تابع جبل الشيح - جبل بني هلال
21- جبل بني هلال
قال ابن سعيد المغربي المتوفى سنة 685 هـ : وفي شمالي الأزرق « بصرى » قاعدة حوران على أربع مراحل من دمشق ، وفي شرقيها في الخط الجنوبي « صلخد » قاعدة جبل بني هلال ... والثلج فيه كثير ، وهو معروف بالصالحين ، والجبال الثلجية ممتدة إلى جهة حمص ، وبينه وبين البحر جبل الخيط تسكنه أقوام إباحية ، كثيراً ما يبيعون المسلمين إلى الفرنج « الصليبيين » إذا مروا بهم( ).
لقد سمي جبل الشيخ باسم « جبل بني هلال » عندما نزحت بعض قبائل بني ربيعة من شبه الجزيرة العربية إلى لبنان ، حيث اتخذ بنو هلال من عامر بن صعصعة « جبل الشيخ » موطناً . وهم بطن من عامر بن صعصعة ، من هوازن ، من العدنانية ... قال ابن سعيد : وجبل بني هلال معروف بالشام ، ومنها قلعة هلال المشهورة على ما قال القلقشندي( ). وقال ابن شداد : جبلُ بني هلال : تحته قُرى مذكورة في التوراة يقال لها « البثنية » منها : قرية تعرف بـ « المالكية » بها قدح وخشب ، ذكروا أنه كان لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلم( ) . وقال ياقوت : جبل بني هلال بحوران من أرض دمشق ، تحته قرى كثيرة منها قرية تعرف بالمالكية( ). وفي الحقيقة فإن ما ذكره ابن شداد وياقوت باسم جبل بني هلال هو الجبل المعروف الآن بـ « جبل العرب » ، وكان يعرف بجبل حوران وجبل الريان أيضًا ، وقد سكنه فرع من بني هلال فترة من الزمن بعد هجرتهم من الجزيرة العربية فنسب إليهم ، وهذا ما أيده القلقشندي بذكره أقوامًا منهم حلوا ببلاد الشام بوادي بني زيد وبصرخد وبلادها ، وهم جماعة من عامر بن هلال ، وفي بعض قرى أذرعات قوم يدعون أنهم منهم( ) وامتد فريق مهاجر آخر منهم إلى جبل الشيخ فنسب إليهم أيضًا .
وذكر ابن كثير في حوادث عام 748هـ اسم جبل بني هلال فقال : الغلاء وتأخر المطر وقلة الغلة ، كل رطل إلا أوقية بدرهم ، وهو متغير ، وسائر الأشياء غالية ، والزيت كل رطل بأربعة ونصف ، ومثله الشيرج والصابون والأرز والعنبريس كل رطل بثلاثة ، وسائر الأطعمة على هذا النحو ، وليس شيء قريب الحال سوى اللحم بدرهمين وربع ، ونحو ذلك ، وغالب أهل حوران يردون من الأماكن البعيدة ويجلبون القمح للمؤنة والبدار من دمشق ، وبيع عندهم القمح المغربل كل مد بأربعة دراهم ، وهم في جهد شديد ، وإذا سافر أحد يشق عليه تحصيل الماء لنفسه ولفرسه ودابته ، لأن المياه التي في الدرب كلها نفذت ، وأما القدس فأشد حالًا وأبلغ في ذلك . ولما كان العشر الأخير من شعبان من هذه السنة منَّ الله - سبحانه وتعالى ، وله الحمد والمنة - على عباده بإرسال الغيث المتدارك الذي أحيى العباد والبلاد ، وتراجع الناس إلى أوطانهم لوجود الماء في الأودية والغدران ، وامتلأت بركة زرع بعد أن لم يكن فيها قطرة . وجاءت بذلك البشائر إلى نائب السلطنة ، وذكر أن الماء عم البلاد كلها ، وأن الثلج على جبل بني هلال كثير ، وأما الجبال التي حول دمشق فعليها ثلوج كثيرة جدًا ، واطمأنت القلوب وحصل فرج شديد ، ولله الحمد والمنة ، وذلك في آخر يوم بقي من تشرين الثاني( ).
وممن اشتهر فيه :
1- محمد بن خليل بن عبد الوهاب بن بدر أبو عبد الله البيطار الأكال ، أصله من جبل بني هلال ، وولد بقصر حجاج ، وكان مقيمًا بالشاغور، وكان فيه صلاح ودين وإيثار للفقراء والمحاويج والمحابيس ، وكانت له حال غريبة لا يأكل لأحد شيئًا إلا بأجرة ، وكان أهل البلد يترامون عليه ليأكل لهم الأشياء المفتخرة الطيبة فيمتنع إلا بأجرة جيدة ، وكلما امتنع من ذلك حلي عند الناس وأحبوه ومالوا إليه ويأتونه بأشياء كثيرة من الحلاوات والشواء وغير ذلك فيرد عليهم عوض ذلك أجرة جيدة مع ذلك ، وهذا غريب جدًا ، توفي سنة ثمان وخمسين وست مائة ( ).
2- قال الضياء المقدسي : سمعت الإمام عبد المحسن بن عبد الكريم المصري يقول : رأيت وقت مات الشيخ الموفق في النوم ، كأن قد رُفعت قناديل الجامع كلها . وسمعت الشريف عبد الرحمن بن محمد العَلَوي يقول : رأينا ليلة الأحد في قريتنا مُردك وهي في جبل بني هلال على دمشق ضوءًا عظيمًا جدًا حتى أضاء له جبل قاسيون ، فقلنا : قد احترقت دمشق ، قال : وخرج أهل قريتنا الرجال والنساء يتفرّجون على الضوء ، فلما جئنا إلى بعض الطريق سألنا : أيش الحريق الذي كان بدمشق فقالوا : ما كان بها حريق . فلما وصلنا إلى هنا قال لي ابني : إن الشيخ الموفق توفي . فقلت : ما كان هذا النور إلا لأجله . قال الضياء : وقد سمعنا نحو هذا من غير واحدٍ يُحدِّثه ، أنه رأى ذلك بحوران ، وبالطريق . وقد ساق الضياء منامات كثيرة في سيرة الشيخ الموفق ، توفي عام 620هـ( ).
ونخلص من الاستعراض السابق إلى أن هناك جبلين في بلاد الشام قد استوطنهما بنو هلال أولهما جبل الريان المعروف الآن بجبل العرب ، وهذا هو الأشهر منهما بهذه التسمية التاريخية . وثانيهما جبل الشيخ وهذا مكث فيه بنو هلال فترة زمنية أقل ، لذا أطلق عليه هذه التسمية فترة قصيرة من قبل السكان القاطنين حوله ، لكن التسمية زالت بمغادرتهم له . وقد احتفظت الأساطير الشعبية لنا بقصة صراع أبي زيد الهلالي مع الأمير شبيب التبعي فوق قمة جبل الشيخ ، وقتله له في إحدى حجرات قصر شبيب الذي لا تزال آثاره ماثلة للعيان حتى عصرنا الحاضر( ) .
الباحث : محمود بن سعيد الشيخ