قطنا
مرحبا بك في منتديات قطنا الثقافية و العلمية
و نشكر زيارتكم
ولتتمكن من الإستمتاع بكافة ما يوفره لك هذا المنتدى من خصائص, يجب عليك أن تسجل الدخول الى حسابك في المنتدى. إن لم يكن لديك حساب بعد, نتشرف بدعوتك لإنشائه.
و يرجى الانتباه بادخال الايميل الصحيح لانه عند التسجيل ستصلك رسالة تفعيل رمز الدخول الى بريدك الالكتروني و بعد التفعيل ستتمكن من الدخول بالاسم و كلمة المرور التي ادخلتها
كما ندعوكم لزيارة موقعنا قطنا نت www.qatana.net
قطنا
مرحبا بك في منتديات قطنا الثقافية و العلمية
و نشكر زيارتكم
ولتتمكن من الإستمتاع بكافة ما يوفره لك هذا المنتدى من خصائص, يجب عليك أن تسجل الدخول الى حسابك في المنتدى. إن لم يكن لديك حساب بعد, نتشرف بدعوتك لإنشائه.
و يرجى الانتباه بادخال الايميل الصحيح لانه عند التسجيل ستصلك رسالة تفعيل رمز الدخول الى بريدك الالكتروني و بعد التفعيل ستتمكن من الدخول بالاسم و كلمة المرور التي ادخلتها
كما ندعوكم لزيارة موقعنا قطنا نت www.qatana.net
قطنا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
قطنا

منتدى مدينة قطنا
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  
"وقـل اعمـلوا فسـيرى الله عـملكم ورسـوله والمؤمنـون"    

 

 تابع جبل الشيح - جبل الجليل - 3

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو محمد الشيخ
عضو فعال
عضو فعال
avatar


المزاج : قطنا
ذكر
عدد المساهمات : 111
نقاط : 331
تاريخ الميلاد : 30/01/1948
العمر : 76
تاريخ التسجيل : 08/11/2010
مكان الإقامة : سوريا-قطنا

تابع جبل الشيح - جبل الجليل - 3 Empty
مُساهمةموضوع: تابع جبل الشيح - جبل الجليل - 3   تابع جبل الشيح - جبل الجليل - 3 Emptyالخميس يوليو 12, 2012 3:09 am

تابع جبل الشيح - جبل الجليل - 3
وفي كتاب « الفاصل بين الحق والباطل » ما نصه : « وفي الذي اتخذتموه شهيدًا على صلبه من كلام عاموص النبي ، أن الله تعالى قال على لسانه : « ثلاثة ذنوب أقبل لبني إسرائيل ، والرابعة لا أقبلها : بيعهم الرجل الصالح » حجة عليكم لا لكم ، لأنه لم يقل بيعهم إياي ، ولا قال بيعهم إلهًا متساوياً معي . ويجري تأويل ذلك على وجهين : إما أن يكون عنى بالمبيع عيسى - كما تزعمون - فقولوا حينئذ إنه « الرجل الصالح » كما قال عاموص ، وليس بالإله المعبود ، وإما أن يريد بالمبيع غيره وهو الذي شبه لليهود فابتاعوه وصلبوه ، ويلزمكم وقتئذ إنكار صلوبية عيسى - عليه السلام - كيف لا ونصوص الإنجيل والكتب النصرانية متضافرة دالة على عدم الصلب لعيسى - عليه السلام - ووقوع الشبه على غيره ، وذلك من وجوه . أحدها : يوجد في الإنجيل أن عيسى - عليه السلام - « صعد إلى جبل الجليل ، ومعه بطرس ويعقوب ويوحنا ، فبينما هو يصلي إذ تغير منظر وجهه عما كان عليه ، وابيضت ثيابه فصارت تلمع كالبرق ، وإذا بموسى بن عِمْرَان وإيليا قد ظهرا له ، وجاءت سحابة فأظلتهم ، فوقع النوم على الذين معه » . فأي مانع يمنع من أن يكون ذلك قد وقع في اليوم الذي طلبته فيه اليهود ، وإنما قد اختلفتم في نقلها كما اختلفتم وتناقضتم في غير ذلك ، وغيرتم الكلم عن مواضعه ، وظهور الأنبياء - عليهم السلام - وتظليل السحابة ، ووقوع النوم على التلاميذ ، يكون حينئذ دليلاً ظاهراً على الرفع إلى السماء وعدم الصلب ، وإلا فلا معنى لظهور هذه الآيات . وثانيها : ما في الإنجيل أيضاً : « أن المصلوب قد استسقى اليهود فأعطوه خلاً مضافاً بمر ، فذاقه ولم يشربه ، فنادى : إلهي إلهي لم خذلتني ؟ » والأناجيل كلها مصرحة بأنه - عليه السلام - كان يطوي أربعين يومًا وأربعين ليلة ، ويقول للتلاميذ : « إن لي طعاماً لستم تعرفونه » . ومن يصبر على العطش والجوع أربعين يومًا وليلة ، كيف يظهر الحاجة والمذلة لأعدائه بسبب عطش يوم واحد ؟ هذا لا يفعله أدنى الناس ، فكيف بخواص الأنبياء ؟ أو كيف بالرب على ما تدعونه ؟ فيكون حينئذ المدعي للعطش غيره ، وهو الذي شبه لكم . وثالثها : قوله : « إلهي إلهي لم خذلتني وتركتني ؟ » هو كلام يقتضي عدم الرضا بالقضاء ، وعدم التسليم لأمر الله تعالى ، وعيسى - عليه السلام - منزه عن ذلك ، فيكون المصلوب غيره ، لا سيما وأنتم تقولون : إن المسيح - عليه السلام - إنما نزل ليؤثر العالم على نفسه ، ويخلّصه من الشيطان ورجسه ، فكيف تروون عنه ما يؤدي إلى خلاف ذلك ؟ مع روايتكم في توراتكم أن إبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى وهارون - عليهم السلام - لما حضرهم الموت كانوا مستبشرين بلقاء ربهم ، فرحين بانقلابهم إلى سعيهم ، لم يجزعوا من الموت ، ولم يستقيلوا منه ، ولم يهابوا مذاقه ، مع أنهم عبيده . والمسيح بزعمكم وَلَدٌ وَرَبٌّ ، فكان ينبغي أن يكون أثبت منهم ، ولما لم يكن كذلك دل على أن المصلوب غيره ، وهو الذي شبه لكم . ثم تابع القاسمي نقوله وأقواله فقال : فصل فيما روي عن سلفنا الكرام - رضي الله عنهم - في تفسير هذه الآية : « قال الإمام الحافظ ابن كثير الدمشقي في تفسيره هنا ما نصه : « وَكَانَ مِنْ خَبَر الْيَهُود ... أَنَّهُ لَمَّا بَعَثَ اللَّه عِيسَى اِبْن مَرْيَم بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ، حَسَدُوهُ عَلَى مَا آتَاهُ اللَّه تَعَالَى مِنْ النُّبُوَّة وَالْمُعْجِزَات الْبَاهِرَات ، الَّتِي كَانَ يُبْرِئ بِهَا الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص وَيُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّه ، وَيُصَوِّر مِنْ الطِّين طَائِراً ثُمَّ يَنْفُخ فِيهِ فَيَكُون طَائِراً يُشَاهِد طَيَرَانه بِإِذْنِ اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْمُعْجِزَات الَّتِي أَكْرَمَهُ اللَّه بِهَا وَأَجْرَاهَا عَلَى يَدَيْهِ ، وَمَعَ هَذَا كَذَّبُوهُ وَخَالَفُوهُ وَسَعَوْا فِي أَذَاهُ بِكُلِّ مَا أَمْكَنَهُمْ حَتَّى جَعَلَ نَبِيّ اللَّه عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَام - لَا يُسَاكِنهُمْ فِي بَلْدَة بَلْ يُكْثِر السِّيَاحَة هُوَ وَأُمّه - عَلَيْهِمَا السَّلَام - ثُمَّ لَمْ يُقْنِعهُمْ ذَلِكَ حَتَّى سَعَوْا إِلَى مَلِك دِمَشْق فِي ذَلِكَ الزَّمَان ، وَكَانَ رَجُلاً مُشْرِكاً مِنْ عَبَدَة الْكَوَاكِب ، وَكَانَ يُقَال لِأَهْلِ مِلَّته الْيُونَان ، وَأَنْهَوْا إِلَيْهِ أَنَّ فِي بَيْت الْمَقْدِس رَجُلاً يَفْتِن النَّاس وَيُضِلّهُمْ ، وَيُفْسِد عَلَى الْمَلِك رَعَايَاهُ . فَغَضِبَ الْمَلِك مِنْ هَذَا وَكَتَبَ إِلَى نَائِبه بِالْقُدْسِ أَنْ يَحْتَاط عَلَى هَذَا الْمَذْكُور ، وَأَنْ يَصْلُبهُ وَيَضَع الشَّوْك عَلَى رَأْسه ، وَيَكُفّ أَذَاهُ عَنْ النَّاس . فَلَمَّا وَصَلَ الْكِتَاب اِمْتَثَلَ وَالِي بَيْت الْمَقْدِس ذَلِكَ ، وَذَهَبَ هُوَ وَطَائِفَة مِنْ الْيَهُود إِلَى الْمَنْزِل الَّذِي فِيهِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَام - وَهُوَ فِي جَمَاعَة مِنْ أَصْحَابه اِثْنَيْ عَشَر أَوْ ثَلَاثَة عَشَر وَقَيلَ سَبْعَة عَشَر نَفَراً . وَكَانَ ذَلِكَ يَوْم الْجُمُعَة بَعْد الْعَصْر لَيْلَة السَّبْت فَحَصَرُوهُ هُنَالِكَ . فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِمْ ، وَأَنَّهُ لَا مَحَالَة مِنْ دُخُولهمْ عَلَيْهِ ، أَوْ خُرُوجه إِلَيْهِمْ ، قَالَ لِأَصْحَابِهِ : أَيّكُمْ يُلْقَى عَلَيْهِ شَبَهِي وَهُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّة ؟ فَانْتُدِبَ لِذَلِكَ شَابّ مِنْهُمْ ، فَكَأَنَّهُ اِسْتَصْغَرَهُ عَنْ ذَلِكَ ، فَأَعَادَهَا ثَانِيَة وَثَالِثَة ، وَكُلّ ذَلِكَ لَا يُنْتَدَب إِلَّا ذَلِكَ الشَّابّ ، فَقَالَ : أَنْتَ هُوَ ، وَأَلْقَى اللَّه عَلَيْهِ شَبَه عِيسَى حَتَّى كَأَنَّهُ هُوَ ، وَفُتِحَتْ رَوْزَنَة مِنْ سَقْف الْبَيْت ، وَأَخَذَتْ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَام - سِنَةٌ مِنْ النَّوْم فَرُفِعَ إِلَى السَّمَاء ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : « إِذْ قَالَ اللَّه يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيك وَرَافِعك إِلَيَّ »( ) الْآيَة . فَلَمَّا رُفِعَ خَرَجَ أُولَئِكَ النَّفَر ، فَلَمَّا رَأَى أُولَئِكَ ذَلِكَ الشَّابّ ظَنُّوا أَنَّهُ عِيسَى فَأَخَذُوهُ فِي اللَّيْل وَصَلَبُوهُ وَوَضَعُوا الشَّوْك عَلَى رَأْسه ، وَأَظْهَرَ الْيَهُود أَنَّهُمْ سَعَوْا فِي صَلْبه وَتَبَجَّحُوا بِذَلِكَ وَسَلَّمَ لَهُمْ طَوَائِف مِنْ النَّصَارَى ذَلِكَ لِجَهْلِهِمْ وَقِلَّة عَقْلهمْ ، مَا عَدَا مَنْ كَانَ فِي الْبَيْت مَعَ الْمَسِيح فَإِنَّهُمْ شَاهَدُوا رَفْعه . وَأَمَّا الْبَاقُونَ فَإِنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَّ الْيَهُود أَنَّ الْمَصْلُوب هُوَ الْمَسِيح اِبْن مَرْيَم حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّ مَرْيَم جَلَسَتْ تَحْت ذَلِكَ الْمَصْلُوب وَبَكَتْ ، وَيُقَال إِنَّهُ خَاطَبَهَا - وَاَللَّه أَعْلَم - وَهَذَا كُلّه مِنْ اِمْتِحَان اللَّه عِبَاده لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْحِكْمَة الْبَالِغَة ، وَقَدْ أَوْضَحَ اللَّه الْأَمْر وَجَلَّاهُ وَبَيَّنَهُ وَأَظْهَرَهُ فِي الْقُرْآن الْعَظِيم الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُوله الْكَرِيم ، الْمُؤَيَّد بِالْمُعْجِزَاتِ وَالْبَيِّنَات ، وَالدَّلَائِل الْوَاضِحَات ، فَقَالَ تَعَالَى وَهُوَ أَصْدَق الْقَائِلِينَ ، وَرَبّ الْعَالَمِينَ الْمُطَّلِع عَلَى السَّرَائِر وَالضَّمَائِر ، الَّذِي يَعْلَم السِّرّ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض ، الْعَالِم بِمَا كَانَ وَمَا يَكُون ، وَمَا لَمْ يَكُنْ لَوْ كَانَ كَيْف يَكُون : « وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ »( ) أي : رَأَوْا شَبَهه فَظَنُّوهُ إِيَّاهُ . وَلِهَذَا قَالَ : « وَإِنَّ الَّذِينَ اِخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكّ مِنْهُ ، مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْم إِلَّا اِتِّبَاع الظَّنّ »( ) يَعْنِي بِذَلِكَ مَنْ اِدَّعَى أَنَّهُ قَتَلَهُ مِنْ الْيَهُود وَمَنْ سَلَّمَهُ إِلَيْهِمْ مِنْ جُهَّال النَّصَارَى ، كُلّهمْ فِي شَكّ مِنْ ذَلِكَ وَحَيْرَة وَضَلَال وَسُعُر . وَلِهَذَا قَالَ : « وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً »( ) أي : وَمَا قَتَلُوهُ مُتَيَقِّنِينَ أَنَّهُ هُوَ بَلْ شَاكِّينَ مُتَوَهِّمِينَ . « بَلْ رَفَعَهُ اللَّه إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّه عَزِيزاً »( ) أي : مَنِيع الْجَنَاب لَا يُرَام جَنَابه ، وَلَا يُضَام مَنْ لَاذَ بِبَابِهِ « حَكِيماً »( ) أي : فِي جَمِيع مَا يُقَدِّرهُ وَيَقْضِيه مِنْ الْأُمُور الَّتِي يَخْلُقهَا ، وَلَهُ الْحِكْمَة الْبَالِغَة وَالْحُجَّة الدَّامِغَة وَالسُّلْطَان الْعَظِيم وَالْأَمْر الْقَدِيم .
وقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : فيما رواه بسنده عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : لَمَّا أَرَادَ اللَّه أَنْ يَرْفَع عِيسَى إِلَى السَّمَاء خَرَجَ عَلَى أَصْحَابه ، وَفِي الْبَيْت اِثْنَا عَشَر رَجُلاً مِنْ الْحَوَارِيِّينَ ، يَعْنِي : فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ مِنْ عَيْن فِي الْبَيْت وَرَأْسه يَقْطُر مَاء ، فَقَالَ : إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يَكْفُر بِي اِثْنَيْ عَشْر مَرَّة بَعْد أَنْ آمَنَ بِي . قَالَ : ثُمَّ قَالَ : أَيّكُمْ يُلْقَى عَلَيْهِ شَبَهِي فَيُقْتَل مَكَانِي وَيَكُون مَعِي فِي دَرَجَتِي ؟ فَقَامَ شَابّ مِنْ أَحْدَثهمْ سِنّاً فَقَالَ لَهُ : اِجْلِسْ . ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِمْ فَقَامَ ذَلِكَ الشَّابّ فَقَالَ : اِجْلِسْ . ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِمْ فَقَامَ الشَّابّ فَقَالَ : أَنَا . فَقَالَ : هُوَ أَنْتَ ذَاكَ ، فَأُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَه عِيسَى ، وَرُفِعَ عِيسَى مِنْ رَوْزَنَة فِي الْبَيْت إِلَى السَّمَاء . قَالَ : وَجَاءَ الطَّلَب مِنْ الْيَهُود فَأَخَذُوا الشَّبَه فَقَتَلُوهُ ثُمَّ صَلَبُوهُ ، فَكَفَرَ بِهِ بَعْضهمْ اِثْنَتَيْ عَشْرَة مَرَّة بَعْد أَنْ آمَنَ بِهِ ، وَافْتَرَقُوا ثَلَاث فِرَق : فَقَالَتْ فِرْقَة : كَانَ اللَّه فِينَا مَا شَاءَ ، ثُمَّ صَعِدَ إِلَى السَّمَاء وَهَؤُلَاءِ الْيَعْقُوبِيَّة . وَقَالَتْ فِرْقَة : كَانَ فِينَا اِبْن اللَّه مَا شَاء ثُمَّ رَفَعَهُ اللَّه إِلَيْهِ ، وَهَؤُلَاءِ النَّسْطُورِيَّة . وَقَالَتْ فِرْقَة : كَانَ فِينَا عَبْد اللَّه وَرَسُوله مَا شَاءَ اللَّه ثُمَّ رَفَعَهُ اللَّه إِلَيْهِ ، وَهَؤُلَاءِ الْمُسْلِمُونَ . فَتَظَاهَرَتْ الْكَافِرَتَانِ عَلَى الْمُسْلِمَة فَقَتَلُوهَا ، فَلَمْ يَزَلْ الْإِسْلَام طَامِساً حَتَّى بَعَثَ اللَّه مُحَمَّداً ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح إِلَى اِبْن عَبَّاس ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي كُرَيْب عَنْ أَبِي مُعَاوِيَة ِنَحْوِهِ . وَكَذَا ذَكَرَهُ غَيْر وَاحِد مِنْ السَّلَف أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ : أَيّكُمْ يُلْقَى عَلَيْهِ شَبَهِي فَيُقْتَل مَكَانِي ، وَهُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّة ؟ .
وَقَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد حَدَّثَنَا يَعْقُوب الْقُمِّيّ عَنْ هَارُون بْن عَنْتَرَة عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه قَالَ : أُتِيَ عِيسَى وَمَعَهُ سَبْعَة عَشَر مِنْ الْحَوَارِيِّينَ فِي بَيْت ، فَأَحَاطُوا بِهِمْ ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ صَوَّرَهُمْ اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - كُلّهمْ عَلَى صُورَة عِيسَى ، فَقَالُوا لَهُمْ : سَحَرْتُمُونَا ، لَتَبْرُزَن لَنَا عِيسَى أَوْ لنقْتُلَنكُمْ جَمِيعاً ، فَقَالَ عِيسَى لِأَصْحَابِهِ : مَنْ يَشْرِي نَفْسه مِنْكُمْ الْيَوْم بِالْجَنَّةِ ؟ فَقَالَ رَجُل مِنْهُمْ : أَنَا . فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ ، وَقَالَ : أَنَا عِيسَى . وَقَدْ صَوَّرَهُ اللَّه عَلَى صُورَة عِيسَى ، فَأَخَذُوهُ فَقَتَلُوهُ وَصَلَبُوهُ ، فَمِنْ ثَمَّ شُبِّهَ لَهُمْ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ قَتَلُوا عِيسَى ، وَظَنَّتْ النَّصَارَى مِثْل ذَلِكَ أَنَّهُ عِيسَى ، وَرَفَعَ اللَّه عِيسَى مِنْ يَوْمه ذَلِكَ . قال ابن كثير : وَهَذَا سِيَاق غَرِيب جِدّاً . ثَم قَالَ اِبْن جَرِير : وَقَدْ رُوِيَ عَنْ وَهْب نَحْو هَذَا الْقَوْل وَهُوَ مَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى ، حدثنا إسحاق حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل عَنْ عَبْد الْكَرِيم حَدَّثَنِي عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل أَنَّهُ سَمِعَ وَهْباً يَقُول : إِنَّ عِيسَى اِبْن مَرْيَم لَمَّا أَعْلَمَهُ اللَّه أَنَّهُ خَارِج مِنْ الدُّنْيَا جَزِعَ مِنْ الْمَوْت ، وَشَقَّ عَلَيْهِ ، فَدَعَا الْحَوَارِيِّينَ فَصَنَعَ لَهُمْ طَعَاماً فَقَالَ : احْضُرُونِي اللَّيْلَة فَإِنَّ لِي إِلَيْكُمْ حَاجَة ، فَلَمَّا اِجْتَمَعُوا إِلَيْهِ مِنْ اللَّيْل عَشَّاهُمْ وَقَامَ يَخْدُمهُمْ ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ الطَّعَام أَخَذَ يَغْسِل أَيْدِيهمْ وَيُوَضِّئهُمْ بِيَدِهِ وَيَمْسَح أَيْدِيهمْ بِثِيَابِهِ فَتَعَاظَمُوا ذَلِكَ وَتَكَارَهُوهُ . فَقَالَ : أَلَا مَنْ رَدَّ عَلَيَّ اللَّيْلَة شَيْئاً مِمَّا أَصْنَع فَلَيْسَ مِنِّي ، وَلَا أَنَا مِنْهُ . فَأَقَرُّوهُ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ ، قَالَ : أَمَّا مَا صَنَعْت بِكُمْ اللَّيْلَة مِمَّا خَدَمْتُكُمْ عَلَى الطَّعَام وَغَسَلْت أَيْدِيكُمْ بِيَدِي ، فَلْيَكُنْ لَكُمْ بِي أُسْوَة ، فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَ أَنِّي خَيْركُمْ فَلَا يَتَعَاظَم بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض ، وَلْيَبْذُلْ بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ نَفْسه كَمَا بَذَلْت نَفْسِي لَكُمْ ، وَأَمَّا حَاجَتِي اللَّيْلَة الَّتِي اِسْتَعَنْتُكُمْ عَلَيْهَا ، فَتَدْعُونَ اللَّه لِي ، وَتَجْتَهِدُونَ فِي الدُّعَاء أَنْ يُؤَخِّر أَجَلِي ، فَلَمَّا نَصَبُوا أَنْفُسهمْ لِلدُّعَاءِ ، وَأَرَادُوا أَنْ يَجْتَهِدُوا ، أَخَذَهُمْ النَّوْم حَتَّى لَمْ يَسْتَطِيعُوا دُعَاء ، فَجَعَلَ يُوقِظهُمْ وَيَقُول : سُبْحَان اللَّه ! أَمَا تَصْبِرُونَ لِي لَيْلَة وَاحِدَة تُعِينُونَي فِيهَا ، فَقَالُوا : وَاَللَّه ! مَا نَدْرِي مَا لَنَا ؟ لَقَدْ كُنَّا نَسْمُر فَنُكْثِر السَّمَر ، وَمَا نُطِيق اللَّيْلَة سَمَراً ، وَمَا نُرِيد دُعَاء إِلَّا حِيلَ بَيْننَا وَبَيْنه . فَقَالَ : يَذْهَب الرَّاعِي وَتتُفَرَّق الْغَنَم . وَجَعَلَ يَأْتِي بِكَلَامٍ نَحْو هَذَا يَنْعِي بِهِ نَفْسه . ثُمَّ قَالَ : الْحَقّ ، لَيَكْفُرَن بِي أَحَدكُمْ قَبْل أَنْ يَصِيح الدِّيك ثَلَاث مَرَّات ، وَلَيَبِيعَنِّي أَحَدكُمْ بِدَرَاهِم يَسِيرَة وَلَيَأْكُلَن ثَمَنِي ، فَخَرَجُوا فَتَفَرَّقُوا ، وَكَانَتْ الْيَهُود تَطْلُبهُ ، وَأَخَذُوا شَمْعُونَ أَحَد الْحَوَارِيِّينَ وَقَالُوا : هَذَا مِنْ أَصْحَابه فَجَحَدَ وَقَالَ : مَا أَنَا بِصَاحِبِهِ ، فَتَرَكُوهُ . ثُمَّ أَخَذَهُ آخَرُونَ فَجَحَدَ كَذَلِكَ ، ثُمَّ سَمِعَ صَوْت دِيك فَبَكَى وَأَحْزَنَهُ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى أَحَد الْحَوَارِيِّينَ إِلَى الْيَهُود ، فَقَالَ : مَا تَجْعَلُونَ لِي إِنْ دَلَلْتُكُمْ عَلَى الْمَسِيح ؟ فَجَعَلُوا لَهُ ثَلَاثِينَ دِرْهَماً ، فَأَخَذَهَا وَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ ، وَكَانَ شُبِّهَ عَلَيْهِمْ قَبْل ذَلِكَ ، فَأَخَذُوهُ فَاسْتَوْثَقُوا مِنْهُ ، وَرَبَطُوهُ بِالْحَبْلِ ، وَجَعَلُوا يَقُودُونَهُ وَيَقُولُونَ لَهُ : أَنْتَ كُنْت تُحْيِي الْمَوْتَى وَتَنْتهَر الشَّيْطَان ، وَتُبْرِئ الْمَجْنُون ، أَفَلَا تُنْجِي نَفْسك مِنْ هَذَا الْحَبْل ؟ وَيَبْصُقُونَ عَلَيْهِ وَيُلْقُونَ عَلَيْهِ الشَّوْك ، حَتَّى أَتَوْا بِهِ الْخَشَبَة الَّتِي أَرَادُوا أَنْ يَصْلُبُوهُ عَلَيْهَا ، فَرَفَعَهُ اللَّه إِلَيْهِ وَصَلَبُوا مَا شُبِّهَ لَهُمْ فَمَكَثَ سَبْعاً ، ثُمَّ إِنَّ أُمّه وَالْمَرْأَة الَّتِي كَانَ يُدَاوِيهَا عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَام - فَأَبْرَأهَا اللَّه مِنْ الْجُنُون ، جَاءَتَا تَبْكِيَانِ حَيْثُ الْمَصْلُوب فَجَاءَهُمَا عِيسَى فَقَالَ : عَلامَ تَبْكِيَانِ ؟ فَقَالَتَا عَلَيْك . فَقَالَ : إِنِّي قَدْ رَفَعَنِي اللَّه إِلَيْهِ ، وَلَمْ يُصِبْنِي إِلَّا خَيْراً ، وَإِنَّ هَذَا شَيء شُبِّهَ لَهُمْ . فَأْمُرَا الْحَوَارِيِّينَ أن يَلْقَوْنِي إِلَى مَكَان كَذَا وَكَذَا ، فَلَقُوهُ إِلَى ذَلِكَ الْمَكَان أَحَد عَشَر ، وَفَقَدُوا الَّذِي كَانَ بَاعَهُ وَدَلَّ عَلَيْهِ الْيَهُود فَسَأَلَ عَنْهُ أَصْحَابه ، فَقَالَوَا : إِنَّهُ نَدِمَ عَلَى مَا صَنَعَ ، فَاخْتَنَقَ وَقَتَلَ نَفْسه ، فَقَالَ : لَوْ تَابَ لَتَابَ اللَّه عَلَيْهِ . ثُمَّ سَأَلَهُمْ عَنْ غُلَام يتَبِعَهُمْ يُقَال لَهُ يُحَنَّى ، فَقَالَ : هُوَ مَعَكُمْ فَانْطَلِقُوا فَإِنَّهُ َيُصْبِحُ كُلّ إِنْسَان يُحَدِّث بِلُغَةِ قَوْمه ، فَلْيُنْذِرهُمْ وَلْيَدْعُهُمْ . قال ابن كثير : سِيَاق غَرِيب جِدّاً . وقال ابن جريج عن مجاهد : صلبوا رجلاً شبه بعيسى ، ورفع الله - عز وجل - عيسى إلى السماء حياً .
ثم تابع القاسمي حديثه في فصل رد فيه زعم النصارى أن إلقاء الشبه يفضي إلى السفسطة فقال : قال خير الدين في « الجواب الفسيح » قال النصارى : القول بإلقاء الشبه على عيسى - عليه السلام - قول يفضي إلى السفسطة ، والدخول في الجهالات ، وما لا يليق بالعقلاء ، لأنا إذا جوزنا ذلك فينبغي إذا رأى الإِنسَاْن ولده أو زوجته لم يثق بأنه ولده أو زوجته ، وكذلك سائر المعارف ، لا يثق الإِنسَاْن بأحد منهم ولا يسكن إليه ، ونحن نعلم بالضرورة أن الإِنسَاْن يقطع بأن ولده هو ولده ، وإن كل واحد من معارفه هو ، من غير شك ولا ريبة ، بل القول بالشبه يمنع من الوثوق بمدينة الإِنسَاْن ووطنه إذا دخله ، ولعله مكان آخر ألقي عليه الشبه ، بل إذا غمض الإِنسَاْن عينيه عن صديقه بين يديه لحظة ، ثم فتحها ، ينبغي أن لا يقطع بأنه صديقه ، لجواز إلقاء الشبه على غيره ، وكل ذلك خلاف الضرورة ، فالقول بإلقاء الشبه على غير عيسى خلاف الضرورة ، كالقول بأن الواحد نصف العشرة مثلاً ، فلا يسمع .
والجواب عنه من وجوه :
أحدهما :- أن هذا تهويل ليس عليه تعويل ، بل البراهين القاطعة ، والأدلة الساطعة قائمة على أن الله تعالى خلق الإِنسَاْن وجملة أجزاء العالم ، وإن حكم الشيء حكم مثله : فما من شيء خلقه الله تعالى في العالم إلا هو قادر على خلق مثله ، لتعذر خلقه في نفسه ، فيلزم أن يكون خلق الإِنسَاْن مستحيلاً ، بل جملة العالم ، وهو محال بالضرورة ، وإذا ثبت أن الله تعالى قادر على خلق مثل لكل شيء في العالم ، فجميع صفات جسد عيسى - عليه السلام - لها أمثال في حيز الإمكان في العدم ، يمكن خلقها في محل آخر غير جسد المسيح ، فيحصل الشبه قطعاً ، فالقول بالشبه قول بأمر ممكن ، لا بما هو خلاف الضرورة ، ويؤنس ذلك أن التوراة مصرحة بأن الله تعالى خلق جميع ما للحية في عصا موسى - عليه السلام - وهو أعظم من الشبه ، فإن جَعْلَ حيوان يشبه حيواناً ، وإنسان يشبه إنساناً - أقرب من جعل نبات يشبه حيواناً ، وقلب العصا مما أجمع عليه اليهود والنصارى ، كما أجمعوا على قلب النار برداً وسلاماً ، وعلى قلب لون يد موسى - عليه السلام - وعلى انقلاب الماء خمراً وزيتاً للأنبياء - عليهم السلام - وإذا جوزوا مثل هذا فيجوز إلقاء الشبه من غير استحالة ، على أن عيسى - عليه السلام - قد خولفت عادة الله تعالى الأغلبية في خلقه من ماءٍ واحدٍ ، ونفخ جبريل في جيب مريم ، فجعلُ شبهه على غيره ليس بأبعد من العادة ، من خلقه ، على أن إحياءه للموتى ، وإبراءَه للأبرص والأكمه أعظم من إلقاء شبهه على غيره ، على أن عروجه إلى السماء بناسوته وخرق السماء والتئامها ، ليس بأهون من ذلك ، على أن رد الشمس ليوشع بن نون ، ومشي عيسى وحواريّه على الماء ، وسائر معجزات أنبياء بني إسرائيل ، ليس بأهون مما هنالك ، وإذا صح عند النصارى انقلاب الخبز إلى جسد المسيح ، والخمر إلى دمه في العشاء السرّي ، لِمَ لا يمكن أن يوقع شبهه على أحدهم ؟ كما لا يخفى .
وثانيها :- أن الإنجيل ناطق بأن المسيح - عليه السلام - نشأ بين ظهراني اليهود ، وحضر مراراً عديدة في مواسمهم وأعيادهم وهياكلهم ، يعظهم ويعلمهم ويناظرهم ، ويتعجبون من براعته وكثرة تحصيله ، حتى إنهم - كما في الإنجيل - يقولون : أليس هذا ابن يوسف ؟ أليست أمه مريم ؟ أليس إخوته عندنا ؟ فمن أين له هذه الحكمة ؟ إذاً ، كان في غاية الشهرة والمعرفة عندهم . وقد نص الإنجيل على أنهم عند إرادة الصلب لم يحققوه ، حتى دفعوا لتلميذه ثلاثين درهماً ليدلهم عليه ، فما حاجتهم حينئذ أن يكتروا رجلاً من تلاميذه ليعرفهم شخصه ؟ لولا وقوع الشبه الذي نقول به .
وثالثها :- أنه كما تقدم في الأناجيل ، أخذ في حندس من الليل المظلم في حالة شُوِّهت صورته وغُيّرت محاسنه وهيئته ، بالضرب والسحب وأنواع النكال الموجبة لتغير الحال ، ومثل ذلك يوجب اللبس بين الشيء وخلافه ، فكيف بين الشيء وشبهه ؟ حتى إن رئيس الكهنة عند إحضاره أقسم عليه ، هل هو يسوع المسيح ابن الله ؟ فلم يجبه ، ولو كان هو لأجابه ، فمن أين للنصارى واليهود القطع بأن المصلوب هو عين عيسى - عليه السلام - دون شبهه ؟ بل إنما يحصل الظن والتخمين كما قال تعالى في كتابه المبين : « وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَل رّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ »( ).
رابعها :- قد تقدم في الأناجيل أنه لما جاء اليهود إلى محله خرج إليهم وقال : من تريدون ؟ قالوا : يسوع - وقد خفي شخصه عليهم - ففعل ذلك مرتين ، وهم ينكرون صورته ، وهذا دليل الشبه ، ورفع عيسى - عليه السلام - ولا سيما وقد نقل غير واحد من العلماء عن بعض النصارى القول بأن المسيح - عليه السلام - كان قد أعطي قوة التحول من صورة إلى صورة .
خامسها : قول متى في « الفصل الخامس والعشرين » من « إنجيله » ما لفظه : « حينئذ قال لهم يسوع كلكم تشكون فيّ هذه الليلة ، لأنه مكتوب أني أضرب الراعي فتتبدد خراف الرعية ، ولكن بعد قيامي أسبقكم إلى الجليل . فأجاب بطرس وقال له : وإن شك فيك الجميع فأنا لا أشك أبداً . قال له يسوع : الحق أقول لك ، إنك هذه الليلة ، قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات » . فقد شهد عليهم بالشك ، بل خَيِّرُهم بطرس الذي هو خليفة عليهم شك ، فقد انخرمت الثقة بأقوالهم ، وصح قوله تعالى : « وَإِنّ الّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكّ مّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلم إِلاّ اتّبَاعَ الظّنّ »( ).
سادسها : إن في « الفصل السابع والعشرين » من « إنجيل متى » ما لفظه : « حينئذ لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دِينَ ، ندم ورد الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ ، قائلاً : قد أخطأت إذ سلمت دماً بريئاً . فقالوا : ما علمنا ، أنت أبصر ، فطرح الفضة في الهيكل وانصرف ، ثم مضى وخنق نفسه » . فهذه الأناجيل ليست قاطعة في صلبه ، بل فيها اختلافات ، فيحتمل أن يهوذا كذب عليهم في قوله « هو هذا » ويدل على وقوع ذلك ، ويقربه ظهور ندمه بعد هذا ، ولا سيما وهو من جملة الاثني عشر الذين شهد لهم المسيح بالسعادة الأبدية ، والسعيد لا يتم منه مثل هذا الفساد العظيم ، فيلزم إما أن يهوذا ما دل عليه ، أو كون المسيح ما شهد لهم بالسعادة الدائمة ، أو أن أناجيلهم محرفة مبدلة ، ويحتمل أن أحد أتباع المسيح باع نفسه من الله تعالى وقاية للمسيح - عليه السلام - وادعى أنه هو ، ومثل هذا كثير في أتباع الأنبياء ، حيث يريدون أن يفدوا أنفسهم بدل أنبيائه ، ويحتمل أن الأعوان أخذوا عليه رشوة وأطلقوه ، وأخذوا بدله ، كما أن يهوذا ، مع أنه صديقه ورسوله ، أخذ رشوة ودلهم عليه ، ويحتمل أن الله تعالى أرسل شيطاناً على صورته وصلبوه ، ويحتمل أن الملك الذي نزل عليه ليقويه ، كما تقدم في إنجيل لوقا بزعمهم ، صار فداء له ، ويحتمل أن هذا الذي نزل إنما نزل لرفعه ، لأنه لو كان نازلاً لتقويته لقواه ، فلما لم نر أنه قواه فيقتضي أنه رفعه إلى السماء ، أو فدى نفسه له . وقال بعض الأفاضل : ومن الأدلة على رفعه وصلب شبهه ما في « الفصل التاسع » من « إنجيل لوقا » ما لفظه : « أن المسيح صعد إلى جبل ليصلي ، وأخذ بطرس ويوحنا ويعقوب معه ، وفيما هو يصلي صارت هيئته ووجهه متغيرة ، ولباسه مضيئاً لامعاً ... » إلخ . فهذا فيه دلالة على رفعه وحصول الشبه الذي نقول به ، إذ لا معنى لظهور موسى وإيلياء ، ووقوع النوم على أصحابه ، وتغير وجهه وإضاءة لباسه ، إلا رفعه ... ورؤيتهم له بعد ذلك ، إنما هو من تطور روحه ، لأنه - عليه السلام - كان له قوة التطور : وهذا من أحكام الروح والنفس . ولئن قلنا إنه لا يدل على الرفع بالوجه التام ، غير أنا نتنزل ونقول : ما دام في هذه المرة تغيرت هيئته ووجهه ولباسه ، واجتمع بالأنبياء وسمع من الغمامة هذا الصوت ، فلا أقل من أن يكون ذلك مقدمة لرفعه ومقياساً ، ومبدأ لتقويته وإيناساً ، واليهود لم يتحققوا من أنفسهم أنه هو المسيح ، بل اعتمدوا على قول يهوذا كما تقدم لك ، ويهوذا قوله قول فرد ، وغير صالح للاحتجاج ، للاحتمالات والأدلة التي ذكرناها لك ، فلم يبق في قول الفرقتين حجة أن المصلوب هو المسيح - عليه السلام - لا شبهه ، وأناجيلهم حالها معلوم لديك ، وبيان اشتباههم المحكي لك في القرآن ، لا يخفى عليك .
وهنا سؤال يورده بعض النصارى وهو : أن عيسى - عليه السلام - إذا كان لم يصلب حقيقة ، وإنما صلب رجل ألقي عليه شبهه ، ورفع هو إلى السماء ، فلم لم يخبر الحواريين بذلك قبل رفعه أو بعده ؟ والجواب : أن عيسى - عليه السلام - لم يخبر بذلك لعلمه بأن أناساً سيفترون عليه ، ويقولون بألوهيته ، فأبهم الأمر ليكون ذلك أدل على كونه عبداً من عبيد الله ، لا يقدر على جلب نفع ولا دفع ضر ، بخلاف ما لو أخبر بأنه لا يصلب ، أو لم يصلب ، وأن المصلوب شبهه ، فإنه ربما كان ذلك مقوياً لشبهة أولئك الجماعة . ولعدم كون هذه المسألة من المسائل الاعتقادية في الأصل ، إذ لو اعتقد أحدٌ ، قبل إرسال نبينا - عليه الصلاة والسلام - بصلب عيسى ، لم يضره ذلك ، لكن لما ورد نبينا الذي لا ينطق عن الهوى ، أَبَان خطأ النصارى في الوجهين : أحدهما : اعتقاد أن عيسى إله . والآخر : اعتقاد أنه قد قتل وصلب . وأبان أنه عبد من عبيد الله تعالى تولاه بالرسالة ، واصطفاه وحفظه من أيدي أعدائه وحماه ، كذا في « منية الأذكياء في قصص الأنبياء » .
ثم استطرد القاسمي في حديثه في سقوط دعواهم التواتر في أمر الصلب فقال : قال القرافي : اعلم أن النصارى قالوا : إنهم واليهود أمتان عظيمتان طبقوا مشارق الأرض ومغاربها ، وكلهم يخبر أن المسيح - عليه السلام -صلب - وهم عدد يستحيل تواطؤهم على الكذب . والإنجيل أيضاً مخبر عن الصلب ، فإن جوزتم كذبهم ، وكذب ما يدعى أنه الإنجيل ، وإن مثل هؤلاء ممكن تواطؤهم على الكذب - لزم المحال من وجوه : أحدها : أنه يتعذر عليكم أيها المسلمون ، جعل القرآن متواتراً . وثانيها : أن قاعدة التواتر تبطل بالكلية . فإن غاية خبر التواتر يصل إلى مثل هذا . وثالثها : أن إنكار الأمور المتواترة ، جحد للضرورة فلا يسمع ، فلو قال إنسان : الخبر عن وجود بغداد ودمشق كذب ، لم يسمع ذلك منه ، وعدّ خارجاً عن دائرة العقلاء ، وحينئذ يتعين أن القول بالصلب حق ، وأن إخبار المسلمين والقرآن عن عدم ذلك ، مشكل . والجواب من وجوه :
أحدها : أن جميع النصارى واليهود يوردون هذا السؤال ولا يعلمون حقيقة التواتر ولا شروطه ، وإنما فهم ذلك وغيره هذه الأمة المحمدية والملة الإسلامية لعلو قدرها وشرفها واختصاصها بمعاقد العلوم وأزمتها ، دون غيرها ، كما هو مسلم عند كل دريّ - صاحب دراية - مصنف ، وها نحن نوضح ذلك - إن شاء الله تعالى - فنقول : إن التواتر له شروط :
الشرط الأول : أن يكون المخبر عنه أمراً محسوساً ، ويدل على اعتبار هذا الشرط ، أن الأمة العظيمة قد تخبر عن القضايا الجسيمة وهي باطلة : كإخبار المعطلة عن عدم الصانع ، والفلاسفة عن قدم العالم ، مع بطلان ذلك عند أمم كثيرة ، وسببه أن مجال النظر يكثر فيه وقوع الخطأ ، فلا يثق الإِنسَاْن بالخبر عن العقليات ، حتى ينظر فيجد البرهان العقلي يعضد ذلك الخبر ، فحينئذ يقطع بصحة ذلك الخبر . أما الأمور المحسوسة ، مثل المبصرات ونحوها فشديدة البعد عن الخطأ ، وإنما يقع الخلل من التواطؤ على الكذب ، فإذا كان المخبرون يستحيل تواطؤهم على الكذب حصل القطع بصحة الخبر .
الشرط الثاني : استواء الطرفين والواسطة ، وتحرير هذا الشرط أن المخبرين لنا ، إذا كانوا يستحيل تواطؤهم على الكذب وكانوا هم المباشرين لذلك الأمر المحسوس ، المخبر عنه ، حصل العلم بخبرهم ، وإن لم يكن المخبر لنا هو المباشر لذلك الأمور المحسوس ، بل ينقلون عن غيرهم أنه أخبرهم بذلك ، فلا بد أن يكون الغير المباشر عدداً يستحيل تواطؤهم على الكذب ، فإنه إن جاز الكذب عليه ، وهو أصل هؤلاء المخبرين لنا ، فإذا لم يبق الأصل لم يبق المفرع عليه ، فلا يلزم من كون المخبر لنا يستحيل تواطؤهم على الكذب حصول العلم بخبرهم ، لجواز فساد أصلهم المعتمدين عليه ، فيتعين أن يكون الأصل عدداً يستحيل تواطؤهم على الكذب ، فهذا معنى قولنا : « استواء الطرفين » في كونهما عدداً يستحيل تواطؤهما على يستحيل تواطؤهم على الكذب ، وأصلهم الذي ينقلون عنه كذلك ، لكن أصلهم لم يباشر ذلك الأمر المحسوس ، بل ينقل عن غيره أيضاً ، فأصل ذلك الأصل يجب أن يكون عدداً يستحيل تواطؤهم على الكذب أيضاً ، لما تقدم ، وفي هذه الصورة حمل طرفان وواسطة ، فالطرفان المخبر لنا ، والمباشر الأول الواسطة الذي بينهما ، فيجب استواء الطرفين والواسطة ، والوسائط تكثرت في كونهم عدداً يستحيل تواطؤهم على الكذب ، فينقسم ، بهذا التحرير ، التواتر إلى طرف فقط ، وإلى طرفين بلا وساطة ، وإلى طرفين وواسطة ، والثلاثة أقسام مشتركة في هذا الشرط ، فإذا تقرر حقيقة التواتر فنقول : الحس إنما يتعلق بأن هذا مصلوب على هذه الخشبة ، وأما أنه عيسى - عليه السلام - نفسه أو غيره ، فهذا لا يفيده الحس البتة ، بل إنما يعلم بقرائن الأحوال إن وجدت ، أو بأخبار الأنبياء -عليهم السلام - عن الله تعالى الذي أحاط بكل شيء علماً ، وأحصى كل شيء عدداً ، والذي يدل على أن الحس لا يفرق بين المتماثلات ، أنا لو وضعنا في إناء رطلاً من الماء مثلاً ، وأريناه لإنسان ، ثم رفعنا ذلك الماء ووضعنا فيه رطلاً آخر من ذلك الماء ثم أريناه ذلك الإِنسَاْن ، وقلنا له : هذا الماء هو عين الماء الأول أو مثله ؟ فإنه إذا أنصف يقول : الذي أدركه بحسي أن هذا ماء بالضرورة ، أما أنه عين الأول أو غيره مماثلاً له ، فلا أعلم ، لكون الحس لا يحيط بذلك ، هذا في المائعات ، وكذلك كف من تراب أو أوراق الأشجار أو أنواع الحبوب ، كالحنطة مثلاً ، إذا أخذ منها حفنتان ونحو ذلك ، وكذلك الحيوانات الوحشية والطيور شديدة الالتباس على الحس ، إذا اتحد النوع في اللون والسن والغلظ ، وإنما كثرت الفروق في الحيوانات الإنسية كالفرس ونحوها . وسر ذلك أن أسباب النشأة في الوحشية مشتركة بالمياه والمراعي والبراري ، والحيوان الإنسي يختلف ذلك فيه ، بحسب مقتنيه اختلافاً كثيراً ، فينشأ بحسب دواعي بني آدم في السعة والضيق ، وإيثار نوع من العلف على غيره ، ومكان مخصوص على غيره ، وإلزام الحيوان أنواعاً من الأعمال والرياضة دون غيرها ، فيختلف الحيوان الإنسي بحسب ذلك ، ثم يتصل ذلك بالنُّطف في التوليد ، مضافاً إلى ما يحصل للولد من داعية مريبة فيعظم الاختلاف ، والحيوان الوحشي سلم عن جميع ذلك ، فتشابهت أفراد نوعه ، ولا يكاد الحس يفرق بين اثنين منه البتة ، فإذا تقرر أن الحس لا سلطان له على الفرق بين المثلين ، ولا التمييز بين الشيئين ، فيجب القطع أن كون المصلوب هو خصوص عيسى - عليه السلام - دون شبهه أو مثله - ليس مدركاً بالحس ، وإذا لم يكن مدركاً بالحس ، جاز أن يخرق الله تعالى العادة لعيسى - عليه السلام - شبهه في غيره ، كما خرق له العادة في إحيائه الموتى وغيرها ، ثم يرفعه ويصونه عن إهانة أعدائه ، وهو اللائق بكريم آلائه ، في إحسانه لخاصة أنبيائه وأوليائه ، وإذا جوز العقل مثل هذا مع أن الحس لا مدخل له في ذلك ، بقي إخبار القرآن الكريم عن عدم الصلب سالماً عن المعارض ، مؤيداً بكل حجة ، وسقط السؤال بالكلية .
وثانيها : سلمنا أن الحس يتعلق بالتفرقة بين المثلين ، والتمييز بين الشبهين ، ولكن لا نسلم أن العدد المباشر للصلب كانوا بحيث يستحيل تواطؤهم على الكذب ، ويدل على أنهم ليسوا كذلك ، أن الحواريين فروا عنه ، لأنه لو وجد أحد منهم لقتله اليهود ، فحينئذ عدد التواتر متعذر من جهة شيعة النصارى عن أسلافهم ، لا يفيد علماً بل هو ظن وتخمين لا عبرة به ، لذلك قال الله سبحانه في قرآنه المبين : « وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَل رّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ » أي : هم لا يتيقنون ذلك ، بل يحزرون بالظن والتخمين ، وأما من جهة الملة اليهودية ، فلأن المباشر منهم للصلب إنما هو الوزعة وأعوان الولاة ، وذلك في مجرى العادة يكون نفراً قليلاً ، كالاثنين أو الثلاثة ونحوها ، يجوز عليهم الكذب ولا يفيد خبرهم العلم بكون العادة ، وخرج الصلب عدد يستحيل تواطؤهم على الكذب يفتقر إلى نقل متواتر ، فإنه لو وقع ونقل بأخبار الآحاد لم يحصل لنا علم بالصلب فإن المتواترات إذا نقلت بأخبار الآحاد ، سقط اعتبارها في إفادة العلم ، لجواز كذب الناقل ، فلا يكون عدد التواتر حاصلاً في نفس الأمر ، والنصارى واليهود إنما يعتمدون على التوراة والإنجيل ، ولا يوجد يهودي ولا نصراني على وجه الأرض يروي التوراة والإنجيل ، عدلاً عن عدل ، إلى موسى وعيسى - عليهما السلام - وإذا تعذرت عليهم رواية العدل عن العدل ، فأولى أن يتعذر التواتر ، ولم يبق في الكتابين إلا أخبار وتواريخ بعيدة الزمان جداً ، بحيث إن التواريخ الإسلامية أصح منها ، لقرب عهدها ، مع أنه لا يجوز الاعتقاد في فروع الديانات على شيء من التواريخ ، فضلاً عن أصول الأديان ، وإذا ظهر أن مستند هاتين الأمتين العظيمتين في العدد ، في غاية الضعف - كانت أخبارها في نفسها في غاية الضعف ، لأن الفرع لا يزيد على الأصل .
وثالثها : أن نصوص الإنجيل مُشعرة بعدم صلب عيسى - عليه السلام -بخصوصه ، كما نقلنا بعضاً آنفاً . وقال في « تخجيل الأناجيل » : فيقال للنصارى : ما ادعيتموه من قتل المسيح وصلبه ، أتنقلونه من تواتر أم آحاداً ؟ فإن زعموا أنه آحاد لم يقم بذلك حجة ، ولم يثبت العلم الضروري ، إذ الآحاد لم يأمن عليهم فيها السهو والغفلة والتواطؤ على الكذب ، وإذا كان الآحاد يعرض عليهم ذلك ، فلا يحتج بهم في القطعيات ، وإن عزوا ذلك إلى التواتر قلنا لهم : شرط التواتر استواء الطرفين فيه والوسط ، وهو أن ينقل الجم الغفير عن الجم الغفير الذين شاهدوا المشهود به ، وهو المصلوب ، وعلموا أنه هو ضرورة ، فإن اختل شيء من ذلك فلا تواتر ، فإن زعم النصارى أن خبرهم في قتل المسيح وصلبه بهذه الصفة ، أكذبتهم نصوص أناجيلهم التي بأيديهم ، إذ قال لهم نقلتها الذين دوّنوها لهم وعليها معولهم : إنه لما أخذ فقتل كان في شرذمة يسيرة من تلاميذه ، فلما أقبل عليه هربوا بأسرهم ، ولم يتبعه إلا بطرس من بعيد ، ولما دخل الدار اجتمعوا نظرت جارية منهم إلى بطرس فعرفته ، فقالت : هذا كان مع يسوع ، فحلف أنه لا يعرف يسوع بقوله ، وخادعهم حتى تركوه ، وذهب ولم يكد يذهب ، وأن شاباً آخر تبعه وعليه إزار فتعلقوا به ، فترك إزاره بأيديهم وذهب عرياناً ، فهؤلاء أصحابه وأتباعه ، لم يحضر منهم ولا رجل واحد بشهادة أناجيلهم ، وأما أعداؤه اليهود ، الذين تزعم النصارى أنهم حضروا الأمر ، فلم يبلغوا عدد التواتر ، بل كانوا آحاداً وأفراداً ، لأن عموم الناس الذين حضروا لا يرون إلا شخصاً على خشبة ومعه لصان مصلوبان ، ولا شك أن هيئتهم وصفتهم متغيرة عن الحالة التي قبل أخذهم ، وأما المشايخ ونحوهم فلم يعرفوه أيضاً ، ففي الإصحاح الثاني والعشرين من « إنجيل لوقا » ما لفظه : « فلما كان النهار اجتمع مشايخ الشعب ورؤساء الكهنة وأدخلوه إلى مجمعهم ، وقالوا له : إن كنت أنت المسيح فقل لنا : فقال لهم : إن قلت لكم لم تؤمنوا لي ، وإن سألتكم لم تجيبوني ولم تخلوني » . وهذا يحتمل أنهم يسألونه عن ذاته أو عن رسالته ، على أنا لو سلمنا كثرة عددهم وصدق معرفتهم ، يمكن تواطؤهم على الكذب ، لأنهم لما لم يجدوه هو ، ولم يعلموا محل المسيح ، وكان ذلك من تلاميذه ، واستحلوا قتله أيضاً ، أشاعوا أنه هو المسيح ليترك الناس متابعته ، ولئلا يتخذوا المسيح نبياً ، وصمموا ، أنهم إذا وجدوا المسيح بعد هذا أيضاً ، يعملون به كما عملوا بصاحبه ، ويؤيد هذا أنهم جعلوا على القبر حراساً لئلا ينبش القبر ويُرى أنه غير المسيح ، ومما يزيد الأمر وضوحاً قول « إنجيل متى » في « الإصحاح الثامن والعشرين » : « أن مريم لما جاءت لزيارة القبر رأت ملكاً قد نزل من السماء برّجة عظيمة ، فدحرج الحجر عن فم القبر ، وجلس عنده ، فكاد الحراس أن يموتوا من هيبته ، وبادروا من فورهم إلى المشايخ فأعلموهم بالقصة ، فأرشاهم المشايخ برشوة أن يستروا القصة ، وأن يشيعوا أن التلاميذ سرقوه ونحن نيام » . فما يؤمنكم أن تكون هذه العصابة من اليهود ، كما أنهم ستروا الآية التي ذكرتم ، صلبوا شخصاً من أتباعه ، وأوهموا الناس أنه المسيح . فإذا تبين عدم الاحتجاج بإجماع اليهود ، والنصارى الآن على صلبه ، فنرجع إلى القرائن العقلية والنقلية ، فأما العقل : فلا يجوز أن الإله القادر على كل شيء يقتله أذل عباده ، وهم اليهود !! ويضربونه ويعملون به ما هو محرر في أناجيل النصارى المضطربة المحرفة المكتوبة بعد رفعه بسنين عديدة وأعوام مديدة ، مع أنه يفرّ منهم مرات كثيرة ويستغيث ويطلب من الله تعالى تأخير أجله بقوله : « أجز عني هذه الكأس » ، ويصرخ ويقول : « إلهي ! إلهي ! لم تركتني ؟ » ويسلم روحه ، وعند الصلب يطلب منهم الماء لكثرة عطشه ، فيعطوه خلاً بدله ، وأي خلاص لعباده في هذه الحالة ، وهو بزعمهم أتى ليخلص العالم من الخطيئة ، بل صار موقعاً لهم في الإثم بسبب عدم إيمانهم به ، فكيف يكون مخلصاً بنفسه ؟ وأما النقل : فقد تبين لك تهافت أناجيلهم واضطرابها ، والدلالة على عدم المعرفة به ، وعدم وجوده في قبره ، والأعظم من ذلك عند كل ذي عقل سَلَيم قوله تعالى : « وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبّهَ لَهُمْ »( ). وأما قول متى في « الإصحاح السابع والعشرين » : « فصرخ يسوع أيضاً بصوت عظيم ، وأسلم الروح . وإذا حجاب الهيكل قد انشقت إلى اثنين من فوق إلى أسفل ، والأرض تزلزلت ، والصخور تشققت والقبور تفتحت ، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين ، وخرجوا من القبور بعد قيامته ، ودخلوا المدينة المقدسة ، وظهروا للكثيرين » فهو قول بهت ومحال ، لا يخفى بطلانه على ذوي العقول من النساء والرجال ، لأنه لو كان صحيحاً لأطبق الناس على نقله ، ولم يتفق إخفاء مثله ، ولزال الشك عن تلك الجموع في أمر يسوع ، فحيث داموا على الجحدد له والتكذيب ، دلّ على كذب ما نقله عَبَّاد الصليب ، وإذا كان اليهود أعطوا دراهم رشوة - كما علمت سابقاً - لحراس القبر حتى لا يخبروا القائد وسائر الناس بملك نزل من السماء على قبر يسوع ، كي لا يظن براءته مما نسب إليه أعداؤه ، فكيف تكون هذه الآيات العظيمة ؟ وتقوم الأموات من قبورها ؟ ويدخلون المدينة ؟ ولا يكون ذلك حجة على من لا يؤمن به إذ ذاك ؟ وأيضاً ، ما معنى تفتح القبور وقيام القديسين من قبورهم ؟ فهل كان استبشاراً بمصابه ؟ فهم إذ ذاك ليسوا من أحبابه ، أو كان جزعاً على مماته ؟ وخرجوا إعانة له قبل فواته ؟ فواعجباً لرب أحياهم بعد أن كانوا رفات ، ولم يعينوه حتى قضى ومات ، وأحيى الرمم ، وصرخ عند تسليم الروح ، ولم يقدر على إبراء ما فيه من جروح ، وليت شعري ! ما عمل هؤلاء القديسون ؟ أبقوا في المدينة المقدسة ؟ أم كروا إلى قبورهم فهم راجعون ؟ وهل التأم الهيكل والصخور ؟ أم دامت على انشقاقها إلى كثير من الدهور ؟ فإن قيل : إنما لم يشتهر ذلك ، لأن أصحاب المسيح لم يحضر منهم أحد خوفاً من اليهود ، والذين شاهدوا هذه الآيات من اليهود تواطؤوا على الكتمان حسداً وبغياً . قلنا : مثل هذه الآيات العظيمة إذا وقعت ، علمها من حضر ومن غاب ، من الأعداء والأحباب ، لأنها آيات نهارية ، ومعجزات تشتهر في البرية ، ويتناقلها أهل البلدان ، وتبقى مؤرخة بكل لسان ، في سائر الملل بكل أرض وزمان . فعلم بالضرورة أن هذه الأقوال ، مما اخترعها وحررها أئمة الضلال ، ليخدعوا بها ضعفاء العقول ، ويتوصلوا إلى جذب الدنيا بالكذب على هذا الرسول .
الباحث : محمود بن سعيد الشيخ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تابع جبل الشيح - جبل الجليل - 3
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
قطنا :: المنتديات العامة :: شخصيات لها تاريخ-
انتقل الى: