قطنا
مرحبا بك في منتديات قطنا الثقافية و العلمية
و نشكر زيارتكم
ولتتمكن من الإستمتاع بكافة ما يوفره لك هذا المنتدى من خصائص, يجب عليك أن تسجل الدخول الى حسابك في المنتدى. إن لم يكن لديك حساب بعد, نتشرف بدعوتك لإنشائه.
و يرجى الانتباه بادخال الايميل الصحيح لانه عند التسجيل ستصلك رسالة تفعيل رمز الدخول الى بريدك الالكتروني و بعد التفعيل ستتمكن من الدخول بالاسم و كلمة المرور التي ادخلتها
كما ندعوكم لزيارة موقعنا قطنا نت www.qatana.net
قطنا
مرحبا بك في منتديات قطنا الثقافية و العلمية
و نشكر زيارتكم
ولتتمكن من الإستمتاع بكافة ما يوفره لك هذا المنتدى من خصائص, يجب عليك أن تسجل الدخول الى حسابك في المنتدى. إن لم يكن لديك حساب بعد, نتشرف بدعوتك لإنشائه.
و يرجى الانتباه بادخال الايميل الصحيح لانه عند التسجيل ستصلك رسالة تفعيل رمز الدخول الى بريدك الالكتروني و بعد التفعيل ستتمكن من الدخول بالاسم و كلمة المرور التي ادخلتها
كما ندعوكم لزيارة موقعنا قطنا نت www.qatana.net
قطنا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
قطنا

منتدى مدينة قطنا
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  
"وقـل اعمـلوا فسـيرى الله عـملكم ورسـوله والمؤمنـون"    

 

 تاريخ قطنا القديمة " تل الرماد "

اذهب الى الأسفل 
5 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
ابو محمد الشيخ
عضو فعال
عضو فعال
avatar


المزاج : قطنا
ذكر
عدد المساهمات : 111
نقاط : 331
تاريخ الميلاد : 30/01/1948
العمر : 76
تاريخ التسجيل : 08/11/2010
مكان الإقامة : سوريا-قطنا

تاريخ قطنا القديمة " تل الرماد " Empty
مُساهمةموضوع: تاريخ قطنا القديمة " تل الرماد "   تاريخ قطنا القديمة " تل الرماد " Emptyالإثنين يناير 02, 2012 3:48 pm

تاريخ قطنا القديمة
تل الرماد



تمهيد
كثيرة هي المدن التي تأبى أن تبوح بأسرارها للعلماء والباحثين كمدينة قطنا ، تلك المدينة العجيبة التي ما زالت تأتي كل يوم بجديد ، ونحن إذا كنا لا نعلم الكثير عن ماضيها العريق ، ونجهل حتى عن أول استيطان بشري لها ، وعن تطور هذا الاستيطان منذ عشرات الألوف من السنين ، وحتى المرحلة التي يطلق عليها الباحثون تسمية "العصور الحجرية" أي العصور التي سبقت الكتابة والتدوين حوالي ( 4000 ق.هـ )( ) ، والتي سنحاول التعرف عليها من خلال البقايا المادية الأثرية المتنوعة التي تركت لنا شذرات تعطينا بعض الملامح العامة لها دون التفاصيل إلا ما ندر

وحتى في عصور الكتابة والتدوين لا تسعفنا المصادر والمراجع عن تاريخ مفصل لها ، وإنما هي قطوف متناثرة نعثر عليها هنا وهناك لا تلبي رغبة المؤرخ والباحث ، ولا تشبع نهمة المتطلع القارئ الذي يود معرفة المزيد عن تاريخ المنطقة التي تربى على أرضها ، ونشأ بين أحضانها ، وشم عبق نسيمها ، وتغذى بغذائها ، وشرب من عذب مائها ، وأحب رياضها الزاهرة ، ورباها العالية ، ووديانها الناضرة ، وسهولها الفسيحة الأخاذة ، وعشق ترابها وماءها ، وجبالها ووهادها ، وأرضها وسماءها .

إن منطق البحث التاريخي لمدينة قطنا يقودنا إلى حقيقة تاريخية أطلقها الباحث المؤرخ الأستاذ " أمين أبو دمعة " من الواقع المكاني والزماني ، وهي " أن تاريخ قطنا جزء لا يتجزأ من تاريخ دمشق ، ولا يمكن لأحد أن يفصلهما أبدًا "( ) ومن هذا المنطلق نرى أن كل المؤرخين والباحثين وعلماء الآثار قد ربطوا بينهما برباط محكم لا ينفصم أبدًا على مدار تاريخ المنطقة ، فلا نرى كاتبًا في تاريخها إلا وقد قرن بوعي منه أو بدون قصد بينهما لارتباطهما الوثيق في المكان والزمان ، في الجغرافية والتاريخ ، وتأثر كل منهما بالآخر ، لا بل لتأثيرهما المشترك على تاريخ المنطقة بشكل عام . ولأجل هذا أفرد متحف " دمشق الوطني "جناحًا خاصًا لكثير من اللقى الأثرية المكتشفة في قطنا كلقى تل الرماد ومدينة قطنا وتوابعها . ومن هذا المنطلق نجدد الدعوة التي أطلقها الأستاذ الفاضل أمين إلى مديرية المتاحف والآثار للقيام بدورها في عملية سبر شاملة لجميع المواقع الأثرية فيها للوصول إلى تاريخ أفضل ليس لقطنا وحدها بل لدمشق كلها خدمة للأجيال القادمة .

وحسبنا في هذه الدراسة أن نقدم جهد المقل ، ونعتذر سلفًا عن التقصير الذي يحيط بنا من كل الجوانب ، وأن نضع يدنا الأولى في أيدي إخواننا الذين سبقونا من الباحثين الذين استفدنا منهم ، وأضفنا معرفتنا إلى معرفتهم ، لنرقى إلى أفضل معرفة لبلادنا الغالية : جغرافية وتاريخًا وحضارة ، وأن نوسع آفاق معرفتنا عنها ، ونفتح قلوبنا وعقولنا لمن يود مشاركتنا في رأي أو نصيحة أو تصويب أو اقتراح أو ما شابه ذلك ، ونمد يدنا الأخرى إلى كل من اطلع على شيء لم نطلع عليه ليزودنا به لنضيفه إلى معارف إخواننا ، شاكرين لكل من ساهم معنا ، أو سيساهم مستقبلاً في أي موضوع من مواضيع البحث الحالي أو مما يرى إضافته إليه ، ليكتمل العمل ويخرج بالصورة المثلى اللائقة ، الواضحة المشرقة ، النيرة المشرفة ، التي ينشدها كل مخلص لأمته ، غيور على وطنه ، متفانٍ في خدمة شعبه ؛ والله ولي التوفيق ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .

تاريخ منطقة قطنا في عصور ما قبل التاريخ
من المفيد قبل الخوض في تاريخ قطنا أن نبين أن العصر الحجري القديم في سورية - والتي قطنا جزء لا يتجزأ منه - يبدأ منذ مليون عام وينتهي عام 13 ألف ق.هـ( ) ، أما العصر الحجري الوسيط فيمتد من عام 13 ألف ق.هـ إلى عام 8900 آلاف ق.هـ( ) تقريبًا . بينما يبدأ العصر الحجري الحديث قبل الفخار منذ ذلك التاريخ( ) وحتى الألف السابع ق.هـ( ) تقريبًا ، ويمتد عصر الفخار حتى الألف الخامس ق.هـ( ). وسوف نستعرض في الصفحات القليلة القادمة مرحلة من مراحل طويلة جدًا بدأت مع ظهور الإنسان الأول في المنطقة ، منذ زهاء مليون سنة خلت ، واستمرت حتى غدت قطنا من أقدم المستوطنات البشرية في دمشق ، ذات حضارة أثرت في محيطها كما تأثرت به ، وحملت مشعلاً من مشاعل الرقي والازدهار للإنسانية جمعاء .

الإنسان الأول في المنطقة
وصل الإنسان القديم إلى منطقة قطنا منذ بداية العصر الحجري القديم ، وهذا الإنسان من النوع الذي ظهر في أفريقية ثم انتقل لاحقًا إلى بقية أرجاء المعمورة ، وهو إنسان متوسط القامة ، طوله زهاء 160 سم ، غليظ البنية ، وله دماغ بحجم 1200 سم 3، أي أقل من متوسط حجم دماغ الإنسان الحالي . عاش هذا الإنسان متنقلًا في وديان نهري بردى( ( والأعوج وعلى شواطئ البحيرة القديمة فضلًا عن المرتفعات والهضاب والكهوف والمغاور التي وفرت له مقومات العيش المطلوبة ، ومنها مصادر الغذاء من صيد للحيوانات والتقاط للثمار والنباتات البرية ، وقد عثر على بعض الأدوات الحجرية التي صنعها ذلك الإنسان : فؤوس يدوية صنعت من حجر الصوان الصلب ، واستخدمت في القطع والقلع والكشط وغير ذلك ، أي منذ زهاء 1000.000 سنة خلت ، أي خلال مرحلة الصيد والانتقال ، ثم أصبح الوجود البشري أكثر كثافة في المنطقة في المرحلة اللاحقة : مرحلة العصر الحجري القديم الأوسط ، التي ابتدأت منذ زهاء 200.000 سنة خلت . وفيها ظهر نوع جديد من البشر أكثر تطورًا من سلفه على الصعيدين الڤيزيولوجي والحضاري ، فقد كانت أطول زهاء 165 سم ، وحجم دماغه أكبر ، قرابة 1400 سم 3، كما أنه صنع أدوات قامته حجرية أكثر تنوعًا من سلفه : سكاكين ومقاحف ومكاشط وأزاميل ، وكانت له حياة اجتماعية أكثر تطورًا ، كما أنه مارس معتقدات وشعائر لم تكن معروفة من قبل مثل دفن الموتى وتقديس بعض الحيوانات كالدب والغزال . وتعد المرحلة الأخيرة من العصر الحجري القديم التي ابتدأت منذ 40000 سنة الأكثر غموضًا في تاريخ استيطان المنطقة بشكل عام( ).. وفي هذه المرحلة ظهر الإنسان العاقل ، السلف المباشر للإنسان الحالي بعد انقراض الإنسان السابق الذكر ، وانتهت مرحلة الغموض هذه حوالي 11000ق.هـ( ) مع انتهاء العصر الحجري القديم ، ومع بداية العصر الحجري الوسيط والعصر الحجري الحديث اختلف الوضع وعاد ظهور الإنسان العاقل والحضارة بلا انقطاع إلى هذه المنطقة( ) .‏
تاريخ قطنا القديمة
مستوطنة " قرية " تل الرماد
كانت سورية محور اهتمام علماء الآثار والباحثين في عصور ما قبل التاريخ وبخاصة العصر الحجري الحديث ، حيث مرحلة النشوء والاستقرار والزراعة وتدجين الحيوانات ، وقد تميز هذا العصر بالعديد من الابتكارات والتحولات في ميادين عديدة مما كان له الأثر البالغ على مستقبل البشر وحضاراتهم ، وقد حدث هذا التحول أو ما يسميه المؤرخون بـ " الثورة" في سورية قبل أي مكان آخر في العالم منذ مطلع الألف العاشر قبل الهجرة النبوية( ) .

أكدت الدراسات والأبحاث الأثرية التي تمت في منطقة قطنا خصوصًا ودمشق عمومًا أن الفترة الزمنية الواقعة بين الألف العاشر والألف السابع للهجرة النبوية ( ) كانت غنية جدًا ، وقد نضجت فيها تحولات كبرى في تاريخ البشرية يمكن أن نحدد ملامحها في نقاط عديدة أهمها :
1 ـ الخروج من الكهوف ، وتأسيس القرى المبنية في العراء ، وتطور الاستقرار البشري في داخلها .
2ـ تطور درجة استقرار الناس داخل تلك القرى .

3ـ تطور مفهوم القرية بحد ذاتها كإنجاز معماري وتطور خططها ومدلولاتها
4ـ إنتاج القوت .
5ـ التطور التقني والابتكارات التقنية الجديدة .

