قطنا
مرحبا بك في منتديات قطنا الثقافية و العلمية
و نشكر زيارتكم
ولتتمكن من الإستمتاع بكافة ما يوفره لك هذا المنتدى من خصائص, يجب عليك أن تسجل الدخول الى حسابك في المنتدى. إن لم يكن لديك حساب بعد, نتشرف بدعوتك لإنشائه.
و يرجى الانتباه بادخال الايميل الصحيح لانه عند التسجيل ستصلك رسالة تفعيل رمز الدخول الى بريدك الالكتروني و بعد التفعيل ستتمكن من الدخول بالاسم و كلمة المرور التي ادخلتها
كما ندعوكم لزيارة موقعنا قطنا نت www.qatana.net
قطنا
مرحبا بك في منتديات قطنا الثقافية و العلمية
و نشكر زيارتكم
ولتتمكن من الإستمتاع بكافة ما يوفره لك هذا المنتدى من خصائص, يجب عليك أن تسجل الدخول الى حسابك في المنتدى. إن لم يكن لديك حساب بعد, نتشرف بدعوتك لإنشائه.
و يرجى الانتباه بادخال الايميل الصحيح لانه عند التسجيل ستصلك رسالة تفعيل رمز الدخول الى بريدك الالكتروني و بعد التفعيل ستتمكن من الدخول بالاسم و كلمة المرور التي ادخلتها
كما ندعوكم لزيارة موقعنا قطنا نت www.qatana.net
قطنا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
قطنا

منتدى مدينة قطنا
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  
"وقـل اعمـلوا فسـيرى الله عـملكم ورسـوله والمؤمنـون"    

 

 تابع جبل الشيح - جبل الجليل - 2

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو محمد الشيخ
عضو فعال
عضو فعال
avatar


المزاج : قطنا
ذكر
عدد المساهمات : 111
نقاط : 331
تاريخ الميلاد : 30/01/1948
العمر : 76
تاريخ التسجيل : 08/11/2010
مكان الإقامة : سوريا-قطنا

تابع جبل الشيح - جبل الجليل - 2 Empty
مُساهمةموضوع: تابع جبل الشيح - جبل الجليل - 2   تابع جبل الشيح - جبل الجليل - 2 Emptyالخميس يوليو 12, 2012 3:02 am

تابع جبل الشيح - جبل الجليل - 2
والجليل : هو اسم المنطقة الشمالية من فلسطين ، وتقع بين نهر الليطاني ووادي يزرعيل ، عرضها تسعة عشر ميلاً ، وطولها خمسة وعشرون ميلاً . وهي مقاطعة جبلية منتجة للحبوب وتَكثُر فيها الجبال ، مثل الكرمل وجلبوع ، التي يَبلُغ ارتفاع بعضها أربعة آلاف قدم . وتُعدُّ الجليل من أوليات المناطق التي سكنها الإنسان ، ومن أقدم مدنها مدينة مجدو التي شهدت معارك طاحنة بين الكنعانيين والمصريين « 1480 ق.م » . وقد سكنها الحويون والجرجاشيون وغيرهم من الأقوام . وقد استقرت قبائل نفتالي وآشر ويساكر وزوبولون في الجليل . كما انتقلت إليها قبيلة دان . ولم يستطع العبرانيون طرد سكان الجليل ، ولذا ظل سكانها خليطاً . وقد أعطى سليمان لحيرام - ملك صور- عشرين من مدنها نظير أدوات بناء ابتاعها منه . وبعد التهجير إلى بابل والعودة منها ، أصبحت أغلبية سكانها من غير اليهود . وقد غزاها شيشنق أثناء حكم رحبعام ، وضمها الآشوريون ثم حكمها الفرس والسلوقيون . وفي عام 707ق.هـ( ) احتلها الرومان وأصبحت الجليل تابعة لهم . وفي عهد الرومان كانت فلسطين تُقسَّم إلى ثلاث مناطق : الجليل والسامرة ويهودا « يوديا باللاتينية » . وكانت الجليل ذاتها تُقسَّم إلى الجليل الأعلى والجليل الأسفل . وحينما قام التمرد الحشموني ، كان عدد اليهود من القلة بحيث اضطر سيمون الحشموني إلى تهجير الأقلية اليهودية منها خشية أن تهاجمهم الأغلبية . وقد هاجر بعض اليهود إليها أثناء حكم الأسرة الحشمونية بعد أن ضم أرسطوبولوس الأول منطقة يهودا . وفي تلك المرحلة التاريخية ، كان يهود الجليل غير ملتزمين بالشعائر الدينية كتلك الخاصة بالختان والعشور . ولذا ، كان يُشار إليهم باسم « عَمْ هآرتس » أي « عوام الأرض » ، وهي عبارة تفيد أنهم أجلاف غير مؤمنين . وكان نطقهم للعبرية مختلفاً عن نطق اليهود الموجودين في يهودا . وتقول المصادر إنهم لم يكن بوسعهم التمييز بين حرفي الألف والعين . وقد انضم بعض يهود الجليل إلى التمرد الأول ضد روما « 574-567 ق.هـ »( ) وكان قائد القوات اليهودية في الجليل هو يوسيفوس الذي استسلم للرومان . ولم يتخذ الرومان إجراءات انتقامية ضد سكانها من اليهود لأن أعداداً منهم ، وخصوصًا في صفورية وطبرية ، كانت متعاطفة مع الرومان . أما التمرد الثاني « 506- 503 ق.هـ »( ) ضد روما ، فلم يؤيده سكان الجليل من اليهود . وأصبحت الجليل مركزاً للدراسات الدينية إذ تضم طبرية التي صارت مقراً للسنهدرين . ومن مدن الجليل أيضاً الكرمل وصفد . ويقع فيها بحر طبرية المعروف باسم « بحر الجليل » . وقد نشأ المسيح في الجليل ، ولذا فقد كان يعرف بـ « الجليلي » . ثم دخلت الجليل بعد ذلك نطاق الحضارة الإسلامية ، ونزلت قبائل عربية كثيرة فيها . وتأسست في العهد العثماني بعض الإمارات الإسلامية . ومن أهم مدن الجليل صفد وطبرية وبيسان وعكا . ولا تزال الكثافة السكانية العربية عالية في منطقة الجليل ، رغم المحاولات الصهيونية الرامية لتغيير طابعها السكاني »( ).
ولا شك أن أعظم شخصية كانت من الجليل هي شخصية عيسى – عليه السلام - قال الحرالي : وفي الكتاب الأول : جاء الله من سيناء ، وأشرق من جبل ساعير ، وظهر لنا من جبال فاران ؛ والمراد بالأول نبوة موسى - عليه الصلاة والسلام - وهو واضح ، وبالثاني نبوة عيسى - عليه الصلاة والسلام - فإن جبل ساعير هو جبل الجليل ، وهو الذي بين طبرية ومرج بني عامر ، وبالثالث نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - فإن فاران هي مكة المشرفة( ). وذكر القضاعي في عيون المعارف أن عيسى - عليه السلام - ولد في يوم الأربعاء الخامس والعشرين من كانون الأول بعد قيام الإسكندر بثلاثمائة وثلاث سنين ، وحملت به مريم ولها ثلاث عشرة سنة . وكانت ولادته في بيت لحم ، ولما تمت له ثمانية أيام ختن على سنة موسى - عليه السلام - وسموه اليسوع ، وهربت به أمه إلى مصر ، وأقام بها اثنتي عشرة سنة ، ثم رجعت به إلى ناصرة من جبل الجليل - عليه السلام - فلما بلغ ثلاثين سنة جاءه الوحي ، وكانت نبوته ثلاث سنين . وتكلم في المهد ثلاث مرات ، ثم لم يتكلم حتى بلغ حد الكلام ، وبشر بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال في إنجيل يوحنا : احفظوا وصيتي فسيأتيكم الفارقليط ، وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - ويقال إنه رفع إلى السماء في ليلة القدر من جبل بيت المقدس ، فلما كان بعد سبع ظهر لأمه فقال : لها لم يصبني إلا خير ، وأمرها بأن تأتيه بالحواريين ، فجاؤا إليه وأوصاهم ، وبثهم في الأرض . وعاشت مريم بعده ست سنين( ).
