فن التعامل مع الهموم

ما عودتنا الحياة أن تتعاهدنا باللين والدلال وما كان من أخلاقها العطف والرقه، ومع لحظات الضيق وساعات الألم و أوقات الانكسار التي لا تفتأ الحياة تهديها لنا يتباين البشر في طباعهم وأساليبهم لمواجهة هذه المواقف فتجد بعضهم يدمن الشكوى ويمتهن اللوم ويتقمص دور الضحيه عند القاصي والداني ويتسول العطف من الجميع, فبمجرد ما يُسأل عن حاله تجده ينظم القصائد الطوال في رثاء نفسه جاوز فيها رثاء أبي ذؤيب لأولاده والخنساء لأخيها، كثير التسخط دائم العويل يستجلب لك كل أوجاع العالم ويصب عليك كميات لاحصر لها من الأسى ولا تجده إلا متوجعاً ناقماً على الدنيا وكيف أنها هدّت أركانه وقصمت ظهره وعبثت به كما يعبث الريح السموم بالوردة النضره!

وحاله الآن كنجمٍ هوى وقصرٍ خوى, ينشر الكآبة أينما حل، قد رسم للحياه ماضياً ومستقبلاً وحاضراً من أبشع اللوحات ونسي أن شكوى واحده ستتبعها ألف شكوى, وخوفاً سيطلق ألف خوف معه، والمفارقة العجيبه أن هولاء بقدر نجاحهم في كسب عطف الآخرين بقدر ما يفقدون شيئاً ليس بالقليل من احترامهم وتقديرهم! والنتيجة المتوقعه هي انفضاض الناس من حولهم وزهدهم فيهم, لأن الجلوس معهم استنزاف للطاقة وهدر للوقت ومجلبه للكدر والضيق ناهيك عما يقومون به من فضح لأنفسهم وتشهير بزلاتهم وهتك لأسرارهم.
وهناك نمط آخر قد كلف نفسه ما لا تطيق، حمل همه وحده وبقي حبيساً لغوائل الأيام وعاديات الليالي لا صديقاً يُشتكى له ولا صدراً حنوناً يختبيء فيه ولا عقلاً حكيماً ينير له ما أظلم في طريقه، قد كظم مشاعره ليحمل ثقله بنفسه حتى لا يكدر صفاء من حوله وعندها ستتراكم الهموم وتتكثف الأحزان فتضحى كالرواسي الجاثمه على صدره!
وفريق ثالث يتعامل مع الأزمات بحنكةٍ وهدوء يمارس تقنية الإفضاء النفسي أو تنفيس العواطف عند الحاجه وهي كما قرر علماء النفس وسيله مثلى للتخلص من الكثير من الضغوط النفسيه، وقد أطلق الدكتور كارل مننجر أحد البارزين في علم النفس عليها مصطلح انطقها وتخلص منها
Talk it out وجعلها أحد أهم أدوات العلاج النفسي وهي طريقه فعاله للسيطره على القلق والتوقف عن أكل النفس وذلك بالجهر بالأفكار وتنفيس العواطف والتخلص منها بطردها خارج الجهاز العصبي قبل أن يفور بخارها من الأذنين وقبل الوصول للنقطةِ الحرجه التي سننفجر معها بمئات الأشكال المدمرة والكارثيه.

وللإفضاء النفسي صور متعددة منها:

1- اللجوء للبكاء عندما يعصف الحزن.. فالبكاء يخفف الضغط النفسي الكبير وكذلك يقوّي جهاز المناعه، ويساعد الجسم على مقاومةِ الأمراض المتعلقه بالضغوط النفسيه...
2- ومن أروع طرق الفضفضة اللجوء إلى إنسان ثقه ذي حكمه ونظر وكاتم للسر تبث له الآلام والآمال والاعترافات والتطلعات والأحلام طلباً وراء الإحساس بالمشاركةِ الوجدانيه التي يشير لها الشعار المتحضر
قلبي معك تيمناً بقول الشاعر: ولابد من شكوى إلى ذي مروءةٍ ....... يسليك أو يواسيك أو يتوجع
ولأن كل منّا يرى الموضوع من زاويةٍ واحده تصبح إحدى أهم فوائد الفضفضه للثقات هي مشاركتهم لنا برؤاهم المختلفه وآرائهم المتعدده وقد فعل هذا قدوتنا وقرة أعيننا عندما اشتد عليه الأمر في الغار فأباح بسره وأفضى بهمه لأمنّا خديجه اللهم صلِّ وسلم عليه وكذلك فعل مع أم سلمه رضي الله عنها في الحديبيه
ويذكر عن القائد العجيب نابليون بونابرت الرجل والذي ساد أوروبا وقد كان يلهو بتيجانها كما يلهو لاعب الشطرنج بالقطع قال ذات يوم عن نفسه:
إنه أضعف من أن يقدر على كتمان متاعبه وهمومه وأن يحتفظ بها وحده
وعليك الانتباه لقضيةٍ هامه وهي أنك عندما تشرع في إفراغ حمولة الألم عليك أن تتأكد من إفراغها كامله والتخلص منها دفعة واحده ثم بعد ذلك انس الأمر تماماً!..
3 - ومن الوسائل الجيده للتنفيس عن المشاعر كما أكدت بعض الدراسات النفسيه التعبير عن المشاعر السلبيه بالكتابه وهو يخفف عنّا الأحمال ويزيح الكثير من الهموم، ويساعد على اندمال الجراحات النفسيه ويدفع شرور مرض الاكتئاب، ويجعلنا في حالةٍ نفسيةٍ جيده تمكن من التعامل مع مشكلاتنا بشكل أفضل..
4 - ومن أروع الطرق وأعظمها أثراً وأضمنها نتيجه وأيسرها ممارسه تقنيه الإفضاء النفسي مع العزيز العظيم فقد جاء في الحديث أن الحبيب اللهم صلِّ وسلم عليه كان إذا حزبه أمر فزع للصلاة وفيها ينطرح تحت عتبة الرحيم، يجأر إليه ويغبر جبهته على بابه شاكياً إليه الهم وطالباً العون وبعده سيذهب الوجوم ويتشرد الأسف وتسكن اللوعه.

ومضــة قلـــم

إذا لم تجد من يضيء لك قنديلاً.. فلا تبحث عن آخرٍ أطفأه!