تابع جبل الشيخ - جبل سعير -2
رابعًا : تيمان
وتيمان هو اسم أحد أحفاد عيسو أو أدوم « أخو يعقوب » . « هذه أسماء بني عيسو . أليفاز ابن عدا امرأة عيسو ، ورعوئيل ابن بسمة امرأة عيسو . وكان بنو أليفاز : تيمان ، وأومار ، وصفوا ، وجعثام ، وقناز» « تكوين 36 : 10 – 11 » . إذًا المقصود بتيمان هنا هو مرادف لغوي لمنطقة سعير « التي سكنها عيسو أو أدوم » حيث سكن هو وأولاده من بعده . وقد تنبأ عليها أيضًا النبي أرميا بالدمار والخراب : « عن أدوم . هكذا قال رب الجنود . ألا حكمة بعد في تيمان . هل بادت المشورة من الفهماء ، هل فرغت حكمتهم ؟. اهربوا التفتوا تعمقوا في السكن يا سكان ددان . لأني قد جلبت عليه بلية عيسو حين عاقبته ... لذلك اسمعوا مشورة الرب التي قضى بها على أدوم وأفكاره التي أفتكر بها على سكان تيمان . أن صغار الغنم تسحبهم . أنه يخرب مسكنهم عليهم » « أرميا 49: 7 و 8 و 20 » . وأيضا تنبأ بخرابها النبي عاموس : « هكذا قال الرب : من أجل ذنوب أدوم الثلاثة والأربعة لا أرجع عنه ، لأنه تبع بالسيف أخاه وأفسد مراحمه ، وغضبه إلى الدهر يفترس ، وسخطه يحفظه إلى الأبد . فأرسل نارًا على تيمان فتأكل قصور بصرة » « عاموس 1: 11 – 12» . وأيضًا تنبأ عليها النبي عوبديا : « ألا أبيد في ذلك اليوم ، يقول الرب : الحكماء من أدوم ، والفهم من جبل عيسو . فيرتاع أبطالك يا تيمان لكي ينقرض كل واحد من جبل عيسو بالقتال . من أجل ظلمك لأخيك يعقوب يغشاك الخزي ، وتنقرض إلى الأبد » . « عوبديا 1: 8 - 10» .
ويتابع الكاتب النصراني كلامه قائلًا : الخلاصة : بدراسة الأماكن والأحداث فيما ورد بالكتاب المقدس ، نفهم أن الآيات تتكلم عن مجيء الله في سيناء وسعير وفاران ، هو حضور الله « بصيغة الماضي » وقت ارتحال شعب بني إسرائيل من العبودية في أرض مصر إلى أرض الموعد حيث أقاموا مملكتهم « المملكة اليهودية » . والله والرب والقدوس هو « يهوه » الذي جاء وأشرق وتلألأ ، فالأسماء تعود على نفس « يهوه » تبارك اسمه القدوس ، ولا يزعم أحد من الناس أنه القدوس أو الرب ، أو أن الأرض امتلأت بتسبيح غير تسبيح الله القدوس المبارك اسمه . وقد حكم الله على تيمان « أو سعير » وفاران بالخراب والدمار الأبدي قبل مجيء المسيح ، فلا يمكن لعاقل أن يقول : إن هذه الأماكن هي تمثل ثلاث عصور أو أزمنة لأنبياء ، فكلها تم تدميرها بعد النبي موسى وقبل مجيء المسيح ، وكلها أماكن متقاربة وتقع على خط واحد هو الطريق من مصر إلى اسرائيل « وهذه هي البركة التي بارك بها موسى - رجل الله - بني إسرائيل قبل موته ، فقال : جاء الرب من سيناء ، وأشرق لهم من سعير ، وتلألأ من جبل فاران ، وأتى من ربوات القدس ، وعن يمينه نار شريعة لهم » « التثنية 33: 1 – 2 » . « الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران . سلاه . جلاله غطى السموات ، والأرض امتلأت من تسبيحه » « حبقوق 3 : 3»( ) .
خامسًا : الرد على شبهة : أين اختفت عبارة العشرة آلاف قديس ؟ وقال نفس الكاتب في مقال له زعم به أنه وضعه للرد على شبهة إسلامية !!! : أين اختفت عبارة العشرة آلاف قديس ؟
وهذه البركة التي بارك فيها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته ، فقال : « لقد جاء الرب من سيناء ، وأشرق لهم من سعير ، وتلألأ من جبل فاران ، وأتى من ربوات القدس ، وعن يمينه نار شريعة لهم » « التثنية 33 : 1- 2 » وجاء في نص آخر : « الله جاء من تيمان ، والقدوس من جبل فاران - سلاه - جلاله غطى السموات ، والأرض امتلأت من تسبيحه » « حبقوق 3 : 3 » . وأخيرًا يسأل المسلم : أين اختفت عبارة العشرة آلاف قديس ؟ الشبهة تقول : أسقطت الترجمة العربية هذا التعبير الموجود في النسخة الانجليزية من الكتاب المقدس ، لأن النسخة الانجليزية تقول في « سفر التثنية 33 : 2 » : And he said :The Lord came form Sinai, and rose up form Seir unto them, he shined forth form mount Paran, and he came with ten thousands of Saints : form his right hand went a fiary law for them . بينما النسخة العربية تقول : « لقد جاء الرب من سيناء ، وأشرق لهم من سعير ، وتلألأ من جبل فاران ، وأتى من ربوات القدس ، وعن يمينه نار شريعة لهم » : « التثنية 33 : 2 » لماذا اختفت عبارة « عشرة آلاف قديس » ؟ والرد بنعمة الله : لم تختفِ العبارة المقصودة ، ولكن مثير الشبهة لم يلتفت إلى الترجمة ، فالعبارة موجودة تحت عينيه « وأتى من ربوات القدس » . و« ربوات » معناها « عشرات الألوف » ، وربوة معناها عشرة آلاف ، وهي كلمة عربية أصيلة ، ونستغرب أن يكون مثير هذه الشبهة من المسلمين ، الذين يزعمون معرفة اللغة العربية !! ونتساءل نحن بدورنا : لماذا قام مثير الشبهة بالقول : أين اختفت عبارة العشرة آلاف قديس ؟ في حين أن النص يقول : « عشرات الألوف » ten thousands جاء في قاموس المحيط : « الرَّبْوَةُ : الرَّابِيَةُ ، يقصد الناس الربى المعشوشبة للتنزه والراحة ؛ والجماعة من الناس نحو عشرة آلاف ج . ربى »( ). ثم ساق الكاتب النص العبري للدلالة ، ثم قال أنها تنطق ربوة ، ومعناها عشرة آلاف . النص العبري :
וַיֹּאמַר יְהוָה מִסִּינַי בָּא וְזָרַח מִשֵּׂעִיר לָמֹו הֹופִיעַ מֵהַר פָּארָן וְאָתָה מֵרִבְבֹת קֹדֶשׁ מִֽימִינֹו אשֶׂדת לָֽמֹו׃
في اللغة العبرية جاءت من المصدر : רבבה تنطق ربوة ، ومعناها عشرة آلاف . والكلمة جاءت في الأصل العبري « ربوات » جمع ربوة ، أي عشرات الألوف وليس عشرة آلاف . ثم هاجم الكاتب المسلمين قائلاً : ولا يخفى على أحد أنهم يحاولون إيهام القارئ أنها نبوءة عن محمد نبي الإسلام ، يا لخزي المسلمين الذين يبحثون بشتى الطرق عن شرعية لهم في الكتاب المقدس !! .. ثم أورد النصوص الآتية من تراجم الكتاب المقدس :
أ- « ترجمة كتاب الحياة » ، قال المترجم : « أقبل الرب من سيناء ، وأشرف عليهم من سعير ، وتألق في جبل فاران ؛ وجاء معه بعشرات الألوف من الملائكة ، وعن يمينه يومض برق عليهم » .
ب- أما « ترجمة الأخبار السارة » فقد قال المترجم : « أقبل الرب من سيناء ، وأشرق لهم من جبل سعير ، وتجلى من جبل فاران ؛ وأتى من ربى القدس وعن يمينه نار مشتعلة » .
ج- أما الترجمة الكاثوليكية فقد جاء النص فيها : « أقبل الرب من سيناء ، وأشرق لهم من سعير ، وسطع من جبل فاران ، وأتى من ربوات قادش ، من جنوبه ، من المنحدرات إليهم » .
وفي ذلك يعلق الكاتب - وهو أحد علماء النصارى الكاثوليك - بقوله : من الواضح أن الترجمة اليسوعية هي الوحيدة التي ترجمتها حرفية بدون الرجوع إلى المعنى ، أما الترجمات الانجليزية فمعظمها إن لم يكن كلها ترجمها « قديسون » !!؟. وبالرجوع إلى الكتاب المقدس « Interlinear Bible » الكلمة العبرية « ربوات » لم تأتي بمعنى مرتفعات ، بل بمعنى « عشرات الألوف » ، والكلمة العبرية « القدش » بمعنى « القديس » ، والترجمة العربية والانجليزية تقول : « عشرات ألوف القديسين » ، أما إذا أردت أن تقول إن المعنى هو : « مرتفعات مكان اسمه القدس » فإن المعنى للآية لا يستقيم ، لأن المقصود بالآية هي البركة التي يقولها موسى إلى شعب إسرائيل في البرية ، ويقول لهم إن الله جاء مع عشرات الألوف من القديسين « الملائكة » بالشريعة ، وذكر أسماء الأماكن التي ارتحلوا فيها « سيناء ، سعير ، جبل فاران » ، فإذا كان المقصود بـ « القدس » هو مكان ، فما هو المكان المسمى بـ « القدس » في ذلك الحين ؟ إذا كنت تقصد بـ « القدس » الحالية فاسمها لم يكن معروفًا وقت موسى ، وقد عرف بعد ذلك بـ « أورشليم »( ).
ليت الكاتب اطلع على أقوال علماء المسلمين القدامى والمحدثين في هذا النص وأمثاله ، وتعلم منهم أدب الكتابة ، بدل التعالي والغطرسة ، والتكبر والعجرفة ، والاتهام والتنقص ، واللف والدوران ، والمراوغة والمخادعة ، وإثارة الشبه والشكوك ، وإلباس الحق أثواب الباطل ، والباطل أثواب الحق ، والتزييف والتبديل ، والتغيير والتحريف ، والتأويل المموه ، والتفسير الملفق المزخرف بالهوى ، الذي ليس له من الحق نصيب ، ولا من العلم دليل ، ولا من المعرفة سبيل ، ولا من الواقع شهيد ، والسباب والشتائم التي يترفع عنها العلماء ، ويربؤوا بأنفسهم عن مجاراة السفهاء . ويكفي في هذا الشأن للرد على المغالطات التي يدبجها الكاتب بقلمه أن نورد قول الأستاذ محمد أبو زهرة تحت عنوان : محمد في التوراة : جاء ذكر محمد - عليه الصلاة والسلام - في التوراة بالإشارة الواضحة ، ومع أنه جرى فيها التغيير والتبديل لم يمح ذلك ما فيها من إشارات بينات واضحات إلى رسالته - عليه الصلاة والسلام - مما جعل اليهود يعرفونه على وجه اليقين ، كما يعرفون أبناءهم ، واستفتاحهم على المشركين به قبل أن يبعث ، فلما بعث كفروا . وقد عنى الأستاذ عبد الحق ببيان النصوص العبرية التى فيها البشارة بالنبي - صلى الله تعالى عليه وسلم -، وكانت ترجمتها هي « إن الرب جاء من سيناء ، ونهض من ساعير لهم ، سطع من جبل فاران ، وجاء مع عشرة آلاف قديس ، وخرج من يمينه نار شريعة لهم » . وجبل فاران إنما هو بمكة ، وقد قال عبد الحق في ذلك : « إن الشواهد القديمة جميعًا تنبيء عن وجود فاران في مكة ، وقد قال المؤرخ جيرون ، واللاهوتي يوسبيوس : إن فاران عند بلاد العرب على مسيرة ثلاثة أيام إلى الشرق من أيلة . ولا يكتفي بالنقل العبري وترجمته ، بل ينقل عن النص العربي المترجم : إن إسماعيل سكن برية فاران بالحجاز . ثم يقرر أن سفر العدد من العهد القديم جاء فيه أن بني إسرائيل ارتحلوا من برية سيناء فحلت السحابة فى برية فاران .. ويستنبط من ذكر عشرة الآلاف الذين ذكروا على أنهم محمد وأصحابه عندما خرجوا فى غزواتهم إلى مكة ، وإلى الشام ، فقد بلغوا هذا العدد ، وكانوا من الصحابة الأطهار . ويسوق ما جاء فى التوراة من أن موسى -كليم الله تعالى - بشر بمحمد - عليه الصلاة والسلام - بقوله : « إن نبيًّا مثلي سيقيم الرب إلهكم من إخوانكم أبناء إبراهيم » . ويسترسل الكاتب المحقق في بيان ما جاء بالتوراة من إشارات فيذكر أن عبارة « نبي من أبناء إبراهيم مثلي » تثبت أنه محمد - عليه الصلاة والسلام - ، إذ لم يجيء أي نبي بعد موسى - عليه السلام - بشريعة كاملة تبين كل الأحكام غير القرآن الكريم الذي نسخ بعض الأحكام التى جاءت فى التوراة . وهكذا نجد التوراة قد بشرت بالنبي وإشارات التبليغ قائمة فيها ، حتى بعد أن عراها التغيير والتبديل . وإن هذا الكلام لا يبشر فقط بالنبي - عليه الصلاة والسلام - ، بل يبين مكان الرسالة ، ومنبعثها الذي تعم منه مشارق الأرض ومغاربها ، ففاران كما جاء فى أخبار المؤرخين والمحققين من الكتاب الأقدمين ، كان بينها وبين أيلة مسيرة ثلاثة أيام ، وكما جاء فى كثير من أقوال المؤرخين كانت حول مكة أو بمكة .
وقد ذكر الأحمديون الذين عنوا بترجمة معاني القرآن الكريم ، وإن كنا نخالفهم فى أصل ترجمة القرآن ، كما نرى الرأي المبطل لاعتقادهم ، مع ذلك نأخذ كلامهم فى التبشير بالنبي - صلّى الله عليه وسلّم - فإن اللؤلؤة الفائقة لا تهون لهوان غائصها الذي استخرجها ، والحكمة ضالة المؤمن يلقفها أنى وجدها . ذكر الأستاذ المرحوم العقاد ما قاله الأحمديون ، فقال : « ومن الجماعات التى عنيت عناية خاصة بهذه النبوءات جماعة الأحمدية الهندية التى ترجمت القرآن - أي معانيه - إلى اللغة الإنجليزية ، فإنها أفردت للنبوءات والطوالع عن ظهور محمد - عليه الصلاة والسلام - بحثًا مستفيضًا في مقدمة الترجمة .. قالت فيه : إن نبوءة موسى الكليم تشتمل على ثلاثة أجزاء ، وهي التجلي في سيناء ، وقد حصل في زمانه ، والتجلي من ساعير ، أو جبل أشعر ، وقد تجلى في زمن السيد المسيح ، لأن هذا الجبل ، على قول الجماعة الأحمدية ، واقع حيث يقيم أولاد يعقوب الذين اشتهروا بعد ذلك بأبناء أشعر ، وأما التجلي الثالث فمن أرض فاران ، وهي أرض التلال التي بين المدينة ومكة . وقد جاء فى كتاب « فصل الخطاب » أن الأطفال يحيون الحجاج في تلك الأراضي بالرياض من برية فاران .. وقد أصبح أبناء إسماعيل أمة كبيرة ، كما جاء فى وعد إبراهيم ، فلا يسعهم شريط من الأرض على تخوم كنعان ولا وجه لإقامتهم ، حيث أقام العرب المنتسبون إلى إسماعيل ، ولا باعث لهم على انتحال هذا النسب ، والرجوع به إلى جارية مطرودة من بيت سيدها ، وقد جاء في التوراة أسماء ذرية إسماعيل الذين عاشوا فى بلاد العرب . ومن نبوءة أشعياء التى سبقت مولد السيد المسيح بسبعمائة سنة أن أبناء إسماعيل كانوا يقيمون بأرض الحجاز ، ففي هذه النبوءة يقول النبي أشعياء في الإصحاح الحادي والعشرين : « تبيتين بقوافل الدادانيين ، هاتوا ماء لملاقاة العطشان ، يا سكان أرض تيماء ، وأووا الهارب بخبره ، فإنهم من أمام السيوف قد هربوا ، من أمام السيف المسلول ، ومن أمام القوس المشدودة ، ومن أمام شدة الحرب ، فإنه هكذا قال إلى السير في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد فيدا » . ويقول المترجمون من الجماعة الأحمدية فيفسرون هزيمة فيدا بهزيمة المكيين في وقعة بدر ، وهي الهزيمة التي نزلت بهم في وقعة بدر بعد هجرة النبي - صلّى الله عليه وسلّم - إلى المدينة « بنحو سنة كسنة الأجير » وهذا النص يشير ، وكل تبشيرات الكتب بالأخبار المستقبلة تكون بالإشارة التي لا تخفى على المتأمل ، وربما لا يفهمها من يأخذ بظواهر الألفاظ ، لا بمراميها وغاياتها ، وإن التفسير بالظواهر لا يجدي ولا يؤدي معاني ، والاتجاه إلى المرامي التبشيرية يجعل للألفاظ معاني قائمة بذاتها وواضحة( ) .
ولينظر الإنسان إلى الأمانة العلمية والدقة في نقل النصوص ما ورد في كتاب : محمد - صلى الله عليه وسلم - في الكتب المقدسة حيث قال مؤلفه حول هذه البشارة بعد أن ساق نصوصًا عديدة من طبعات مختلفة باللغتين الانجليزية والعربية وترجماتها إلى اللغة العربية وبعض الفروق بينها بعنوان : المقبل من فاران نقتطف منها : وتعريبها : « جاء الربّ من سيناء ، وأشرق عليهم من ساعير . وتلألأ من جبل فاران . وجاء من العشرة آلاف قدِّيس ، وبيمينه شرعة نارية لهم » . ثم علق عليها بقوله : جليّ من اختلاف التراجم التي نقلناها والتراجم الأخرى لنفس النصّ ، أنّ هناك يدًا خفية تريد أن تطمس روعة هذه النبوءة ، ولكنّ وضوح البشارة بمحمد - صلى الله عليه وسلّم - لا يخفى على كلّ ذي بصيرة . وقد اعتبر القسيس المهتدي إلى الإسلام « إبراهيم خليل » أنّ هذه النبوءة تتطابق مع قوله تعالى : « وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ »( ). فالله قد أقسم بنفس الأماكن الثلاثة التي ذكرت في التوراة نظرًا لأهميتها : فالقسم بالتين والزيتون : مجاز عن منابتهما في فلسطين ، حيث سكن عيسى - عليه السلام - وتقابل ساعير . والقسم بطور سينين : قسم بالجبل الذي كلّم الله عليه موسى -عليه السلام -. فقد قال النبيّ هوشع : « وجدت إسرائيل كعنب في البرية ، ورأيت آباءهم كباكورة ثمر شجرة التين في أول موسمها » « هوشع 9: 10» . والقسم بالبلد الأمين : مكّة المكرمة وتقابل فاران . لقد جاء الحديث عن التين كتشبيه لبني إسرائيل في الكثير من المواضع في الكتاب المقدس . وقال النبيّ إشعياء : « وتضحى زهرة جمالها المجيد التي تكلّل رأس الوادي الخصيب كباكورة التين قبل موسم الصيف التي يراها الناظر فيقتطفها ويبتلعها » « إشعياء 28: 4 » . وجاء الحديث عن التين كإشارة إلى بني إسرائيل في مواضع أخرى « هوشع 2:12» ، إرمياء « 24: 2» ، سفر الملوك الأول « 4: 25، إشعياء « 52: 8 » . وجاء ذكر« الزيتون » كعلامة على النمو والارتقاء في بني إسرائيل : فقد ورد في المزمور « 52: 8 » أنّ داود قال : « أما أنا فمثل زيتونة خضراء في بيت الله ، وثقت برحمة الله إلى الدهر والأبد » . وقال النبيّ إرمياء : « قد دعاك الربّ مرّة زيتونة خضراء ذات ثمر بهيج المنظر .. » « إرمياء 11: 16» ، « هوشع 14: 6 » . وموسى وعيسى - عليهما السلام - من بني إسرائيل ، أمّا سيّد البلد الأمين فهو محمد « الفاراني » صلّى الله عليه وسلّم .
وقد ذهب فديارتي إلى أنّ الحديث عن ساعير في نصّ هذه النبوءة هو إشارة إلى الدعاء الذي دعا به النبي إسحاق لابنه عيسو ولنسله بالبركة « تكوين 27: 39- 40». وقد سكن أدوم بن عيسو ونسله من بعده في ساعير . لا إشكال في أنّ سيناء مرتبطة بموسى - عليه السلام - إذ أنّ التوراة قد أنزلت عليه في أرض سيناء في جبل الطور . كما لا إشكال في ربط ساعير بالمسيح فقد كان المسيح من سكان الشام ، وقد جاء في قاموس الكتاب المقدس Dictionary of the Bible لجون ل . ماك John L.McKenzie ، ص 783 أنّ : ساعير مرتبطة بسلسلة جبال شمال البحر الميت وغربه تمتد عبر القدس وبيت لحم وقد امتدت فيما بعد حتى الجبال في الجهة الشرقية . وجاء في دائرة معارف البستاني « النصراني » طبعة 1305هـ( ) ج 9 ص 623 أن : ساعير أو أرض سعير أو سير هي سلسلة جبال ممتدة في الجهة الشرقية من وادي عربة من البحر الميت إلى خليج العقبة وسميت كذلك نسبة إلى سعير الحوري . الإشكال الوحيد ، يتعلّق بـ « فاران » . وأهل الكتاب لم يجادلوا في تحديد مكان فاران إلا رغبة منهم في إبهام هذه النبوءة وطمس دلالاتها العظيمة . فهم يزعمون أنّ « فاران » لا تقع في بلد العرب وأنّ « فاران » و« سيناء » و« ساعير » هي مناطق متقاربة .. والردّ هو : قال الإمام القرافي في كتابه « الأجوبة الفاخرة ... » ص 165: « وفاران : مكّة باتفاق أهل الكتاب » . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في « الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح » : « وليس بين المسلمين وأهل الكتاب خلاف في أنّ فاران هي مكة » لقد كان الأمر محلّ اتفاق في الماضي لكن مع تقلّص المسافات بين الأمم ، وظهور الطباعة ، وبروز كتابات إسلامية عن النصرانية بلغة أهل التثليث ، ظهر المراء بالباطل عند الحديث عن « فاران » !!! . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : « وعلى هذا ، فيكون قد ذكر الجبال الثلاثة « حراء » الذي ليس حول مكّة أعلى منه ، وفيه ابتدئ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - بنزول الوحي عليه ، وحوله جبال كثيرة ، وذلك المكان يسمّى فاران إلى هذا اليوم » . ففاران اسم كان معروفًا في بلاد العرب حتى بضعة قرون سالفة . نقل فديارتي في كتابه « محمد في الأسفار العالمية Muhammed in : » Scriptures Word ، ص 70- 71 « الطبعة الأمريكية » عن الترجمة العربية للتوراة السامرية التي صدرت في سنة 1267هـ( ) ، أنّ إسماعيل « سكن بريّة فاران « الحجاز» ، وأخذت له أمّه امرأة من أرض مصر» - وقد حذف التعليق الوارد بين قوسين في الترجمة السامرية ، في الطبعات التالية بعد أن اعتمده المسلمون لتوضيح البشارة !!! . نقل فديارتي ، ص 71 من كتابه السابق عن موسوعة الكتاب المقدس « Encyclopedia Biblica » ما أوردته عن اثنين من أشهر رموز الكنيسة في القرنين الرابع والخامس : جيروم وأزوبيوس من « أنّ فاران بلد عند بلاد العرب على مسيرة ثلاثة أيام إلى الشرق من إيلة » . قال الإمام ابن القيم في كتابه « إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان » : « وهم يعلمون أنّ جبل سِعير هو جبل السراة الذي يسكنه بنو العيص الذين آمنوا بعيسى ، ويعلمون أنّ في هذا الجبل كان مقام المسيح ، ويعلمون أنّ سيناء هو جبل الطور . وأما جبال فاران فهم يحملونها على جبال الشام . وهذا من بهتهم وتحريف التأويل ، فإنّ جبال فاران هي جبال مكّة ، وفاران : اسم من أسماء مكة ، وقد دلّ على هذا نص التوراة : أنّ إسماعيل لّما فارق أباه سكن بريّة فاران وهي جبال مكة ، ولفظ التوراة أنّ إسماعيل أقام في برية فاران وأنكحته أمه امرأة من أرض مصر »( ) . جاء في سفر التكوين « 25 : 12- 18» : « وهذا سجل مواليد إسماعيل بن إبراهيم الّذي أنجبته هاجر المصريّة جارية سارة لإبراهيم . وهذه أسماء أبناء إسماعيل مدوّنة حسب ترتيب ولادتهم : نبايوت بكر إسماعيل ، وقيدار وأدبئيل ومبسام ، ومشماع ودومة ومسّا ، وحدار وتيما ويطور ونافيش وقدمة . هؤلاء هم بنو إسماعيل ، وهذه هي أسماؤهم حسب ديارهم وحصونهم ، وقد صاروا اثني عشر رئيسًا لاثنتي عشرة قبيلة . ومات إسماعيل وله من العمر مئة وسبع وثلاثون سنة ، ولحق بقومه . أمّا ذريّته فقد انتشرت من حويلة إلى شور المتاخمة لمصر في اتجاه آشور، وكانت على عداء مع بقيّة إخوتها » . فأرض أبناء إسماعيل تقع بين حويلة وشور . وشور : تقع كما يظهر من النص السابق ، في الجزيرة العربية مقابلة لمصر في الطريق بين مصر وآشور « العراق » . وحويلة : هو اسم أحد أبناء يقطان « قحطان أبو اليمنيين : العرب البائدة » « سفر التكوين 10: 29» . وقد جاء في سفر التكوين « 10: 26- 30 » : « وأنجب يقطان : ألموداد وشالف وحضرموت ويارح ، وهدورام وأوزال ودقلة ، وعوبال وأبيمايل وشبا ، وأوفير وحويلة ويوباب . وهؤلاء جميعهم أبناء يقطان وقد استوطنوا في الأراضي الواقعة بين ميشا والتّلال الشّرقيّة من جبل سفار » . معظم الكلمات في النص السابق من المعلوم أنّها أسماء لأماكن تقع في بلاد اليمن في مواضع معروفة . وحويلة تقع في منطقة الخيمة الداخلية . وقد جاء في معجم الكتاب المقدس :Wycliffe Bible Dictionary أنّ معظم المراجع العلمية المعتبرة « أي كبار المختصين » تقرر أن حويلة Havilah تقع وسط البلاد العربية شمال اليمن ، وذلك لارتباط ذكرها مع حضرموت وسبأ « سفر التكوين « 10: 26- 29 » وأجزاء من جنوب البلاد العربية . إذن ، استقر نسل إسماعيل في ما بين بلاد اليمن وجنوب الأردن ، وهو المكان المعروف إلى اليوم بـ « الحجاز » ! وسفر العدد «10: 12 من العهد القديم يفرّق بين برية سيناء وبرية فاران « النصارى يزعمون أنّ فاران تقع في سيناء! » إذ جاء فيه أنّ بني إسرائيل ارتحلوا « من برية سيناء فحلّت السحابة في بريّة فاران » ولم يسكن أبناء إسماعيل قطّ في غرب سيناء فيقال إنّ جبل فاران واقع إلى غربها . وسفر التكوين « 14: 6 » ميّز بين جبل ساعير وجبل فاران . وسفر العدد « 12: 16 » أظهر أنّه للوصول إلى فاران تمّ العبور عبر حضيروت ، وفي طريق الرجوع إلى كنعان ، تقع فاران قبل قادش التي يظهر، إذن ، أنها تقع شمالي فاران . يخبرنا سفر الملوك الأول « 11: 18 » أنّ فاران تقع في الطريق إلى مديان ومصر . ومديان هي أرض المديانيين الذي عرّفهم معجم Dictionary Eastons Bible أنّهم « قبيلة عربية من أبناء مديان . سكنوا أساسًا في الصحراء ، في المنطقة الشمالية من شبه الجزيرة العربية » . وجاء في الفصل الثالث من سفر حبقوق ذكر أنّ « الله جاء من تيمان ، والقدوس من جبل فاران » . فهو إذن إلى الجنوب حيث تقع تيمان بموضعها الذي تقع فيه اليمن مرادفتها باللغة العربية . يربط الفصل الواحد والعشرين من سفر إشعياء بين بلاد العرب وقيدار بن إسماعيل مما يدلّ على أنّ بلاد العرب هي موطن أبناء إسماعيل . قال شارلز غور : Charles Gore : في كتابه A New Commentary on Holy Scriptures ، ص53 : « فاران هي الأرض التي سكنتها القبائل الإسماعيلية » . وجاء في كتاب « محمد في الكتاب المقدس » لعطاء الله عليم أنّه قد ورد في كتاب : Geographishes Worterbusch المجلد الثالث ، ص 834 أنّ : « فاران : هي اسم مكة » . وجاء في تعليق الترجمة اليسوعية على الكتاب المقدس : « أحفاد إسماعيل هم عرب الصحراء ، وحياتهم حياة الترحال والاستقلال » . وقال القس عبد المسيح بسيط في كتابه : « هل تنبّأ الكتاب المقدّس عن نبيّ آخر يأتي بعد المسيح ؟ » في هامش ص 91-: « تبيّن لنا الخرائط الجغرافية أنّ سيناء وسعير وفاران ثلاثة جبال متجاورة واقعة في شبه جزيرة سيناء وجنوب الأردن على بعد مئات من الأميال من مكة » . ونقول : لو فتح الباب لنسبة هذه الأماكن إلى أرض واحدة لقلنا إنّ هذه المواقع توجد في الجزيرة العربية ، ولاستدللنا بما جاء عن بولس في نسبته « سيناء » إلى بلاد العرب « رسالة بولس إلى غلاطية 4: 24- 26» . ولكننا لا نقول بذلك .. وإنما هي أماكن متباعدة ، كما سبق بيانه ! ثم إنّه كيف تكون هذه الأماكن بقاعًا متجاورة ، وتكون فاران - في نفس الوقت - جزءًا من سيناء ؟!!! يضيف القس « البسيط » معترضًا على فهم المسلمين لنصّ البشارة على أنّه متعلّق ببعثة أنبياء رغم أنّ الفعل فيه منسوب إلى الله سبحانه : « الذي جاء هو الرب « يَهْوَه » وهو اسم الله ولا يطلق على بشر » !! ونقول : حديث هذا النصّ عن « إقبال » الله و « إشراقه » و « تألّقه » لا يعني أنّ الله هو نفسه سوف يتولى القيام بهذه الأفعال ، وإنما هو سبحانه سوف ينيب من يتولى عنه ذلك ، ولهذا الأمر شواهد في الكتاب المقدس مثل صموئيل الثاني « 12:12» كما أنّ الترجمة التي تذكر أنه يأتي « من » العشرة آلاف قديس ، تبيّن أنّه بشر قديس لا إله ! وقد نقل د. محمد علي البار في كتابه : « المدخل لدراسة التوراة والعهد القديم » ، ص 259 عن محاضرات الدكتور عمر الفاروق - أمريكي مسلم - لطلبة كليّة الآداب ، جامعة الملك عبد العزيز ، جدة ، قوله إنّ مخطوطات البحر الميت المكتشفة حديثًا تظهر أنّ الجماعة التي كانت تملكها ، والتي من الراجح أنها جماعة « الأسينيين » ، كانت تنتظر نبيّا يخرج من فاران . فالتألّق إذن : هو ظهور هذا النبي ! . وقال مستر « البسيط » منكرًا على المسلمين زاعمًا : أنّهم مترددون في تحديد موقع فاران ، هل هي أرض الحجاز أم هي جزء من أرض الحجاز ! « رمتني بدائها وانسلّت ! » .. « البسيط » يعيب على المسلمين ما هو به سقيم .. بل ويبالغ في التثريب والتقريع .. وهو إمام في التدليس !
لقد قلب علينا القس « البسيط » التهمة .. رغم أنّه قد أورد في كتابه السابق ما يدينه ، فقد قال : « وجاء في دائرة المعارف الكتابية : ج 6 ص 1- 2 » : « فاران » ، ومعناها : « موضع المغاير» ، وهي بريّة شاسعة في أقصى جنوبي فلسطين ، بالقرب من قادش برنيع . ويرجّح كثيرون من العلماء أنّها كانت تقع في الشمال الشرقي من شبه جزيرة سيناء . ويقول آخرون إنها هي « بريّة التيه » في وسط هضبة سيناء . ويقول « بينو روتنبرج : Beno Rothenberg » في كتابه « بريّة الله » : إنّ « بريّة فاران » كان الاسم القديم لكلّ شبه جزيرة سيناء في العصور الكتابية » . ونضيف ما يزيد خرق « الراقع البسيط » اتساعًا : جاء في هامش حبقوق « 3: 3 » في ترجمة « الكتاب المقدس الأمريكي الجديد » « The New American Bible » مرتفع فاران : في أرض أدوم ، أو الجزء الشمالي من صحراء سيناء » . ويظهر هذا الاضطراب بصورة أجلى في موسوعة الكتاب المقدس The International Standard Bible Encyclopedia بل لقد صرّحت موسوعة الكتاب المقدس Biblica Encyclopedia بقولها : « إنّه من العسير فهم كلّ النصوص المتعلّقة بفاران في العهد القديم » !! وهذه الموسوعة اليهودية : The Jewish Encyclopdia ، 1925م ، م 9 ، ص 523 تذكر تحت كلمة « فاران » ثلاثة مواضع : 1- صحراء ، توافق بادية التيه اليوم . « تكوين 21: 21» . 2- منطقة بين إسرائيل وأدوم ، توافق اليوم منطقة قلعة النحل « تثنية 1: 1، ملوك الأول 1: 1811 » . 3- جبل أو سلسلة جبال . وذكرت الموسوعة عند هذه النقطة منطقة فاران المشار إليها في سفر التثنية « 33: 2 » وحبقوق 3: 3. وأضافت : « هذا الجبل أو سلسلة الجبال قد تعرّف بأنّها الجبال التي تحيط بما يعرف اليوم بوادي عربة » . ولاحظ هنا أنّ هذه الموسوعة أنّها « قدقدت » عند محاولة تحديد مكان فاران المتعلق مباشرة بنبوأتنا ، وهي« قدقدة » تكشف غياب الحجة القاطعة عند مؤلفي هذه الموسوعة ، وهم نخبة من الباحثين المختصين . وفي المقابل نرى قطعيات « مستر بسيط » الذي يحسب القرّاء هبلًا لا يفهمون ، وعميًا لا يبصرون ! كما يلاحظ أيضًا أنّ الموسوعة اليهودية قد ميّزت فاران سفر التثنية عن بقية « فارانات » الكتاب المقدس مما يكشف أنّ نص سفر التثنية وسفر حبقوق لم يتحقق معناه في« فاراني » النصوص الأخرى . ونحن نقرّر أنّ فاران « مكة » هي التي تحقق فيها تألّق الربّ . والإثبات - كما يقول أهل التحقيق - مقدّم على النفي لأنّ المثبت عنده زيادة علم . لقد جهلوا وعلمنا ، وتحيّروا وقطعنا ، وترددوا وثبتنا ! تتحدّث هذه النبوءة عن عشرة آلاف قدّيس ، وهم قطعًا المؤمنون صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - الذين كان عددهم « عشرة آلاف » مؤمن . وكما قال القسيس المهتدي عبد الأحد داود ، فإنّ هذا العدد لم يذكر في تاريخ الجزيرة العربية إلا في حادثة فتح مكّة . وقد جاء ذكر الـ 000. 10 قدّيس أيضًا في رسالة يهوذا : 14، في حديث عن قدوم الرب ، والأمر بالمثل في سفر نشيد الإنشاد « 5 : 10» . ويعترض النصارى بقولهم : « هذا النصّ يتحدّث عن « ملائكة » لا بشر ، ولا يصحّ على هذه الحال الزعم أنّ هذه الملائكة هي صحابة محمد - صلى الله عليه وسلّم - ؟! ويضيف القس البسيط في الاحتداد علينا بقوله ردًا على د. منقذ السقار : « ومن أين أتيت بالقول أن كلمة ملائكة تعني الأتباع ؟ » الردّ : لنا مع هذا الاعتراض 3 وقفات بسيطة :
الأولى : الكلمة العبرية المعرّبة في ترجمة الكتاب المقدس العربي المسمّى « كتاب الحياة » : « الملائكة » هي « قوديش » - كما نقل ذلك البحاثة عبد الحق فديارتي ، ص 206 وتعريبها « قديسين » ، لا « ملائكة » كما هو ظاهر من تشابه الألفاظ بين العربية والعبرية !! وعبارة « ربوث قودش » تعني عشرة آلاف قديس .. فمن « ربوث » اشتقت العبارات العبرية التي تعني هذا العدد في الكتاب المقدس « سفر أخبار الأيام الأول 29: 7، عزرا 2: 64، نحميا 7 : 7 » .. أما كلمة « قودش » فتعني « مقدّس » : أي صالح أو طاهر ، وتطلق على كل رجل أو مكان طاهر .. فمن العبارات العبرية التي تؤكد هذا الأمر« أداما قودش » : أي أرض مقدّسة ، و« مقوم قودش » أي مكان مقدّس ، و« مقوم قوديش » : أي رجال مقدّسون .
الثانية : التراجم الانجليزية المعتبرة كـ « الترجمة القياسية المنقّحة : Revised Standard Version The و « الترجمة الإنجليزية الحديثة : New English Translatio The وغيرها من التراجم تذكر عبارة « Holy ones » أي « قدّيسين » ، و « القديس » في اصطلاح الكتاب المقدس يعني : الرجل أو المرأة الصالحة . انظر مثلا في العهد الجديد : أعمال الرسل 9: 13، 41، الرسالة إلى روما 1: 7، 12: 13، 15: 25، 26، 16: 15، الرسالة الأولى إلى كورنثوس 1: 2، 14: 33، الرسالة الثانية إلى كورنثوس 2: 1، 8: 4، الرسالة إلى إفسس 1: 1، 1: 16، 3: 8 الرسالة إلى فليمون 4: 22 ... الخ
الثالثة : ترجمة « كتاب الحياة » التي أنقل أغلب النصوص منها ، طبعت في نسخة واحدة مع الترجمة الانجليزية الشهيرة The New International Version ، ولكن مع ذلك نقرأ في هذه الترجمة الإنجليزية كلمة Holy one s في مقابل كلمة « ملائكة » في الترجمة العربية « العدد 2 من الفصل 33 من سفر التثنية » ، في حين أنّه لما ذكرت نفس الكلمة الانجليزية في العدد 3 من نفس الفصل وفي نفس السياق ، كان مقابلها في تلك الترجمة العربية « قدّيسين » ..!! أظنّ أنّك أدركت الآن أنّ المعرّبين قد استمرؤوا العكوف على تحريف أسفارهم .
وبعيدًا عن « هوايات » المترجمين والمعرّبين « البسطاء » ، نقول : لقد كان صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - قدّيسين طاهرين ، تواترت الأنباء عن عظيم مآثرهم ، وعجيب كراماتهم .. وهاك واحدة من هذه الكرامات تكشف أمام عينيك مقام هؤلاء الرجال عند الله سبحانه . ولن نحيلك إلى كتاب ينقل عن قرون مضت ، وإنما اقرأ هذا الخبر عن أمر وقع في أيامنا ، ينقله رجلان معروفان لا يمكن أن يكذبا في أمر شهده عدد من الرجال الأحياء اليوم بيننا : ذكر الدكتور طارق السويدان - داعية مشهور وهو مسلم من الكويت ، حاصل على دكتوراه في هندسة البترول من جامعة تلسا - أوكلاهوما - الولايات المتحدة الأمريكية - في سلسلة أشرطته الذائعة الصيت « قصة النهاية » نقلا مباشرًا عن الشيخ محمود الصواف - وهو داعية إسلامي معروف - الحادثة العظيمة التي تشرف بها بعض العلماء في إعادة دفن بعض الصحابة من شهداء أحد « التي شارك فيها نبي الإسلام قديمًا - صلى الله عليه وسلّم » ، وكيف أنّ هؤلاء العلماء قد شاهدوا الصحابة - رضوان الله عليهم - بعد مضي 1400 سنة من استشهادهم - رضوان الله عليهم - وكيف أنّ أجسادهم باقية كما هي : لم تتغير ، ولم تتعفن ، ولم تتحلل . وقد قال في أحد أشرطة هذه السلسلة ، عن هذه الحادثة بالحرف : « وقد حدثنا الشيخ محمود الصواف - رحمه الله - أنّه دعي في من دعي من كبار العلماء لإعادة دفن شهداء أحد من الصحابة - رضي الله عنهم - في مقبرة شهداء أحد » - مقبرة معروفة أصابها سيل فانكشفت الجثث فدعي مجموعة من كبار العلماء لإعادة دفن هؤلاء الصحابة - ويحدثنا الشيخ محمود الصواف أنه حضر ذلك بنفسه فيقول : « ممن دفنت .. دفنت حمزة - رضي الله عنه » فيقول : « ضخم الجثة ، مقطوع الأنف والأذنين ، بطنه مشقوق ، وقد وضع يده على بطنه » . فيقول : « فلما حرّكناه ورفعنا يده سال الدم » . ويقول : « دفنته مع من دفنت من صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - من شهداء أحد » . وأضاف الدكتور طارق السويدان قائلا : « فهذا أمر ثابت بالتواتر وبرؤية العين ، بلغنا الله وإياكم مكانة الشهداء » . وقد حدثنا - أي الشيخ - عن ريح المسك التي فاحت لّما سال الدم - أي من جسد حمزة رضي الله عنه - « الله أكبر.. الله أكبر .. الله أكبر » !!! . ولنتابع حديثنا عن النبوءة : محمد - صلى الله عليه وسلّم - هو الذي جاء بالشريعة النارية التي حرقت الشرائع السابقة : بتدمير الشرائع البشرية ونسخ الشرائع السماوية .. أما عيسى - عليه السلام - فقد قال في إنجيل متّى 5: 17: « لا تظنوا أني جئت لألغي الشريعة أو الأنبياء . ما جئت لألغي ، بل لأكمل » فما جاء المسيح بشريعة جديدة ناسخة لما نزل سابقًا بخلاف ابن خالته محمد عليهما الصلاة والسلام ! وخروج الشريعة النارية من « اليمين » دليل على أنّ ما في هذه الشريعة يحمل كلّ خير وبركة ونعمة . وهذا معلوم في الإسلام بالضرورة من تكريم اليمين وأهل اليمين . والأمر بالمثل في الأدب النصراني كما هو مذكور في قاموس التراث الكتابي في الأدب الإنجليزي : Tradition Literature in English A Dictionary of Biblical للكاتب دافيد ليل جفري Jeffrey David Lyle ، ص 442. ونسأل النصارى الآن : هل من الممكن أن تكون هذه البشارة خاصة بموسى عليه السلام ؟ لا بدّ أن تكون إجابتكم : لا ، لأنّ موسى لم يظهر في مكة بل تلقّى الوحي في« سيناء » كما لا تنطبق عليه الأوصاف السابقة ! هل هذه البشارة خاصة بعيسى عليه السلام ؟ لا بدّ أن تكون الإجابة : لا ، لأنّ عيسى لم يظهر في مكة ، بل عاش ودعا الناس في« ساعير » ، وهو أيضًا لا تنطبق عليه الصفات السابقة ! وأخيرًا : هل ظهر نبي بعد موسى - عليه السلام - تنطبق عليه هذه البشارة ، في مكة ، غير محمد - صلى الله عليه وسلّم - نبي المسلمين ؟ لا بدّ أن تكون الإجابة ما تعلم ... ! ولكن .. أهل المكابرة قد « وَجَحَدُوا بِها ، وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ، ظُلْماً وَعُلُوًّا »( ) !! .. فاحذر أن تكون منهم !( ).
ورأى آخر يمكن أن نصفه بالتوفيقي حيث يجمع بين الرأين السابقين في صيغة جديدة ممكنة الحدوث ، لا بل حدثت فعلًا على أرض الواقع ، ويرى أصحابها : أن أبناء إسماعيل طبقاً للتوراة قد انتشروا في المنطقة الممتدة بين اليمن حيث تقع حويلة ، أو من شمال عسير التي هي امتداد لمناطق القحطانين باليمن إلى جنوب الأردن حيث يغلب وجود شور . وعلى هذا ففاران موضع واقع ضمن هذه المنطقة التي عرفت ومازالت تعرف بالحجاز .. وأشهر مدن هذه المنطقة ومركزها هو مكة .. ولا شك بذلك أن مكة هي فاران . ويبقى بعد هذا أن اسم فاران قد ورد بالتوراة بعدة مواضع يستدل منها على أنّ الموضع بسيناء أو بفلسطين .. ونحن نرى أنّه إمّا أنّ اسم فاران فعلا قد أُطلق على عدة مواضع مختلفة بأسماء مشتركة بسيناء والأردن بل والجزيرة العربية « مكة » ، ولمثل هذا شواهد من الماضي والحاضر ، أو أنّ إطلاق اسم فاران على غير مسكن قريش « مكة » هو من التحريف الذي وقع بالتوراة لصرف التبشير بالنبوة الخاتمة عن أبناء إسماعيل .. وذلك موقف معلوم لليهود وهدف تمّ الحديث عنه .. ؟ ويدل على أنّ تسمية موضع بسيناء باسم فاران ، أنّ ذلك لا ينافي أن تكون فاران بمكة كذلك ، أنّ هذا الاسم « فاران » قد استخدم أيضاً لموضع آخر بالأردن .. وأهل الكتاب يقرون للموضعين الأخيرين باسم فاران دون أن يلغي أحدهما الآخر .. وأذكّر القارىء الكريم هاهنا بأوضاع آخرى مشابهة ، فحظور Hazor أو حاصور التي ذكرت مرارًا بالتوراة ، جاء في ترجمتها بقاموس Wycliffe Bible Dictionary أنها اسم أطلق بالعهد القديم على خمس مدن مختلفة على الأقل ، فهي على ما يذكر القاموس - مستشهدًا بمواضع من العهد القديم لكل موضع - هي اسم لمدينة كنعانية شمال بحيرة طبرية ، واسم مدينة في أقصى جنوب اليهودية - أي بجنوب فلسطين - واسم لمدينة أخرى بالنقب قريبًا من بئر السبع ، ولمدينة شمال القدس ، ولمنطقة بشمال الجزيرة العربية على حد ما يذكر القاموس .. فيُلاحظ القارىء معي أنّ من استخدامات كلمة حظور لم يلغ الإستخدام الآخر لمواضع أخرى .. وشبام Shebam من المدن المعمورة بشمال اليمن ، قريبًا من صنعاء ، وهي كذلك مدينة عامرة معروفة إلى اليوم بحضرموت ، ولكنّها ذكرت بالكتاب المقدس . لتعني أكثر من موضع بفلسطين ، منها مثلًا مدينة بشرق الأردن حيث كانت من نصيب سبطي روبين Reuben وجاد Gad ، وهذه كذلك كلمة شيبا Sheba يذكر القاموس أعلاه عدة استخدامات لها بالعهد القديم ، منها إضافة إلى استخدامها لتعني مملكة سبأ باليمن ، فهي مدينة بجنوب اليهودية - أي جنوب الضفة الغربية المعاصرة - وهكذا يرى القارىء معي اطلاق أسماء لمواضع ومدن بجزيرة العرب على مواضع ومدن بفلسطين أو حولها .. وذلك ما أغرى أحد الباحثين - وهو « كمال الصليبي » - للإدعاء بأن أحداث التوراة والعهد القديم لم تقع بفلسطين إنما وقعت بعسير وشمال اليمن .. وليس هناك من تفسير واضح لهذه الظاهرة الثابتة .. لكنها تؤكد أنّ لفظ فاران لم يكن بدعًا بين الأسماء التي أطلقت على مواضع بالجزيرة العربية وأخرى بفلسطين أو الأردن وحول فلسطين « سيناء » .
ويدل كذلك على أنّ المكان بسيناء الذي أُطلق عليه اسم فاران ليس هو المقصود ببشارة الوحي هنا ، إنّ ذكر فاران هنا جاء بعد ذكر سيناء وساعير مما يعني عادة أنها موضع مختلف عن الموضعين السابقين وخارج حدودهما ، وإلا أصبح بالنص تكرار، تمامًا كما هي ساعير خارج حدود سينا وفاران أيا كانت الأخيرة ، ويدل أيضًا على أنّ فاران المزعومة بسيناء ليست هي المقصودة ببشارة الوحي هنا ، أنّ هذه التي بسيناء إنّما جاء ذكرها عند عبور بني إسرائيل إلى فلسطين بصحبة موسى - عليه السلام - وقد كانت مواقف ذلك الجيل ممقوتة من الله -عزوجلّ - بل إنّ التوراة « العدد 12: 16، 13: 26» تذكر أنّ تمرد بني إسرائيل على أمر الله تعالى بدخول فلسطين إنما تمّ وهم بصحراء فاران هذه ، وعليهم وهم بها وقع غضب الله تعالى ، فكيف يمكن بعد ذلك القول بنزول الوحي عليهم بها ، وتمام رضى الله عنهم بفاران ، ومجيء العشرة آلاف قديس بها .. ثمّ أي وحي نزل بتيماء إلا ذلك الذي نزل على رسول الإسلام - صلى الله عليه وآله وسلم - بمكة والمدينة( )..
والآن نتابع حديثنا مع ابن قيدار الآتي من فاران ، فقد جاء في النبوءة الواردة في سفر حبقوق « 3: 3» : « قد أقبل الله من أدوم » قلت : التراجم الإنجليزية كـ :
The Revised Standard Version
The New International Version
The New American Bible
The Amplified Bible
The New American Standard Bible
The King James Version
تذكر كلها كلمة « Teman : تيمان » والأمر بالمثل مع « مخطوطات البحر الميت » ، وهو ما جاء أيضًا في الترجمتين الفرنسيتين : Louis Segond و La Bible de Semeur ، والترجمتين الإيطاليتين : " Conferenza Episcopale Italiana " Diodati " La Nuova: وقد سارت التراجم العربية الأخرى على ذكر لفظ « تيمان » كترجمة الفانديك ، والترجمة الكاثوليكية ، والترجمة المشتركة ، لكنّ ترجمة « كتاب الحياة » وضعت كلمة « أدوم » محلّ كلمة « تيمان » علمًا بأنّ « تيمان» هي مجرّد جزء من أرض أدوم !
ولنتابع نصوص النبوءة والحديث عنها فقد جاء في النص الماسوري :
« وجاء القدوس من جبل فاران . غمر جلاله السماوات ، وامتلأت الأرض من تسبيحه » . بالإضافة إلى هذه البشارة نقرأ في سفر إشعياء « 42 : 11- 12» : النص الماسوري : « لتهتف الصحراء ومدنها وديار قيدار المأهولة . ليتغنّ بفرح أهل سالع وليهتفوا من قمم الجبال ، وليمجدوا الربّ ويذيعوا حمده في الجزائر » . كما جاء أيضًا في سفر إشعياء « 21: 13- 17 » : النص الماسوري : نبوءة بشأن شبه الجزيرة العربية : « ستبيتين يا قبائل الددانيين ، فاحملوا يا أهل تيماء الماء للعطشان ، واستقبلوا الهاربين بالخبز . لأنهم قد فروا من السيف المسلول ، والقوي المتوتر ، ومن وطيس المعركة ، لأنّ هذا ما قاله لي الربّ : في غضون سنة مماثلة لسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار ، وتكون بقية الرماة ، الأبطال من أبناء قيدار قلة ، لأنه الربّ إله إسرائيل قد تكلّم » . إذا جمعنا هذه النبوءات وجدنا أنها تشير بصورة واضحة إلى محمد - صلى الله عليه وسلّم -: « بنو قيدار» : هم العرب ، ومما يستدلّ به لإثبات هذه الحقيقة : قيدار هو ابن إسماعيل جدّ العرب ، كما هو مذكور في الكتاب المقدس « سفر التكوين 25: 13- 15» . وجاء في الترجمة الفرنسية للعهد القديم « الكتاب المقدس الأورشليمي : La Bible de Jerusaleme » في تفسير كلمة « Onagre » في الهامش ، ص 45 : « أنّ سلالة إسماعيل هم عرب الصحراء » . وذكر س . فورستر C.Forster في كتابه : Geography of Arabia The Historical ، ص 244- 265 : أنّ بني قيدار قد سكنوا الحجاز، وعرّفهم بأنهم قريش . وجاء في تعليق دميلّو Dummelow على الكتاب المقدس Commentary on the Holy Bible ، ص 441 : أنّ عبارة « قيدار» تشير إلى القبائل العربية . وانظر أيضًا : Peaks Commentary on the Bible ، ص 447 . وتذكر موسوعة الكتاب المقدس : Encyclopedia Bibilca ، ل ت. ك. شاين T.K.Cheyne تحت اسم « إسماعيل » : « في نقش لأسور- باني- بال » استعمل الإسم - أي اسم قيدار- كمرادف للبلاد العربية . وورد في معجم سميث للكتاب المقدس :Smiths bible Dictionary : نعرف القليل عن حياة إسماعيل المتأخرة . لقد حضر مع أخيه إسحاق لدفن أبيهما إبراهيم . ومات وقد بلغ 137 عامًا . وسكن أبناؤه شمال وجنوب شبه الجزيرة العربية مكونين البذرة الأولى - العنصر الأساسي - للأمة العربية : قبائل البدو الرحل . إنهم الآن معظم أتباع محمد الذين ينظرون إلى إسماعيل أنه الأب الروحي لهم كما ينظر اليهود لأبيهم إبراهيم . ولغتهم التي انتشرت لتكون المجتمع العربي قد اعتمدت ببعض الاستثناءات البسيطة في الجزيرة العربية » . وجاء في معجم العهد القديم Lexicon to the old Testament " GeseniusHebrew - Chaldee " ل هـ. و. ف. جينيسيوس H.W.F Gesenius ، ص 724 : أنّ قيدار هو ابن لإسماعيل ، ومنه ظهرت قبيلة عربية ، وأنّ أحبار اليهود ينادون كلّ العرب في كلّ مكان بهذا الإسم The Rabbins call all the Arabians : universally by this name . و « سالع » : إشارة إلى المدينة المنوّرة . فمحمد - صلى الله عليه وسلّم - هو الذي تلقّى الوحي ، والنبوة من جهة بلاد العرب . « المدينة » هي التي خرج إليها محمد - صلى الله عليه وسلّم - « هاربًا » بدعوته المستضعف أهلها من طرف أهل مكّة « بني قيدار» إلى قوم ذوي منعة آمنوا به وصدّقوا خبره « أهل تيماء » ، أعطوه صفقة أيديهم وثمرة أفئدتهم والسمع والطاعة المطلقتين في المنشط والمكره « خبزه » - الهروب هنا يقصد به الخروج سرًا من بين أظهر الظالمين ، حذر طغيان الظالمين ، والتحاقًا بطائفة الحقّ لقيادتها إلى خيري الدنيا والآخرة ، لا الفرار جزعًا وفرقًا من بطش الجبارين للنجاة بالنفس ! ومحمد - صلى الله عليه وسلّم - هو الذي عاد بعد عام من « هجرته » ، وقد قابله « أبناء قيدار» في موقعة « بدر» وانهزموا أمامه ، وهم الذين كانوا يحملون الأقواس ، وقد فنى مجدهم الجاهلي ، ليبدأ مجد المسلمين بتعدد أجناسهم وأعراقهم . وجاء في سفر حبقوق « 3: 3 » أنّ « الله » قد أقبل من « تيماء» المدينة ، في حين جاء القول أنّ « القدّوس » أي الرجل الصالح ، قد جاء من جبل مكة - جبل النور الذي فيه غار حراء- ، والمغايرة هنا بين « الله » و« القدوس » سببها أنّ تترّل الرسالة على « القدّوس » محمد - صلى الله عليه وسلم - كان في غار حراء ، وكانت تلك الفترة المكية التي استمرت 13 سنة ، سنوات استضعاف ومحاصرة من طوائف الكفر لدعوة الهداية للتوحيد ، فما ظهرت آثار الرسالة في تلك الفترة على الصورة المراد لها لتكاتف المبطلين على التنكيل بضعاف مكة الذين آمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلّم - وما أشرقت الرسالة على أرجاء الأرض إلا في المدينة « تيماء » حيث ظهر أمر « الله » . فما أجمل هذه النبوءة الحبقوقية !!!. ولا يملك النصارى أن يظهروا اعتراضًا على هذه النبوءات المتلاحمة ، الظاهرة المعنى ، لما في هذه النصوص من تحديد لأماكن لم يطأها المسيح - عليه السلام - وإنما عاش فيها محمد ، صلى الله عليه وسلّم !( )
الباحث : محمود سعيد الشيخ