وكان الجليل مكان وداع عيسى بن مريم – عليه السلام – لتلاميذه فيه على قول متى في إنجيله « 31:26» ، يقول متى : « أن المسيح كان قد أخبر تلاميذه بأنه سيكون فى منطقة الجليل بعد قيامته من الأموات : « ولكن بعد قيامي أسبقكم إلي الجليل » ويستطرد متى قائلًا : « وأما الأحد عشر تلميذًا فانطلقوا إلى الجليل حيث أمرهم يسوع ، ولما رأوه سجدوا ، ولكن بعضهم شَكُّوا » « 16:28 » . ثم أوصاهم المسيح بنشر دعوته بين الأمم وختم خطابه لهم بقوله : « وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر » « 20:28» . ولم يذكر متى شيئًا عن صعود المسيح إلى السماء ، وإنما ذكر أن جبل الجليل كان هو مكان الوداع ، وأن الأحد عشر تلميذًا كانوا في وداعه ... بينما يذكر لوقا مكان الوداع مدينة « بيت عنيا » ويوحنا شاطئ « بحر طبرية » ومرقس « أورشليم » !؟ ( ). قال صالح بن الحسين الجعفري الهاشمي : وقيل : « إن اليهود لما جاؤوا لأخذ المسيح هرب من كان معه من أصحابه وثبت معه رجل واحد يسمّى : جرجس ، فألقى الله شبهه عليه ، فأخذوه وذهبوا به ليلاً ، وستر الله المسيح عن أعينهم ، فعذبوا الرجل ليلاً ، ثم قتلوه من صبيحة تلك الليلة » . فلم يشكّ من كان ترك المسيح وهرب عنه أن المأخوذ هو المسيح ، فلذلك أخبروا أن المسيح قد صلب . قال الهاشمي : قد روينا عن بطرس - صاحب المسيح - : « أن المسيح - عليه السلام - صعد إلى جبل الجليل في جماعة من أصحابه ، فنظروا إلى وجهه وإذا هو قد تغيرت صورته ، وابيضت ثيابه ، وإذا موسى وإيلياء قد نزلا إليه ومعهم سحابة تظلهم ، وعند ذلك وقع على بطرس وأصحاب المسيح النوم فناموا » « 1/155/أ » ، وذلك يحقّق قولنا في الشبه . وقد اختلف العلماء في الشبه المصلوب بدلاً عن المسيح - عليه السلام - على أقوال هي :
الأوّل :- أن عيسى - عليه السلام - سأل أصحابه - ممن كان معه في البيت حين أحاط به اليهود – فقال : « أيّكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ويكون معي في درجتي ؟ » . فانتدب لذلك شاب من أحدثهم سنّاً ، فألقي عليه شبهه فقتل ، ورفع عيسى - عليه السلام . قال بهذا قتادة والسدي والقاسم بن أبي عزة وابن جريج . ورجّحه الإمام ابن كثير « 1/587 ، 588 » وساق في ذلك أثراً من تفسير ابن عباس ، ورواه النسائي عن أبي كريب عن أبي معاوية بنحوه . وكذا ذكره غير واحد من السلف .
الثّاني : قيل : إن شبه عيسى ألقي على جميع من كان معه في البيت من غير مسألة عيسى إيّاهم ذلك ، فخرج إلى اليهود بعض من كان في البيت ، فقتلوه وهم يحسبونه أنه المسيح - عليه السلام . وهذا القول أحد الروايتين عن وهب ابن منبه واختاره الإمام ابن جرير في تفسيره « 6/16» .
الثّالث :- قيل : إن الشبه ألقي على الحواري الخائن يهوذا الأسخريوطي الذي أخذ الرشوة من اليهود ليدلهم على مكان المسيح - عليه السلام - فعاقبه الله بعكس مقصوده . فألقي شبه عيسى عليه ، فقبض عليه اليهود وقتلوه ، وهم يحسبون أنه المسيح - عليه السلام - وهذا القول أحد الروايتين عن وهب بن منبه « تفسير الطبري 6/13 » ، وبه قال نجم الدين الطوفي في كتابه : « الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية ، ص 102» . وقد وردت هذه الرواية في « إنجيل برنابا : الإصحاح 214، 215، 217 » .
الرّابع :- إنه شبه للنصارى القول بذلك ، أي : حصلت لهم الشبهة في أمره ، وليس لهم علم بأنه قتل وصلب ، وكان المشبهون لهم شيوخ السوء في ذلك الوقت وشُرُطهم المُدَّعون لهم أنهم قتلوه وصلبوه ، وهم يعلمون أنه لم يكن ذلك . وإنما أخذوا مَنْ أَمْكَنهم فقتلوه وصلبوه في استتار ومنع من حضور الناس ، ثم أنزلوه ودفنوه تمويهاً على العامّة الذين شبه لهم الخبر . وقال بهذا ابن حزم في « الفصل الملل والنحل : 1/125» ، وذكره ابن القيم في « هداية الحيارى ، ص 314» . والذي يرجّحه الهاشمي : هو القول الأوّل لصحّة إسناده إلى ابن عباس - رضي الله عنهما ؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - قد أثنى على الحواريين في عدة آيات من سورة آل عمران ، والمائدة ، والصّفّ ، قال تعالى : « وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ : أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي . قَالُوا : آمَنَّا ، وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ »( ). وقال تعالى : « فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ : مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ ؟ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ : نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ ، آمَنَّا بِاللَّهِ ، وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ . رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ ، وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ ، فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ »( ). فناسب أن يكون موقفهم بحسب قوّة إيمانهم بالله ، وتصديقهم لنبيّه عيسى - عليه السلام - أن يفدوه بأنفسهم ، ويستشهدوا في سبيل الدفاع عنه ، عليه السلام( ).
قال أحد المفكرين : مكتبة نجع حمادي الأثرية التي تم اكتشافها ، بها كتابات تم تدوينها فى أوائل العصر المسيحي ، ومن بينها « إنجيل توماس » : ويختلف هذا الإنجيل عن الأناجيل الأخرى المعروفة ، في أنه لا يحتوي على قصة أو رواية للأحداث ، وإنما يتكون من « 114» قولًا منسوبة إلى يسوع المسيح . كما أنه من الصعب اعتبار هذا الإنجيل هرطوقيًا إذ أنه يحتوي على عدد كبير من أقوال المسيح التي ظهرت في أناجيل العهد الجديد ، إلى جانب أقوال لم تظهر بها . كما أن أقوال يسوع هنا موجودة بشكل أولي ولا تدخل في سرد قصصي ، مما يوحي بأنها أقدم من أيٍّ من الأناجيل الأخرى . و كما ورد في كتاب « سيت الأكبر » على لسان المسيح قوله : « كان شخص آخر هو الذي شرب المرارة والخل ، لم أكن أنا ، كان آخر الذي حمل الصليب فوق كتفيه ، كان أخر هو الذي وضعوا تاج الشوك على رأسه . وكنت أنا مبتهجًا في العلا ، أضحك لجهلهم » . وجاء في كتاب « أعمال يوحنا » - الذي عثر عليه بنجع حمادي أيضًا - على لسان المسيح قوله : « لم يحدث لي أي شيء مما يقولون عني » . قال تعالى : « وَقَوْلِهِمْ : إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ ! وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ ، وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ ، وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ، مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ ، وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا »( ).
