يقول ابن القيم في مدارج السالكين : إذا لقي العبد ربه يوم القيامة قبل الطهر التام – من الذنوب – فإنه لا يؤذن له بالدخول عليه بغير طهارة كما إنه لم يؤذن له في الدنيا بالدخول عليه في الصـلاة إلا بطهـارة .
· تأمل الدعاء الذي يقال بعد الوضوء : ( اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ) فـ الإنسان الأولى به قبل أن يتجمل للقاء الله أن يتنظف قبلها من ذنوبه ، فأنت إذا أردت أن تلبس ثوباً فهل تطيبه ثم تغسله ..؟؟ أم إنك تغسله أولاً ثم تطيبه ..؟!
· قال رسول – صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ " ، وفي رواية أبي هريرة أنها تخرج مع آخر قطر المـاء .
· والعجيب إن هذه الذنوب تخرج من كل عضو بحسبه عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أنه دعا بماء فتوضأ ثم ضحك، فقال لأصحابه: ألا تسألوني ما أضحكني؟، فقالوا: ما أضحكك يا أمير المؤمنين؟، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ كما توضأت، ثم ضحك فقال " ألا تسألوني ما أضحكك"، فقالوا: ما أضحكك يا رسول الله؟، فقال " إن العبد إذا دعا بوضوء فغسل وجهه حط الله عنه كل خطيئة أصابها بوجهه، فإذا غسل ذراعيه كان كذلك وإذا طهر قدميه كان كذلك" .. فإذا بدأت تتوضأ تأمل خروج الذنوب مع الماء وكأنك تراها بعينك محسناً الظن بربك أنه سيغفر لك راجياً رحمته ..
· عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات " قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : " إسباغ الوضوء على المكاره [ أن تزيد في الماء في وضع يكره على نفسك أن تستعمل الماء مثلاً في البرد في الشتاء ] ، وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط .
· بل ويصل الإنسان مع الوضوء إلى مرحلة عجيبة ألا يبقى عليه شيء من الذنوب ..عن عثمان إنه توضأ ثم قال : رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – توضأ مثل وضوئي هذا ثم قال : " من توضأ هكذا غفر له ما تقدم من ذنبه وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة " .. أي زيادة في حسناته حيث كفر الوضوء الذنوب صارت الصلاة نافلة الآن .
· الوضوء يكفر سيئات من يستحق هذا وليس هذا فحسب بل يعطيك الله زيادة .. العبد في العادة يحتاج في لقاء الملوك إلى التحلية والتجمل بأنواع الزينة الظاهرة .. الوضوء يعطيك إياها .. قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء " ، ولكن .. ما هذه الحلية ..؟؟ الحديث سيخبرك انتبه ..
عن أبي هريرة – رضي الله عنه - عن النبي- صلى الله عليه وسلم - : أنه أتى المقبرة فسلم على المقبرة فقال " السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله تعالى بكم لاحقون" ، ثم قال " لوددنا أنا قد رأينا إخواننا "، قالوا: يا رسول الله أو لسنا إخوانك؟، قال " أنتم أصحابي وإخواني الذين يأتون من بعدي، وأنا فرطكم على الحوض"، قالوا: يا رسول الله كيف تعرف من لم يأت من أمتك؟، قال " أرأيتم لو أن رجلاً له خيل غرّ محجلة بين ظهراني خيل دهم بهم ألم يكن يعرفها؟ "، قالوا: بلى، قال " فإنهم يأتون يوم القيامة غرًا محجلين من أثر الوضوء"..
الغرّ : بياض يكون في ناصيـة الخيل ، التحجيل : بياض يكون في قوائمه .
· بل الوضوء يوصلك إلى مراحل أعلى وأعلى ربما لم تخطر لك على بال ، أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعا بلالا فقال : "يا بلال بم سبقتني إلى الجنة فإني دخلت البارحة الجنة فسمعت خشخشتك [ الحركة التي لها صوت ] أمامي ، فقال بلال يا رسول الله ما أذنت قط إلا صليت ركعتين وما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها ورأيت أن لله علي ركعتين ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بهما "..
قال أهل العلم : وإنما أخبره – صلى الله عليه وسلم – بما رأه إلا ليطيب قلبه ويداوم على ذلك العمل ولترغيب السامعين ، وها نحن الآن نسمع .. وعندما نستشعر هذه الأحاديث عند الوضـوء سيختلف الأمر تماماً ..