تابع جبل الشيح - الجبل الأبيض
33- الجبل الأبيض
بياض جبال لبنان
سمي جبل الشيخ بالجبل الأبيض لعدة أسباب أهمها : الثلج الأبيض الذي يغطي قممه الشاهقة معظم شهور السنة ، ولكثرة طبقات الصخور الكلسية البيضاء التي تكثر في مرتفعاته العالية ، والتي صارت مصدرًا لمصانع الرخام التي أقيمت مؤخرًا في المنطقة ، والذي يمتاز بنقوشه المسخرج من محافره في مواد البناء الاسمنتية ، وغير ذلك من الاستخدامات ، أو من الصمغ الأبيض الذي يكثر في الأشجار التي كانت تكسوه في الماضي ، أو من اللبن الأبيض اللون الذي يؤخذ من الحيوانات التي تربى على سفوحه . وقد جاء في الكتاب المقدس : « حبيبي أبيض وأحمر ، مُعْلَمٌ بَيْنَ رَبْوَة ... طلعته كلبنان ، فتى كالأرز ... حلقه حلاوة وكله مشتهيات »( ). وهذه بعض رموز البشارة التي تشير إلى الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – والتي سبق لنا ذكرها ، والتي تذكر بعض صفاته كاللون الأبيض والأحمر، وأنه معلم بين عشرة آلاف من أصحابه ، وهو معنى الربوة ، وليس المقصود هنا المرتفع من الأرض ، وهذا العدد من أصحابه كان في جيشه يوم فتح مكة . وأنه من أصل عربي حيث أن الفينيقيين في لبنان من أصول عربية من الجزيرة العربية ، فطلعته مثلهم ، وجماله مثل جمال بشرتهم ، وتقاسيم جسمه مثل تقاسيم أجسامهم ، وملامحه الجسمية العامة مثل ملامح أجسامهم . وهذا يعني أيضًا أنه ليس من نسل داوود كما يزعم محرفو الكتاب المقدس من اليهود ، وليس من بني إسرائيل . وأنه قوي الجسم كقوة شجر الأرز ، وأن الدين الذي سينشره متين كمتانة شجر الأرز ، وحسن جميل كمحاسن شجر الأرز ، وكثير النفع للناس في حياتهم كنفع شجر الأرز ، وأنه راسخ ممتد الجذور ، عميقها ، وسيمكث في الأرض مكث شجر الأرز آلاف السنين . ونضيف قول علي بن نايف الشحود في توضيح جانب آخر في البشارة : لقد ثبت أن كلمة مشتهيات أصلها في النسخة العبرية « محمدم » كما هو موضح هنا :-
"Hikow mamtaqiym wkulow mahamadiym zeh dowdiy wzeh ree`iy bnowt yruushaalaaim." « مُعْلَمٌ بين ربوة » كان على ظهر سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - علامة خاتم النبوة . لذا فإنني أتساءل : إذا كانت « مُعْلَمٌ بين ربوة » هذه هي بداية لفقرة انتهت بالحديث عن محمد ، أفلا يكون من الطبيعي أنها أيضاً تتحدث عنه ؟ وهذا يؤيد ما جاء عن قصة إسلام الصحابي الجليل سلمان الفارسي - رضي الله عنه -: « ... فسلمتُ عليه ، ثم استدرتُ إلى ظهره ، هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي ، فلما رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استدبرته ، عرف أني أستثبت في شيء وُصف لي ، فألقى رداءه عن ظهره ، فنظرتُ إلى الخاتم فعرفتُه ، فأكببتُ عليه أقبله وأبكي .. »( ). والمعنى العبري لكلمة « مشتهيات » هي « أحمد »( ). والطريف أن النصارى قد أدركوا أن النص بشارة بنبي موعود ، ولكنهم يصرفون ما فيها إلى عيسى – عليه السلام – فيقول أحدهم : فكل ما في التوراة وكتب الأنبياء من شعر ساحر ، يسوع المسيح هو المعني الذي في بطن الشاعر والشاعر ، وما فيها من تاريخ ، يسوع المسيح هو بطل هذا التاريخ الذي قال عنه سليمان في نشيده : « حبيبي أبيض وأحمر ، معلم بين ربوة » وما أبطال التاريخ الذين ذكروا في كتب التوراة والأنبياء إلا ممثلين لبطل العصور ومشتهى الأمم ... يسوع ، بل هم إطار أسود يحيط بصورته المتلألئة التي يشع منها نور القداسة والكمال( ). والذي لاشك فيه ، أن هذا الكلام فيه مبالغة كبيرة ، ولكنه على أي حال يعطي فكرة عن وجهة نظر المسيحيين في العهد القديم كله بصفة عامة . ومن الطريف ننتقل إلى الغريب وهو قيام بعضهم بتغيير ألفاظ الترجمة القديمة للكتاب المقدس إلى ألفاظ أخرى لتخدم التعديل الذي يرغبونه ، وقد طال هذا التعديل النص الذي نحن بصدده ، فصار كالتالي « حَبِيبِي أَبْيَضُ وَأَحْمَرُ . مُعْلَمٌ بَيْنَ رَبْوَةٍ . (التعديل) : حَبِيبِي مُتَأَلِّقٌ وَأَحْمَرُ، عَلَمٌ بَيْنَ عَشَرَةِ آلاَفٍ » . My beloved is white and ruddy, the chiefest among ten thousand . وسفر نشيد الإنشاد هذا يزخر بالتحريفات اختار منها صاحب « سلسلة ولا يزال التحريف مستمرًا » هذا النص لعلاقته بما يقوم البابا شنودة بنفسه من محاولة تفسيره ، وإضفاء صبغة روحية عليه . ولكن لنشرح التحريف أولًا ، فقد تحول الحبيب من « أبيض وأحمر » إلى « متألق وأحمر » !!! وتحولت « معلم بين ربوة » إلى « علم بين عشرة آلاف » !!! والتلاعب واضح لا يحتاج إلى شرح . والمشكلة هنا عزيزي القارىء أن البابا شنودة أجهد نفسه فى نصف صفحة في جريدة وطني القاهرية النصرانية لمحاولة تفسير معنى هذا الحبيب الأبيض والأحمر ، وبذل قصارى جهده لجعل هذه الصفات اللونية لعيسى - عليه السلام - وقد ذهب كل هذا الجهد هباء بعد تغيير كلمة « أبيض » بكلمة « متألق » . أما موضوع تحول النص من « معلم بين ربوة » إلى « علم بين عشرة آلاف » فهذا فوق مستوى المناقشة ، ويعتبر من الإعجاز الفهمي للكتاب( )... والحق يقال أن عبارة « عشرة آلاف » هي موجودة في النسخة الإنجليزية( ) ، وهي أحد معاني كلمة « ربوة » في معاجم اللغة العربية . والملفت للنظر هنا ليس فقط تلك الصفات الواردة في النص ، والتي وردت أيضًا في كتب الحديث في وصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولكن الملفت للنظر أيضًا هو أن كلمة « كله مشتهيات » ، والتي جاءت قبل عبارة « هذا هو حبيبي ، وهذا هو خليلي » ، والتي يتوقع أن يذكر اسم الشخص المقصود قبلها - هي في النسخة العبرية « محمديم » ، وتلك الزيادة المضافة لكلمة « محمد » تستخدم للتعظيم في اللغة العبرية ؛ مما يدل على أن المقصود اسم وليس صفة .. والجملة كما وردت في النسخة الإنجليزية هكذا :He is ( altogether lovely ) machmadim في العبريةthis is my beloved and this is my friend o daughters of Jerusalem. وكلمة « machmad » في العبرية بدون الزيادة التي تستخدم للتعظيم « im» - تتألف من حروف ميم حيت ميم داليت - وهي نفس الحروف التي تكون كلمة « محمد » في العربية ، وتترجم إلى الحمد أحيانًا ، وإلى الاشتهاء كما جاءت في النص أحيانًا ، وإلى معان قريبة من ذلك أحيانًا أخرى ، إلا أن زيادة التعظيم - كما قلنا - وموضع الكلمة من الكلام يؤكد أنها اسم لشخص وليست صفة .. وهل الأنسب أن يقال : « إنه المشتهى العظيم ، هذا هو حبيبي ، وهذا هو خليلي » أم أن يقال « إنه محمد العظيم ، هذا هو حبيبي ، وهذا هو خليلي » ؟!! فهل ذلك من المصادفة أيضًا أن تأتي كلمة محمديم تحديدًا في الموضع الذي يتوقع ذكر اسم الشخص المقصود فيه ؟!! ومن النصوص التي لا تزال توجد للآن في الكتاب المقدس وذكر بها اسم النبي - صلى الله عليه وسلم - صريحًا هو ما ورد في سفر حجي 2: 6-9 « لأنه هكذا قال رب الجنود : هي مرة بعد قليل ، فأزلزل السماوات والأرض والبحر واليابسة ، وأزلزل كل الأمم ، ويأتي مشتهى كل الأمم ، فأملأ هذا البيت مجدًا . قال رب الجنود : لي الفضة ولي الذهب . يقول رب الجنود : مجد هذا البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأول . قال رب الجنود : وفي هذا المكان أعطي السلام ، قال رب الجنود » .. وكلمة مشتهى التي وردت في النص هي ترجمة لكلمة HEMDA « حمدا » في العبرية ، وحروفها أيضًا هي نفس الحروف التي يشتق منه اسم النبي - صلى الله عليه وسلم – بالعربية ؛ والعجيب أن النصارى قالوا أن HEMDA هو المسيح - عليه السلام - وليس محمد - صلى الله عليه وسلم !! وأحسب أن أي منصف عندما يقرأ النص السابق لن يجادل في أن البيت المذكور بالنص هو البيت الحرام بمكة ، وأن السلام الذي ملأ البيت هو الإسلام ، وأن HEMDA ليس أي واحد سوى محمد - صلى الله عليه وسلم -. ولست أدري من أجل من يعبث بآيات الله وكتبه هكذا ؟!! من أجل من يترجم الإسلام إلى السلام والسلامة تارة ، ومحمديم وحمدا إلى المشتهى تارة ، والأمميين إلى الأمم تارة ، وبكة إلى البكاء تارة أخرى ؟!! أمن أجل الله ؟!.. أم محمد ؟!!.. أم المسيح ؟!! ( ).
الباحث : محمود بن سعيد الشيخ