الدموع بين المرأة والرجل ..
عُرّفت الدموع علمياً بأنها رسالة موجهة من المخ إلى الغدة الدمعية ناتجة عن انفعالات داخلية قد تعتري الإنسان وتصيبه كالفرح والحزن أو اليأس والغضب أو الألم و الندم ...وإلى ما هنالك من مشاعر .
وبلغة أخرى فإن الدموع هي أسمى وسيلة تعبير يمتلكها البشر !!
يقول الإمام علي رضي الله عنه : " ما بكت عين إلا وراءها قلب " فالبكاء بالنسبة للإنسان السوي يؤدي إلى الراحة أو على الأقل يسبب الإقلال من حدة الألم النفسي الذي غالبا ما يسيطر على مشاعره ويجعله يصل في بعض الأحيان إلى فقدان الرغبة بالحياة .
ظلت الدموع قيثارة تغنى على أوتارها الشعراء والمحبون من ذوي القلوب الجريحة على مدى القرون الماضية وبالرغم من محاولات التسلح بالشجاعة والقوة والكبرياء , تلك الأسلحة التي يمتلكها الرجل , إلا أن أعتى الرجال لم يتمكنوا من الصمود في معركة الدموع , فقد عرفت الدموع طريقها إلى هذا الحصن وتسللت عبر أسواره المنيعة إلى حديقة أشهر الزعماء الذين عُرفوا عبر التاريخ بالقوة والبأس كهتلر ونابليون بونابرت , نعم بكى هتلر حين عزم على الانتحار مع معشوقته الجميلة إيفا براون فكانت دموعه كدموع الأسد الجريح , وتحجرت الدموع في عيني الإمبراطور نابليون بونابرت وهو يقف فوق ربوة مودعا أهرامات مصر الشامخة قبل رحيله إلى فرنسا وكانت دموع وداع المجد .
وكم للدموع من قصص وحكايات , فقد استعان الكثير من الشعراء بلغة العيون والدموع , وهذه اللغة أسمى من أن تتحدث عنها أغنية أو يتداول سيرتها الناس , إليك هذه الأبيات الرائعة من قصيدة تنسب للخليفة " يزيد بن معاوية " يقول فيها :
وأمطرتْ لؤلؤاً من نرجس ٍ وسقتْ ورداً وعضّت على العنّابِ بالبَرَد ِ
وأنشدتْ بلسان ِ الحال قائلة ً من غير كُره ولا مُطَل ٍ ولا مُدَد ِ
والله ما حََزِنَتْ أُختٌ لفقدِ أخ ٍ حُزني عليه ولا أمٌ على ولد ِ
إن يحسدوني على موتي فوا أسفي حتى على الموت لا أخلو من الحسد
(شبه الشاعر دموع محبوبته باللؤلؤ وشفافها بالعنب لحمرتهن , وأسنانها الناصعة البياض بالثلج ) .
وفي دموع الفراق يقول الشاعر : " ولكنني لما رأيتكَ نائياً وقد كنتَ لي كفي وزندي ومِعصمي
بكيتُ دماً يوم النوى فمسحته بكـفــّ ـي وهذا الأثر من ذلك الدم "
وفي الوداع يقول آخر : " مناديل من ودعت يخفقن فوقهم فلا تُرهقيهم يا سفينة أقلعي
بَعُدن فغشاهنّ دمعي كأنني أراهن من خلف الزجاج المصدّع "
أما دموع المرأة فقد قيل فيها وعنها الكثير , فالمرأة تتميز عن الرجل برقة الإحساس وبالضعف الذي هو سمة رئيسية من سمات أنوثتها , لذلك فإن دموعها لا تهينها بل تزيد من جمالها وأنوثتها , ورقة أحاسيس المرأة تنشأ من تكوينها الهرموني الذي يجعل مشاعرها العاطفية سريعة وجياشة مما يسيطر على غريزة الأمومة بداخلها .
وكم تغزل الشعراء في المرأة وهي تبكي , اسمع أخي الكريم إلى الشاعر الراحل نزار قباني وهو يقول :
" إني أحبك عندما تبكينا وأحب وجهك غائماً وحزينا
الحزن يصهرنا معا ويذيبنا من حيث لا أدري ولا تدرينا
تلك الدموع الهامياتُ أحبها وأحب خلف سقوطها تشرينا
بعض النساء وجوههن جميلة ٌ وتصير أجمل عندما يبكينا "
ويقول الشاعر محمد السنوسي : "
دموعك يا حسناء تغري بي الهوى فعيناك مينائي وقلبي قد رسـا
لمحتك من قلب رقيق فلم أزل أراك بقلبي في صبح وفي مســا
ويقول آخر : " دموع العين إن جارت على خديك داريها ولا تبك ِ على دنيا عذابٌ كلُّ ما فيها "
فاحذر عزيزي الرجل من أن تكون سبباً في دموع المرأة
أما صفات الرجولة فتتسم غالبا بالإحساس بالكرامة والنبل والشجاعة والقدرة على حماية الأسرة وإنكار الذات بل والتضحية بالنفس إن تطلب الأمر ذلك والشعور بالمسؤولية لذلك كانت دموع الرجال أعصى من دموع النساء وفي هذا السياق يقول أبو فراس الحمداني :
" أرك عصي الدمع شيمتك الصبر أما للهوى نهي عليك ولا أمر
نعم أنا مشتاق وعندي لوعة ٌ ولكن مثلي لا يذاع له ســـر ُّ "
قيل أن البكاء يغسل الأحزان ويحولها إلى ندى رطب في القلوب , و الدموع هي انفعال حقيقي نابع من القلب وليس هناك من يستطيع أن يتملكها في أي لحظة يشاء فقد نجدها تنهمر من العيون في أحلى لحظات الفرح أو في أقسى لحظات الحزن وقد تنعقد الدموع في العيون وتتحجر في لحظة قد يكون فيها الإنسان بأشد الحاجة إليها وأعظم الدموع على الإطلاق تلك التي تنهمر من خشية الله وعظمته في لحظة يختلي فيها العبد بربه وفي ذلك يقول رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .... وذكر منهم رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه "
وأختم بأبيات شعر رائعة في هذا المجال تقول :
ما للحبيب أهمٌّ فيه يشقيه ؟ أم أنه الحب أبكاني ويبكيـه ِ
إن كان حبي له هما يعذبه ُ سأكتم الحب في قلبي وأخفيه
أو كان دمعي الذي أخفيت يحزنه سأنكر الدمع في عيني وأنفيه
عفو الحبيب فما للحزن قد خلقت هذي العيون ولا للدمع تجريه
قد أمطرت عيناه من شــجن وانحـل عقد نظيـم من لآلـيـه
عقد تنــاثـر في الخدين منصـهراً من حرّ نار ٍ تلظّت في مآقيه
ينساب للصدر مثل السيل منحدرا من قمة التل مشتاقا لواديه
يبكي الحبيب فدنيا الحب باكية والطير من حزنه تبكي أغانيه
يبكي الحبيب فيا عيني ما لكما ؟ لا تسقيان فؤاداً ضاع ساقيه
لكم محبتي ... أحبتي .... تقبلوا تحياتي ودمتم سالمين .