كل عاقل مفكر ، يفترض أن يعلن صاحب أي دعوة أو رسالة ، من أول أيام دعوته عن أطر رسالته وأهدافها ومقاصدها ، فهذا هو ما يجرى حقاً على صعيد الواقع من حولنا ، وأن يكون في إعلانه صريحاً وواضحًا أيضًا ، خصوصًا إذا كان هذا الداعية نبياً ورسولاً من رب الكائنات . فإن صح ما زعمه أصحاب الأناجيل من أن المسيح أتى إلى هذا العالم ليموت فداء خطيئة آدم وحواء ومن ثم يقوم من بين الأموات ، فقد كان متوجبًا عليه أن يعلن ذلك للناس ولتلاميذه بالذات من أول أيام دعوته ، فلو فعل ذلك لتوجب أن ينتظر جميع هؤلاء التلاميذ تحقق هذه المعجزة وبفارغ صبرهم أيضًا . وقد دققت ما نقلته لنا الأناجيل من أخبار ، فلم ألحظ معالم لهذه الظاهرة الطبيعية ، على صعيد الأقوال ، فتناولت قضية أخبار وضع جثة المسيح في قبره الذي وضعه يوسف الرامي فيه لعلي ألحظ تجمع تلاميذ المسيح حول القبر ساعة وضع الجثة فيه ، فلم ألحظ إلا تواجد امرأتين هناك ، فإنجيل متى روى : « وكانت هناك مريم المجدلية ومريم الأخرى جالستين تجاه القبر » « متى 27 : 61 » فأين بقية تلاميذ المسيح الناصري ؟! وقلت في نفسي لعلهم اتفقوا فيما بينهم أن يأتوا إلى قبره صباح يوم الأحد يستطلعون قيامته ، فدققت في الأناجيل الأربعة ، وأدهشني أن غير هاتين الامرأتين لم تسارعا إلى القبر فجر يوم الأحد ، ثم إنهن ما سارعتا للقاء المسيح بعد قيامته ، بل على حسب ما روى مرقس سارعتا لتدهنان جسد الميت بالطيب ، فقد ورد : « وبعدما مضى السبت اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطًا ليأتين ويدهنه ، وباكراً جداً في أول الأسبوع - أي فجر يوم الأحد - أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس ، وكن يقلن فيما بينهن : من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر ؟ فتطلعن ورأين أن الحجر قد دحرج لأنه كان عظيماً جداً » « مرقس 16 : 1 » . فالنسوة ، ومريم المجدلية من بينهن ، أسرعن إلى القبر صباح الأحد ، ليس لينظرن إلى قيامة المسيح الناصري من بين الأموات ، بل « ليأتين ويدهنه » من هذا ندرك كباحثين مدققين ، أن تلاميذ المسيح ما كانوا ينتظرون موته وقيامته ليصبح كفارة عن ذنوبهم . وهذه القرينة يثبت منها عكس ما زعمه رواة الأناجيل وأجمعوا عليه من أن المسيح الناصري مات على الصليب ، وقام من بين الأموات ، ليصبح كفارة عن خطيئة آدم وحواء . قد يرد على هذه القرينة قائل يقول : لقد كان سبق للمسيح الناصري أن اتفق مع تلاميذه أن يجتمع بهم بعد قيامته من الأموات على جبل الجليل ، ويستدل بقول متى : « هاهو يسبقكم إلى الجليل ، هناك ترونه » وقول مرقس : « إنه يسبقكم إلى الجليل ، هناك ترونه كما قال لكم » ولذلك كانوا ينتظرون لقاءه على جبل الجليل ، وليس فجر يوم الأحد على القبر . أقول : هذه مزاعم لا يصدقها واقع ما جرى ، فإن نحن عدنا إلى إنجيل متى نلاحظه قد قال : « وأما الأحد عشر تلميذًا فانطلقوا إلى الجليل ، إلى الجبل حيث أمرهم يسوع ، ولما رأوه ، سجدوا له ، ولكن بعضهم شَكُّوا ، فتقدم يسوع وكلمهم قائلاً : دفع إلي كل سلطان في السماء وعلى الأرض ، فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم ، وعمدوهم باسم الأب والابن والروح القدس » « متى 28 : 16 » هذا ما رواه متى . لكننا إذا رجعنا إلى إنجيل مرقس نلاحظه قد قال : « أخيراً ظهر للأحد عشر وهم متكئون ، ووبخ عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم لأنهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام ، وقال لهم اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها ، من آمن واعتمد خلص ، ومن لم يؤمن يدن ، وهذه الآيات تتبع المؤمنين : يخرجون الشياطين باسمي ، ويتكلمون بألسنة جديدة ، ويمسكون بأيديهم الحيات ، وإن شربوا شيئا مميتاً لا يضرهم ، ويضعون أيديهم على المرضى فيبرؤون » « مرقس 16 : 14 » فهذا الكلام يتضارب مع ما أورده إنجيل متى في نواحي كثيرة يدركها كل قارئ للنصين ، ولا يثبت منها أن تلاميذ المسيح كانوا ينتظرونه من أنفسهم على جبل الجليل ، بل على حسب ما روى متى : « ولكن بعضهم شكوا » وعلى حسب ما رواه مرقس : « ووبخ عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم لأنهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام » . وإن نحن رجعنا إلى إنجيل لوقا ، فلا نجد أثراً للقاء المسيح الناصري بتلاميذه على جبل الجليل ، بل في أورشليم ، فقد ورد : « فقاما في تلك الساعة ورجعا إلى أورشليم ووجدا الأحد عشر مجتمعين هم والذين معهم ، وهم يقولون إن الرب قام بالحقيقة وظهر لسمعان ، وأما هما ، فكانا يخبران بما حدث في الطريق وكيف عرفاه عند كسر الخبز، وفيما هم يتكلمون بهذا وقف يسوع نفسه في وسطهم ، وقال لهم : سلام لكم فجزعوا وخافوا وظنوا أنهم نظروا روحاً ، فقال لهم : ما بالكم مضطربين ، ولماذا تخطر أفكار في قلوبكم ؟ انظروا يدي ورجلي إني أنا هو ، جسوني وانظروا فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي ، وحين قال هذا أراهم يديه ورجليه » « لوقا 24 : 33 » . وأما إنجيل يوحنا فلم يتطرق إلى جميع ما أوردته الأناجيل الأخرى ، بل روى أموراً لا تمت إلى اجتماع المسيح بتلاميذه في الجليل ولا شيئاً من ذلك . بل روى اجتماعات في طبرية وسواها مما لا حاجة بنا إلى إيراده في هذا المقام . وأنا أرجو من القارئ أن يتدبر جميع هذه النصوص التي نقلتها له ، وينظر، هل يثبت ولو من واحدة منها ما يشكل قرينة تؤكد إيمان تلاميذ المسيح بقيامته من الأموات وانتظارهم لها ؟( ).
وقال القاسمي : « القول في تأويل قوله تعالى : « بَل رّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ ، وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً »( ). « بَل رّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ » ردٌّ وإنكار لقتله ، وإثبات لرفعه ، أي : اليقين إنما هو في رفعه إليه . « وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً » أي : لا يبعد رفعه على الله ، لأنه عزيز لا يغلب على ما يريده ، وحكيم اقتضت حكمته رفعه ، فلا بد أن يرفعه ، وهي حفظه لتقوية دين محمد - صَلّى اللهُ عليّه وسلّم - حين انتهائه إلى غاية الضعف بظهور الدجال ، فيقتله ، أفاده المهايمي . ثم استطرد منبهًا بقوله : لا خفاء في أن هذه الآية الكريمة لتكذيب اليهود في دعوى الصلب التي تابعهم عليها أكثر النصارى ، ولتبرئة ساحة مقام عيسى - عليه السلام - مما توهموه في ذلك ، ولما كانت هذه الآية من مباحث الأمتين ، ومعارك الفرقتين - أردت بسط الكلام في هذا المقام ، انتهاجاً للحق ، وأخذاً بناصر الصدق ، ورد أباطيل المكذبين ، وتزييف أقوال الملحدين ، نورد أولاً ما زعموه ورَوَوْه ، مما نفاه التنزيل الكريم ، ثم بطلان المرويّ عندهم وتهافته بالحجج الدامغة ، ثم ما رواه أئمة سلفنا - رضي الله عنهم - في هذه القصة ، ثم رد زعمهم أن إلقاء الشبه سفسطة ، ثم سقوط دعواهم التواتر في الصلب ، ثم تزييف تفسير بعض النصارى لهذه الآية ، وأنها مطابقة لمعتقدهم على زعمه ، مع ذكر من رفض عقيدة المسلمين ، ويطابق هذه الآية ، ونختم هذه المباحث بما قاله شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية في هذه الآية ، وأبدع ، على عادته . فهذه المطالب ينبغي معرفتها لكل طالب ، إذ تفرعت إلى مباحث فائقة ، وفوائد شائقة ، فنقول : ذكر ما زعموه ورووه مما نفاه التنزيل الكريم ، فقد جاء في الفصل الثاني والعشرين من إنجيل لوقا ما نصه : « كان رؤساء الكهنة والكتبة يلتمسون كيف يقتلون يسوع ؟ لكنهم كانوا يخافون من الشعب . أي : لأن الشعب كلهم كانوا يبكرون إليه في الهيكل - وهو الكنيسة - ليستمعوه » . وفي إنجيل لوقا - الإصحاح الحادي والعشرون « وكان في النهار يعلم في الهيكل ، وفي الليل يخرج ويبيت في الجبل الذي يدعى جبل الزيتون . وكان كل الشعب يبكرون إليه في الهيكل ليسمعوه . كما ذكر لوقا قبل الفصل . فدخل الشيطان في يهوذا الملقب بالأسخريوطيّ - وهو أحد الاثني عشر - فمضى وفاوض رؤساء الكهنة والولاة كيف يُسْلمه إليهم . ففرحوا وعاهدوه أن يعطوه فضة . فواعدهم وكان يطلب فرصة ليسلمه إليهم بمعزل عن الجميع . وبلغ يومُ الفطير الذي كان ينبغي أن يذبح فيه الفِصح . فأرسل بطرس ويوحنا قائلاً : امضيا فأَعِدَّا لنا الفِصح لنأكل . فقالا له : أين تريد أن نعِدَّ . فقال لهما : إذا دخلتما المدينة يلقاكما رجل حامل جرة ماء ، فاتبعاه إلى البيت الذي يدخله » . وفي الإصحاح الثاني والعشرون « وقرب عيد الفطير الذي يقال له : الفصح . وكان رؤساء الكهنة والكتبة يطلبون كيف يقتلونه ، لأنهم خافوا الشعب . فدخل الشيطان في يهوذا الذي يدعى الإسخريوطي - وهو من جملة الاثني عشر - فمضى وتكلم مع رؤساء الكهنة وقواد الجند كيف يسلمه إليهم . ففرحوا وعاهدوه أن يعطوه فضة . فواعدهم ، وكان يطلب فرصة ليسلمه إليه خِلْواً من جمع . وجاء يوم الفطير الذي كان ينبغي أن يذبح فيه الفصح . فأرسل بطرس ويوحنا قائلاً : اذهبا وأعدّا لنا الفصح لنأكل . فقالا له : أين تريد أن نُعِدّ . فقال لهما إذا دخلتما المدينة يستقبلكما إنسان حامل جَرّة ماء ، اتبعاه إلى البيت حيث يدخل . وقولا لرب البيت : المعلم يقول لك ، أين المنزل الذي آكل فيه الفِصح مع تلاميذي ؟ فهو يريكما غرفة كبيرة مفروشة ، فأعِدَّا هناك . فانطلقا فوجدا كما قال لهما وأعدا الفِصح . ولما كانت الساعة اتكأ هو والرسل الاثنا عشر معه . فقال لهم : لقد اشتهيتُ شهوة أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم . فإني أقول لكم : إني لا آكله بعد حتى يتم في ملكوت الله . ثم تناول كأساً وشكر وقال : خذوا فاقتسموا بينكم . فإني أقول لكم : إني لا أشرب من عصير الكرمة حتى يأتي ملكوت الله . وأخذ خبزاً وشكر وكسر وأعطاهم قائلاً : هذا هو جسدي الذي يُبْذَل لأجلهم ، اصنعوا هذا لذكري . وكذلك الكأس من بعد العشاء قائلاً : هذه هي الكأس العهد الجديد بدمي الذي يسفك من أجلكم . ومع ذلك فها إن يَدَ الذي يُسلمني معي على المائدة . وابن البشر ماضٍ كما هو محدود ، ولكن الويل لذلك الرجل الذي يسلمه . فطفقوا يسألون بعضهم بعضاً : من كان منهم مزمعاً أن يفعل ذلك . ووقعت بينهم مجادلة في أيهم يُحسب الأكبر . فقال لهم : إن ملوك الأمم يسودونهم ، والمسلطين عليهم يدعون محسنين . وأما أنتم فلستم كذلك ، ولكن ليكن الأكبر فيكم كالأصغر ، والذي يتقدم كالذي يَخْدُم . وأنتم الذي ثبتُّم معي في تجاربي . فأنا أُعِدُّ لكم الملكوت كما أعده لي أبي . لتأكلوا وتشربوا على مائدتي في ملكوتي ، وتجلسوا على كراسي تدينون أسباط بني إسرائيل الاثني عشر . وقال يسوع : سمعان ! سمعانُ ! هو ذا الشيطان سأل أن يُغربلكم مثل الحنطة . لكني صليت من أجلك لئلا ينقص إيمانك ، وأنت متى رجعت فَثَبِّتْ إخوتك . فقال له : أنا مستعد أن أمضي معك إلى السجن وإلى الموت . قال : إني أقول لك يا بطرس إنه لا يصيح الديك اليوم حتى تنكر ثلاث مرات أنك تعرفني . ثم خرج ومضى على عادته إلى جبل الزيتون وتبعه التلاميذ . فلما انتهى إلى المكان قال لهم : صلوا لئلا تدخلوا في تجربة . ثم فَصَل عنهم نحو رمية حجر وخر على ركبتيه وصلى . قائلاً : يا رب إن شئت فأجِزْ عني هذه الكأس لكي لا تكن مشيئتي بل مشيئتك . وتراءى له ملاك من السماء يشدّده . ولما أخذ في النزاع أطال في الصلاة ، وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض . ثم قام من الصلاة وجاء إلى تلاميذه فوجدهم نياماً من الحزن . فقال لهم : ما بالكم نائمين ؟ قوموا فصلوا لئلا تدخلوا في تجربة . وفيما هو يتكلم إذ بجمع يتقدمهم المسمى يهوذا - أحد الاثني عشر - فدنا من يسوع ليقبله . فقال له يسوع : يا يهوذا ! أبقبلةٍ تُسلم ابن البشر ؟ فما رأى حوله ما سيحدث . قالوا له : أنضرب بالسيف . وضرب أحدهم عبدَ رئيس الكهنة فقط أذنه اليمنى . فأجاب يسوع وقال : قفوا لا تزيدوا ، ثم لمس أذنه فأبرأه . ثم قال يسوع للذين جاؤوا إليه من رؤساء الكهنة وولاة الهيكل والشيوخ : كأنما خرجتم إلى لص بسيوف وعصي . إني كل يوم كنت معكم في الهيكل ولم تمدوا عليّ أيديكم ، ولكن هذه ساعتكم وهذا سلطان الظلمة . حينئذ تركه تلاميذه وهربوا . فارتموا على يسوع ، قبضوا عليه ، وقادوه إلى بيت رئيس الكهنة . وكان الكتبة والرؤساء مجتمعين ، وهناك أعطى يهوذا الحواري الثلاثين درهماً التي أخذها رشوة على تسليم المسيح . وكان بطرس يتبعه من بعيد .. وأضرموا ناراً في وسط الدار وجلسوا حولها فجلس بطرس بينهم . فرأته جارية جالساً عند الضوء فتفرست فيه ثم قالت : إن هذا أيضاً كان معه . فكفر أمام الجميع وأنكره قائلاً : إني لست أعرفه . وبعد قليل رآه آخر فقال : أنت أيضاً منهم ، فأخذ بطرس يحلف : لا أعرف هذا الرجل ولست منهم . وبعد نحو ساعة أكد عليه آخر قائلاً : في الحقيقة هذا أيضاً كان معه فإني جليلي . فقال بطرس : يا رجل ! لا أدري ما تقول . قال مفسروهم : إن خطأ بطرس هذا كان ثقيلاً : لأن المسيح قال : « من ينكرني أمام الناس أنكره أمام أبي الذي في السماوات . وفي الحال بينما هو يتكلم صاح الديك . فالتفت يسوع ونظر إلى بطرس فتذكر كلامه إذ قال : إنك قبل أن يصيح الديك ، تنكرني ثلاث مرات . فخرج بطرس وبكى بكاءً مراً . وكان الرجال الذين قبضوا عليه يهزؤون به ويضربونه . وغطوه وطفقوا يلطمونه ويسألونه قائلين : تنبأ من الذي ضربك . وأشياء أخر كانوا يقولونها عليه مجدفين . ولما كان النهار اجتمع شيوخ الشعب ورؤساء الكهنة عليه ليميتوه وأحضروا إلى محفلهم . وقالوا : إن كنت أنت المسيح فقل لنا ، فقال لهم : إن قلت لكم لا تؤمنون . وإن سألتكم لا تجيبوني ولا تطلقوني . ولكن من الآن يكون ابن البشر جالساً عن يمين قدرة الله . فقال الجميع : أفأنت ابن الله ؟ فقال لهم : أنتم تقولون : إني أنا هو . فقالوا : ما حاجتنا إلى شهادة ، إنا قد سمعنا من فمه . فأوثقوه ، وأما يهوذا الأسخريوطي الدافع ، لما رأى يسوع قد دِينَ ندم ومضى فأعاد الثلاثين الفضة إلى رؤساء الكهنة قائلاً : لقد أخطأت بتسليم دمٍ زكيٍّ ، فقالوا له : ما علينا أنت أخبر ، فطرح الفضة في الهيكل وذهب فخنق نفسه ، وأما رؤساء الكهنة فأخذوا الفضة وقالوا لا يحل لنا أن نضعها في بيت التقدمة لأنها ثمن دم . ثم ذهب جميع جمهورهم ومضوا بيسوع إلى بيلاطُسَ . وطفقوا يشكونه قائلين : إنا وجدنا هذا يفسد أمتنا ويمنع من أداء الجزية لقيصر ويدعي أنه هو المسيح الملك . فسأله بيلاطُس قائلاً : هل أنت ملك اليهود ؟ فأجابه قائلاً : أنت قلت . فقال بيلاطس لرؤساء الكهنة وللجموع : إني لم أجد على هذا الرجل علة . فلجّوا وقالوا : إنه يهيج الشعب ، إذ يعلم في اليهودية كلها ، مبتدئاً من الجليل إلى هنا . فلما سمع ببلاطس ذكر الجليل سأل : هل الرجل جليلي . ولما علم أنه من إيالة هيرودس أرسله إلى هيرودس وكان في تلك الأيام في أورشليم . فلما رأى هيرودس يسوع فرح جداً ، لأنه من زمان طويل كان يشتهي أن يراه لسماعه عنه أشياء كثيرة ، ويرجو أن يعاين آية يصنعها . فسأله بكلام كثير فلم يجبه بشيء . وكان رؤساء الكهنة والكتبة واقفين يشكونه بلجاجة . فازدراه هيرودس مع جنوده ، وهزأ به وألبسه ثوباً لامعاً ، وردّه إلى بيلاطس . وتصادق هيرودس وبيلاطُس في ذلك اليوم ، وقد كانا من قبل متعاديين . فدعا بيلاطس رؤساء الكهنة والعظماء والشعب . وقال لهم : قد قدمتم إليّ هذا الرجل كأنه يفتن الشعب ، وها أنا قد فحصته أمامكم فلم أجد على هذا الرجل علة مما تشكونه به . ولا هيرودس أيضاً لأني أرسلته إليه ، وهو ذا لم يُصنع به شيء من حكم الموت . فأنا أؤدبه وأطلقه . وكان لا بد له أن يطلق لهم في كل عيد رجلاً . فصاحوا كلهم جملة قائلين : ارفع هذا وأطلق لنا بَرْأبّا . كان ذاك قد ألقي في السجن لأجل فتنة حدثت في المدينة وقتلٍ . فنادى بيلاطس مرة أخرى وهو يريد أن يطلق يسوع . فصرخوا قائلين : اصلبه ، اصلبه . فقال لهم مرة ثالثة : وأي شر صنع هذا ؟ إني لم أجد عليه علة للموت فأنا أؤدبه وأطلقه . فألحوا عليه بأصوات عالية طالبين أن يصلب واشتدت أصواتهم . فحكم بيلاطس أن يُجْرَي مطلبهم . فأطلق لهم الذي طلبوه ، ذاك الذي ألقي في السجن لأجل فتنة ، وجلد يسوع بالسياط وأسلمه ليصلب . قال مفسروهم : ولذا يظهر أن اللصين اللذين صلبا معه جلدا أيضاً ، والجلادون كانوا ستين نفراً ، وأرشاهم اليهود ليميتوه بالجلد خشية أن يطلقه بيلاطس ، ونزعوا ثيابه وألبسوه لباسًا قرمزيًا ، وضفروا إكليلاً من شوك العوسج ، ووضعوه على رأسه ، وأنشبوا في رأسه عنفًا أشواكه الحادة - ومن هنا أخذت الكنيسة العادة على إبقاء إكليل من شعر في رأس الكهنة تذكارًا لإكليل المسيح الشوكي - ثم جثوا على ركبهم مستهزئين به وقائلين : السلام يا ملك اليهود ، وتناولوا قصبة يضربون بها رأسه ، ولما هزؤا به نزعوا ذلك اللباس وألبسوه ثيابه واستاقوه ليصلب ، وكان يتقدمه مُبَوّق يدعو الشعب إلى هذا المنظر بحسب عادة اليهود ، وخشبة الصلب على منكبيه . وانطلق معه بآخرين مجرمين ليُقتلا . ولما بلغوا إلى المكان المسمى الجمجمة صلبوه هناك هو والمجرمين ، أحدهما عن اليمين والآخر عن اليسار .. وناولوه خلّاً بمرارة أو خمرًا ممزوجًا بعلقم بعد أن طلب الماء فذاقه ولم يشرب . ولما صلبوه بالمسامير وبالحبال معها ، وكانت المسامير في راحة اليدين والرجلين ، ضربوا جنبه بالحربة فنفذت من صدره ، وفي الصليب محل يسند إليه رجليه ، واقتسموا ثيابه بالقرعة وهي ثلاثة : القميص والرداء والجبة ، ولم يكن يلبس السروال كعادة تلك البلاد ، وجلسوا هناك يحرسون لئلا يسرقه أحد . وكان الشعب واقفين ينظرون ، والرؤساء يسخرون منه معهم قائلين : قد خلص آخرين فليخلص نفسه إن كان هو مسيح الله المختار . وكان الجند أيضاً يهزؤون به . وقائلين : إن كنت أنت ملك اليهود فخلص نفسك . وكان عنوان فوقه مكتوباً بالحروف اليونانية واللاتينية والعبرانية : هذا هو ملك اليهود . ولما كان نحو الساعة السادسة حدثت ظلمة على الأرض كلها إلى الساعة التاسعة . وأظلمت الشمس وانشق حجاب الهيكل من وسطه . ونادى يسوع بصوت عظيم قائلاً : إيل إيل لِمَ شبقتني ؟ أي : إلهي إلهي لماذا تركتني ؟ فكان أناس من القائمين يقولون : دعوا ننظر هل يأتي إيليا فيخلصه ، ثم صرخ أيضاً بصوت عالٍ وأسلم الروح . فلما رأى قائد المئة ما حدث مجد الله قائلاً : في الحقيقة كان هذا الرجل صديقاً . وكل الجموع الذين كانوا مجتمعين على هذا المنظر ، لما عاينوا ما حدث ، رجعوا وهم يقرعون صدروهم . وكان جميع معارفه والنساء اللواتي تبعنه من الجليل واقفين من بعيد ينظرون ذلك . وإذا برجل اسمه يوسف وهو صالح صديق . ولم يكن موافقاً لرأيهم وعملهم . فدنا إلى بيلاطس وسأله جسد يسوع فأعطاه إياه . فأنزله ولفه في كتان ووضعه في قبر منحوت لم يكن وضع فيه أحد . وكان يوم التهيئة أي : الجمعة وقد أخذ السبت يلوح .. وفي يوم السبت اجتمع عظماء الكهنة عند بيلاطس قائلين له : قد تذكرنا أن ذاك المضل كان يقول وهو حيّ : إني أقوم بعد ثلاثة أيام ، فمر أن يحرسوا القبور حتى اليوم الثالث ، لئلا يأتي تلاميذه فيسرقوه ليلاً ويقولوا للشعب : إنه قام من بين الأموات ، فتكون الضلالة الأخيرة شراً من الأولى ، فأمر لهم بجنود يحرسونه وحصنوا القبر وختموا الحجر مع الجنود ، وفي عشية السبت المسفر صباحه عن الأحد أتت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظر القبر » . قال مفسروهم : إن هذه الآية أتعبت العلماء في تفسيرها ، والتوفيق بين أجزائها ، وبين أقوال باقي الإنجيلين . « وإذا بزلزلة عظيمة قد صارت لأن ملك الرب انحدر من السماء ، وكان الملك جبريل ظهر بهيئة شاب ، وجاء فدحرج الحجر عن باب القبر وجلس فوقه ، وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج ، ومن الخوف منه اضطرب الحراس وصاروا كالأموات . فقال للنسوة : لا تخفن ، فقد عرفت أنكن تطلبن يسوع المصلوب ، إنه ليس ههنا ، فإنه قد قام . وقال لوقا : « كانت النساء اللواتي أتين معه من الجليل ، يتبعن ، فأبصرن القبر وكيف وضع فيه جسده . ثم رجعن وأعددن حنوطاً وأطياباً ، وفي السبت قررن على حسب الوصية . وفي أول الأسبوع باكراً جداً أتين إلى القبر وهن يحملن الحنوط الذي أعددناه . فوجدن الحجر قد دحرج عن القبر . فدخلن فلم يجدن جسد يسوع . وبينما هن متحيرات في ذلك إذا برجلين قد وقفا عندهن بلباس برّاق . وإذ كن خائفات ونكسن وجوههن إلى الأرض قالا لهن : لماذا تطلبن الحي بين الأموات . إنه ليس ههنا لكنه قام ، اذكرن كيف كلمكن ؟! وهو في الجليل . إذ قال : إنه ينبغي لابن البشر أن يُسلم إلى أيدي أناس خطأة ويصلب ويقوم في اليوم الثالث . فذكرن كلامه . ورجعن من القبر وأخبرن الأحد عشر وجميع الباقين بهذا كله . وقلن لهم : قد أخذوا يسوع من القبر ولا نعلم أين وضعوه . ومريم المجدلية وحنة ومريم أم يعقوب وأخر معهن هن اللواتي أخبرن الرسل بهذا . فكان عندهم عند الكلام كالهذيان ولم يصدقوهن . فقام بطرس وأسرع إلى القبر وتطلع فرأى الأكفان موضوعة على حدة ، فانصرف متعجباً في نفسه مما كان . وإن اثنين منهم كانا سائرين في ذلك اليوم إلى قرية اسمها عِمّاوْسُ بعيدة عن أورشليم ستين غلوة . وكانا يتحادثان عن تلك الحوادث كلها . وفيما هما يتحادثان ويتساءلان دنا منهما يسوع نفسه وكان يسير معهما . ولكن أمسكت أعينهما عن معرفته . فقال لهما : ما هذا الكلام الذي تتحاوران فيه ، وأنتما سائران مكتئبان ؟ . فأجاب أحدهما : أفأنت غريب في أورشليم ولم تعلم ما حدث بها في هذه الأيام ؟. فقال لهما : وما هو ؟ قالا له : ما يخص يسوع الناصري ، الذي كان رجلاً نبياً ، ذا قوة في العمل والقول ، أمام الله والشعب كله . وكيف أسلمه رؤساء الكهنة وحكامنا لقضاء الموت وصلبوه . واليوم هو اليوم الثالث لحدوث ذلك . إلا أن نساء منا أدهشننا لأنهن بكرن إلى القبر . فلم يجدن جسده فأتين وقلن : إنهن رأين مظهر ملائكة قالوا : إنه حي . فمضى قوم من الذين معنا إلى القبر فوجدوا كما قالت النساء لكنهم لم يروه . فقال لهما : يا قليلي الفهم وبطيئي القلب في الإيمان بكل ما نطقت به الأنبياء . أما كان ينبغي للمسيح أن يتألم هذه الآلام ثم يدخل إلى مجده ؟ . ثم أخذ يفسر لهما ، من موسى ومن جميع الأنبياء ، ما يختص به في الأسفار كلها . فلما اقتربوا من القرية التي كانا يقصدانها تظاهر بأنه منطلق إلى مكان أبعد . فألزماه قائلين : امكث معنا لأن المساء مقبل وقد مال النهار ، فدخل ليمكث معهما . ولما اتكأ معهما أخذ خبزاً وبارك وكسر وناولهما . فانفتحت أعينهما وعرفاه فغاب عنهما . فقال أحدهما للآخر : أما كانت قلوبنا مضطرمة فينا حين كان يخاطبنا في الطريق ويشرح لنا الكتب . وقاما في تلك الساعة ورجعا إلى أورشليم فوجدا الأحد عشر والذين معهم مجتمعين . وهم يقولون : لقد قام يسوع في الحقيقة وتراءى لسِمعان . فأخذا يخبران بما حدث في الطريق ، وكيف عرفاه عند كسر الخبز . وبينما هم يتحدثون بهذه وقف يسوع في وسطهم وقال لهم : السلام لكم ، أنا هو لا تخافوا . فاضطربوا وخافوا وظنوا أنهم يرون روحاً . فقال لهم : ما بالكم مرتعدين ، ولماذا ثارت الأوهام في قلوبكم ؟. انظروا يديّ ورجليّ ! إني أنا هو ، جسُّوني وانظروا ! فإن الروح لا لحم له ولا عظام كما ترون لي . ثم أراهم يديه ورجليه . وإذ كانوا غير مصدقين بعدُ من الفرح ومتعجبين قال : أعندكم ههنا طعام . فأعطوه قطعة من سمك مشوي وشهد عسل . فأخذ وأكل أمامهم . ثم أخذ الباقي وأعطاهم . وبعد مفاوضته معهم . خرج بهم إلى بيت عَنْيَا ورفع يديه وباركهم . وفيما هو يباركهم انفرد عنهم وصعد إلى السماء .
هذا ما جاء في إنجيل لوقا ممزوجاً ببعض تفاسيرهم ، وإنما آثرت النقل عنه لزعمهم أن كلامه أصح وأفصح ، وأشد انسجاماً من كلام باقي مؤلفي العهد الجديد ، كما في « ذخيرة الألباب » من كتبهم . ثم شرع القاسمي في بيان بطلان ما رووه وتهافته بالحجج الدامغة فقال : « اعلم أن في كتبهم الموجودة من التضارب في هذه القصة ما يقضي بالعجب ، ويبرهن على عدم الوثوق بها ، كما قال تعالى : « مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلم إِلاّ اتّبَاعَ الظّنّ »( ). قال البرهان البقاعي في « تفسيره » بعد - أن ساق أزيد مما سقناه عن أناجيلهم ، وقال : أحسن ما رُدّ على الإِنسَاْن بما يعتقده - ما نصه : فقد بان لك أن أناجيلهم كلها أتفقت على أن علمهم في أمره انتهى إلى واحد ، وهو الأسخريوطي ، وأما غيره من الأعداء فلم يكن يعرفه ، وإنه إنما وضع يده عليه ، ولم يقل بلسانه إنه هو ، وأن الوقت كان ليلاً ، وأن عيسى نفسه قال لأصحابه : كلكم تشكون فيّ هذه الليلة ، وأن تلاميذه كلهم هربوا ، فلم يكن لهم علم بعد ذلك بما اتفق في أمره ، وأن بطرس إنما تبعه من بعيد ، وأن الذي دل عليه خنق نفسه ، وأن الناقل لأن الملك قال : إنه قام من الأموات ، إنما هو نسوة كن عند القبر في مدى بعيد ، وما يدري النسوة الملك من غيره ، ونحو ذلك من الأمور التي لا تفيد غير الظن ، وأما الآيات التي وقعت على تقدير تسليمها لا يضرنا التصديق بها .. وتكون لجراءتهم على الله بصلب من يظنونه المسيح ، وهذا كله يصادق القرآن في أنهم في شك منه ، ويدل على أن المصلوب ، إن صح أنهم صلبوه ، من ظنوه إياه ، هو الذي دل عليه . قال بعض العلماء : إنه ألقى شبهه عليه ، ويؤيد ذلك قولهم إنه خنق نفسه ، فالظاهر أنهم لما لم يروه بعد ذلك ظنوا أنه خنق نفسه ، فجزموا به » . وقال العلامة خير الدين الآلوسي في « الجواب الفسيح » : « اعلم أن ما ذكره هذا النصراني من أن المسيح - عليه السلام - مات بجسده ، وأقام على الصليب إلى وقت الغروب من يوم الجمعة ، ثم أنزل ودفن ، وأقام في القبر إلى صبيحة يوم الأحد ، ثم انبعث حياً بلاهوته ، وتراءى للنسوة اللاتي جئن إلى قبره زائرات ، وظهر بعد لحوارييه .. إلى آخر ما قاله - هو ما أجمع عليه النصارى ، ويرد ذلك العقل والنقل ، وإن صدقتهم اليهود في قتله ، فاستمع من المنقول ما يتلى عليك بأذن واعية ، وخذ ما يأتيك من المعقول بالدلائل الهادية ، على أن المقتول هو الشبه ، وأن الحال عند صالبيه اشتبه ، وأن المسيح رفعه الله تعالى قبل القتل إليه ، لشرفه عنده ومكانته لديه ، قال الله تعالى في بيان حال اليهود : « وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ »( ) الآية ، وفي الإنجيل أن رئيس الكهنة أقسم على المأخوذ بالله : أأنت المسيح ابن الله ؟ فقال له : أنت قلت ، ولم يجبه بأنه المسيح ، فلو كان المقسم عليه هو المسيح لقال له : نعم ، ولم يُوَرّ ولم يتلعثم ، وهو محلف بالله ، لا سيما وهو بزعمهم الإله ، الذي نزل لخلاص عباده بإفداء نفسه ودخول الجحيم ولأواه . وقال لوقا في الفصل التاسع من إنجيله : « إن المسيح صعد قبل الصليب إلى جبل الخليل ومعه بطرس ويعقوب ويوحنا . فبينما هو يصلي إذ تغير منظر وجهه عما كان عليه ، وابيضت ثيابه ، وصارت تلمع كالبرق . وإذا موسى بن عِمْرَان وإيليا . قد ظهرا له وجاءت سحابة فأظلتهم . وأما الذين كانوا مع المسيح فوقع عليهم النوم فناموا » . وهذا من أوضح الدلالة على رفعه وحصول الشبه الذي نقول به ، إذ لا معنى لظهور موسى وإيليا ووقوع النوم على أصحابه إلا رفعه ، ألا ترى أن اليهود كانوا يسمعون منه - عليه السلام - أن إيليا يأتي ، فلما رفعوه على الخشبة ، كما في الأناجيل ، قالوا : دعوه حتى نرى أن إيليا يأتي فيخلصه ، فصاروا في شك يريدون تحقيقه ، فإن أتى إيليا فما رفعوه هو المسيح ، وإن لم يأت فهو غيره كما في ظنهم ، فلما لم يأت ازدادوا ريبة في أمره . ومن رآه الحواريون بعد يقظتهم ، يجوز أن يكون طوراً من أطوار روحه ، لأنه - عليه السلام - لا يبعد أن يكون له قوة التطور ، وتشكل الروح بعد الموت أمر ممكن ، لا سيما وقد صدرت على يديه معجزات أعظم من ذلك ، كإحياء الموتى ، وكثرة الخبز ، والحيتان ، وإبراء الأكمه والأبرص . وقال يوحنا التلميذ : « كان يسوع مع تلاميذه بالبستان فجاء اليهود في طلبه . فخرج إليهم يسوع وقال لهم : من تريدون ؟ قالوا : يسوع - وقد خفي شخصه عنهم - قال : أنا يسوع ، وفعل ذلك مرتين ، وقد أنكروا صورته » . فانظر أيها العاقل كيف اعترف هنا أنه يسوع لما علم أن الله تعالى تولى حراسته منهم ، وأنهم لا يقدرون أن ينالوه بسوء ، وكيف لم يعترف بأنه المسيح لما سأله رئيس الكهنة عن نفسه ، فعدم اعترافه هناك واعترافه هنا دليل واضح أيضاً على ما قاله الله سبحانه في القرآن العظيم هو الحق . ثم من الأدلة على عدم قتله ما اشتملت عليه الأناجيل من اختلاف المباني والمعاني والمقاصد والاضطراب في حكاية هذه الواقعة والتناقض في ألفاظها ، كدعواهم الألوهية مع قوله - عليه الصلاة والسلام - عند صلبه - بزعمهم - : « إلهي ! إلهي ! لم تركتني ؟ » ، وقوله كما في الفصل السادس والعشرين من إنجيل متى : « يا أبتاه ! إن كان لا يمكنك أن تفوتني هذه الكأس - أي : الموت - ولا بد لي أن أشربها ، فلتكن مشيئتك ، وقام يصلي » ، وقوله لرئيس الكهنة : « إنكم من الآن لا ترون ابن الإِنسَاْن حتى ترونه جالساً عن يمين القوة ، وآتياً في سحاب السماء » ، يريد بالقوة البارئ تعالى شأنه . وفي الفصل السابع من إنجيل يوحنا : « إن المريسيين ورؤساء الكهنة أرسلوا شُرُطاً ليقبضوا على المسيح - يعني ليقتلوه كما قال مفسروهم - قال : « أنا ماكث أيضاً معكم زماناً ، ثم انطلق إلى من أرسلني ، وتطلبوني فلا تجدونني ، وحيثما أكن فلا تستطيعون إليه سبيلاً » . قال اليهود في ذواتهم : فإلى أين ؟ هذا عتيد أن ينطلق حتى لا نجده نحن - قال مفسروهم أي : يصعد إلى السماء ، وغير ذلك مما لو أردنا ذكره والتنقير عنه لطال البحث . ثم نقل خير الدين نحواً مما أسلفناه عن أناجيلهم وقال بعض ذلك : « فَأجِل في تناقضها قداح فكرك ، وفي تهافتها خيول ذهنك ، لترى في هذه القصة ما يدلك على وقوع الشبه ونجاة المسيح عقلاً ونقلاً ، كما قال تعالى : « وَلَكِن شُبّهَ لَهُمْ » وليتبين لك عبوديته ورسالته - عليه السلام - فإن ذلك ظاهر من العبارات ، ولنزدك في البيان وضوحاً بما ننبهك عليه بكلمات يسيرة مقدوحاً ومشروحاً . منها : قولهم إنه صلب قبل غروب يوم الجمعة ودفن مساءها ، ولما جاءت النسوة عشية السبت المسفر صباحه عن الأحد ، وجدنه فارغاً ، وقد قام منه المدفون ، مع أن النصارى يزعمون كما في أناجيلهم ، أنه يبقى في قبره ثلاثة أيام ، كما بقي يونان - أي : يونس - في بطن الحوت ثلاثة أيام بلياليها ، فما هذا إلا دليل على الاختلاف والتهافت في الأمر . ومنها : سؤاله اليهود مرتين : « من تطلبون ؟ وهم يقولون : يسوع الناصري . فلم يعرفوه وهو يقول لهم : أنا . ومنها : أن يهوذا ارتشى ليدلهم عليه ، وجعل العلامة على تعيينه لهم تقبيل يده ، فلو كان معلوماً لهم لعرفوه بلا دلالة وبلا سؤال ، مع أنه كان بين أظهرهم وفي غالب الأيام في هيكلهم . ومنها : أنه لما أقسم عليه رئيس الكهنة أنه هو المسيح لم يقل له : أنا المسيح ، بل قال له : أنت قلت . ومنها : إنكار بطرس له وهو من أعظم رسله ، وإنكاره كفر . ومنها : أنه لما سأله الوالي : أنت هو ؟ لم يردّ له جواباً ، فلو كان هو لاعترف وأقرّ . ومنها : أنه لما كان أخذه ليلاً ، وقد شوهت صورته وتغيرت محاسنه بالضرب والنكال ، فهي حالة توجب اللبس بين الشيء وخلافه ، فكيف بين الشيء وشبهه ؟ فمن أين يحصل القطع بأنه هو ؟ لا سيما والنصارى قد حكموا أن المسيح - عليه السلام - قد أعطي قوة التحول من صورة إلى صورة ، ويحتمل أن المسيح ذهب من الجماعة الذين أطلقهم الأعوان ، وكان المتكلم معهم تلميذ أراد أن يبيع نفسه من الله تعالى وقاية للمسيح ، فألقى الله تعالى عليه الشبه ، وأتباع الأنبياء يفدون أنفسهم لأنبيائهم ، وهذا فدى نفسه لإلهه ، بزعم النصارى . ومنها : أنه يحتمل أن الأعوان ارتشوا على إطلاقه كما ارتشى يهوذا على الدلالة عليه ، وأخذوا غيره ممن يريد أن يفدي نفسه للمسيح ، والدليل عليه عدم اعترافه بأنه المسيح . ومنها : قوله - عليه السلام - الذي تقدم آنفاً : « أنا ماكث معكم زماناً ، ثم أنطلق إلى من أرسلني ، فتطلبوني فلا تجدوني ، وحيثما أكن فلا تستطيعون إلي سبيلاً » ، فهذا صريح في الثاني عشر من « إنجيل يوحنا » ما لفظه : « قال له الجموع : نحن سمعنا من الناموس أن المسيح يمكث إلى الأبد ، فكيف تقول أنت : أن ابن البشر سوف يرتفع ؟ من هو هذا ابن البشر ؟ قال لهم يسوع : إن النور معكم زماناً آخر يسيراً ، امشوا ما دام لكم النور ، لئلا يدرككم الظلام ، ومن يمش في الظلام فلا يدري أين يذهب ، آمنوا بالنور ما دام لكم النور ، قال يسوع هذا وذهب متوارياً عنهم » . ففي هذا الكلام أدلة كثيرة مؤيدة لقوله تعالى : « بَل رّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ »( ). منها : أن اليهود قالوا لعيسى : « إن المسيح المذكور في العهد القديم يمكث إلى الأبد » . أي : فإن كنت أنت المسيح فأنت لا تموت في هذا الزمان ، بل تبقى إلى قيام الساعة ، ولم يكذبهم في نقلهم ذلك . والمسلمون يقولون : إنه رفع حياً إلى السماء وهو الآن حي فيها ، وسينزل آخر الزمان عند قرب الساعة ، ويقتل الدجال ويحكم بالشريعة المحمدية ، ويتوفى ويدفن عند النبي - صَلّى اللهُ عليّه وسلّم - فهو حي إلى الأبد ، يعني إلى قرب قيام الساعة ، ونزوله وموته من أمارات الساعة الكبرى . وفي هذا القول دلالات ظاهرات أيضاً على أنه ليس بإله : أحدها : أنه قال : « ابن البشر » ، يعني لا تظنوا أني أدعي الألوهية وإن أحييت الموتى ، لأن ذلك معجزة خلقها الله تعالى على يديه للإيمان بنبوته . ثانيها : لو كان إلهاً لما توارى منهم خائفاً من قتلهم له ، لأن الإله هو خالق لهم ولعملهم ، وعالم بزمن قدرتهم عليه ، فكيف يفر وهو يعلم وقت موته ؟ وهو خالق الموت والحياة ؟ ثم إنه يحتمل أن الله تعالى ألقى شبهه على شيطان أو مارد من مردة الجن ليخلص نبيه ورسوله من أيدي أعدائه ، ويرفعه إليه محفوظاً مكرماً ، كما أجرى على يديه إحياء الموتى ، وخلقه من غير أب ، وأبرأ الأكمه والأبرص ، لا سيما - وهو بزعمهم - إنه العالم وخالق الإنس والجن وبني آدم ، فأي ضرورة تدعو لإثبات أنواع الإهانة والعذاب ، على ما زعموا لرب الأرباب ، مع وجود التناقض فيما نقلته أناجيلهم في هذا الفصل والباب .
عجباً للمســــيح بين النصـــارى وإلى أي : والد نســــــبوه
أســـلموه إلى اليهـــود وقالوا : إنهـــم بعـــد ضـربه صلبوه
فإذا كان ما يقولـــون حقاً وصحيـــحاً ، فأين كان أبـــــوه ؟
حين خلى ابنه رهين الأعادي أتراهم أرضوه أم أغضبوه ؟
فلئن كان راضـــياً بأذاهــــم فاحمدوهـــــم لأنهــــم عذبـوه
ولئن كان ســـاخطاً فاتركـــوه واعبدوهــــم لأنهــــم غلبوه
الباحث : محمود بن سعيد الشيخ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تابع جبل الشيح - جبل الجليل - 2
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
قطنا :: المنتديات العامة :: شخصيات لها تاريخ-
انتقل الى: