قطنا
مرحبا بك في منتديات قطنا الثقافية و العلمية
و نشكر زيارتكم
ولتتمكن من الإستمتاع بكافة ما يوفره لك هذا المنتدى من خصائص, يجب عليك أن تسجل الدخول الى حسابك في المنتدى. إن لم يكن لديك حساب بعد, نتشرف بدعوتك لإنشائه.
و يرجى الانتباه بادخال الايميل الصحيح لانه عند التسجيل ستصلك رسالة تفعيل رمز الدخول الى بريدك الالكتروني و بعد التفعيل ستتمكن من الدخول بالاسم و كلمة المرور التي ادخلتها
كما ندعوكم لزيارة موقعنا قطنا نت www.qatana.net
قطنا
مرحبا بك في منتديات قطنا الثقافية و العلمية
و نشكر زيارتكم
ولتتمكن من الإستمتاع بكافة ما يوفره لك هذا المنتدى من خصائص, يجب عليك أن تسجل الدخول الى حسابك في المنتدى. إن لم يكن لديك حساب بعد, نتشرف بدعوتك لإنشائه.
و يرجى الانتباه بادخال الايميل الصحيح لانه عند التسجيل ستصلك رسالة تفعيل رمز الدخول الى بريدك الالكتروني و بعد التفعيل ستتمكن من الدخول بالاسم و كلمة المرور التي ادخلتها
كما ندعوكم لزيارة موقعنا قطنا نت www.qatana.net
قطنا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
قطنا

منتدى مدينة قطنا
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  
"وقـل اعمـلوا فسـيرى الله عـملكم ورسـوله والمؤمنـون"    

 

 تابع جبل الشيح - جبل سعير - 3

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو محمد الشيخ
عضو فعال
عضو فعال
avatar


المزاج : قطنا
ذكر
عدد المساهمات : 111
نقاط : 331
تاريخ الميلاد : 30/01/1948
العمر : 76
تاريخ التسجيل : 08/11/2010
مكان الإقامة : سوريا-قطنا

تابع جبل الشيح - جبل سعير - 3 Empty
مُساهمةموضوع: تابع جبل الشيح - جبل سعير - 3   تابع جبل الشيح - جبل سعير - 3 Emptyالجمعة يونيو 22, 2012 5:16 am

تابع جبل الشيخ - جبل سعير - 3
وقد تناقل العلماء والباحثون المسلمون بالماضي عددًا من البشارات التي ذكروا أن بنصوصها تصريح باسم الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - وكل ذلك كان فيما استندوا إليه من نسخ قديمة للتوراة في أيامهم ، ولم يبق بالنسخ المعاصرة أي ذكر صريح لاسم الرسول - صلى الله عليه وسلم - .. ولا يفسّر ذلك إلا خطأ التراجم أيامهم ، أو خطؤهم هم أنفسهم في الترجمة أثناء التأليف ، أو تبديل أهل الكتاب لكتابهم لإزالة كل ما يشير إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - .. وللاحتمال الثالث شواهد كثيرة تبرر الاستشهاد بما أحصاه العلماء السابقون من هذه المواضع المفقودة حالياً .. يذكر الإمام الطبري « 232-247 هـ » في كتابه « الدين والدولة » في إثبات نبوة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - المواضع التالية : حبقوق « 3 : 3 - 6 » : وقد أورد النص كما يلي : « إن الله جاء من التيمن ، والقدوس من جبل فاران ، لقد انكسفت السماء من بهاء محمد ، وامتلأت الأرض من حمده ، يكون شعاع منظره مثل النور ، ويحوط بلده بعزة ، تسير المنايا أمامه ، وتصحب سباع الطير أجناده » . بينما ورد النص في النسخ المعاصرة كما يلي : « قد أقبل الله من أدوم ، وجاء القدوس من جبل فاران ، غمر جلاله السماوات ، وامتلأت الأرض من تسبيحه ، إن بهاءه كالنور ، ومن يده يومض شعاع » كما وردت بالكتاب المقدس : كتاب الحياة ، الطبعة الرابعة ،1413هـ( ) ، أو « الله جاء من تيمان « تيماء » : « Tema » والقدوس « The Holy God» من جبل فاران - سلاه - جلاله غطى السماوات ، والأرض امتلأت من تسبيحه » كما ورد بالكتاب المقدس لجمعيات الكتاب المقدس المتحدة 1386 هـ( )، ويلاحظ من النصين أن التحريف مسّ حتى أسماء الأعلام ، فـ « أدوم » في أحدهما صارت « تيماء » بالآخر .. وما يبعد أنّ « جلاله » كانت ببعض النسخ القديمة « محمدًا » كما روى ذلك عدد من الباحثين المسلمين كالطبري .. ويذكر الإمام الماوردي في كتابه « أعلام النبوة » في التعليق على بشارة حبقوق أعلاه بعد إيراده نصًا مقاربًا للنص أعلاه مترجماً عن السريانية ، محتويًا على عبارة : « وانكسفت لبهاء محمد » بأن اسم « محمد » بالسريانية « موشيحا » ، وأن السرياني إذا أراد أن يحمد اهلن تعالى قال : « شريحا لإلهنا » . وفي سفر إشعيا « 55 : 3- 5 » : « هي مراحم داود الثابتة الأمينة ، ها أنا قد جعلته شاهدًا للشعوب ، زعيمًا وقائدًا للأمم . انظر إنك تدعو أممًا لا تعرفها ، وتسعى إليك أمم لم تعرفك ، بفضل الربّ إلهك ، ومن أجل قدوس إسرائيل ، لأنه قد مجدّك » . هذا مثال لمواضع عدّة ذكرها الماوردي لم أجد أكثرها ، وفيها عبارة « إن الله جعلك محمدًا أو محمودًا » وهي مواضع متكررة في أسفار إشعيا عن النبي المنتظر ، وبها حديث عن نبي للأمم كافة لا ينطبق على أي من أنبياء بني إسرائيل ، وينطبق على محمد - صلى الله عليه وسلم -.. ويرى الماوردي في مثل عبارة « جعلك محمدًا أو محمودًا » تصريح باسم الرسول - عليه الصلاة والسلام - .. وفي مزمور 48 » : « إن ربنا عظيم محمود جدًا ، وفي قرية إلهنا وفي جبله قدوس ومحمد » وفي ذلك تصريح باسم الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولكن الموضع من النسخة القياسية يقرأ حاليًا كما يلي :
" Great is the Lord and greatly to be praised in the city of our God! His holy mountain, beautiful in elevation, is the joy of all the earth " ويمكن ترجمته إلى ما يلي : « عظيم ربّنا ، وله أن يحمد جدًا في مدينة إلهنا ، جبله المقدس ، جميل في ارتفاعه ، هو السعادة في كل الأرض » .. لا يفوتني هنا التذكير بأن أهل المخطوطات فسروا الجبال بالأنبياء .. كما أورد للقاريء النص الحالي بإحدى النسخ العربية : « ما أعظم الرب ! وما أجدره بالتسبيح في مدينة الهنا ، في جبل قداسته ! » وبقية النص العربي : « جبل صهيون جميل في شموخه ، هو فَرَحُ كل الأرض حتى أقاصي الشمال »( ) .
وقال علي بن نايف الشحود : وتنسب التوراة إلى نبي يدعى « حبقوق » - من أنبياء العهد القديم ، وله سفر صغير قوامه ثلاثة إصحاحات - نصوصاً كان يصلي بها ، تضمنها الإصحاح الثالث من سفره . وهذا الإصحاح يكاد يكون كله بشارة برسول الإسلام - صلى الله عليه وسلم - وإليكم مقاطع منه : « الله جاء من تيمان ، والقدوس من جبل فاران ـ سلاه ـ جلاله غطى السماوات . والأرض امتلأت من تسبيحه ، وكان لمعان كالنور له من يديه شعاع ، وهناك استتار قدرته . قدامه ذهب الوبأ . وعند رجليه خرجت الحمى . وقف وقاس الأرض ، نظر فرجف الأمم ، ودكت الجبال الدهرية ، وخسفت آكام القوم . مسالك الأزل يسخط دست الأمم ، خرجت لخلاص شعبك .. سحقت رأس بيت الشرير ، معرياً الأساس حتى العنق .. سلكت البحر بخيلك » . وإليك دلالات هذه الإشارات : لا يستطيع عاقل عالم بتاريخ الرسالات ومعاني التراكيب أن يصرف هذه النصوص على غير البشارة برسول الإسلام - صلى الله عليه وسلم - فالجهتان المذكورتان في مطلع هذا المقطع ، وهما : تيمان : يعني اليمن ، وجبل فاران : يعني جبل النور ، الذي بمكة المكرمة التي هي فاران . هاتان الجهتان عربيتان . وهما رمز لشبه الجزيرة العربية التي كانت مسرحاً أولياً لرسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - . فليس المراد إذن نبياً من بني إسرائيل ؛ لأنه معلوم أن رسل بني إسرائيل كانت تأتي من جهة الشام شمالاً ، لا من جهة بلاد العرب . وهذه البشارة أتت مؤكدة للبشارة المماثلة ، التي تقدم ذكرها من سفر التثنية ، وقد ذكرت أن الله : « تلألأ أو استعلن من جبل فاران » . بيد أن بشارة التثنية شملت الإخبار بمقدم موسى - عليه السلام - والتبشير بعيسى - عليه السلام - وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - . أما بشارة حبقوق فهي خاصة برسول الإسلام - صلى الله عليه وسلم - . ولو لم يكن في كلام حبقوق إلا هذا « التحديد » لكان ذلك كافياً في اختصاص بشارته برسول الإسلام - صلى الله عليه وسلم - ومع هذا فقد اشتمل كلام حبقوق على دلائل أخرى ذات مغزى :
• منها : الإشارة إلى كثرة التسبيح حتى امتلأت منه الأرض .. ؟!
• ومنها : دكه - صلى الله عليه وسلم - لعروش الظلم والطغيان وقهر الممالك الجائرة .
• ومنها : أن خيل جيوشه ركبت البحر ، وهذا لم يحدث إلا في ظل رسالة الإسلام( ).
ونسوق هنا معالجة لهذه النصوص من مؤلف قديم ، قال ابن القيم : ومن ذلك إقسامه : « وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ، وَطُورِ سِينِينَ ، وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ »( ) فأقسم سبحانه بهذه الأمكنة الثلاثة العظيمة التي هي مظاهر أنبيائه ورسله ، أصحاب الشرائع العظام والأمم الكثيرة . فـ « التين والزيتون » المراد به نفس الشجرتين المعروفتين ، ومنبتهما ، وهو أرض بيته المقدس ، فإنها أكثر البقاع زيتوناً وتيناً . وقد قال جماعة من المفسرين : أنه سبحانه أقسم بهذين النوعين من الثمار لمكان العزة فيهما ، فإن التين فاكهة مخلصة من شوائب التنغيص لا عجم له ، وهو على مقدار اللقمة ، وهو فاكهة وقوت وغذاء وأدم ، ويدخل في الأدوية ، ومزاجه من أعدل الأمزجة ، وطبعه طبع الحياة الحرارة والرطوبة ، وشكله من أحسن الأشكال ، ويدخل أكله والنظر إليه في باب المفرحات ، وله لذة يمتاز بها عن سائر الفواكه ، ويزيد في القوة ويوافق الباءة ، وينفع من البواسير والنقرس ، ويؤكل رطباً ويابساً . وأما الزيتون ففيه من الآيات ما هو ظاهر لمن اعتبر ، فإن عوده يخرج ثمراً يعصر منه هذا الدهن الذي هو مادة النور ، وصبغ للآكلين ، وطيب ودواء ، وفيه من مصالح الخلق ما لا يخفى ، وشجره باق على ممر السنين المتطاولة ، وورقه لا يسقط . وهذا الذي قالوه حق ، ولا ينافي أن يكون منبته مراداً ، فإن منبت هاتين الشجرتين حقيق بأن يكون من جملة البقاع الفاضلة الشريفة ، فيكون الإقسام قد تناول الشجرتين ومنبتهما ، وهو مظهر عبد الله ورسوله وكلمته وروحه عيسى بن مريم ، كما أن طور سينين مظهر عبده ورسوله وكليمه موسى ، فإنه الجبل الذي كلمه عليه وناجاه وأرسله إلى فرعون وقومه ، ثم أقسم بالبلد الأمين ، وهو مكة مظهر خاتم أنبيائه ورسله سيد ولد آدم ، وترقى في هذا القسم من الفاضل إلى الأفضل ، فبدأ بموضع مظهر المسيح ، ثم ثنى بموضع مظهر الكليم ، ثم ختمه بموضع مظهر عبده ورسوله وأكرم الخلق عليه . ونظير هذا بعينه في التوراة التي أنزلها الله على كليمه موسى : « جاء الله من طور سيناء ، وأشرق من ساعير ، واستعلن من فاران » . فمجيئه من طور سيناء بعثته لموسى بن عمران ، وبدأ به على حكم الترتيب الواقع ، ثم ثنى بنبوة المسيح ، ثم ختمه بنبوة محمد . وجعل نبوة موسى بمنزلة مجيء الصبح ، ونبوة المسيح بعده بمنزلة طلوع الشمس وإشراقها ، ونبوة محمد بعدهما بمنزلة استعلائها وظهورها للعالم . ولما كان الغالب على بني إسرائيل حكم الحس ذكر ذلك مطابقاً للواقع ، ولما كان الغالب على الأمة الكاملة حكم العقل ذكرها على الترتيب العقلي ، وأقسم بها على بداية الإنسان ونهايته ، فقال « لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ »( ) أي في أحسن صورة وشكل واعتدال ، معتدل القامة ، مستوي الخلقة ، كامل الصورة ، أحسن من كل حيوان سواه . والتقويم تصيير الشيء على ما ينبغي أن يكون في التأليف والتعديل ، وذلك صنعته تبارك وتعالى في قبضة من تراب ، وخلقه بالمشاهدة من نطفة من ماء ، وذلك من أعظم الآيات الدالة على وجوده وقدرته وحكمته وعلمه وصفات كماله ، ولهذا يكررها كثيراً في القرآن لمكان العبرة بها ، والاستدلال بأقرب الطرق على وحدانيته ، وعلى المبدأ والمعاد . وتضمن إقسامه بتلك الأمكنة الثلاثة الدالة عليه وعلى علمه وحكمته عنايته بخلقه ، بأن أرسل منها رسلاً ، أنزل عليهم كتبه ، يعرفون العباد بربهم ، وحقوقه عليهم ، وينذرونهم بالله ونقمته ، ويدعونهم إلى كرامته وثوابه( ). وقال أيضًا واصفًا الرسول - صلى الله عليه وسلم -: الَّذِي بَشَّرَتْ بِهِ الْكُتُبُ السَّالِفَةُ ، وَأَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ الْمَاضِيَةُ ، وَجَرَى ذِكْرُهُ فِي الْأَعْصَارِ فِي الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ وَالْأُمَمِ الْخَالِيَةِ ، ضُرِبَتْ لِنُبُوَّتِهِ الْبَشَائِرُ مِنْ عَهْدِ آدَمَ أَبِي الْبَشَرِ ، إِلَى عَهْدِ الْمَسِيحِ ابْنِ الْبَشَرِ ، كُلَّمَا قَامَ رَسُولٌ أُخِذَ عَلَيْهِ الْمِيثَاقُ بِالْإِيمَانِ بِهِ ، وَالْبِشَارَةِ بِنُبُوَّتِهِ حَتَّى انْتَهَتِ النُّبُوَّةُ إِلَى كَلِيمِ الرَّحْمَنِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ ، فَأَذَّنَ بِنُبُوَّتِهِ عَلَى رُؤُوسِ الْأَشْهَادِ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُعْلِنًا بِالْأَذَانِ « جَاءَ اللَّهُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ ، وَأَشْرَقَ مِنْ سَاعِيرَ ، وَاسْتَعْلَنَ مِنْ جِبَالِ فَارَانَ » . إِلَى أَنْ ظَهَرَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ الَّتِي أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ، فَأَذَّنَ بِنُبُوَّتِهِ أَذَانًا لَمْ يُؤَذِّنْهُ أَحَدٌ مِثْلُهُ قَبْلَهُ ، فَقَامَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مَقَامَ الصَّادِقِ النَّاصِحِ وَكَانُوا لَا يُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ، فَقَالَ : « إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ، مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ ، وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ . فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ »( ) تَاللَّهِ لَقَدْ أَذَّنَ الْمَسِيحُ أَذَانًا أَسْمَعَ الْبَادِيَ وَالْحَاضِرَ ، فَأَجَابَهُ الْمُؤْمِنُ الْمُصَدِّقُ ، وَقَامَتْ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى الْجَاحِدِ الْكَافِرِ ، اللَّهُ أَكْبَرُ ، عَمَّا يَقُولُ فِيهِ الْمُبْطِلُونَ ، وَيَصِفُهُ الْكَاذِبُونَ ، وَيَنْسِبُهُ إِلَيْهِ الْمُفْتَرُونَ وَالْجَاحِدُونَ ، ثُمَّ قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَلَا نِدَّ لَهُ وَلَا كُفُؤَ لَهُ ، وَلَا صَاحِبَةَ لَهُ ، وَلَا وَلَدَ لَهُ ، وَلَا وَالِدَ لَهُ ، بَلْ هُوَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي :« لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ »( ) . ثُمَّ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالشَّهَادَةِ لِأَخِيهِ وَأَوْلَى النَّاسِ بِهِ بِأَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، وَأَنَّهُ أَرَكُونُ الْعَالَمِ ، وَأَنَّهُ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لَا يَتَكَلَّمُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ ، إِنَّمَا يَقُولُ مَا يُقَالُ لَهُ ، وَأَنَّهُ يُخْبِرُ النَّاسَ بِكُلِّ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ ، وَيَسُوسُهُمْ بِالْحَقِّ ، وَيُخْبِرُهُمْ بِالْغُيُوبِ ، وَيُحْيِيهِمْ بِالتَّأْوِيلِ ، وَيُوَبِّخُ الْعَالَمَ عَلَى الْخَطِيئَةِ ، وَيُخَلِّصُهُمْ مِنْ يَدِ الشَّيْطَانِ ، وَتَسْتَمِرُّ شَرِيعَتُهُ وَسُلْطَانُهُ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ ، وَصَرَّحَ فِي آذَانِهِ بِاسْمِهِ وَنَعْتِهِ ، وَصِفَتِهِ وَسِيرَتِهِ ، حَتَّى كَأَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ عِيَانًا ، ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ خَلْفَ إِمَامِ الْمُرْسَلِينَ ، وَسَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ أَجْمَعِينَ ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ بِاتِّبَاعِ مَنِ السَّعَادَةُ فِي اتِّبَاعِهِ ، وَالْفَلَاحُ فِي الدُّخُولِ فِي جُمْلَةِ أَشْيَاعِهِ ، فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَتَوَلَّى وَقَالَ : لَسْتُ أَدَعُكُمْ كَالْأَيْتَامِ ، وَسَأَعُودُ وَأُصَلِّي وَرَاءَ هَذَا الْإِمَامِ ، هَذَا عَهْدِي إِلَيْكُمْ إِنْ حَفِظْتُمُوهُ دَامَ لَكُمُ الْمَلِكُ إِلَى آخَرِ الْأَيَّامِ . فَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ نَاصِحٍ بَشَّرَ بِرِسَالَةِ أَخِيهِ - عَلَيْهِمَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ - وَصَدَّقَهُ أَخُوهُ وَنَزَّهَهُ عَمَّا قَالَ فِيهِ وَفِي أُمِّهِ أَعْدَاؤُهُ الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْإِفْكِ وَالْبَاطِلِ وَزُورِ الْكَلَامِ ، كَمَا نَزَّهَ رَبَّهُ وَخَالِقَهُ وَمُرْسِلَهُ عَمَّا قَالَ فِيهِ الْمُثَلِّثَةُ عُبَّادُ الصَّلِيبِ ، وَنَسَبُوهُ إِلَيْهِ مِنَ النَّقْصِ وَالْعَيْبِ وَالذَّمِّ( ). وقال في موضع آخر : قالَ فِي التَّوْرَاةِ فِي السِّفْرِ الْخَامِسِ : « أَقْبَلَ اللَّهُ مِنْ سَيْنَاءَ ، وَتَجَلَّى مِنْ سَاعِيرَ ، وَظَهَرَ مِنْ جِبَالِ فَارَانَ ، وَمَعَهُ رَبْوَاتُ الْأَطْهَارُ عَنْ يَمِينِهِ » ، وَهَذِهِ مُتَضَمِّنَةٌ لِلنُّبُوَّاتِ الثَّلَاثَةِ : نُبُوَّةِ مُوسَى ، وَنُبُوَّةِ عِيسَى ، وَنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَمَجِيئُهُ مِنْ سَيْنَاءَ وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى وَنَبَأَهُ عَلَيْهِ إِخْبَارٌ عَنْ نُبُوَّتِهِ . وَتَجَلِّيهِ مِنْ سَاعِيرَ هُوَ مَظْهَرُ عِيسَى الْمَسِيحِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَسَاعِيرُ : قَرْيَةٌ مَعْرُوفَةٌ هُنَاكَ إِلَى الْيَوْمِ ، وَهَذِهِ بِشَارَةٌ بِنُبُوَّةِ الْمَسِيحِ . وَفَارَانُ : هِيَ مَكَّةُ ، وَشَبَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نُبُوَّةَ مُوسَى بِمَجِيءِ الصُّبْحِ ، وَفَلْقِهِ ، وَنُبُوَّةَ الْمَسِيحِ بَعْدَهَا بِإِشْرَاقِهِ وَضِيَائِهِ ، وَنُبُوَّةَ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ بَعْدَهُمَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاسْتِعْلَانِ الشَّمْسِ وَظُهُورِهَا وَظُهُورِ ضَوْئِهَا فِي الْآفَاقِ ، وَوَقَعَ الْأَمْرُ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ سَوَاءً ، فَإِنَّ اللَّهَ صَدَعَ بِنُبُوَّةِ مُوسَى لَيْلَ الْكُفْرِ فَأَضَاءَ فَجْرَهُ بِنُبُوَّتِهِ ، وَزَادَ الضِّيَاءُ وَالْإِشْرَاقُ بِنُبُوَّةِ الْمَسِيحِ ، وَكَمُلَ الضِّيَاءُ وَاسْتَعْلَنَ وَطَبَقَ الْأَرْضَ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذِكْرُ هَذِهِ النُّبُوَّاتِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا هَذِهِ الْبِشَارَةُ نَظِيرُ ذِكْرِهَا فِي أَوَّلِ سُورَةِ التِّينِ « وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ، وَطُورِ سِينِينَ ، وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ »( ) . فَذَكَرَ أَمْكِنَةَ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَرْضَهُمُ الَّتِي خَرَجُوا مِنْهَا ، وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ : الْمُرَادُ بِهِ مَنْبَتُهُمَا وَأَرْضُهُمَا ، وَهِيَ الْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ الَّتِي هِيَ مَظْهَرُ الْمَسِيحِ ، وَطُورِ سِينِينَ الْجَبَلُ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى فَهُوَ مَظْهَرُ نُبُوَّتُهُ ، َوَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ : مَكَّةُ ، حَرَمُ اللَّهِ وَأَمْنُهُ الَّتِي هِيَ مَظْهَرُ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ نَظِيرُ تِلْكَ الثَّلَاثَةِ سَوَاءٌ .