6ـ التطور الديني كما يتجلى في الفن أو في مراسم الدفن( ) .
وما إن حل العصر الحجري الحديث مع مطلع الألف العاشر قبل الهجرة( )، حتى أصبحنا أمام صورة جديدة للاستيطان الإنساني في قطنا( ) فقد شهد هذا العصر تحولات كبرى ، اقتصادية واجتماعية ، في حياة مجتمعات عصور ما قبل التاريخ: هذه المجتمعات التي انتقلت من مرحلة التنقل والصيد والالتقاط للخيرات البرية فيما بين واديي بردى والأعوج إلى مرحلة الاستقرار، وممارسة الزراعة وتدجين الحيوانات. وهكذا بعد الاعتماد على الاقتصاد الاستهلاكي للثروات الطبيعية ، بدأت هذه المجتمعات إنتاج غذائها بنفسها فتحررت - إلى حد كبير- من تقلبات الطبيعة وعواقبها. فقد كان هذا التبدل من العمق والأهمية بمكان حتى أُطلق عليه اسم " ثورة العصر الحجري الحديث " ، وقد تبين أن منطقة المشــرق العربي القديم ، وبلاد الشــام تحديدًا ، كانت المهد الأول المبكر الذي انطلقت منه هذه الثورة( ) . ولم تكن قطنا بعيدة عن تلك الأحداث إذ كانت في قلبها على أكثر من صعيد . فلقد قام العالم هنري دو كونتانسون بالتعاون مع مديرية الآثار بإجراء تنقيبات وأبحاث بين عامي 1380- 1395هـ( ) في تلال محيطة بدمشق ، اثنان منهما في شرقي المدينة جنوبي بحيرة العتيبة وهما " تل أسود "، و" تل الغريفة " ، وتل ثالث في جنوب غربي المدينة - طريق سعسع - هو " تل الرماد" قرب قطنا الحالية ، وتعود هذه التلال الثلاثة إلى بداية العصر الحجري الحديث .
اكتشاف موقع تل الرماد
يقع تل الرماد على بعد 23 كم جنوب غربي مدينة دمشق تقريبًا ، وهو قرب مدينة قطنا الحالية ، إلى الجنوب الشرقي منها ، ويرتفع عن سطح الأرض المجاورة له حوالي 50 م ، ومساحته حوالي 300 م2 ، وهو عبارة عن هضبة بازلتية بركانية تقع جنوب ضفة وادٍ ، يجري بين قطنا وعرطوز ، يسمى وادي الغدير ، وهو مكان تتجمع المياه فيه من عدة ينابيع أهمها مياه الوادي " رأس النبع والتنور " وعين سلطان وقناة عرطوز ومياه الأمطار والثلوج الذائبة مشكلة غديرًا من الماء في فصل الفيضان ، ومنه أخذ هذا الوادي اسمه( )
وقد جرى اكتشاف هذا الموقع في عام 1358هـ( )، ثم توقف العمل فيه مدة اثنين وعشرين عامًا ، وفي سنة 1380هـ( ) استؤنف العمل فيه على يد البحاثة الأثري " فان لير( )" الفرنسي الجنسية ، وهو الذي أطلق عليه اسم « تل الرماد » في الدراسات الحديثة ، وذلك نسبة إلى تكوينه ولون تربته البازلتية التي تشبه رماد الحطب ، وهذه التسمية أخذها عن سكان قطنا الذين كانوا ولا زالوا يسمون هذا التل بهذا الاسم للون تربته البركانية منذ القدم . ثم توقف العمل فيه مدة ثلاث سنوات إلى أن قامت بعثة فرنسية - سورية مشتركة سنة 1383هـ إلى سنة 1393هـ( ) بإجراء عدة مواسم تنقيبية فيه . وهذه البعثة كانت برئاسة الأستاذ " هنري دي كانستون " وبإشراف المديرية العامة للآثار والمتاحف السورية والمركز الوطني للأبحاث العلمية ، فلقد استمر التنقيب فيه بشـــكل متقطــع زمنًا أطول ، بلغ عشــر سـنوات : أي من عام1383هـ - 1393هـ( ) ، وفيه تم اكتشاف آثار مستوطنة سكنية ، هذه المستوطنة السكنية تعدُّ أول تجمع سكاني عرف في قطنا حتى وقتنا الحاضر كشفت عنه الأبحاث والدراسات العلمية ، لا بل في دمشق حسب قول بعض الباحثين ، واستنتج الباحثون منه حقيقة قدم مدينة دمشق أولاً ومدينة قطنا ثانيًا ، وأن تاريخهما يعود إلى الألف التاسع قبل الميلاد ، فقد أنشئت هذه المستوطنة في حوالي عام 9700 قبل الهجرة( ) على مفترق الطرق القادمة من لبنان والزبداني إلى حوران والجولان وفلسطين( ). وشهد النصف الأول في الألف الثامن ق.هـ( ) اتساعًا مهمًا للاستيطان في حوض دمشق الذي شكل بحيرة كبيرة من مياه نهري بردى والأعوج والسيول المنحدرة إليه من المرتفعات الجبلية المحيطة ، والتي بدأت تجف نتيجة التغيرات المناخية ، فنشأت على أرضه مستوطنات جديدة ، في وسط جغرافي جديد مختلف عن واقع البحيرة القديم( ) ، ومن هذه المستوطنات مستوطنة " تل الرماد( ) "، التي كشفت التنقيبات الأثرية التي جرت خلال السنوات العديدة عنها في المكان الواقع في السفوح الجبلية جنوب شرق قطنا ، جنوب غرب دمشق ، في النصف الأول من الألف الثامن قبل الهجرة( ) اتساع الاستيطان في حوضة دمشق فنشأت مستوطنة "الغريفة " الثانية الأكبر والأكثر أهمية من المستوطنة الأولى تل أسود . ولكن التحول الأهم كان نشوء مستوطنة تل الرماد في وسط جغرافي جديد ومختلف بعيدًا عن البحيرة وفي سفوح الجبال قرب قطنا حاليًا ، وهي منطقة غنية بالأحجار كما أن أمطارها تسمح بنشوء الزراعة البعلية( ) .‏
ومستوطنة تل الرماد عبارة عن " قرية زراعية " تطورت بين النصف الأول من القرن الثامن ق.هـ والنصف الأول من الألف السابع ق.هـ( ). وتعتبر هذه المستوطنة من المواقع المؤسسةً لمدينة دمشق – فيما بعد - مع غيرها من المواقع مثل تل أسود و تل الصالحية وتل الغريفة . فقد عاش السكان في هذه المستوطنة على الصيد لوفرة الحيوانات البرية ، وزراعة الأشجار والحبوب لتوفر الماء وخصب الأرض( ) ، وتأكد للمكتشفين أن الإنسان القديم في هذا الموقع ، كان يمارس الزراعة ، فلقد عثر على حبوب متفحمة متنوعة في تل الرماد بعد اكتشافها في تل أسود ، وكان الإنسان يمارس القنص للحصول على اللحوم ، كما كان يربي الحيوانات كالأبقار والماعز وترجع مستوطنة تل الرماد –بحسب تحديد الفحم - إلى منتصف الألف الثامن قبل الهجرة( ) .


طبقات تل الرماد الأثرية

أسفرت التنقيبات الأثرية في تل الرماد عن وجود ثلاث مستويات : " طبقات " أثرية فيه ، بعضها فوق بعض ، أي ثلاثة فترات زمنية تمثل ثلاث مراحل تطورية مرت بها المستوطنة ، وهي على التوالي من الأقدم إلى الأحدث :

1ـ الطبقة الأولى ( 7100- 6800) قبل الهجرة( ) : وهي أقدم الطبقات ، وقد أسفرت الأعمال الأثرية عن معلومات تفيد بأن سكان هذه المستوطنة الزراعية كانوا يعتمدون في حياتهم على زراعة القمح الشتوي ، والشعير والعدس والكتان الذي كان يستخرج منه الزيت ، كما كان الناس يقتاتون من ثمار الأشجار البرية كاللوز والزعرور والفستق والتين ، ويقومون بالإضافة إل ذلك بصيد الغزلان والأيائل ...
لقد كانت مساكن الناس في تلك الفترة عبارة عن أكواخ بيضاوية "مستديرة " الشكل أو دائرية ، بسيطة جدًا ، قطرها بين 3 – 4 م ، محفورة حتى منتصفها في التراب ، وجوانبها مبنية من التراب المدكوك " اللبن "، وكانت أرضياتها مغطاة بالصلصال ، أو مرصوفة بالحصى أو مطلية بالملاط الأبيض( ) أو الطين ، فصلت بينها مساحات واسعة قامت فيها أرضيات مبلطة بالحجر ومواقد وتنانير ومستودعات تخزين ، وهناك ما يشير إلى أن سقوف بعض البيوت كان مقببًا. وعثر في داخلها على أدوات حجرية صوانية تدل على اهتمام السكان بالصيد ، كما وجد في داخلها تجهيزات معدة للتخزين مصنوعة من الصلصال أيضًا ، وكان يحيط بتلك الأكواخ بساط من صفائح الحجر، وقد أقيمت عليه موائد مغلّفة بالكلس. أما متاع هذه الأكواخ " البيوت " فقد كان يتألف من الجواريش وأدوات سحق الحبوب والأواني الكبيرة المصنوعة من الجير التي عثر في داخلها على أدوات حجرية متنوعة من الصوان ، من بينها مدقات ومثاقب ومخارز ونصال مناجل ومكاشط وأزاميل وفؤوس يعود تاريخها إلى صناعة متأخرة من صناعات العصر الحجري الحديث " قبل الفخار- ب " ؛ وعثر أيضًا على صحفة حجرية مصنوعة من حجر ، لونها أحمر وبيج ، ارتفاعها 4,9 سم ، وقطرها 9،8 سم ؛ وعثر أيضًا على أدوات عظمية متنوعة مثل : المخارز والمثاقب والمحالج والنبال ، كما استعمل العظم لصنع القلادات على شكل رأس حيوان . وعثر في هذه الطبقة على تماثيل فخارية " دمى طينية " كان الأهالي يقلدون بها أشكال الحيوانات والبشر، فقد عثر على تمثال إنسان جالس القرفصاء ، وهو من الطين المشوي ، ارتفاعه 25 سم ، وعمقه " سماكته " 16 سم ، وعرضه 8,5 سم . وكان السكان يرسمون نموذجًا لشكل الإنسان على العظام الخالية من اللحم " المعراة من اللحم "، بعجينة كلسية ، ويبرزون سطح الجمجمة بتلوينها أو دهنها بلون أحمر ، ويقومون بتغطية العيون بالكلس الأبيض( ) ، ويعتقد أن التماثيل البشرية الطينية الكبيرة المجففة كانت تستخدم قواعد لهذه الجماجم ، والجماجم المكتشفة المطلية والمزخرفة بالجص تشابه تلك التي عثر عليها في أريحا بفلسطين ، كما عثر على تماثيل طينية صغيرة ، وحوامل طينية للجماجم التي كانت تعرض في البيوت تكريمًا لأصحابها ، وهذا يدل على سريان عادة عبادة الأجداد ، أوعلى الأقل احترامهم وتكريمهم بعد موتهم ، أو تقديسهم لهم . ومما يجدر ذكره أيضًا وجود خرزة أو كرة صغيرة من النحاس المطروق ، تشير إلى قيام علاقات تجارية مع البلد المصدر لهذا المعدن في آسيا الصغرى .

2ـ الطبقة الثانية ( 6800- 6300 ) قبل الهجرة( ) : في هذه الفترة بلغت القرية أوج اتساعها ، وقدرت مساحتها بحوالي (3) هكتارات ، ومع أن مواد البناء في هذه المستوطنة لا تختلف عن سابقتها إلا أن تنظيم الأبنية وأشكالها اختلف تمامًا. فقد حدد هنا نمطان من البيوت : الأول : تمثله سماكة جدرانها حوالي المتر الواحد ، وهي مرفوعة من الطين المدكوك والحجر والخشب ، وبنيت من اللبن المقولب المجفف ، ووضعت أساساتها من الحجر، وأرضياتها من الطين أو الحجر، ولكن هذه الأرضيات ليست مطلية بالجص ، أو الملاط الأبيض . ولابد أن مثل هذه البيوت قد ضمت عائلات كبيرة تربطها علاقات عائلية متينة ، بعد أن اتسع النسيج الاجتماعي في القرية وتعقّد إلى درجة كبيرة . والنمط الثاني : مثلت بيوت صغيرة ، جدرانها رفيعة (حوالي 40 سم) من الحجر واللبن ، ولكن أرضياتها مطلية بالجص أو بالطين ، والبيوت السكنية " المنازل " كانت مستطيلة الشكل ، بأبعاد (3×4م ) ؛ أو مربعة ذات غرفة واحدة. ولقد انتشرت بيوت المستوطنين في مستوطنة تل الرماد الثانية ، الكبيرة والصغيرة ، حول شوارع مستقيمة وساحات عامة احتوت على مواقد ومستودعات تخزين ومنشآت خدمية متنوعة. كما عثر على أفران وعنابر أنشئت أيضًا من الطين وطليت بالجص . وكان السكان يجبلون خليطة من الكلس المشوي والرماد لصنع الأواني المنزلية والأواني الحجرية لحفظ وتخزين الطعام والشراب ، وهي أوانٍ صنعت بخاصة من الحجر الكلسي والجير، بعد طحنه وتحضيره "الأواني البيضاء"، وكان يقتصر في تصليبها على تجفيفها في الشمس ، كما كانت جدرانها الخارجية تزيّن أحياناً بأشرطة حمراء ، وقد انتشرت في النصف الثاني من الألف السابع ق.م في العديد من المستوطنات المشرقية وسبقت ظهور الأواني الفخارية بقليل ولكن استخدامها تراجع واختفى مع معرفة تصنيع الفخار، التي ظهرت بدءًا من المستوطنة الثانية في تل الرماد حيث ساد نمط من الأواني الفخارية ذات اللون القاتم المصقول المسمى فخار العمق( ) ، وبقايا الرماد الكثيرة في هذه الطبقة هي التي أعطت الاسم الحالي لتل الرماد . ومن أهم ما صنعه السكان في هذه الفترة الأدوات الحجرية الجديدة وخاصة ما يرتبط منها بالزراعة كالمناجل والرحى والأجران والبلطات وغيرها ، كما ابتكروا للمرة الأولى الفؤوس ورؤوس الرماح التي استعملت في صيد الحيوانات الكبيرة كالثور والحصان والغزال ، بالإضافة إلى الأدوات المصنوعة من الأحجار الكلسية البيضاء وأدوات الزينة والحلي كالخرز والخواتم والأمشاط .. الخ . وتدل التحاليل أن السكان في هذه المرحلة قد اعتمدوا على الزراعة بشكل خاص ، فزرعوا القمح والشعير والعدس ، كما زرعوا الكتان وهو نبات بحاجة إلى ري منتظم مما يشير إلى أنهم استطاعوا جر المياه إلى حقول الكتان ولو من خلال السواقي البسيطة .‏
3ـ الطبقة الثالثة ( 6300- 5800 ) قبل الهجرة( ) : تتميز هذه الطبقة بوجود خنادق محفورة في الطبقتين السابقتين ، وهذا يدل على أن المساكن أصبحت أقل ضخامة ، وهذا ما دفع البعض إلى القول بأن سكان تل الرماد قد انتقلوا في هذه الفترة إلى حياة " نصف بدوية " وقد تعيّن الاعتماد على تربية الحيوانات كالماعز والغنم والبقر ، مع الإشارة إلى وجود دلائل كثيرة تثبت وجود زراعة الحبوب والخضروات في تلك الفترة . وفي هذه الطبقة توصل الإنسان إلى صناعة الأدوات الفخارية مثل الجرار والقدور والطاسات والصحون التي استخدمت في تحضير الطعام والشراب وخزنهما ، كما صنع في تل الرماد الفخار المصقول " الخزف " الملمّع ، الغامق اللون ، ذو اللون البني القاتم ، والزخارف البسيطة كالخدوش والطبعات الذي يشبه الخزف الذي عثر عليه في مدن الساحل السوري ، المصقول المسمى "فخار العمق " كما صنع الفخار الخشن الأقل جودة( ) ، ويعتقد أنه من مستوطنة تل الرماد انتقلت الأواني الفخارية غربًا وجنوبًا: إلى لبنان وفلسطين ؛ فقد عثر فيه على صفحة فخارية : ارتفاعها (9,8) سم ، وقطرها (15,5 – 16) سم( ) . وفي هذه الفترة صار للفخار أهمية بالغة في تمييز الحضارات والشعوب التي اتسعت علاقاتها ومبادلاتها التجارية مع الجوار ، فقد كان ارتباط سكان تل الرماد بالتجمع السكاني المشابه لهم في وادي الفرات الأوسط " تل المريبط " و" تل بقرص " .

وفي المرحلة الأخيرة من حياة مستوطنة تل الرماد ، لوحظ تبدل اقتصادي واجتماعي مهم في حياة السكان الذين تحولوا من مجتمع مستقر، شكلت الزراعة مصدر رزقه الأهم إلى مجتمع رعوي متنقل اعتمد على تربية الحيوانات بعد أن تراجعت الزراعة ، كما دلت على ذلك بيوتهم البسيطة والموسمية ، فضلا عن البقايا الكثيرة لعظام الحيوانات التي دجنوها كالغنم والماعز والبقر والخنزير . وهكذا أصبح بإمكاننا ملاحظة بداية تبلور مجتمعين مختلفين : الأول زراعي حضري مستقر، والآخر رعوي بدوي متنقل ، وهما مجتمعان تعايشا وتكاملا جنبًا إلى جنب. إن هذا الواقع ما زال سائدًا حتى يومنا هذا الذي يتعايش فيه المزارعون الحضر في قراهم المستقرة ، إلى جانب البدو المتنقلين خلف ماشيتهم ومخيماتهم الموسمية .

وقد وجدت في تل الرماد كميات ضخمة من الآثار المنقولة المتنوعة بينها الأدوات الحجرية الصوانية والبازلتية الكلسية والأواني الحجرية ، ولاسيما الأواني الفخارية التي ظهرت في حوض دمشق أول مرة زهاء نهاية الألف الثامن ق. هـ( )، وهي من نوع الفخار القاتم ، كما وجدت في تل الرماد مكتشفات نادرة كالإبر والمكاشط والملاعق العظمية ، وغير ذلك من اللقى التي تدل على مجتمع قادر على إنتاج كل ما يحتاج إليه وتصنيعه( ) .

وقد كان لابد للإنسان في عصر ما قبل التاريخ من وسائل دفاعية ، ونظرًا لعدم اكتشاف المعدن في ذلك التاريخ ، فقد استعمل الحجر على اختلاف أنواعه لصناعة الفؤوس والحراب والأدوات اليدوية التي صنعت من الحجر الصواني الصلب ، الذي جلبوا خاماته من سفوح جبال لبنان الشرقية ، واستخدمت في القطع والقلع والكشط ، وغير ذلك من الأنشطة التي مارسها ذلك الإنسان . ولقد عثر في تل الرماد على فأس ورأس سهم ونصل منجل ، وتظهر في مقدمة رأس السهم مسننات ناعمة على الجانبين كأسنان المنشار ، وكذلك الأمر على نصل المنجل ، ونرى على الوجه العلوي ما يسمى بلمعة المنجل التي تدل على مدى استعمال هذا المنجل سواء في الأعمال الدفاعية أو الزراعية( ) . وقد أماطت التنقيبات الأثرية في تل "الرماد" اللثام عن مجموعة من الجدر الطولانية ذات الصفة التحصينية. يقول الآثاري "هنري دو كونتانسون" الذي نقب في " تل الرماد " عام 1393 هـ( ) في مقال له : " إنّ هذا السور يبلغ طوله /12/ مترًا ، ويؤلف جزءًا من سور يتبع في تعاريجه منحنيات التسوية ". من هنا نستنتج أنّ قرية تل "الرماد" التي تعود إلى الألف الثامن قبل الهجرة( ) كانت محصنة بجدار مبني من مادة اللبن والحجر( ) . وبعد أن هجرت مستوطنة تل الرماد نشطت مستوطنة جديدة في تل الخزامي إلى الشمال من تل أسود في غوطة دمشق ، سكنت خلال النصف الثاني للألف السادس قبل الهجرة( ) .


المعتقدات الدينية

رافق التحول الاقتصادي الكبير الذي حصل في العصر الحجري الحديث ، تحول اجتماعي مهم أيضًا يدل على تطور التنظيم الاجتماعي والسوية الفكرية والحضارية للناس الذين لم يهتموا فقط بحاجاتهم المادية ومتطلبات معيشتهم المباشرة ، وإنما طوروا حياتهم الفكرية والروحية التي نجد أفضل تعبير عنها في فنونهم التي عكست معتقداتهم وتقاليدهم الاجتماعية والدينية .

وإذا كان أكثر المؤرخين والرحالة العرب القدامى كاليعقوبي والمقدسي وابن جبير والبلاذري وابن بطوطة وابن عساكر وغيرهم ، يقرنون اسم دمشق ببداية الخليقة ، ويرجعون تاريخها إلى عهد آدم – عليه السلام - الذي – حسب رواياتهم - كان يقيم في ضاحية من ضواحيها تسمى " بيت أبيات "، ويقولون أن حواء قد أقامت في قرية بيت لهيا " بيت الآلهة "، وأن هابيل أقام في قرية " مقرى "، وأن قابيل في قرية قينيّة ... وأن أكثر المتحدثين عن دمشق يجمعون على أنها كانت موطن إبراهيم الخليل ، بل كانت مكان مولده ، وكان والده يقوم بنحت الأصنام فيها ... ويقال إنها ترجع إلى " داماشق " أحد أحفاد نوح - عليه السلام – وأنه أول من بناها ، وقيل أيضًا أن حفيدًا آخر له نزل فيها وأسس حائط معبدها الذي يعتبرونه أول حائط بني في التاريخ( ) ...الخ
ولعل من الطريف أن يحاط جبل الشيخ " الحرمون " الواقع جنوب غرب تل الرماد بعدد من الروايات الأسطورية التي تعبر عن قدسية دينية قديمة لهذا الجبل ، كما ترمز إلى معتقدات الشعوب التي تعيش على سفوحه ومنها سكان تل الرماد " قطنا القديمة " ، ومن تلك الروايات أنه : بعد هبوط أبونا آدم – عليه السلام - وزوجته حواء من جنة رب العالمين إلى أرض عدن ، رزق بإحدى وعشرين توأماً ، كل حمل مكون من ذكر وأنثى ، كان أولها ( قابيل ، قيليما ) والثاني ( هابيل ، ليوذا ) والثالث ( شيث ---) ، وعمل قابيل فلاحاً ، بينما عمل هابيل راعياً للغنم ، وعندما شبَّا وقررا الزواج رغب هابيل في أخته قيليما أن تكون زوجة له ، ولكن قابيل رفض ذلك ، وحسماً للخلاف تقدم كلٌّ منهما بقربان إلى الله ، فقدم قابيل ما تنتج الأرض من ثمرات وحبوب ، وقدم هابيل أفضل كباش غنمه ( خراف ) مشفوعاً بما علمه أبوه آدم ، مما علمه الله من أسماء ، عند حواره مع الملائكة وسجودهم له إلا إبليس ، فتقبل الله قربان هابيل ، ولكن قابيل ركب رأسه وهدد وتوعد أخاه ، وتمت الجريمة الأولى وقتل أخاه هابيل . وأصبح التوأم الثالث شيث هو الأمين على ما علَّم الله لأبيه آدم من أسماء ، وكان من ( الألوهيم ) هو وذريته ، أي متصوفاً عابداً راهباً ، لا يقترب من النساء إلا من أجل التناسل . ولما يئسوا من عودتهم إلى جنة الخلد ، نزل وذريته الحرمون ، وقبره موجود في بعلبك مع ذريته ومجموعة من الأنبياء إلياس ويحيى ... وكانت الجبال عند الشعوب القديمة من آراميين وكنعانيين ينظر إليها على أنها أبناء الله في الأرض ، لذلك اتخذوا عند قمتها أماكن عبادة لهم ، ليكونوا على مقربة من الآلهة ، وأشهرها ( حرمون ، لبنون ، قاسيون ، قلمون ، عجلون ) . وكانت سكنى لكثير من طالبي المعرفة والعلم ، يتبادلون عندها علم أوطانهم ، ويعودون إلى بلادهم ، حاملين معرفة الآخرين وثقافة فوق مستوى ثقافة شعوبهم وعلم الغيب ، مدعين النبوة ، وسرعان ما تم اكتشاف وهم معرفتهم ، وازدادت ظاهرة النبوة في أرض الشام والجزيرة العربية ...الخ( )
هذه الروايات الكثيرة التي تبقى في حدود الأساطير التي لا يمكن للمؤرخ أن يعتمد عليها في تقديم المادة العلمية الأساسية لكنها تدل على دور دمشق وريادتها التاريخية مع ما جاورها - ومنها قطنا القديمة - في مجال الاعتقاد بالله تعالى والوحي الذي أنزله على أولئك الأنبياء والرسل منذ أقدم العصور وحتى اليوم ، وأن الإسلام هو الدين الإلهي الخالد من لدن آدم – عليه السلام – إلى رسولنا محمد – صلى الله عليه وسلم – خاتم النبيين ، الذي ارتضاه رب العزة لهداية البشرية على مر الأجيال والعصور .
وتدل المكتشفات الأثرية التي وجدت في المستوطنات الزراعية الأولى حول حوض دمشق من تل أسود إلى تل الغريفة وتل الرماد وتل الخزامي وتل البحارية ، وأهمها الدمى والتماثيل الإنسانية والحيوانية ، والجماجم الإنسانية المحنطة ، وأدوات الزينة والحلي المختلفة في مجملها على انحراف إيمان تلك المجتمعات عن تلك المعتقدات الربانية إلى معتقدات وثنية زينها شياطين الجن والإنس لها( ) وعلى رأسها عبادة : " الثور" و" الأم" و " الأجداد " من دون الله تعالى ، وإليك هي :

1. العقيدة الأولى : عبادة الثور( ) ، لقد جسد السكان الحيوانات التي دجنوها أو اصطادوها كالغنم والماعز والبقر ، وصنعوا لها تماثيل تجسد أنواع البيئة المحيطة ، وحظي الثور باهتمام خاص ، فصنعت له التماثيل "الدمى" من الطين المشوي عمومًا أو المجفف بالشمس والهواء ، وهي تركز على مناطق الفحولة : رمز الخصوبة ، والقرون : رمز القوة ، والتي وجدت أفضل تعبير عنها من خلال "تقديس الثور" ، ذلك الحيوان الجميل والمفيد وصاحب الحضور والتأثير المعبرين.
2. العقيدة الثانية : عبادة الأم : إلى جانب الثور"رمز الذكورة "حظيت المرأة باهتمام واضح أيضًا ، وتقدم التماثيل الإنسانية التي وجدت في تل الرماد وتل أسود أفضل الأدلة على هذه العبادة . وتعدُّ التماثيل الإنسانية التي وجدت في تل أسود من أروع ما اكتشف حتى الآن ، فقد صنع سكان تلك المستوطنة التماثيل الطينية الصغيرة التي جسدت المرأة "الآلهة الأم" بعضها واقعي ومعبر، وقد ظهرت هذه المرأة عارية ، واقفة أو جالسة ، وركها عريض وصدرها بارز ، ترفعه بكلتا يديها ، وهي غالبًا بلا رأس ، وبلا نهايات للأطراف لأن الاهتمام انصب على مراكز الخصب والأمومة فيها . إن هذه التماثيل التي تعود إلى الألف التاسع قبل الهجرة( )، تجسد الأصنام "الآلهة السورية " الأولى التي استمرت تؤدي الدور الأهم في معتقدات شعوب الشرق القديم لآلاف السنين اللاحقة ، فهذه الأصنام المعبودة من دون الله ، والتي يطلق عليها " الآلهة " هي الأصل الذي أتت منه عشتار وأفروديت وڤينوس فيما بعد
3. العقيدة الثالثة : عبادة الأجداد : لقد كشفت دلائل هذه العبادة في المستوطنات الزراعية في حوض دمشق ومنها تل الرماد ، وهي عقيدة تقوم على تقديس " الأجداد" وتأليههم ، ويطلق عليها أيضًا "عبادة الأسلاف "( ) . فقد جسدت هذه العقيدة من خلال الجماجم البشرية المحنطة التي فصلت عن الأجساد وتمت معالجتها ، وقولبتها بالجص بعد أن كشط اللحم عنها ، وبشكل يحافظ على تقاسيمها الأصلية ، مع الإشارة إلى العيون والحواجب والشعر بألوان أو أحجار خاصة - وهي تشابه الجماجم التي اكتشفت في أريحا بفلسطين - ثم احتفظ بهذه الجماجم في مخابئ خاصة ، بعضها في بيوت السكن ، ويعتقد أنه كان يتم استخراجها أو استخدامها في المناسبات والشعائر الدينية التي مارسها السكان. إن الاهتمام الكبير الذي أعطي لهذه الجماجم ، مركز الفكر والعقل والروح ، جسدته المكتشفات التي أتت من تل أسود وتل الرماد ، حيث كشف عن العديد من الجماجم المقولبة التي تمت معاملتها بعناية خاصة وتنظيمها في أماكن محددة هي مراكز شعائرية . إن التباين الواضح في أشكال تلك الجماجم وتقاسيمها يدل على أنها تعود إلى أشخاص معينين ومعروفين من قبل مجتمعهم ، وهم على الأرجح يمثلون النخبة : القادة والكهنة ، من الرجال أو النساء اليافعين ، والذين أراد مجتمعهم الاهتداء بهم عبر الاحتفاظ بذكراهم وتخليدهم واحترامهم على مر الزمن( ) ، ومعظم تلك الجماجم المكتشفة هي لنساء يافعات ، فصلت جماجمهن عن بقية الجسد . وفي كل الجماجم تم كشط جلدها ولحمها ونزع أسنانها ، ثم أعيد طليها بالكلس المحضر، وبطريقة حافظت على ملامح الوجه كاملة ، من خلال إبراز العيون باللون الأبيض الغامق أو بأحجار نادرة ، ويبدو أن هذه الملامح كانت نفسها للمتوفى الأصلي . كما أبرزت تقاسيم الرقبة ، وأشير إلى الشعر باللون الأحمر. وقد وضعت هذه الجماجم على شكل مجموعات ، في حفر خاصة في أرضيات بيوت السكن ، أو على امتداد الجدران ، ورافقتها تماثيل من الطين ، بلغ طول بعضها زهاء الـ 20 سم ، وهي تمثل أشخاصًا في وضعية الجلوس ، وكان لهذه التماثيل رقبة أسطوانية الشكل لها نهاية مسطحة تساعد على حمل الجماجم المحنطة التي يعتقد أنها كانت توضع فوق هذه التماثيل في أثناء المراسم والشعائر الدينية. كما عثر على تماثيل طينية صغيرة ، وحوامل طينية للجماجم التي كانت تعرض في البيوت تكريمًا لأصحابها ، وما زال النقاش قائمًا حتى الوقت الحاضر حول الدلالة أو الوظيفة الحقيقية لمثل هذه الجماجم ، وهل كانت "ودائع تأسيس" تبارك المنزل وتحميه ؟؟ أم أنها تجسيد للأموات في بيوت الأحياء ؟؟. ومهما يكن فإن هذه الممارسة قد انتشرت على مساحة واسعة في مختلف أرجاء المشرق العربي القديم ، من وادي الفرات شمالا حتى حوض دمشق ووادي الأردن جنوبًا ، وهي دليل واضح على الوحدة الحضارية الباكرة لهذا المشرق ، وهي الوحدة التي تعتبر المعتقدات الدينية حولها دليلها الأهم من أية معطيات أخرى ، لأنه ومهما تشابهت الميزات الحضارية الأخرى ، من عمارة أو أدوات وأوانٍ ، فإنها لا ترقى في تأكيد الانتماء الحضاري الواحد ، إلى المستوى الذي يصله تشابه التقاليد والمعتقدات( ) .
أدوات الزينة والفنون

لقد وجدت في كل المستوطنات المشار إليها آنفًا ومنها مستوطنة تل الرماد مكتشفات فنية أخرى ، مثل أدوات الزينة والحلي : من أطواق ، وخرز ، وحلق وأساور وقلادات صنعت من أحجار ثمينة ونادرة مثل أحجار الألباتر والسناتيت والهيماتيت والسربتن والسبج والصدف والعاج والعظم التي تم استيرادها من مناطق مجاورة .

وفي الواقع فإنه حدث في هذه الفترة تحول حاسم في تاريخ الفن ، والفن التصويري ، ووجهة النظر الرمزية ، والتي دعاها العلماء بثورة الرموز . ويمتاز فن العصر الحجري الحديث بخاصية التنوع الواسع المجال ، وذلك يعود للتماثيل الإنسانية والحيوانية بالإضافة إلى الفخار ، كما أن اكتشاف تقنية صقل الأحجار أدى إلى إغناء الفن في هذه الفترة .

إن فصل الجماجم عن الأجسام والهياكل البشرية من أجل حفظها وتشكيل سمات الوجه عليها هي عملية فنية ، حيث تتم عملية الطلاء بالكلس ، ويغطى الوجه والصدغان معيدًا سمات تشكيل سمات الوجه الفعلي ، وهناك تزيين ملون لم يبق منه سوى آثار ضعيفة يساهم في الواقع في المظهر النهائي للرأس .
وتجلت العناصر الرمزية بصورة خاصة في الفن في العصر الحجري الحديث في التماثيل الأنثوية الصغيرة المشكلة من الطين المشوي المُصَنَّع بواقعية أو تخطيطية( ) .

وفي هذه المكتشفات الأثرية دليل على قيام علاقات تجارية وتبادلات حضارية بعيدة المدى بين مختلف أرجاء المشرق القديم ، كما أنها دليل تبلور واقع اجتماعي واقتصادي جديد ، كما أنها بداية الفرز الاجتماعي بين الناس الذين تخطوا مرحلة المجتمع البدائي الأول إلى مجتمع الطبقات ذات الإمكانيات المادية والمكانة الاجتماعية المختلفة والمتفاوتة بين طبقة وأخرى. ونظرًا لعدم معرفة الكتابة في ذلك العصر فإننا لا نعلم أسماء تلك الشعوب ولا أسماء حكامها ولا قادتها ، فضلًا عن جهلنا بكامل معتقداتها وأسماء آلهتها وأهم مناسباتها والأحداث التي عاشتها ، وما إلى ذلك من تفاصيل حياتها بكل أبعادها. لكننا نعتقد أن هذه الشعوب هي التي أسست لحياة الاستقرار البشري وظهور التجمعات البشرية الأولى التي سيطر فيها الأقوياء على الضعفاء ، والأذكياء على العامة ، وتملكوا الأراضي الخصبة فنشأت لذلك ملكية الأرض ، كما نشأت الفئات الحاكمة ، كذلك مهدت تلك التجمعات الحضرية إلى تطور اللغة والكلام ، وأيضًا أدت إلى انتشار بعض المعتقدات الدينية التي ألمحنا إليها إضافة إلى انتشار السحر وعبادة الأرواح وقوى الطبيعة كالشمس والقمر والأرض ، وهي التي مهدت على العموم لنشوء الحضارات التاريخية الباكرة التي عرفت الكتابة منذ مطلع الألف الرابع قبل الهجرة( ) .






ملاحق الصور

المتحف الوطني بدمشق : واجهة قصر الحير الغربي

جمجمة محنطة مقولبة من تل الرماد( )

دمية طينية لامرأة جالسة – تل الرماد( )

تمثال جسد امرأة من تل الرماد

دمى حيوانية من الطين وجدت في تل الرماد تعود إلى الألف السابع و السادس و الخامس قبل الميلاد( )


سور تل الرماد المزدوج( )




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Admin
صاحب المنتدى
صاحب المنتدى
Admin


المزاج : تاريخ قطنا القديمة " تل الرماد " 1
ذكر
عدد المساهمات : 7499
نقاط : 9388
تاريخ الميلاد : 14/02/1975
العمر : 49
تاريخ التسجيل : 20/05/2009

تاريخ قطنا القديمة " تل الرماد " Empty
مُساهمةموضوع: رد: تاريخ قطنا القديمة " تل الرماد "   تاريخ قطنا القديمة " تل الرماد " Emptyالثلاثاء يناير 03, 2012 4:47 am

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

جزاك الله خير على هذه المعلومات النادره و القيمة و التي يتوق لمعرفتها جميع اهلنا و كل باحث و طالب علم

طبعا كلماتي المتواضعة لا تفيك حقك من الشكر و الثناء

و لا تزيد على قدرك على ما انت عليه من قدر و علم و معرفة


و انه لشرف لمنتدانا ان تضع بصمتك فيه

نتمنى لك الصحة و العافية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://qatana.ahlamontada.com
مهند الزعييم
المشرف العام
المشرف العام
مهند الزعييم


المزاج : تاريخ قطنا القديمة " تل الرماد " 9
المشرف المتميز
ذكر
عدد المساهمات : 17697
نقاط : 18188
تاريخ الميلاد : 02/01/1950
العمر : 74
تاريخ التسجيل : 05/02/2010
مكان الإقامة : عالمي
العمل/الترفيه : بهالدنيا
المزاج : ماشي الحال
وسام قطنا

تاريخ قطنا القديمة " تل الرماد " Empty
مُساهمةموضوع: رد: تاريخ قطنا القديمة " تل الرماد "   تاريخ قطنا القديمة " تل الرماد " Emptyالأربعاء يناير 04, 2012 10:28 am

تاريخ قطنا القديمة " تل الرماد " 169580
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عين سلطان
عضو مميز
عضو مميز
avatar


المزاج : قطنا
empty
ذكر
عدد المساهمات : 237
نقاط : 244
تاريخ الميلاد : 17/06/1970
العمر : 54
تاريخ التسجيل : 24/12/2009
مكان الإقامة : بلاد الله الواسعة

تاريخ قطنا القديمة " تل الرماد " Empty
مُساهمةموضوع: رد: تاريخ قطنا القديمة " تل الرماد "   تاريخ قطنا القديمة " تل الرماد " Emptyالخميس يناير 05, 2012 9:41 pm

الله يعطيك الف عافية

على هذه الجهد المبارك

فعلا كتابة غنية بكل شي


الله يبارك بعلمك و عملك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أطناوي وأفتخر
عضو مميز
عضو مميز
أطناوي وأفتخر


المزاج : قطنا
empty
ذكر
عدد المساهمات : 313
نقاط : 327
تاريخ الميلاد : 25/04/1982
العمر : 42
تاريخ التسجيل : 09/01/2010

تاريخ قطنا القديمة " تل الرماد " Empty
مُساهمةموضوع: رد: تاريخ قطنا القديمة " تل الرماد "   تاريخ قطنا القديمة " تل الرماد " Emptyالخميس يناير 05, 2012 9:52 pm

ما شاء الله
تبراك الرحمن
موسوعة علمية قيمة
الله يبارك بعلمك و عملك

و لا تحرمنا من اي معلومات عن مديتنا الجميلة


شكرا لك و لكل من ساهم بهذا العمل الرائع من نشر و كتابة
و نتمى لك دوام الصحة و العافية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تاريخ قطنا القديمة " تل الرماد "
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتب هامة عن تاريخ قطنا
» منتدى قطنا من قلب قطنا لأهل قطنا ولكلّ من يحبّ قطنا
» «نارٌ تحت الرماد»! هي التفرقة بين الأبناء.
» جولة في قطنا حول جوامع قطنا الحديثة والقديمة
» رجال من قطنا في ذاكرة قطنا وأهلها

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
قطنا :: المنتديات العامة :: شخصيات لها تاريخ-
انتقل الى: