من غربتي ... رسالتي إلى أبتي!
بقلم: أ. إيهاب عبد الرزاق بدر الدين
محاضر في كلية عُمان للإدارة والتكنولوجيا
linguisteyhab@hotmail.comأحبطتني دراسة ُ اللغاتِ و الغوص ُ ببحر ِ دِلالةِ المفردات ِ و أرهقني فنُ صنع ِ الكلماتِ حتى جفّ المـِدادُ في دواتي و مَلأتها قطراتٌ من دمعاتي, وإذ بي أغمسُ ريشتي لأرسمَ طريقَ نجاتي أو أبحثَ عن حصاةٍ ترشدني لتلك الطريق ِ لأنفّسَ عن مأساتي
و أ ُريحَ خيلي من السفر و العناءِ فتستحيلَ غصّة قلبي طعناتٍ و طعنات ِ و تَخنقني عبراتي, ما هذه أبداً مرثاتي! فأنا لا أجيد تسطير الصرخات ِ ولا ترجمة التمزقاتِ عند نفض ِ غبارِ الذكريات ِ , ما أنا إلا سَيلٌ من القوافي ... من الهمسات ِ يحاول تلمّسَِ اسمك المنقوش على أهدابي. غابت شمسُك يا أبتي فقوافلي تائهةٌ في الصحراءِ تبحث عن واحاتٍ أو عـِذق من نخلاتِ أو ظل في واحات, و لكن كل الطيوب ِ من بعدك ضربٌ من سراب ِ ورجعُ ألم ٍٍ وصدى لطيور ِ بط ٍ في الفلاة. زيتُ قنديلي آخذ بالاحتراق ِ و الفتيل يلتهم شمعاتي ... يلتهمُ نبضاتي فيعكس نورُها بوحا ً على وجناتي و همساتٍ تحملُ آلافا ً من الآهاتِ و بحرٍ من الحنينِ ِ إليك والأشواق ِ.
أبتي! أحقا ً لن تعودَ غدا؟ أم أن هذا خيالٌ يا ترى؟ أنا بانتظارك ههنا, ألن تمدّ لي اليومَ يدا؟ كلُّ شيءٍ تركته لا زال هنا: أشياؤك ... أقلامُك ثكلى... ربطاتُ عنقك الأنيقة حيرى وكتاباتك نست نقاطها... نست المنسى ... فقدت المعنى, اصيصُ الورد ِ قد ذبُلا و فيروزُ الندى على الأوراق ِ قد جَمُدا, وطيورُ الحمام ِ باتت واجمة ً و رُخاما ً أجعدا, أرأيتم فيما رأيتم رخاما ً أجعدا أو ثلجا ً أسودا؟
عيناك الخضراوتان ما زالتا شعاعا ً يفوحُ شذى و حجرا ماس ٍ قد رقدا, أنا الضائع ُ في بحر ِ الحنين إليك دون هُدى, ألن تمُدّ لي الآن يدا؟ أكادُ أشتم بخورَ حنانك يتضوّعُ في الهوا, فأخبؤك في جفن ِ عينيّ حتى ظن ّ الناس ُ أنك أنا: فحديثك ... مشيتك ...خُطواتك ... أفكارك في الحقيقة ليست إلا أنا.
ها قد أقبلَ الشتاءُ تصحبُه عاصفة هوجاءُ على صهواتِ خيل ٍ هدّها الإعياءُ فتصهلُ بغناء ٍ هو أنينٌ و بكاءُ, فصدري بالحزن كربلاءُ و كذلك يحزن –إذا جفّ النبيذ ُ- الإناءُ. كلَّ يوم ٍ عند المغربِ يفوحُ طِيبُك في المنزلِ ويكتب الغبارُ على المقعد ِ : أين أنت يا أبتي؟ فتتربّعُ رعشة ٌ على أنملي ويرقص ُ قلبي زيزفونة داخلي, أُهديك من هنا من عُمان: بلدِ الطيب ِ و الأطياب ِ طوقَ َ ياسمين مع قرآن مُرتل ِ. في بيتنا في كل ركن ٍ من الأركان ِ يلوحُ منك بريقُ أطيافِ, فعلى نظارتك وعلى كل الأثوابِ تعرّشت حقول ُ لوز ٍ و شرّشت كرومُ أعناب ِ, وللماء تحِنُّ كلّ الأكواب ِ, كلنا بانتظار رد ٍ منك أو حتى حرفٍ من جوابِ , فهنا حمدي وذاك مدحت وهذا كيلاني. أأبتي! ربما قد أطلت و للعِظام يطول الوداع ... وتطولُ المعاني بالروائع ِ, هذه بعضٌ من رسائلي أمهُرُها بسمرتي.. بنبرتي ... بطابعي وبأنين صوت مقاطعي فأخُطّ بأصابعي وحنين زوابعي: أنا جُرحُ هذا الحبر ِ فذابت حدود أصواتي في حدود مقاطعي كما السّكرُ في المائع ِ فلا أعلمُ بداية جنوني من نهاية مدامعي.