يا دكتوري ... يا دكتور
جلس أبو شكيب وزوجته على الكرسيين المتوضعين أمام مكتب الدكتور خفيف النظيف وهم ينتظرون أن تحضر الممرضة نتائج التحاليل التي قام بها أبو شكيب في اليوم السابق، لم تستطع أم شكيب التوقف عن البسملة والحوقلة طوال فترة إنتظارها، بينما لم يكن في ذهن أبي شكيب سوى صورة أولاده وزوجته ووالدته المريضة وما سيؤول إليه حالهم في حال حدث له مكروه لاقدر الله.
كان الدكتور خفيف يمسك قلماً ويقوم بالضغط على رأسه من الأعلى فيخرج سن القلم من الأسفل، ثم يضغطه مرة أخرى ليعود سن القلم إلى الداخل، وذلك بحركة رتيبة مزعجة، لم يستطع أبو شكيب أن يمنع نفسه معها من النظر في توسل للدكتور لكي يريح أعصابه من هذا الإزعاج، ولكن الدكتور خفيف نظر إليه نظرة بلهاء واستمر في حركته المزعجة.
تتك … تك … تتك … تك
امتزج الصوت الرتيب مع همسات أم شكيب بشكل أحس معه أبو شكيب بأن نهايته باتت وشيكة، وضغطه الآن قد قارب الثمانية عشر دون شك، لذلك فقد كان من المتوقع أن يقفز (من أربعته) عندما فتحت الممرضة باب الغرفة دون إستئذان وتقدمت بخطوات سريعة نحو مكتب الدكتور الذي نظر إليها والضحكة على وجهه مع ( تسبيلة ) صغيرة للعيون، ولكن الممرضة رمت الملف على طاولته و قالت ” إستلم ” .
خرجت الممرضة على عجل من الغرفة وأبو شكيب مازال قلبه ينبض وكأنه قلب أرنب صغير يقف وسط قطيع من الذئاب في منتصف الليل.
أخرج الدكتور خفيف الأوراق من الملف ووضعها فوق جريدة محلية كانت أمامه، ونظر إلى تلك الأوراق و الاهتمام البالغ على وجهه وقد تغيرت ملامح الهبل التي كانت تعتري قسماته إلى ملامح أكثر جدية.
“طمئني يا دكتور ؟ أنا بخير والتحاليل كلها سليمة، أليس كذلك ؟ ” قالها أبو شكيب بعصبية.
” الأمر لا يبدو جيداً، لا يبدو جيداً على الإطلاق” قالها الدكتور وهو يغمض عينيه.
بدأت أم شكيب في هذه اللحظة باللطم على خديها، ولكن أبا شكيب لم ينهر بهذه السهولة وصرخ ” طولي بالك يا أمرأة، أخبرني يا دكتور مالأمر ؟”.
رفع الدكتور خفيف الجريدة من تحت الأوراق وقال ” إنظر هنا، لقد رفضت الحكومة تخفيض أسعار المازوت، كم سأتكلف هذا الشتاء على ثمن المازوت وحده ؟ الأمر لا يبدو جيداً على الإطلاق، هل تعلم أنه في الفيلا التي أملكها أقوم بتعبئة الخزان كل أسبوعين مرة ؟ ويكلفني كل مرة مبلغ وقدره …………
صاح أبو شكيب : ” أرجوك يا دكتور ؟ ما علاقتي بأسعار المازوت ؟ أخبرني عن التحاليل أرجوك “.
نظر الدكتور خفيف إلى الأوراق ثانية …
” آه ، التحاليل، نعم نعم ، لنرى هذه النتائج”
” يا للهول !!!” صرخ الدكتور خفيف.
تابعت أم شكيب اللطم المعتاد … بينما أمسك أبو شكيب بقميصه من فوق القلب، حيث أنه بدأ يحس بالوخز.
” هناك ذبابة ميتة بين الأوراق، كم مرة نبهتهم أن لا يستعملوا التقارير في صيد الذباب المنتشر في المشفى”، أردف الدكتور.
توقفت أم شكيب عن اللطم.
أعاد الدكتور النظر في الأوراق بتمعن، وبعد دقيقتين من الصمت المهول قال ” سيد أبو شكيب، لا أعرف كيف سأقول لك ذلك”.
بدأت أم شكيب باللطم.
” اسمك غريب جداً، سمير المناخيلي ؟ أو المناخلي ؟ أو المناحلي ؟ إسمك مكتوب بشكل غريب ولا أعلم كيف سأقوله ؟”
توقفت أم شكيب عن اللطم، بينما قال أبو شكيب وقد بدأ يتنفس بصعوبة ” المناخلي دكتور، المناخلي، أرجوك ، أتوسل إليك، النتائج”.
أعاد الدكتور النظر إلى الأوراق وقال ” هل تعلم يا سيد سمير أن النهاية ستكون الشهر القادم ؟ “
قفزت أم شكيب من مقعدها مع الولاويل المعتادة، وهم أبو شكيب بالبكاء عندما أردف الدكتور قائلا ” تأمينك الصحي سينتهي في الشهر القادم، أنصحك أن تقوم بتجديده فوراً، وسأدلك على صديق لي يعمل في شركة التأمين الصحي، ستحصل على صفقة جيدة، إبن عمي الأسبوع الماضي ….
صرخ أبو شكيب ” يستر على عرضك ، دعني أقبل يدك ، ما علاقتي بإبن عمك ، النتائج يا دكتور، لم أعد أحتمل”.
” النتائج ، النتائج ، نعم ، يبدو أنك مستعجل، والعجلة مضرة بالصحة، ولكني دعني أخيرك بأنك ستموت … “
سقطت أم شكيب على الأرض وهي تبكي، وانهمرت الدموه من عيني أبي شكيب، ولكن الدكتور تابع قائلا ” ستموت من الضحك عندما أحدثك عن إبن عمي، لديه محل للحلاقة ويحدثني بالكثير من النهفات اليومية التي تحدث معه، عندما ذهبنا إلى المطعم الأسبوع الماضي قال لي …..”
توقف الدكتور عن الكلام عندما رأى نظرات الغضب من أبي شكيب، وسمع صوت أسنانه التي تصطك في عنف وسمع الكلمات تخرج متحشرجة من فمه ” التحاليل ، النتائج “
نظر الدكتور إلى الأوراق وقلبها مرتين قبل أن تقع عيناه على سطر معين وصاح ” تماماً، كما توقعت تماماً، سرطان “.
لم تصدر أم شكيب هذه المرة أي صوت، حيث أنها قد أغمى عليها عندما سمعت بمرض زوجها، وصاح أبو شكيب وهو يبكي ” يالله ؟ سرطان ؟ أي نوع من السرطان ؟ “.
قال الدكتور ” أنت سرطان، من عجلتك واندفاعك كنت متأكداً بأنك من مواليد برج السرطان، فعلا هاهو تاريخ ميلادك في العاشر من تموز ، قرأت في كتاب الفلك الخاص بالدكتورة كارلا بأن مواليد برج السرطان دائما مستعجلون ومندفعون ومتهورون، اشتريت الكتاب من المعرض بسعر مخفض حيث أنه يباع في المكاتب العادية …
حاول أبو شكيب أن يوقظ زوجته من سباتها وهو يبكي، بينما نظر الدكتور إليه وقال ” غريب، مابها ؟ لماذا أغمي عليها رغم أن تحاليلك كلها سليمة، صحتك كالحصان، أظن أن برجها ليس السرطان، ربما هو الإيدز … قه قه قه قه “.
بينما هو يضحك بصوت عالً، إنقض أبو شكيب على رقبته وهو يصرخ ” الله لا يوفقك، الله لا يوفقك، تلفتلي أعصابي ، جبتلي الفالج إلي ولزوجتي، الله لا يوفقك ، الله … لا …. يوفقك “.
خر أبو شكيب مغشياً عليه إلى جانب زوجته، بينما رفع الدكتورخفيف سماعة الهاتف وقال ” الإسعاف ؟ تعالوا بسرعة إلى غرفتي، لدي شخصان بحاجة إلى إسعاف سريع ، ولكن لا تحضروا لي إسعاف يونس ….
وعلا صوت قهقته في الغرفة.
بعد أربع ساعات إستيقظ أبو شكيب من غيبوبته، نظر إلى الدكتور وقال ” دكتور ، زوجتي أم شكيب ؟ “
نظر الدكتور خفيف إليه وقال ” يؤسفني يا سيد سمير أن أخبرك بأنها قد أصيبت بالشلل التام، الصدمة كانت كبيرة عليها، ستضطر الآن إلى إطعامها وسقايتها والإهتمام بها إلى آخر عمرك”
بدأ أبو شكيب بالنحيب ، وعندها انفجر الدكتور ضاحكاً، وقال ” لا ، هل لك أن تتخيل نفسك تقوم بذلك طوال عمرك ؟، كنت أمزح معك ، لقد توفيت زوجتك فوراً بنوبة قلبية”
ALZEER