّيقُ » : أصله صفة مبالغة مشتقة من الصدق ، كما تقدم عند قوله تعالى : « وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ »( ) ، وغلب استعمال وصف الصديق استعمال اللقب الجامع لمعاني الكمال واستقامة السلوك في طاعة الله تعالى ، لأن تلك المعاني لا تجتمع إلا لمن قوي صدقه في الوفاء بعهد الدين . وأحسن ما رأيت في هذا المعنى كلمة الراغب الأصفهاني في مفردات القرآن قال : « الصديقون : هم دوين الأنبياء » . وهذا ما يشهد به استعمال القرآن في آيات كثيرة مثل قوله : « فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ »( ) الآية ، وقوله : « وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ »( ). ومنه ما لقب النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر بالصديق في قوله في حديث رجف جبل أحد « اسكن أحد ! فإنما عليك نبي ، وصِدِّيق ، وشهيدان »( ) . من أجل ذلك أجمع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومنهم علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - على أن أبا بكر - رضي الله عنه - أفضل الأمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد جمع الله هذا الوصف مع صفة النبوة في قوله : « وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً »( ) . وقد يطلق الصديق على أصل وصفه ، كما في قوله تعالى : « وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ »( ) على أحد تأويلين فيها . فهذا الذي استفتى يوسف - عليه السلام - في رؤيا الملك وصف في كلامه يوسف - عليه السلام – بمعنى يدل عليه وصف الصديق في اللسان العربي ، وإنما وصفه به عن خبرة وتجربة اكتسبها من مخالطة يوسف - عليه السلام - في السجن . فضم ما ذكرناه هنا إلى ما تقدم عند قوله تعالى : « وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ »( ) ، وإلى قوله : « مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ »( ). وإعادة العبارات المحكية عن الملك بعينها إشارة إلى أنه بلغ السؤال كما تلقاه ، وذلك تمام أمانة الناقل . و « النَّاسِ » تقدم في قوله : « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ »( ). والمراد بـ « النَّاسِ » بعضهم ، كقوله تعالى : « الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ » . والناس هنا هم الملك وأهل مجلسه ، لأن تأويل تلك الرؤيا يهمهم جميعًا ليعلم الملك تأويل رؤياه ، ويعلم أهل مجلسه أن ما عجزوا عن تأويله قد علمه من هو أعلم منهم . وهذا وجه قوله : « لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ » مع حذف معمول « يَعْلَمُونَ » لأن كل أحد يعلم ما يفيده علمه . « قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ ، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ ، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ »( ) عبر الرؤيا بجميع ما دلت عليه ، فالبقرات لسنين الزراعة ، لأن البقرة تتخذ للإثمار. والسمن رمز للخصب . والعجف رمز للقحط . والسنبلات رمز للأقوات ؛ فالسنبلات الخضر رمز لطعام ينتفع به ، وكونها سبعًا رمز للانتفاع به في السبع السنين ، فكل سنبلة رمز لطعام سنة ، فذلك يقتاتونه في تلك السنين جديدًا . والسنبلات اليابسات رمز لما يدخر ، وكونها سبعًا رمز لادخارها في سبع سنين ، لأن البقرات العجاف أكلت البقرات السمان ، وتأويل ذلك : أن سني الجدب أتت على ما أثمرته سنو الخصب . وقوله : « تَزْرَعُونَ » خبر عما يكون من عملهم ، وذلك أن الزرع عادتهم ، فذكره إياه تمهيد للكلام الآتي ولذلك قيده بـ « دَأَباً » . والدأب : العادة والاستمرار عليها . وتقدم في قوله : « كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ »( ). وهو منصوب على الحال من ضمير « يَزْرَعُونَ » ، أي كدأبكم . وقد مزج تعبيره بإرشاد جليل لأحوال التموين والادخار لمصلحة الأمة . وهو منام حكمته كانت رؤيا الملك لطفًا من الله بالأمة التي آوت يوسف - عليه السلام - ووحيًا أوحاه الله إلى يوسف - عليه السلام - بواسطة رؤيا الملك ، كما أوحى إلى سليمان - عليه السلام - بواسطة الطير . ولعل الملك قد استعد للصلاح والإيمان . وكان ما أشار به يوسف - عليه السلام - على الملك من الادخار تمهيدًا لشرع ادخار الأقوات للتموين ، كما كان الوفاء في الكيل والميزان ابتداء دعوة شعيب - عليه السلام - وأشار إلى إبقاء ما فضل عن أقواتهم في سنبله ليكون أسلم له من إصابة السوس الذي يصيب الحب إذا تراكم بعضه على بعض ، فإذا كان في سنبله دفع عنه السوس ، وأشار عليهم بتقليل ما يأكلون في سنوات الخصب لادخار ما فضل عن ذلك لزمن الشدة ، فقال « إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ » . والشداد : وصف لسني الجدب ، لأن الجدب حاصل فيها ، فوصفها بالشدة على طريقة المجاز العقلي . وأطلق الأكل في قوله : « يَأْكُلْنَ » على الإفناء ، كالذي في قوله : « وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ »( ). وإسناده بهذا الإطلاق إلى السنين إسناد مجاز عقلي ، لأنهن زمن وقوع الفناء . والإحصان : الإحراز والادخار ، أي الوضع في الحصن وهو المطمور . والمعنى : أن تلك السنين المجدبة يفنى فيها ما ادخر لها إلا قليلا منه يبقى في الأهراء . وهذا تحريض على استكثار الادخار . وأما قوله : « ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ » فهو بشارة وإدخار لمسرة الأمل بعد الكلام المؤيس ، وهو من لازم انتهاء مدة الشدة ، ومن سنن الله تعالى في حصول اليسر بعد العسر . و « يُغَاثُ » معناه يعطون الغيث ، وهو المطر . والعصر : عصر الأعناب خمورًا( ) .
الباحث : محمود بن سعيد الشيخ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تابع جبل الشيح - جبل الرؤى - 3
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
قطنا :: المنتديات العامة :: شخصيات لها تاريخ-
انتقل الى: