هبوط ضغط الدم ...الذي نسيناه
هناك سيل من المقالات التي تتحدث عن ارتفاع ضغط الدم, بينماالحديث عن انخفاض ضغط الدم يكاد يكون منقطعًا, بالرغم من أن انخفاض ضغط الدم يعانيمنه الكثيرون, ويشكّل خطورة صحية لا تقل في بعض الأحيان عن خطورة ضغط الدم المرتفع.
مثلما يرتفع ضغط الدم ويحلّق في مستويات عالية يمكن لها أن تؤذي القلبوالدماغ والكلى, فقد يهبط إلى مستويات منخفضة مسببا الدوخة والإغماء وغيرهما. وانخفاض ضغط الدم إلى ما دون 90/60 ملم زئبقي يعتبر أمرًا غير طبيعي رغم أنه قد لايعني وجود مشكلة عند الإنسان. وعادة ما نغبط أصحاب ضغط الدم المنخفض لأنهم يعتبرونمن المعمّرين.
ويمكن لضغط الدم أن يتأرجح خلال النهار, فيختلف تبعًا للحالة التي أنتفيها, فأدنى مستوى لضغط الدم يكون أثناء نومك, أو عندما تسترخي عضلاتك, ويهدأ بالك.
وبالمقابل, يرتفع ضغط الدم إذا قمت بنشاط بدني أو توتّرت أعصابك, وقديتأرجح ضغط الدم الانقباضي عندك في اليوم الواحد في حدود 20-30 ملم زئبقي, كما قديتأرجح الضغط الانبساطي بنسب موازية, ولهذا يجب قياس ضغط الدم في كل مرة في الظروفنفسها.
وينبغي في البداية أن نميز ثلاث حالات من انخفاض ضغط الدم:
الأولى: وفيها يكون ضغط الدم منخفضًا عند أناس طبيعيين ولا يشكون عادةمن أي أعراض.
الثانية: هبوط ضغط الدم الشديد والمفاجئ نتيجة نزف أو فقدان سوائل أوغير ذلك, وهذه الحال تحتاج عادة إلى معالجة في المستشفى.
الثالثة: هبوط ضغط الدم الانتصابي أي أثناء الوقوف, فقد يكون الضغططبيعيًا أو في الحدود الدنيا من الطبيعي, وينخفض ضغط الدم بشكل واضح أثناء الوقوفمما يسبب الأعراض للمريض.
ضغط الدم المنخفض
يعرّف ضغط الدم المنخفض بأنه الحال التي يكون فيها ضغط الدم عندالمريض أدنى من 90/60 ملم زئبقي. وعادة فإن الضغط المنخفض قليلا لا يسبب أي أعراضولا يحتاج إلى أي دواء. وقد يكون علامة على صحة جيدة عند البعض مثل الرياضيين. ومعظم الناس الذين يدور ضغط دمهم حول 90/60 ملم زئبقي هم أسوياء ومحظوظون, فهممحميون من الوقوع في براثن العادات السيئة التي نفعلها نحن, والتي تزيد من ضغطالدم, كتناول الأطعمة المالحة والبدانة وقلة الحركة...إلخ.
وقد وجد الباحثون أن متوسط ضغط الدم عند (هنود اليامومامو) الذينيقطنون الغابات الاستوائية في فنزويلا ويعيشون على الخضراوات والفواكه, وكمياتقليلة من اللحوم, لا يتجاوز 96/62 ملم زئبقي, ولا يرتفع ضغط الدم عندهم بتقدم السنولا يصابون بأمراض الشرايين, ويعيشون حياة طبيعية ملؤها الحيوية والنشاط.
وعندما يقف الإنسان فإن الدم يتجمّع في الأحوال الطبيعية في أوردةالساقين, ويسيطر على هذه الآلية مجموعة من الأعصاب التي تأمر أوردة الساقينبالانقباض, وذلك لتأمين كمية كافية من الدم تعود إلى القلب, فلا تنقص كمية الدمالتي يضخها القلب إلى الجسم, وبالتالي يؤمن كمية كافية من الدم تروي الدماغ.
فإذا ما تجمع الدم في الأوردة, نقصت كمية الدم العائدة إلى القلب, ومنثم نقصت كمية الدم الذاهبة إلى الدماغ مما يسبب الدوخة, أو ربما الإغماء عند بعضالناس. وهذا ما يحدث تمامًا عند بعض أفراد الحرس, حيث يمكن أن يصاب أحدهم بالإغماءنتيجة الوقوف المديد في مكان واحد.
فإذا كان ضغط الدم لديك منخفضا وحدثت لديك أعراض الدوخة أو الإغماءعند الوقوف فجأة, فعليك بقياس الدم في وضعية الاضطجاع ثم الوقوف. وهذا ما يسمى (هبوط ضغط الدم الانتصابي).
وبالطبع يعتمد العلاج على السبب, فإذا كان ضغط الدمعندك في الحدود الدنيا الطبيعية, ولا تشكو من أي هبوط في ضغط الدم عند الوقوف, فهنئنفسك, فأنت من المحظوظين, ولا تحتاج إلى أي علاج, وإن كان ضغط الدم الانقباضي (الرقم الأعلى) عندك مثلا فوق الـ80 ملم زئبقي, ولا تشكو من أي أعراض أثناء الوقوف, فأنت أقل عرضة للإصابة بمرض شرايين القلب, وأكثر حظا في العيش لعمر أطول.
وتختلف الآراء الطبية في مدى الاستجابة لحالات ضغط الدم المنخفض. ففيحين يعتبر الإنجليز انخفاض ضغط الدم الخفيف أمرًا غير مهم ما لم يكن سببه فقدانًاللدم, أو رضوضًا شديدة, أو إنتانًا شديدًا أو صدمة إنتانية, نجد الأمريكيينوالألمان والفرنسيين يتناولون أدوية بانتظام لرفع ضغط الدم عند ذوي الضغط المنخفض.
فإذا كنت تشعر بأنك على مايرام, فإن معظم الأطباء في بريطانيا لايصفون أي علاج في هذه الحالات. ولكن يجب التأكد من شيء مهم وهو أنه إذا لم تكن تشعربصحة جيدة أو كنت مصابًا بالتجفاف, فإن ضغطك قد يكون منخفضا أو يميل للانخفاض عندالوقوف. وعندها يجب تناول كميات وافرة من السوائل, بمعدل ليترين على الأقل في اليومفي الطقس المعتدل, وأكثر من ثلاثة ليترات يوميًا في الطقس الحار, وقد يحتاج الأمرإلى تناول الملح.
وكان الأطباء في الماضي يعتقدون أن هبوط ضغط الدم الانقباضي إلى مادون 90 ملم زئبقي يمكن أن يسبب الإعياء والتعب والاكتئاب, وكثيرا ما عولجت خطأ نساءمصابات بضغط دم منخفض بأدوية مثيرة للجملة العصبية.
وأخيرًا أكّدت الدراسات الحديثة أنه لاعلاقة هناك بين الاكتئابوالإعياء من جهة, وضغط الدم المنخفض من جهة أخرى.
الهبوط الفجائي
قد يشكّل الانخفاض الشديد والسريع في ضغط الدم خطرا مهددا للحياة, ويمكن أن ينجم ذلك عن فقدان كميات من الدم, بسبب نزيف خارجي أو داخلي, أو تجفافشديد, أو إنتان وتسمم جرثومي في الدم, أو ارتكاس شديد لأحد الأدوية, أو فشل حاد فيعضلة القلب وغيرها.
وعندما يهبط ضغط الدم إلى مستويات منخفضة جدا, فإن أول عضو تضطربوظائفه هو الدماغ, وذلك لأن الدماغ يقبع في أعلى الجسم, وعلى الدم أن يحاربالجاذبية الأرضية للوصول إليه. وإذااستمر الضغط منخفضًا, أصيبت بقية الأعضاءبالاضطراب, وهذا ما يسمى بحالة الصدمة.
وعندما ينخفض ضغط الدم فجأة, يشكو المريض من الدوخة أو خفة في الرأس, ومن تشوش البصر, وضعف التركيز والغثيان, وضعف العضلات والإغماء وتسرع النبضوالإعياء والصداع. وإذا ما انخفض ضغط الدم إلى مستويات منخفضة جدًا, فإن هناك خطرافي عدم حصول الجسم على كمية كافية من الأكسجين, وحرمان الجسم من الأكسجين يمكن أنيسبب إعاقة في وظائف الدماغ والقلب وصعوبة في التنفس, ومن ثم يفقد المريض وعيه أويدخل في حالة (الصدمة). وعندما يظل ضغط الدم منخفضًا جدا, أو عندما يحدث هبوط مفاجئوسريع في ضغط الدم, فإن صحة الإنسان وأداءه قد يتأثران بشدة.
ما أسباب هبوط ضغط الدم الفجائي؟؟
هناك أسباب عدة لهبوط ضغط الدم الفجائي, أهمها فقدان دم شديد, أوإسهال شديد, أو حال إنتانية شديدة وهذا ما نسمّيه بحالة (الصدمة). وتناول الأدويةالخافضة لضغط الدم, أو فشل حاد في القلب أو احتشاء في عضلة القلب.
فإذا أصبت بتسمم غذائي شديد, فقد تصاب بالإسهال أو الإقياء الشديدين, وقد تفقد كميات كبيرة من السوائل مما يجعل تأثير الأدوية الخافضة لضغط الدم أشد. فإذا كنت مصابًا بارتفاع ضغط الدم, وأصبت بتسمم غذائي - لا سمح الله - فعليك أنتقيس ضغط دمك, وتستشير طبيبك.
وقد يحدث هبوط ضغط الدم عندما ينخفض الحصيل القلبي نتيجة مرض فيالقلب, كاحتشاء عضلة القلب (جلطة القلب), أو نتيجة مرض شديد في أحد صمامات القلب, أو نتيجة اضطراب في نظم القلب, من تسرع شديد أو بطء شديد في ضربات القلب. كما قدتتوسع الشرايين بسبب انطلاق ذيفانات toxins من الجراثيم أثناء إنتان جرثومي شديدأصاب المريض فينخفض ضغط الدم.
وقد تضطرب الأعصاب التي تنقل الإشارات الكهربائية إلى الشرايينوالأوردة, فتفقد سيطرتها على تلك الأوعية الدموية, فلا تنقبض حين تؤمر بالانقباض أوتتوسع حين يطلب منها التوسع.
فعندما ينزف شخص ما, فإن حجم الدم ينخفض, وينخفض تبعا لذلك ضغط الدم, فتقوم مراكز عصبية متخصصة بالإشارة إلى الآليات التعويضية في الجسم لمنع ضغط الدممن الهبوط إلى مستويات أدنى, فيتسرّع القلب مما يزيد حجم الدم الذي يضخّه القلب, وتنقبض الأوردة, فيقلّ ما تخزنه من الدم, وتنقبض الشرايين, فتزيد المقاومة أثناءجريان الدم. فإذا ما توقف النزف, أخذت السوائل من أنحاء الجسم بالعودة إلى الأوعيةالدموية لتعويض ما نقص من حجم الدم, وبالتالي تسهم في رفع ضغط الدم. ويقل ما تطرحهالكليتان من البول. وكل هذا يساعد الجسم في الحفاظ على أكبر قدر ممكن من السوائللتتجمع في الأوعية الدموية.
ولكن لهذه الآليات حدودًا لا تستطيع تجاوزها, فإذا ما فقد المرء كمياتكبيرة من الدم, فإن هذه الآليات لا تستطيع المعاوضة بسرعة كافية, فينخفض ضغط الدم.
وقد جعل الله تعالى في جسم الإنسان عددًا من الآليات التعويضيةللسيطرة على ضغط الدم, وتشمل تلك الآليات تغيير قطر الأوردة والشرايين, وكمية الدمالخارجة من القلب (الحصيل القلبي) وحجم الدم في الأوعية الدموية. وتعمل هذه الآلياتمع بعضها البعض لكي تعيد ضغط الدم إلى وضعه الطبيعي.
ويحتاج هبوط ضغط الدم المفاجئ عادة إلى المعالجة في المستشفى.