قَالَتِ الْيَهُودُ : فَارَانُ هِيَ أَرْضُ الشَّامِ وَلَيْسَتْ أَرْضَ الْحِجَازِ ، وَلَيْسَ هَذَا بِبِدْعٍ مَنْ بَهْتِهِمْ وَتَحْرِيفِهِمْ ، وَعِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ : أَنَّ إِسْمَاعِيلَ لَمَّا فَارَقَ أَبَاهُ سَكَنَ فِي بَرِّيَّةِ فَارَانَ ، هَكَذَا نَطَقَتِ التَّوْرَاةُ وَلَفْظُهَا : « وَأَقَامَ إِسْمَاعِيلُ فِي بَرِّيَّةِ فَارَانَ ، وَأَنْكَحَتْهُ أُمُّهُ امْرَأَةً مِنْ أَرْضِ مِصْرَ » . وَلَا يَشْكُ عُلَمَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّ فَارَانَ مَسْكَنٌ لِآلِ إِسْمَاعِيلَ ، فَقَدْ تَضَمَّنَتِ التَّوْرَاةُ نُبُوَّةً تَنْزِلُ بِأَرْضِ فَارَانَ ، وَتَضَمَّنَتْ نُبُوَّةً تَنْزِلُ عَلَى عَظِيمٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ ، وَتَضَمَّنَتِ انْتِشَارَ أُمَّتِهِ وَأَتْبَاعِهِ حَتَّى يَمْلَأُوا السَّهْلَ وَالْجَبَلَ ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ . وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ هَذَا شُبْهَةٌ أَصْلًا أَنَّ هَذِهِ هِيَ نُبُوَّةُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، الَّتِي نَزَلَتْ بِفَارَانَ عَلَى أَشْرَفِ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ ، حَتَّى مَلَأَ الْأَرْضَ ضِيَاءً وَنُورًا ، وَمَلَأَ أَتْبَاعُهُ السَّهْلَ وَالْجَبَلَ ، وَلَا يَكْثُرُ عَلَى الشَّعْبِ الَّذِي نَطَقَتِ التَّوْرَاةُ بِأَنَّهُمْ عَادِمُو الرَّأْيِ وَالْفَطَانَةِ ، أَنْ يَنْقَسِمُوا إِلَى جَاهِلٍ بِذَلِكَ وَجَاحِدٍ مُكَابِرٍ مُعَانِدٍ . وَلَفْظُ التَّوْرَاةِ فِيهِمْ : « أَنَّهُمُ الشَّعْبُ عَادِمُ الرَّأْيِ ، وَلَيْسَ فِيهِمْ فَطَانَةٌ » . وَيُقَالُ لِهَؤُلَاءِ الْمُكَابِرِينَ : أَيُّ نُبُوَّةٍ خَرَجَتْ مِنَ الشَّامِ فَاسْتَعْلَنَتِ اسْتِعْلَانَ ضِيَاءِ الشَّمْسِ ، وَظَهَرَتْ فَوْقَ ظُهُورِ النُّبُوَّتَيْنِ قَبْلَهَا ؟! وَهَلْ هَذَا إِلَّا بِمَنْزِلَةِ مُكَابَرَةِ مَنْ يَرَى الشَّمْسَ قَدْ طَلَعَتْ مِنَ الْمَشْرِقِ فَيُغَالِطُ وَيُكَابِرُ وَيَقُولُ بَلْ طَلَعَتْ مِنَ الْمَغْرِبِ ؟ قَالَ فِي التَّوْرَاةِ فِي السِّفْرِ الْأَوَّلِ : « إِنَّ الْمَلَكَ ظَهَرَ لِهَاجَرَ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ ، فَقَالَ : يَا هَاجَرُ ، مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتِ ؟ وَإِلَى أَيْنَ تُرِيدِينَ ؟ فَلَمَّا شَرَحَتْ لَهُ الْحَالَ ، قَالَ : ارْجِعِي فَإِنِّي سَأُكَثِّرُ ذُرِّيَّتَكِ وَزَرْعَكِ حَتَّى لَا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً ، وَهَا أَنْتِ تَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا اسْمُهُ إِسْمَاعِيلَ لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ تَذَلُّلَكِ وَخُضُوعَكِ ، وَوَلَدُكِ يَكُونُ وَحْشِيَّ النَّاسِ ، وَتَكُونُ يَدُهُ عَلَى الْكُلِّ ، وَيَدُ الْكُلِّ مَبْسُوطَةٌ إِلَيْهِ بِالْخُضُوعِ » . وَهَذِهِ بِشَارَةٌ تضمنت أَنَّ يَدَ ابْنِهَا عَلَى يَدِ كُلِّ الْخَلَائِقِ ، وَأَنَّ كَلِمَتَهُ الْعُلْيَا ، وَأَنَّ يَدَ ابْنِهَا عَالِيَةٌ ، وَيَدَ الْخَلْقِ تَحْتَ يَدِهِ . فَمَنْ هَذَا الَّذِي يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ هَذَا الْوَصْفُ سِوَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ ؟ ! ( ) . وَكَذَلِكَ فِي السِّفْرِ الْأَوَّلِ مِنَ التَّوْرَاةِ : « إِنَّ اللَّهَ قَالَ لِإِبْرَاهِيمَ إِنِّي جَاعِلٌ ابْنَكَ إِسْمَاعِيلَ لِأُمَّةٍ عَظِيمَةٍ إِذْ هُوَ مِنْ زَرْعِكَ » . وَهَذِهِ بِشَارَةٌ بِمَنْ جُعِلَ مِنْ وَلَدِهِ لِأُمَّةٍ عَظِيمَةٍ ، وَلَيْسَ هُوَ سِوَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي هُوَ مِنْ صَمِيمِ وَلَدِهِ ، فَإِنَّهُ جُعِلَ لِأُمَّةٍ عَظِيمَةٍ ، وَمَنْ تَدَبَّرَ هَذِهِ الْبِشَارَةَ جَزَمَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ إِسْمَاعِيلَ لَمْ تَكُنْ يَدُهُ فَوْقَ يَدِ إِسْحَاقَ قَطُّ ، وَلَا كَانَتْ يَدُ إِسْحَاقَ مَبْسُوطَةً إِلَيْهِ بِالْخُضُوعِ ، وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ وَقَدْ كَانَتِ النُّبُوَّةُ وَالْمُلْكُ فِي وَلَدِ إِسْرَائِيلَ وَالْعِيصِ وَهُمَا ابْنَا إِسْحَاقَ . فَلَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَقَلَتِ النُّبُوَّةُ إِلَى وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وَدَانَتْ لَهُ الْأُمَمُ ، وَخَضَعَتْ لَهُ الْمُلُوكُ ، وَجُعِلَ خِلَافَةُ الْمُلْكِ إِلَى أَهْلِ بَيْتِهِ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ ، وَصَارَتْ أَيْدِيهِمْ فَوْقَ أَيْدِي الْجَمِيعِ ، وَأَيْدِي الْجَمِيعِ مَبْسُوطَةً إِلَيْهِمْ بِالْخُضُوعِ ، وَكَذَلِكَ فِي السِّفْرِ الْأَوَّلِ : « إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِإِبْرَاهِيمَ : إِنَّ فِي هَذَا الْعَامِ يُولَدُ لَكَ وَلَدٌ اسْمُهُ إِسْحَاقَ ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ : لَيْتَ إِسْمَاعِيلَ هَذَا يَحْيَا بَيْنَ يَدَيْكَ وَيُمَجِّدُكَ ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : قَدِ اسْتَجَبْتُ لَكَ فِي إِسْمَاعِيلِ ، وَإِنِّي أُبَارِكُهُ وَأُنَمِّيهِ وَأُعَظِّمُهُ جِدًّا بِمَا قَدِ اسْتَجَبْتُ فِيهِ ، وَإِنِّي أُصَيِّرُهُ إِلَى أُمَّةٍ كَبِيرَةٍ عَظِيمَةٍ ، وَأُعْطِيهِ شَعْبًا جَلِيلًا » . وَلَمْ يَأْتِ مِنْ صُلِبَ إِسْمَاعِيلَ مَنْ بُورِكَ وَعَظُمَ ، وَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْعَلَامَاتُ غَيْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُمَّتِهِ ، مَلَئُوا الْآفَاقَ وَأَرْبُوا فِي الْكَثْرَةِ عَلَى نَسْلِ إِسْحَاقَ . قَالَ فِي التَّوْرَاةِ فِي السِّفْرِ الْخَامِسِ : « قَالَ مُوسَى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ : لَا تُطِيعُوا الْعَرَّافِينَ وَالْمُنَجِّمِينَ ، فَسَيُقِيمُ لَكُمُ الرَّبُّ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - نَبِيًّا مِنْ إِخْوَتِكُمْ مِثْلِي ، فَأَطِيعُوا ذَلِكَ النَّبِيَّ » . وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا النَّبِيُّ الْمَوْعُودُ بِهِ مِنْ أَنْفُسِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ إِخْوَةَ الْقَوْمِ لَيْسُوا أَنْفُسَهُمْ ، كَمَا تَقُولُ : بَكْرٌ وَتَغْلِبُ ابْنَا وَائِلٍ ، ثُمَّ تَقُولُ : تَغْلِبُ أَخُو بَكْرٍ ، وَبَنُو تَغْلِبَ إِخْوَةُ بَكْرٍ ، فَلَوْ قُلْتَ : إِخْوَةُ بَنِي بَكْرٍ بَنُو بَكْرٍ كَانَ مُحَالًا ، وَلَوْ قُلْتَ لِرَجُلٍ : ائْتِنِي بِرَجُلٍ مِنْ إِخْوَةِ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ لَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ بْنِ وَائِلٍ لَا بِوَاحِدٍ مِنْ بَنِي بَكْرٍ( ). وقال في موضع آخر : وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ التَّوْرَاةِ : « تَجَلَّى اللَّهُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ ، وَأَشْرَقَ مِنْ سَاعِيرَ ، وَاسْتَعْلَنَ مِنْ جِبَالِ فَارَانَ » . قَالَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ - وَهَذَا لَفْظُ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ - : لَيْسَ بِهَذَا خَفَاءٌ عَلَى مَنْ تَدَبَّرَهُ وَلَا غُمُوضٌ ، لِأَنَّ الْمَجِيءَ أَيْ مَجِيءُ اللَّهِ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ : إِنْزَالُهُ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ كَالَّذِي هُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَعِنْدَنَا ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ إِشْرَاقُهُ مِنْ سَاعِيرَ : إِنْزَالَهُ الْإِنْجِيلَ عَلَى الْمَسِيحِ ، وَكَانَ الْمَسِيحُ مِنْ سَاعِيرَ ، أَرْضِ الْخَلِيلِ ، بِقَرْيَةٍ تُدْعَى نَاصِرَةَ ، وَبِاسْمِهَا تَسَمَّى مَنِ اتَّبَعَهُ نَصَارَى ، وَكَمَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ إِشْرَاقُهُ مِنْ سَاعِيرَ بِالْمَسِيحِ ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ اسْتِعْلَانُهُ مِنْ جِبَالِ فَارَانَ : إِنْزَالَهُ الْقُرْآنَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجِبَالُ فَارَانَ هِيَ جِبَالُ مَكَّةَ ، قَالَ : وَلَيْسَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ خِلَافٌ فِي أَنَّ فَارَانَ هِيَ مَكَّةُ ، فَإِنِ ادَّعَوْا أَنَّهَا غَيْرُ مَكَّةَ - وَلَيْسَ يُنْكَرُ ذَلِكَ مِنْ تَحْرِيفِهِمْ وَإِفْكِهِمْ – قُلْنَا : أَلَيْسَ فِي التَّوْرَاةِ « أَنَّ إِبْرَاهِيمَ أَسْكَنَ هَاجَرَ وَإِسْمَاعِيلَ فَارَانَ » ؟! وَقُلْنَا لَهُمْ : دُلُّونَا عَلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي اسْتَعْلَنَ اللَّهُ مِنْهُ وَاسْمُهُ فَارَانُ ، وَالنَّبِيِّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ كِتَابًا بَعْدَ الْمَسِيحِ . أَوَلَيَسَ اسْتَعْلَنَ وَعَلَنَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، وَهُمَا ظَهَرَ وَانْكَشَفَ ، فَهَلْ تَعْلَمُونَ دِينًا ظَهَرَ ظُهُورَ الْإِسْلَامِ وَفَشَا فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا فَبَيِّنُوهُ لَنَا ؟ قَالَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ: وَسَاعِيرُ جِبَالٌ بِالشَّامِ ، مِنْهُ ظُهُورُ نُبُوَّةِ الْمَسِيحِ إِلَى جَانِبِ قَرْيَةِ بَيْتِ لَحْمٍ - الْقَرْيَةُ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا الْمَسِيحُ - تُسَمَّى الْيَوْمَ سَاعِيرَ . وَفِي التَّوْرَاةِ أَنَّ نَسْلَ الْعِيصِ كَانُوا سُكَّانًا بِسَاعِيرَ ، وَأَمَرَ اللَّهُ مُوسَى أَنْ لَا يُؤْذِيَهُمْ . قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ : - يَعْنِي ابْنَ تَيْمِيَّةَ - : وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ قَدْ ذَكَرَ الْجِبَالَ الثَّلَاثَةَ ، وَحِرَاءُ الَّذِي لَيْسَ حَوْلَ مَكَّةَ أَعْلَى مِنْهُ ، وَفِيهِ ابْتِدَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ ، وَحَوْلَهُ جِبَالٌ كَثِيرَةٌ ، وَذَلِكَ الْمَكَانُ يُسَمَّى فَارَانَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ ، وَالْبَرِّيَّةُ الَّتِي بَيْنَ مَكَّةَ وَطُورِ سَيْنَاءَ تُسَمَّى بَرِّيَّةَ فَارَانَ ، وَلَا يُمْكِنُ أَحَدًا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ بَعْدَ الْمَسِيحِ نَزَلَ كِتَابٌ فِي شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْأَمَاكِنِ وَلَا بُعِثَ نَبِيٌّ ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِاسْتِعْلَانِهِ مِنْ جِبَالِ فَارَانَ إِلَّا إِرْسَالُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ سُبْحَانُهُ ذَكَرَ هَذَا فِي التَّوْرَاةِ عَلَى التَّرْتِيبِ الزَّمَانِيِّ ، فَذَكَرَ إِنْزَالَ التَّوْرَاةِ ثُمَّ الْإِنْجِيلِ ثُمَّ الْقُرْآنِ ، وَهَذِهِ الْكُتُبُ نُورُ اللَّهِ تَعَالَى وَهِدَايَتُهُ ، وَقَالَ فِي الْأَوَّلِ : جَاءَ ، وَفِي الثَّانِي : أَشْرَقَ ، وَفِي الثَّالِثِ : اسْتَعْلَنَ ، وَكَانَ مَجِيءُ التَّوْرَاةِ مِثْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ، وَنُزُولُ الْإِنْجِيلِ مِثْلَ إِشْرَاقِ الشَّمْسِ ، وَنُزُولُ الْقُرْآنِ بِمَنْزِلَةِ ظُهُورِ الشَّمْسِ فِي السَّمَاءِ ، وَلِهَذَا قَالَ : وَاسْتَعْلَنَ مِنْ جِبَالِ فَارَانَ ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ظَهَرَ بِهِ نُورُ اللَّهِ وَهُدَاهُ فِي مَشْرِقِ الْأَرْضِ وَمَغْرِبِهَا أَعْظَمَ مِمَّا ظَهَرَ بِالْكِتَابَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ ، كَمَا يَظْهَرُ نُورُ الشَّمْسِ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا إِذَا اسْتَعْلَتْ وَتَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ ، وَلِهَذَا سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى سِرَاجًا مُنِيرًا ، وَسَمَّى الشَّمْسَ سِرَاجًا وَهَّاجًا ، وَالْخَلْقُ يَحْتَاجُونَ إِلَى السِّرَاجِ الْمُنِيرِ أَعْظَمَ مِنْ حَاجَتِهِمْ إِلَى السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ ، فَإِنَّ هَذَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ ، وَأَمَّا السِّرَاجُ الْمُنِيرُ فَيَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ كُلَّ وَقْتٍ ، وَفِي كُلِّ مَكَانٍ لَيْلًا وَنَهَارًا ، سِرًّا وَعَلَانِيَةً . وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - هَذِهِ الْأَمَاكِنَ الثَّلَاثَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : « وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ » وَهُوَ فِي الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ الَّتِي بُعِثَ مِنْهَا الْمَسِيحُ ، وَأُنْزِلَ فِيهَا الْإِنْجِيلُ ، وَطُورِ سِينِينَ وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَكْلِيمًا ، وَنَادَاهُ مِنْ وَادِيهِ الْأَيْمَنِ مِنَ الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ فِي الشَّجَرَةِ الَّتِي فِيهِ ، وَأَقْسَمَ بِـ « الْبَلَدِ الْأَمِينِ » وَهُوَ مَكَّةُ ، الَّتِي أَسْكَنَ إِبْرَاهِيمُ إِسْمَاعِيلَ وَأُمَّهُ فِيهِ وَهُوَ فَارَانُ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَلَمَّا كَانَ مَا فِي التَّوْرَاةِ خَبَرًا عَنْ ذَلِكَ أَخْبَرَ بِهِ عَلَى التَّرْتِيبِ الزَّمَانِيِّ ، فَقَدَّمَ الْأَسْبَقَ ، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ ، وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَإِنَّهُ أَقْسَمَ بِهِ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهَا ، وَإِظْهَارًا لِقُدْرَتِهِ وَآيَاتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ، فَأَقْسَمَ بِهَا عَلَى وَجْهِ التَّدْرِيجِ دَرَجَةً بَعْدَ دَرَجَةٍ ، فَبَدَأَ بِالْعَالِي ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى أَعْلَى مِنْهُ ، ثُمَّ أَعْلَى مِنْهُ ، فَإِنَّ أَشْرَفَ الْكُتُبِ الْقُرْآنُ ، ثُمَّ التَّوْرَاةُ ، ثُمَّ الْإِنْجِيلُ ، وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ الثَّلَاثَةُ( ). وقال أيضًا : وَنَظِيرُ هَذَا مَا نَقَلُوهُ وَرَضُوا تَرْجَمَتَهُ فِي نُبُوَّةِ حَبْقُوقَ : « جَاءَ اللَّهُ مِنَ الْيَمَنِ ، وَظَهَرَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَالْقُدُّوسُ عَلَى جِبَالِ فَارَانَ ، وَامْتَلَأَتِ الْأَرْضُ مِنْ تَحْمِيدِ أَحْمَدَ ، وَمَلَكَ بِيَمِينِهِ رِقَابَ الْأُمَمِ ، وَأَنَارَتِ الْأَرْضُ لِنُورِهِ ، وَحَمَلَتْ خَيْلَهُ فِي الْبَحْرِ » . قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ : وَزَادَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْكِتَابِ « وَسَتَنْزِعُ فِي قِسِيِّكَ أَعْرَاقًا ، وَتَرْتَوِي إِلْهَامًا بِأَمْرِكَ يَا مَحْمَادُ ارْتِوَاءً » . وَهَذَا إِفْصَاحٌ بِاسْمِهِ وَصِفَاتِهِ ، فَإِنِ ادَّعَوْا أَنَّهُ غَيْرُهُ ، فَمَنْ أَحْمَدُ هَذَا الَّذِي امْتَلَأَتِ الْأَرْضُ مِنْ تَحْمِيدِهِ ، وَالَّذِي جَاءَ مِنْ جِبَالِ فَارَانَ فَمَلَكَ رِقَابَ الْأُمَمِ ؟( ) وقال أيضًا مخاطبًا اليهود : وَجَحْدُكُمْ نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ مِنَ الْكُتُبِ الَّتِي بِأَيْدِيكُمْ نَظِيرُ جَحْدِكُمْ نُبُوَّةَ الْمَسِيحِ وَقَدْ صَرَّحَتْ بِاسْمِهِ ، فَفِي نَصِّ التَّوْرَاةِ : « لَا يَزُولُ الْمُلْكُ مِنْ آلِ يَهُودَا ، وَالرَّسْمُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ إِلَى أَنْ يَأْتِيَ الْمَسِيحُ » ، وَكَانُوا أَصْحَابَ دَوْلَةٍ حَتَّى ظَهَرَ الْمَسِيحُ فَكَذَّبُوهُ وَرَمَوْهُ بِالْعَظَائِمِ ، وَبَهَتُوهُ وَبَهَتُوا أُمَّهُ ، فَدَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَأَزَالَ مُلْكَهُمْ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : « جَاءَ اللَّهُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ ، وَأَشْرَقَ مِنْ سَاعِيرَ، وَاسْتَعْلَنَ مِنْ جِبَالِ فَارَانَ » فَأَيُّ نُبُوَّةٍ أَشْرَقَتْ مِنْ سَاعِيرَ غَيْرُ نُبُوَّةِ الْمَسِيحِ ؟ وَهُمْ لَا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ قَائِمًا يَقُومُ فِيهِمْ مِنْ وَلَدِ دَاوُدَ النَّبِيِّ إِذَا حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِالدُّعَاءِ مَاتَ جَمِيعُ الْأُمَمِ وَلَا يَبْقَى إِلَّا الْيَهُودُ ، وَهَذَا الْمُنْتَظَرُ بِزَعْمِهِمْ هُوَ الْمَسِيحُ الَّذِي وُعِدُوا بِهِ . قَالُوا : « وَمِنْ عَلَامَةِ مَجِيئِهِ أَنَّ الذِّئْبَ وَالتَّيْسَ يَرْبِضَانِ مَعًا ، وَأَنَّ الْبَقَرَةَ وَالذِّئْبَ يَرْعَيَانِ جَمِيعًا ، وَأَنَّ الْأَسَدَ يَأْكُلُ التِّبْنَ كَالْبَقَرِ » . فَلَمَّا بُعِثَ الْمَسِيحُ كَفَرُوا بِهِ عِنْدَ مَبْعَثِهِ ، وَأَقَامُوا يَنْتَظِرُونَ مَتَى يَأْكُلُ الْأَسَدُ التِّبْنَ كَالْبَقَرَةِ ، حَتَّى تَصِحَّ لَهُمْ عَلَامَاتُ مَبْعَثِ الْمَسِيحِ ، وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ هَذَا الْمُنْتَظَرَ مَتَى جَاءَهُمْ يَجْمَعُهُمْ بِأَسْرِهِمْ إِلَى الْقُدْسِ ، وَتَصِيرُ لَهُمُ الدَّوْلَةُ ، وَيَخْلُو الْعَالَمُ مِنْ غَيْرِهِمْ ، وَيُحْجِمُ الْمَوْتُ عَنْ جَنَابِهِمُ الْمَنِيعِ مُدَّةً طَوِيلَةً ، وَقَدْ عُوِّضُوا مِنَ الْإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ ابْنِ مَرْيَمَ انْتِظَارَ مَسِيحِ الضَّلَالَةِ الدَّجَّالِ ، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يَنْتَظِرُونَهُ حَقًّا ، وَهُمْ عَسَاكِرُهُ وَأَتْبَعُ النَّاسِ لَهُ ، وَيَكُونُ لَهُمْ فِي زَمَانِهِ شَوْكَةٌ وَدَوْلَةٌ إِلَى أَنْ يَنْزِلَ مَسِيحُ الْهُدَى ابْنُ مَرْيَمَ فَيَقْتُلَ مُنْتَظَرَهُمْ ، وَيَضَعُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِيهِمُ السُّيُوفَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ وَرَاءَ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولَانِ : يَا مُسْلِمُ ، هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي تَعَالَ فَاقْتُلْهُ( ). فَإِذَا نَظَّفَ الْأَرْضَ مِنْهُمْ وَمِنْ عُبَّادِ الصَّلِيبِ فَحِينَئِذٍ يَرْعَى الذِّئْبُ وَالْكَبْشُ مَعًا ، وَيَرْبِضَانِ مَعًا ، وَتَرْعَى الْبَقَرَةُ وَالذِّئْبُ مَعًا ، وَيَأْكُلُ الْأَسَدُ التِّبْنَ ، وَيُلْقَى الْأَمْنُ فِي الْأَرْضِ . وَهَكَذَا أَخْبَرَ بِهِ أَشْعِيَا فِي نُبُوَّتِهِ وَطَابَقَ خَبَرُهُ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي خُرُوجِ الدَّجَّالِ وَقَتْلِ الْمَسِيحِ ابْنِ مَرْيَمَ لَهُ ، وَخُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ فِي أَثَرِهِ ، وَمَحْقِهِمْ مِنَ الْأَرْضِ ، وَإِرْسَالِ الْبَرَكَةِ وَالْأَمْنِ فِي الْأَرْضِ ، حَتَّى تَرْعَى الشَّاةُ وَالذِّئْبُ ، وَحَتَّى أَنَّ الْحَيَّاتِ وَالسِّبَاعَ لَا تَضُرُّ النَّاسَ . فَصَلَوَاتُ اللَّهِ تَعَالَى وَسَلَامُهُ عَلَى مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَالنُّورِ ، وَتَفْصِيلِ كُلِّ شَيْءٍ وَبَيَانِهِ( ).
وقال ابن كثير : فِي آخِرِ السِّفْرِ الْخَامِسِ وَهُوَ آخِرُ التَّوْرَاةِ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ : « جَاءَ اللَّهُ مَنْ طُورِ سَيْنَاءَ ، وَأَشْرَقَ مِنْ سَاعِيرَ، وَاسْتَعْلَنَ مِنْ جِبَالِ فَارانَ ، وَظَهَرَ مِنْ رَبَوَاتِ قُدْسِهِ ، عَنْ يَمِينِهِ نُورٌ، وَعَنْ شِمَالِهِ نار، عليه تَجْتَمِعُ الشُّعُوبُ » . أَيْ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَشَرْعُهُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ - وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عِنْدَهُ ، وَأَشْرَقَ مِنْ سَاعِيرَ - وَهِيَ جِبَالُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ - الْمَحِلَّةُ الَّتِي كَانَ بِهَا عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَاسْتَعْلَنَ أَيْ ظَهَرَ وَعَلَا أَمْرُهُ مِنْ جِبَالِ فَارَانَ ، وَهِيَ جِبَالُ الْحِجَازِ بِلَا خِلَافٍ ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِلَّا عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ تَعَالَى هَذِهِ الْأَمَاكِنَ الثَّلَاثَةَ عَلَى التَّرْتِيبِ الْوُقُوعِيَّ ، ذَكَرَ مَحِلَّةَ مُوسَى ، ثُمَّ عِيسَى ، ثُمَّ بَلَدَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَلَمَّا أَقْسَمَ تَعَالَى بِهَذِهِ الْأَمَاكِنِ الثَّلَاثَةِ ذَكَرَ الْفَاضِلَ أَوَّلًا ، ثُمَّ الْأَفْضَلَ مِنْهُ ، ثُمَّ الْأَفْضَلَ مِنْهُ ، عَلَى قَاعِدَةِ الْقَسَمِ فَقَالَ تعالى : « وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ » وَالْمُرَادُ بِهَا مَحِلَّةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَيْثُ كَانَ عيسى -عليه السلام - « وَطُورِ سِينِينَ » وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى ، « وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ » وهو البلد الذي ابتعث مِنْهُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ غير واحد من المفسرين فى تفسيره هَذِهِ الْآيَاتِ الْكَرِيمَاتِ . وَفِي زَبُورِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صِفَةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالْجِهَادِ وَالْعِبَادَةِ ، وَفِيهِ مَثَلٌ ضَرْبَهُ لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ خِتَامُ الْقُبَّةِ الْمَبْنِيَّةِ . كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ : « مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي كمثل رَجُلٍ بَنَى دَارًا فَأَكْمَلَهَا إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ ، فَجَعَلَ النَّاسُ يُطِيفُونَ بِهَا وَيَقُولُونَ : هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ ؟ فَأَنَا اللَّبِنَةُ ، وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ »( ).
وأخيرًا بقي شغب أخير ساقه القس في ختام رده المتعالم !! الذي دل على ضحالة معرفته بأساليب البلاغة العربية ، ولم يتناوله السابقون لعدم حاجتهم إلى ذلك ، لكن ضعف الثقافة عند أنصاف المتعلمين اضطرتنا أن نلج هذا الباب . فقد قال القس : « أن الآيات تتكلم عن « بركة » وليس « نبوءة » لشعب بني إسرائيل ، وأن المقصود في هذه الآيات كلها هو الله « يَهْوَه » وليس أي أحد آخر ، وأن ظهور ومجيء الله تكلمت عنه بالزمن الماضي « حيث ظهر الله لموسى » في المناطق الثلاث « سيناء وسعير وفاران » « الآيات تتكلم عن « جاء ، وأشرق ، وتلألأ » كلها في الزمن الماضي » !!. قال صاحب كتاب إقامة الحجة على العالمين بنبوة خاتم النبيين : وقد يقول قائل: إن موسى تكلم بهذه البشارة بصيغة الماضي فلا تنطبق على محمد صلى الله عليه وسلم. والجواب أن من عادة الكتب الإلهية أن تستعمل الماضي في معنى المستقبل، ألم تر أنه أخبر عن عيسى في هذه البشارة كذلك بصيغة الماضي، فإن قبلت هذه البشارة في حق عيسى فهي في حق محمد ادعى للقبول( ). ويكفي في الرد أن نقول : جاء في كتاب البلاغة العربية ، ص 408 ، تحت عنوان : « الخروج على مقتضى الظاهر » ما يلي : درس علماء البلاغة ضمن تتبُّعِهم لموضوعات علم المعاني ظاهرةَ الخروج عن مقتضى الظاهر في الكلام البليغ ، لداعٍ من الدواعي البلاغيّة ذات التأثير في النفوس والأفكار ، لما فيها من عناصر فَنّيَةٍ إبداعيّة تتضمَّن دلالاتٍ فكرية ، أو تعبيراتٍ جماليّة ، أو إلماحات ذكيّة( ). ثم قال : وظهر لهم من التتبُّع الأنواع التسعة التالية :- ونجتزئ منها ما يتعلق بموضوعنا – قوله : « النوع الرابع : التَّعبير عن المستقبل بلفظ الماضي » : ثم قال شارحًا العنوان : من الخروج عن مقتضى الظاهر التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي ، والغرض من هذا التعبير الدلالة على تحقق الوقوع ، وهو كثير في القرآن المجيد . ومن روائعه ما كان على سبيل اقتطاع أحداث المستقبل التي سيتحقّق وقوعها حتماً ، وتقديمها في صورة أحداثٍ تمَّ وقوعُها . ومن الأمثلة قول الله - عزّ وجلّ -: « وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ، لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ، أُوْلئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ ، تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ ، وَقَالُواْ : الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا ، وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ، لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ، وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ : أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً ، فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً ؟ قَالُواْ : نَعَمْ ! فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ : أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ »( ). فجاء في هذه الآيات وطائفة من الآيات بَعْدَها في السورة تَقْدِيمُ صُوَر من أحْداثِ المستقبل التي ستكون بِصِيَغِ أفعالٍ من أفعالِ الماضي ، كأَنَّها أُمُورٌ قَدْ وقعت فعلاً ومضت للدّلالة على تحقُّقِ وقُوعها في المستقبل . ولإعطاء الأحداث المستقبليَّة صُوَرَ قِصَص تَمَّ حُدُوثُها ، فهي تُقَدَّم بتَصْوِيرٍ فَنِّيٍّ مطابق للواقِع . ومعلومٌ لدى كلِّ ذَوَّاق للتَّصْويرِ الفَنِّي في القصَصِ : أنَّ ما كانَ منها أكثر مطابقةً للواقع كان أكْثَرَ تأثِيراً في النفوس ، واستثارةً للمشاعر( ). وهذه البشارة لا يخرج أسلوب ترجمتها البلاغي عن ذلك الأسلوب العربي البديع الراقي ، فقوله : « جاء الرب من سيناء ، وأشرق لهم من سعير ، وتلألأ من جبل فاران » « التثنية 33 : 1- 2 » . فـ « جاء » الأولى لا يختلف عليها اثنان أنها تعبر عن الزمن الماضي ، لأن صاحب البشارة موسى – عليه السلام – ووردت على لسانه ، أما لفظا « وأشرق – وتلألأ » فهما يدلان على المستقبل لثبوت وقوع كل واحدة منهما مرة واحدة وتحققه ، أما لو استخدم الفعل المضارع الدال على المستقبل والتجدد ، لم يحقق المعنى المطلوب المطابق للواقع . قال صاحب البلاغة العربية : « وهذا أسلوب فَنِّيٌّ بديعٌ .. إذ الفعل المضارع يفيد مع الحدوث الحاضر ظاهرة التجدّد والتتابع »( ) المستمرة في الحاضر والمستقبل . وبناء على ذلك فإن البشارة لو استخدم فيها الفعل المضارع « يشرق – يتلألأ » لما طابقت ألفاظ البشارة الواقع الحادث ، ولدلت على تجدد البشارة مرات عديدة لكل منهما ، ولما كانت كل بشارة من البشارات الثلاث غير متجددة اقتضت الحكمة وضعها في سياق الماضي . وهذا ذروة البلاغة في مطابقة معنى اللفظ الموضوع له للواقع الحقيقي ، وهو ما لم يصل إلى إدراكه القس المشار إليه ، وقصر عنه علمه ، لذا حاول وصم علماء المسلمين بدائه على قول المثل العربي : « رمتني بدائها وانسلت » .
وفي الختام نشير إلى الصنم « سُعَيْر » - بلفظ التصغير – الذي ذكره ياقوت من قول أبي المنذر الذي كان لقبيلة « عنزة » ، والذي مر به « جعفر بن خلاس الكلبي » على ناقته ، وقد عترت عتيرة( ) عنده فنفرت ناقته منه ، فأنشأ يقول :
نفرت قلوصي من عتائر صُرِّعَتْ حول السُّعَيْر يزوره ابنا يقدم
وجمـــــــوع يذكر مهطعين جنابة ما إن يجيـــز إليهــــــم بتكلـم
ويقدم ويذكر : ابنا عنزة ، فرأى بني هؤلاء يطوفون حول السُّعَيْر( ). فلعله أثر من آثار أولئك القوم ، أو هو صنم محدث ، والله أعلم .

الباحث : محمود سعيد الشيخ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تابع جبل الشيح - جبل سعير - 3
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تابع جبل الشيح - جبل سعير - 2
» تابع جبل الشيح - جبل سعير - 1
» تابع جبل الشيح - جبل بعل جاد
» تابع جبل الشيح - جبل الجليل - 5
» تابع جبل الشيح - جبل سِريون

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
قطنا :: المنتديات العامة :: شخصيات لها تاريخ-
انتقل الى: