تابع جغرافية قطنا - 4
التضاريس :
أ. المظهر الطبوغرافي :
إن واحة قطنا لا تشكل سهلاً بكل معنى الكلمة ، فهي تقع عند نهاية سفح جبل الشيخ ، وتنحدر انحدارًا خفيفًا من الغرب إلى الشرق ، وهي إحدى المخاريط التي أوجدتها السيول العديدة على السفوح الشرقية لجبل الشيخ ، وعند بدء مصب هذه السيول بالبحيرة ، التي كانت تشغل مساحة كبيرة ، كما تنحدر من سفوح جبل الشيخ مسيلات مائية تلقي بمجروفاتها عند آخر السفح ، وتغطي هذه المجروفات سفوح جبل الشيخ وكأنه بساط متموج ، وتختلط الاندفاعات البركانية بمجروفات المسيلات المائية ، فتشكل سطحًا طبوغرافيًا مشوشًا ؛ ومن هذه المسيلات المائية : وادي الثعلب ووادي الحبش . أما بقية السهول إلى الشرق فهي منبسطة تمام الانبساط إلا في بعض التلال التي تتخلل هذا السهل مثل تل أبو سية وتلال المنصورة في الجنوب .
أما بلدة قطنا فتقع على مرتفع يفصل بين واديين متوازيين ، متجهان من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي ، حيث يلتقيان في أقصى الشرق ، وهما : وادي المعرة في شمال قطنا ، ووادي التنور» الضيعة ، المخاضة « في جنوب قطنا ، ويقع بينهما المرتفع الذي بنيت فوقه مدينة قطنا في الأصل قبل اتساعها الذي بيناه .
ب. البيئة الجيولوجية :
إن منطقة قطنا هادئة جدًا من الناحية الجيولوجية ، غير أن هناك حركات هامة حدثت في منتصف الدور الثالث الجيولوجي كان لها أكبر الأثر في بيئتها ونباتها نتيجة للإلتواءات الألبية ، وعلى أثر صدام القرنة العربية المركزة المتبلورة بالالتواءات الطوروسية ، وأخيرًا على أثر التصدعات الكبرى الإفريقية السورية» الانهدام السوري الإفريقي« . نتيجة لهذه العوامل تشكلت تضاريسنا الحالية ، وظهرت جبالنا - ومنها : الجبل الشرقي وجبل قاسيون - المتجهة من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي ، وبسبب الدفع من الجنوب والجنوب الشرقي تشكلت حفرة واسعة هي الحفرة السابقة للجبال الإلتوائية ، وفيها يقع سهل تدمر وسهل الغوطة وسهول قطنا ، وقد ردمت هذه الحفر بالاندفاعات البركانية ، وبالانهيالات والمنزلقات الجبلية ، كما أن الأنهار والمجاري المائية فرشت غطاء لحقيًا سميكًا في بعض الأجيال ، غير أن وضع قطنا يختلف عن بقية تلك السهول لوجود كتلة جبلية ضخمة متجهة من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي هي كتلة جبل الشيخ( ).
فقطنا تقع بين تلك الحفرة السابقة للجبال الإلتوائية وعند آخر سفوح تلك الكتلة الضخمة » كتلة جبل الشيخ « ، وقد ردمت بكتل بركانية منساحة من مركز الاندفاعات البركانية لجبل الشيخ ومغطاة بالرماد البركاني المندفع من البراكين الموزعة جنوب قطنا ، وهي براكين تل أبو سية وتلال المدني . وكانت تغطي المنطقة بحيرة واسعة( ) ، كما أكد العالم فان ليره . لقد حصل لحوض دمشق تغيرات هامة في الزمن الجيولوجي الرابع الرباعي ، إذ أخذت تلك المنطقة شكلها الجغرافي الراهن تقريباً ، فاستقر فيها تشكل السهول والجبال والوديان والأنهار ، وتشير المعلومات المتوفرة إلى أنه في بداية الزمن الرابع كانت تغطي جزءاً كبيراً من هذه المنطقة بحيرة واسعة امتدت من منطقة الضمير في الشرق حتى الكسوة في الغرب ، ارتفعت شواطئ هذه البحيرة بين 100- 125م عن مستوى بحيرة العتيبة الحالية ، وذلك في العصر المسمى البليستوسين الباكر ، منذ حوالي مليون سنة خلت ، وكانت تتغذى بمياه نهري بردى والأعوج ، إضافة إلى الأمطار والأودية الفرعية والأنهار الموسمية الأخرى التي دلت على قيام مناخ بارد وماطر وانتشار غابات كثيفة على الجزء الأكبر من المنطقة . ومنذ حوالي نصف مليون سنة » البلستوسين الأوسط« حصل جفاف نسبي في المناخ وتراجعت شواطئ البحيرة حتى ارتفاع حوالي 15م عن مياه بحيرة العتيبة وبذلك تقلصت مساحتها . ومنذ حوالي 100.000 سنة » البليستوسن الأعلى « توضحت حدود تلك البحيرة بشكل أفضل وأضحت تغطي منطقة أبعادها، 10×20 كم تقريباً ومركزها بحيرتا العتيبة والهيجانة ، ومنذ ذلك العصر تشكلت في المنطقة التربة السوداء ، الخصبة ، تربة غوطة دمشق ، نتيجة جملة نشاطات بحرية – نهرية - سيلية حتية وغيرها . وقد بقيت هذه البحيرة بين مد وجزر حتى حوالي عشرة آلاف وثلاث مائة سنة قبل الهجرة( ) » بداية عصر الهولوسين« عندما حصل جفاف مناخي آخر وتقلصت حدود البحيرة من جديد وشكلت شواطئ ارتفاعها 6-7م فقط ، واقتصرت فيما بعد على بحيرتي الهيجانة والعتيبة . وعلى شواطئ بحيرة دمشق القديمة نشأت مستوطنات هامة من عصور ما قبل التاريخ ( ) منها مستوطنة قطنا القديمة » تل الرماد « . وفي ذلك الوقت كانت البراكين تقذف بحممها ورمادها ، وساعدت مياه البحيرة على ترسيب الرماد البركاني بشكل منسجم ، وكانت قطنا تقع عند أطراف هذه البحيرة عند سفوح جبل الشيخ ، لذا فإن تربتها مؤلفة من انهيالات وترسبات المسيلات المائية الخشنة المنهالة من كتلة جبل الشيخ والمتراكمة على سفوحه الشرقية ، ومن تربتها المؤلفة من ترسبات البحيرة الناعمة المؤلفة من الرماد البركاني والوحول الكلسية المارنية . وكثيرًا ما يشاهد في مقاطع الآبار المحفورة تشكلات الصخور الكدانية( ) تغطي تلك التشكلات الناعمة التي تعود للبحيرة . وترجع هذه البحيرة إلى الميوسين والبليوسين من العصر الثالث ، والقسم الأعظم من أراضي قطنا مغطى بترسبات ميوسينية وبليوسينية ، وتتألف من صخور سيلية تعرف بالصخور الكدانية ، وهي حصيلة النشاط الحتمي الذي رافق أواخر الدور الثالث ، عندما كان المناخ رطبًا يقتطع الأحجار من كتلة جبل الشيخ ، ويرسبها على السفح بحسب حجمها ، الكبيرة في الأعلى ثم الصغيرة فالأصغر حتى يصل إلى البحيرة ، حيث تشاهد الرسوبات الدقيقة من مارن وغضار ووحل كلسي ورماد بركاني ، وسبب تشكل الصخور الكدانية : هو أن مياه الأمطار الهابطة على المرتفعات الكلسية ينحل فيها الكلس الناجم عن الحت الكيماوي والميكانيكي وعن الحت المائي ، وتهبط منها على شكل سيول مشبعة بمحلول فحمات الكالسيوم ، وعندما تستقر هذه الرسوبات في البحيرة تتشابك مع بعضها وتتلاصق ، إذ يربط بين عناصرها المحلول الكلسي ، ويؤلف المجموع تشكلات جديدة هي ما يسمى بالمشبكات ، وكلها من نوع الصخور الكدانية . وهي تظهر على سطح الأرض في أكثر أراضي قطنا ، وتنتشر نحو الغرب ، وتغيب في الشرق ؛ حيث تشكلت لحقيات أحدث منها وأقل تماسكًا ، والصخور الكدانية نوعان : الأول : صخور صلبة وقاسية ، وهي المشكلة من البحيرة وعلى أطرافها . والنوع الثاني : الصخور الكدانية المشكلة في السفوح البعيدة عن مياه البحيرة فهي تجمع مسيلي أقل قساوة من الصخور الكدانية البحرية ، وأحجارها أكبر وأسهل كسرًا .
ج. التربة من الناحية الكيميائية والطبقية الجيولوجية :
نتجت التربة في المنطقة من الصخر الأصلي والمواد العضوية التي أضافتها النباتات للتربة ، ولعب المناخ دورًا أساسيًا في تشكلها ، وقد نجم عن جريان وادي التنور- الضيعة ووادي المعرة زوال آثار الصخور الكدانية تمامًا منهما ، ولذا فإن التربة في قطنا تقسم إلى قسمين من حيث الخصوبة والسماكة :
أولاً – التربة الخصبة الغنية الواقعة في وادي التنور- الضيعة ووادي المعرة .
ثانياً – التربة الفقيرة الموجودة فوق الصخور الكدانية ، وهي تحيط بهذين الواديين من الشمال ومن الجنوب ومن الغرب .
أما من الشرق فتغيب هذه الطبقة تحت غطاء سميك في اللحقيات الرباعية :
(1) تربة القسم الأول :
نتجت تربة هذا القسم عن عمليات التفسخ التي دمجت العناصر المنهالة من الأطراف نحو البحيرة فشكلت منها مواد ناعمة مارينية وكلسية وغضارية بركانية ، ويتألف مقطع هذه التربة من الأعلى إلى الأسفل كما يلي :
أ. تربة عضوية سوداء تسمى » تربة البساتين « ، نتجت عن العناية الدائمة منذ عدة سنين مضافًا إليها أوراق الأشجار المتحللة ، وجذور النباتات المتفسخة ، والسماد الحيواني وغير ذلك من المواد العضوية المفيدة للتربة وهذه التربة غالبًا فقيرة من الآزوت .
ب. تربة كستنائية حمراء قد نسل الكلس منها .
ج. طبقة ذات لون أبيض ناصع تتجمع فيها المواد الكلسية المغسولة من الأعلى .
د. مسافات متتالية من رماد بركاني ومن وحول كلسية ومارنية فرشتها مياه البحيرة سابقًا .
ه. الصخر الأصلي العائد إلى عصر الأيوسين الأدنى والأوسط والمؤلف من طبقات حوارية بيضاء .
ولدى المطابقة بين الطبقات الثلاثة المعروفة في علم التربة ، وبين المعلومات المنوه عنها آنفًا يتبين لنا أن للتربة في قطنا ثلاثة طبقات هي : الطبقة العليا ( أ ) وهي تربة غسلت فيها المواد الكلسية ، وهي مؤلفة من التربة العضوية أو تربة البساتين ومن التربة الكستنائية الحمراء . أما الطبقة السفلى( ج ) فهي مكونة من الصخر الأصلي ، وهي تشكل المسافات البركانية المارنية الكلسية للبحيرة ، وهي التي ارتكزت عليها التربة ، ويوجد تحتها الصخر الحواري . أما الطبقة الوسطى ( ب ) فتتألف من طبقة ذات لون أبيض ناصع البياض .
(2) تربة القسم الثاني :
هي التربة الفقيرة الرقيقة الجاثمة فوق كتل المشبك القاري ... وهي ليست دومًا على سماكة واحدة ، فهي في الأراضي المنخفضة حيث تتجمع كميات كبيرة من الرواسب الدقيقة تشكل تربة غنية سميكة .
بعد أن قسمنا تربة قطنا إلى قسمين بالنظر إلى سمكها وإلى أصل تشكلها ، سنذكر الآن أنواعها العديدة بحسب تركيبها والعناصر المكونة لها : فهي إما طينية أو كلسية أو رملية أو بركانية .
1) التربة الطينية : هي التربة التي تتراوح نسبة الطين فيها كحد أدنى من 25 – 30 % من وزن ترابها ، وهي ثقيلة متماسكة قوية الاندماج ، وباردة رطبة ، وغنية بالبوتاس والفوسفور .
2) التربة الكلسية : هي تربة لا تقل نسبة الكلس فيها عن 50 % من وزن التراب ، وتمتاز ببياض لونها ، وبفورانها بالحامض ، وهي أشد تماسكًا من التربة الرملية ، وأضعف من التربة الطينية .
3) التربة الرملية : وهي قليلة جدًا في أراضي قطنا ، وسبب تشكلها هو توضع الرماد البركاني في المواقع التي تسود فيها التربة الرملية ، ونتيجة للماء المطري الغزير فإن ترسبات المواد الناعمة والأملاح المعدنية قد غسلت الرماد البركاني وبقيت المواد الكوارتزية الخشنة التي تشكل التربة الرملية.
4) التربة البركانية : تنتشر في الجنوب الشرقي وفي الشمال الشرقي من مدينة قطنا : » أراضي الشرقية والغربية والربع وتل أبو سية « ، وهذه التربة غير متحللة تمامًا بسبب حداثتها بالنظر لموقع قطنا وميلها الخفيف نحو الشرق ، لذا فمن الواجب العناية ببناء المدرجات لمنع انجراف التربة الناعمة .
هذا وإن التربة خلال الاستعمال الزراعي تفقد كثيرًا من المواد المعدنية اللازمة للإنبات ، وهي الآزوت والفوسفور والبوتاس وبعض المعادن النادرة كالحديد والزنك ، وأهم العناصر الغذائية » الآزوت « . ويمكن المحافظة على الآزوت الموجود بالتربة بإحدى الطرق التالية :
(1) التبوير .
(2) إضافة سماد الاصطبلات وأوساخ المدينة إلى التربة .
(3) اتباع دورة زراعية معينة ، على أن يدخل فيها زراعة البقوليات كالبقية والبازلاء والفاصولياء .
(4) إضافة الأسمدة المعدنية للتربة ، مثل سلفات الأمونياك ونترات الشيلي .
ونقدم فيما يلي جدولاً بعينات من تربة قطنا جرى تحليلها في المخبر الكيميائي ، وقد أخذت العينات من المواقع التالية : »447 « المعرة ، »448 « سمقاية ، »449 « أم قطرانة ، »450 « بركة السهلات . وإليك الجدول :
رقم العينة P.H. غرام في مائة غرام / أجزاء بالمليون
كربونات الكالسيوم أملاح منحلة آزوت كلي بوتاسيوم منحل فوسفور منحل
447 8,6 43,70 0,106 0,114 62,5 31,50
448 8,6 39,12 0,100 0,146 30,6 24,30
449 8,7 35,57 0,104 0,150 30,6 20,50
450 8,7 27,70 0,58 0,72 10,6 6,30
الباحث : محمود بن سعيد الشيخ
الرئيسية 
