تابع جبل الشيخ - جبل العموريين
15- جبل العموريين « الأموريين »
ورد اسم جبل الشيخ باسم جبل العموريين « جبل الأموريين » في التوراة حيث جاء ذكره فيها : « تحولوا وارتحلوا وادخلوا جبل الأموريين وكل ما يليه من العربة والجبل والسهل والجنوب وساحل البحر - أرض الكنعاني - ولبنان إلى النهر الكبير نهر الفرات »( ). وجاء فيها أيضًا : « ثم ارتحلنا من حوريب ، وسلكنا كل ذلك القفر العظيم المخوف الذي رأيتم في طريق جبل الأموريين ، كما أمرنا الرب إلهنا ، وجئنا إلى قادش برنيع . فقلت لكم : قد جئتم إلى جبل الأموريين الذي أعطانا الرب إلهنا »( ). وقد علق على ذلك علي بن نايف الشحود بقوله عن اليهود الصهاينة بعد عدوانهم على لبنان : « هؤلاء يعتقدون يقينًا أن كل أرض تداس بأقدامهم تعد من الأرض الموعودين بها ، واستهانة بعضنا بما يرد في نصوصهم من تعاليم من السذاجة بمكان ، فالعقيدة هي التي تحرك صاحبها - أيًّا كان - نحو هدف معين ، وهؤلاء يتحركون لما هو أكثر بكثير من الأرض التي تقع تحت احتلالهم ، فقد ورد في « التوراة » ما يؤكد هذه التطلعات ، ومن ذلك قولها : « في ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام « إبراهيم » - عليه السلام - عهدًا قال : لنسلك أهب هذه الأرض ، من نهر مصر إلى النهر الكبير: نهر الفرات .. » كما جاء فيها : « الرب إلهنا كلمنا من جبل حوريب « سيناء » وقال : أقمتم ما فيه الكفاية في هذا الجبل ، فتحولوا وارتحلوا ، وادخلوا جبل الأموريين ، وكل ما يجاوره من صحراء البرية ، وما يليها من الجبال والسهول ، إلى الجنوب وساحل البحر ، إلى أرض الكنعانيين ولبنان ، وحتى النهر الكبير نهر الفرات » وفيها أيضًا : « كل موضع تدوسه أخماص أقدامكم يكون لكم ، من البرية جنوبًا إلى لبنان شمالًا ، ومن نهر الفرات شرقًا إلى البحر غربًا » ، بل إن « التلمود » كعادته دومًا يحاول ترسيخ هذه العقيدة في نفوس مريديه ، فقد شبه الصهيونية الموعودة بجلد الغزال الذي يمتلك من المرونة ما يجعله قابلًا للتمدد والاتساع : « أرض إسرائيل لا تسمى جميلة كالغزال دون سبب ، بل لأنها تمتد كجلد الغزال » تمتد لتعتدي وتدمر وتبيد ثم تحتل الأراضي العربية »( ).
كما ذكره ابن العبري في تاريخه في حديثه عن حياة نبي الله سليمان – عليه السلام – عند بنائه المعبد في القدس فقال : « وفي رابع سنة لملكه شرع في بنيان بيت المقدس ، وهو المعروف بالمسجد الأقصى ، في جبل الأموريين ، في اندراران اليبوسي . وطوله ستون ذراعاً ، وعرضه عشرون ذراعاً ، وعلوه ثلاثون ذراعاً . وتممه في سبع سنين »( ).
وتحت عنوان : « إرتس يسرائيل Eretz Yisrael » كتب عبد الوهاب المسيري : « إرتس يسرائيل » عبارة عبرية وردت في التوراة وفي الكتابات اليهودية الدينية والفقهية ، وتعني حرفياً « أرض يسرائيل » . ويُستخدَم هذا المصطلح للإشارة إلى أرض فلسطين وبعض المناطق المتاخمة لها . ومعنى العبارة غير واضح بشكل محدَّد ، ولكن من مرادفاتها ، على أية حال ، عبارات مثل : « الأرض المقدَّسة » و « أرض الميعاد » . وسنحاول تعريف مجالها الدلالي المتناقض من خلال تصنيف الإشارات المختلفة إليها واستخداماتها المتباينة كما وردت في الكتب المقدَّسة والتراث الديني اليهودي :
1 ـ تشير عبارة في سفر صموئيل الأول « 13/19» إلى تلك الأرض التي كان يقطنها العبرانيون بالفعل إبان حكم القضاة ، قبل ظهور المملكة العبرية المتحدة ، فتقول : « ولم يوجد صانع في كل أرض يسرائيل » . وأرض يسرائيل بهذا المعنى لا تضم ، مثلاً ، القدس التي ظلت مدينة يبوسية حتى عهد داود . كما أنها لم تكن منطقة متصلة ، إذ كانت هناك جيوب في الشمال استوطنت فيها قبائل زبولون وآشر ويسكار على بحيرة طبرية ، لكن هذه الجيوب كانت غير متصلة بالجيب الأكبر على البحر الميت ونهر الأردن . كما كان يوجد جيب ثالث غير متصل بالجيبين الآخرين ، في أقصى الشمال ، تشغله قبيلة دان .
2 ـ تشير العبارة إلى المملكة الشمالية التي تُسمَّى أيضاً « يسرائيل » . فقد ورد في سفر الملوك الثاني « 5/2 » : « وكان الآراميون قد خرجوا غزاة فسبوا من أرض يسرائيل فتاة صغيرة » ، وهي منطقة تبدأ من الطرف الشمالي للبحر الميت وتضم بحيرة طبرية وضفتي الأردن ، ولكنها لا تضم المنطقة الجنوبية كلها ومنها القدس .
3 ـ تشير العبارة أحياناً إلى مملكة داود في أقصى اتساعها .
4 ـ تشير العبارة إلى ما يُسمَّى « حدود الآباء » ، فقد ورد في سفر التكوين « 15/18» : « لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير : نهر الفرات » . لكن صياغة هذه العبارة شديدة العمومية لا يمكن أن تُطلَق عليها كلمة « حدود » .
5 ـ وهناك كذلك حدود الخارجين من مصر ، وهي لا تختلف كثيراً عن حدود الآباء . وقد وردت في عدة مواضع من بينها سفر التثنية « 1/7- 8 » : « وارتحلوا وادخلوا جبل الأموريين وكل ما يليه من العربة والجبل والسهل والجنوب وساحل البحر أرض الكنعاني ولبنان إلى النهر الكبير نهر الفرات » . وورد في السفر نفسه « 11/24 » : « يطرد الرب جميع هؤلاء الشعوب من أمامكم فترثون شعوباً أكبر وأعظم منكم . كل مكان تدوسه بطون أقدامكم يكون لكم من النهر - نهر الفرات - إلى البحر الغربي يكون تخمكم » . وجاء في سفر يشوع « 1/3 ـ 4 » : « كل موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته كما كلمت موسى : من البرية ولبنان إلى هذا النهر الكبير نهر الفرات ، جميع أرض الحثيين وإلى البحر الكبير نحو مغرب الشمس يكون تخمكم » . وهذه الحدود أكثر تحدداً من خريطة الآباء ، ولكنها مع هذا غير واضحة وخاضعة للتفسيرات والاجتهادات . ويرى الباحث الفلسطيني صبري جريس في كتابه تاريخ الصهيونية ، استناداً إلى مراجع صهيونية « من بينها مشروع الوكالة اليهودية المقدم إلى مؤتمر فرساي عام 1338هـ( ) » أن إرتس يسرائيل تضم بهذا المعنى تلك المنطقة التي يحدها البحر المتوسط من الغرب ، ويحدها من الجنوب خط يبدأ من موقع العريش في سيناء ويتجه متعرجاً حتى يصل إلى العقبة « إيلات » ، ومن هناك يتجه شمالاً حتى جنوب البحر الميت . ثم يستمر في الاتجاه شمالاً بمحاذاة نهر الأردن « دون أن يضم أياً من المناطق الواقعة شرقي النهر » حتى يصل إلى جبل الشيخ « حرمون » . ومن هناك إلى الشمال ، ماراً بغربيّ دمشق ، ثم بغربيّ حمص حتى يصل إلى محاذاة اللاذقية ، فينحرف شرقاً حتى يصل إلى أقرب نقطة في مجرى الفرات من البحر المتوسط ، ومن هناك يتجه غرباً إلى البحر ماراً بجنوبي حلب . وبعبارة أخرى ، تضم أرض الميعاد ، بحسب حدودها هذه ، مساحة فلسطين أيام الانتداب مضافاً إليها ذلك الجزء من سوريا ولبنان الذي يقع غربيّ خط دمشق ـ حمص ـ حماة . ويحدها من الشمال خط يمر جنوبي حلب . وتبلغ مساحتها نحو 160ـ 170 ألف كيلو متر مربع . ويضيف صبري جريس أن من الواضح أيضاً ، من ناحية أخرى ، أن تلك الحدود لا تتلاءم أبداً مع حدود المناطق التي عاش العبرانيون فيها أو حكموها في أية فترة من الزمن . ففيما عدا المناطق الممتدة بين دان « شمالي طبرية » وبئر سبع « في فلسطين » التي وُجد اليهود فيها ، أو حكموا بعضها من فترة إلى أخرى « ولم يسيطروا عليها كلها دائماً ، ولم يوجدوا فيها وحدهم على أية حال » ، فإن « بطون أقدامهم » ، إذا استعملنا لغة التوراة ، لم تطأ باقي المناطق . يضاف إلى ذلك أن اليهود أنفسهم لم يتجهوا ، في أي وقت من الأوقات ، لاحتلال هذه المناطق أو العيش فيها . وتفسير هذا التناقض ، هو أن المناطق الأخرى التي لم يصلها اليهود مخصصة لاستيطانهم في المستقبل عندما يتكاثرون . ومرة أخرى ، يستند هذا التفسير إلى التوراة : « لأطردهم من أمامك في سنة واحدة لئلا تصير الأرض خربة ، فتكثر عليك وحوش البرية . قليلاً قليلاً أطردهم من أمامك إلى أن تثمر وتملك الأرض » « خروج 23/29 ـ 30 » . و « لكن الرب إلهك يطرد هؤلاء الشعوب من أمامك قليلاً قليلاً . لا تستطيع أن تفنيهم سريعاً لئلا تكثُر عليك وحوش البرية . ويدفعهم الرب إلهك أمامك ، ويوقع بهم اضطراباً عظيماً حتى يفنوا . ويدفع ملوكهم إلى يدك فتمحو اسمهم من تحت السماء . لا يقف إنسان في وجهك حتى تفنيهم » « تثنية 7/22 ـ 24» .
6 ـ ثم هناك إرتس يسرائيل سادسة . ويمكن أن نُطلق عليها أرض القبائل العبرانية الاثنتي عشرة . فقد ورد في سفر التثنية « 34/1ـ 4» : « وصعد موسى من عربات مؤاب إلى جبل نبو إلى رأس القمة التي تطل على أريحا فأراه الرب جميع الأرض من جلعاد إلى دان وجميع نفتالي وأرض إفرايم ومنَسَّى وجميع أرض يهودا إلى البحر الغربي . والجنوب والدائرة بقعة أريحا مدينة النخل إلى صوعر . وقال له الرب : هذه هي الأرض التي أقسمت لإبراهيم وإسحق ويعقوب قائلاً لنسلك أعطيها » . ثم قام موسى ، بتقسيم هذه الأراضي بين قبائل يسرائيل الاثنتي عشرة : « إنما أقسمها بالقرعة ملكاً ليسرائيل كما أمرتك . والآن أقسم هذه الأرض ملكاً للتسعة أسباط ونصف سبط منَسَّى » « يشوع 13/6 ـ 7 » . وكانت الأسباط الباقية قد حصلت على حصصها قبل ذلك . أما حدود هذه الأرض ، فقد ذُكرت مطولاً في التوراة عند الحديث عن تقسيمها بين القبائل الاثنتي عشرة « سفر يشوع : 15 ـ 24 » ، وهذه الحدود أكثرها شيوعاً . ولكن هذه الحدود غير واضحة أيضاً مثل سابقتها ، رغم إسهاب التوراة في وصفها . ومرة أخرى ، واستناداً إلى تفسيرات واجتهادات عديدة ، فإن حدودها رُسمت بشكل يضم المنطقة الواقعة بين البحر غرباً والصحراء شرقاً ، ومنها القسم المأهول من شرق الأردن . أما حدودها الجنوبية ، فتمتد على خط يصل بين العريش والعقبة ، بينما الحدود الشمالية غير واضحة وتشير إلى جبل الشيخ « حرمون » فقط . وتضم أرض يسرائيل ، بحسب هذه الحدود، نحو 43 ألف كيلو متر مربع .
7 ـ ثم هناك إرتس يسرائيل سابعة حددتها المشناه وسمتها « أرض العائدين من بابل » ، وهي وحدها التي تنطبق عليها التشريعات اليهودية « هالاخاه » المتصلة بالأرض مثل السنة السبتية وسنة اليوبيل . وهذه مقاطعة صغيرة جداً تطابق مقاطعة « يهود » الفارسية بعد العودة من بابل ، وهي منطقة تمتد من نقطة على البحر الميت من عين جدي نحو البحر المتوسط على حدود الخليل ولا تضمها ، ثم تتجه شمالاً بمحاذاة ساحل البحر المتوسط وتضم اللد ، ثم تتجه شرقاً حتى أسفل نهر الأردن ، ولا تضم السامرة ، وليست لها أية منافذ على البحر المتوسط ، ولا تزيد مساحتها عن 1200 ميل مربع . ونتيجة كل هذا التضارب ، يختلف المفسرون « السياسيون والدينيون » في تعريف الحدود ، ويتأرجحون بين الحد الأقصى ، ويضم فلسطين وكل سيناء والأردن وسوريا ولبنان ، بل وأجزاء من تركيا وأحياناً قبرص ، والحد الأدنى الذي لا يتجاوز حدود مقاطعة يهود الفارسية . وهناك من يرى أن الخريطة المنطقية هي مملكة داود في أقصى اتساعها ، وهكذا !
8 ـ ويضيف صبري جريس أن هناك حدود إرتس يسرائيل الطبيعية ، وتضم مزيداً من الأراضي ، وهي أكبر قليلاً من الحدود الأصلية ، وتصل مساحتها إلى نحو 59 ألف كيلو متر مربع ، منها نحو النصف غربي نهر الأردن « أرض إسرائيل الغربية » ، والنصف الآخر شرقي النهر « أرض إسرائيل الشرقية » . وتجدر الإشارة إلى أن حدود المنطقة التي طلبت المنظمة الصهيونية العالمية « من مؤتمر الصلح في باريس سنة 1338هـ( ) » الاعتراف بها « وطناً قومياً لليهود » متسقة مع التعريف الأخير لحدود أرض إسرائيل .
والواقع أن مفهوم الحدود الطبيعية هو بكل تأكيد نتاج عملية علمنة المفهوم الديني القديم ، إذ أن الدفاع عن هذه الحدود الطبيعية المقدَّسة يمكن أن يتم من منظور ديني باعتبار أنه ورد في التوراة ، ومن منظور غير ديني باعتباره شيئاً طبيعياً نابعاً من الضرورات الطبيعية . ولكن الحاخام « تسفي كوك » - زعيم جوش إيمونيم الروحي - حسم المسألة تماماً حينما طرح المسألة برمتها داخل الإطار الحلولي وقال : « إن الجيش الإسرائيلي هو القداسة بعينها » ، فكأن هذا الجيش هو مركز الحلول الإلهي في الكيان الصهيوني والتعبير المتبلور عن إرادة الثالوث الحلولي . ولذا فليس غريباً أن يصرح « بن جوريون » بأن خير مفسر للتوراة هو الجيش الإسرائيلي ، فهو الذي سيقرر حدود إرتس يسرائيل ، وهو وحده الذي سيضع حداً للتوسعية الصهيونية . وقد صرح « أفنيري » بأن ما يحدد حدود الأرض الآن ليس الوعد الإلهي ، وإنما قوة إسرائيل العسكرية الذاتية ، على أن تقوم المؤسسة الدينية باقتباس الديباجات الدينية اللازمة بعد الفعل . ومما هو جدير بالذكر أن اللغة العبرية الحديثة لا تعرف كلمة « فلسطين » . وهذا يتفق مع التصور الديني اليهودي الذي يرى أن الأرض لا وجود لها إلا بالإشارة إلى اليهود والتاريخ اليهودي . ولهذا ، فكلما أشار يهودي إلى فلسطين ، فإنه إنما يشير إلى « إرتس يسرائيل » . والواقع أن هذا المفهوم الديني الحلولي هو أساس بعض الشعارات الصهيونية مثل « أرض بلا شعب لشعب بلا أرض » ، باعتبار أن الأرض هي إرتس يسرائيل التي حلَّ فيها الإله ، ومن ثم فلا وجود حقيقياً لها إلا بالإشارة إلى الشعب اليهودي المقدَّس الذي لا يستطيع أن يحقق ذاته إلا في هذه الأرض المقدَّسة ، ومن ثم فإن وجود اليهود في بلاد العالم المختلفة واستقرارهم فيها ليس وجوداً أو استقراراً وإنما هو غياب وتجوال . ويصر الصهاينة ، ومنهم مؤلفو الكتابات التي يُقال عنها « علمية » مثل واضعي الموسوعة اليهودية ، على عدم الإشارة إلى فلسطين إلا باعتبار أنها إرتس يسرائيل وكأنها مكان مقدَّس لم تطرأ عليه أية تغيرات تاريخية سكانية ، وما حدث من تغيرات فهو طارئ ، ولا يمس الجوهر الساكن المقدَّس الذي لا يتغيَّر . وقد أكد « مناحم بيجين » هذه النقطة في حديث له في إحدى مزارع الكيبوتس التابعة للمابام ، حيث أخبر أعضاء الكيبوتس بأن اليهود لو تحدثوا عن « فلسطين » ، بدلاً من « إرتس يسرائيل » ، فإنهم يفقدون كل حق لهم في الأرض لأنهم يعترفون ضمناً بأن هناك وجوداً فلسطينياً . ومما يجدر ذكره أن كلمة « يسرائيل » تُستخدَم للإشارة إلى أرض فلسطين ، وكذلك إلى أعضاء الجماعات اليهودية في العالم لتأكيد الوحدة المقدَّسة بينهما . وتُستخدَم كلمة « صهيون » في بعض الكتابات الدينية للإشارة إلى إرتس يسرائيل .
وتتفاوت البرامج الصهيونية وتختلف فيما يختص بحدود الأرض الواجب ضمها ، فهناك صهيونية الحد الأقصى التي تُطالب بإسرائيل الكبرى التي قد تمتد من النيل إلى الفرات . وهناك صهيونية الحد الأدنى التي تكتفي بالأراضي التي تم احتلالها عام 1368هـ( ) وبعض الأراضي التي ضُمَّت عام 1387هـ( ). وثمة جدل دائر الآن بين ما يُسمَّى « صهيونية الأراضي » أو « الصهيونية الجغرافية » مقابل « الصهيونية الاجتماعية » أو « السكانية » . الأولى تصر على الاحتفاظ بكل الأراضي التي ضُمَّت ، وتصر على عدم التنازل ولو عن شبر من الأرض أياً كانت النتيجة ، وتطالب بطرد العرب منها . أما الصهيونية السكانية « الديموجرافية » ، فتخشى من أن ضم الكثافة السكانية العربية سيؤدي إلى أن تفقد الدولة الصهيونية طابعها اليهودي ، وترى أن السبيل الوحيد هو التخلص من العرب عن طريق التنازل عن الأراضي التي تتركز فيها الكثافة السكانية العربية « غزة وأجزاء كبيرة من الضفة الغربية » . وقد أصدر الحاخام « عوبديا يوسف » ، حاخام السفارد السابق ، فتوى مفادها أنه يمكن التنازل عن الأرض إذا كان في هذا حقن للدماء اليهودية . وقد سبَّبت فتواه هذه رد فعل عنيف بين دعاة ضم أرض إسرائيل الكبرى .
ويتلاعب الصهاينة في تفسير معنى كلمة « أرض » حينما ترد في الوثائق الخاصة بوقف إطلاق النار ، والتي تنص على انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة . ولذا يصرون على أن قرار 242 يتحدث عن « أرض احتُلت عام 1387هـ( ) » وليس عن « الأرض التي احتُلت عام 1387هـ( ) » . وبعد ذلك ظهر الحديث المراوغ عن « الأرض مقابل السلام » دون تحديد نوعية الأرض أو نوعية السلام . ثم تدرَّج الحديث ليصل إلى الإشارة إلى « الأرض المُتنازَع عليها » - بالإنجليزية : « ديسبوتيد تيريتوري disputed territory» بدلاً من « الأرض أو الأراضي المحتلة » بالإنجليزية : « أوكيوبايد تيريتوري occupied territory » .
وقد يكون من المفيد في هذا السياق أن نذكر أطروحة كمال الصليبي ، الذي يذهب إلى أن إرتس يسرائيل لم تكن في فلسطين أساساً . فهو يقرر « أن البيئة التاريخية للتوراة لم تكن في فلسطين بل في غرب شبه الجزيرة العربية بمحاذاة البحر الأحمر ، وتحديداً في بلاد السراة بين الطائف ومشارف اليمن . وبالتالي ، فإن بني إسرائيل من شعوب العرب البائدة ، أي من شعوب الجاهلية الأولى » . وقد اعتمد الكاتب في بحثه في الجغرافيا التاريخية للتوراة على « المقابلة اللغوية بين أسماء الأماكن المضبوطة في التوراة بالحرف العبري وأسماء أماكن تاريخية أو حالية في جنوب الحجاز أو بلاد عسير » استناداً إلى الجغرافيين القدامى من العرب « الحموي ـ الهمداني » وإلى معاجم جغرافية وسكانية سعودية حديثة ، وعلى خرائط الرحالة فيلبي . ويعلن الكاتب أن فرضيته لم تعتمد على علم الآثار برغم وفرة النقوش لغياب المسح الأثري والأبحاث الجادة . كما يستند إلى القرآن ، الذي يوضح أن مقام إبراهيم في مكة ولا يشير إلى علاقة بني إسرائيل بفلسطين . وإذا كانت هذه الدراسة تستند إلى اللغات ونطق أسماء الأماكن على وجه الخصوص « فإنها ضرب من علم الآثار لأن أسماء الأماكن هي في الواقع آثار» . بوأخيرًا ، استند الكاتب إلى الرحالة اليونانيين في مشاهداتهم عبر الجزيرة قبل الميلاد ، والذين أُهملت ملاحظاتهم عندما رُكِّبت جغرافية التوراة في فلسطين( ). وفي الواقع فإن ما كتبه كمال الصليبي يحتاج إلى إعادة نظر ، فإن المقابلة اللغوية بين أسماء الأماكن المضبوطة في التوراة بالحرف العبري وأسماء أماكن تاريخية أو حالية في جنوب الحجاز أو بلاد عسير قد يكون سببه هجرة الكنعانيين من تلك الأماكن على ما يرجح علماء التاريخ والآثار إلى الأماكن التي سكنوها في بلاد الشام ومنها فلسطين ، فأطلقوا أسماء أماكنهم القديمة على أسماء أماكنهم الجديدة – كما حصل لكثير من المهاجرين في الماضي والحاضر ليتذكروا دائمًا مواطنهم الأصلية وينقلوا أسماءها إلى أجيالهم اللاحقة - وعندما جاء العبرانيون أخذوا عنهم تلك التسميات . وهذا هو السبب في ذلك الاشتراك اللغوي ، وليس معناه أن تلك الأماكن هي مواطن العبرانيين الأولى ، ولكن الأستاذ الصليبي - على ما يبدو - اتبع قاعدة خالف تعرف . في سبيل الوصول إلى الشهرة على الساحة العلمية . والله أعلم .
الباحث : محمود بن سعيد الشيخ