تابع جبل الشيح - برج لبنان
34- برج لبنان
ورد اسم جبل الشيخ في الكتاب المقدس - العهد القديم وصفًا لأنف المحبوب : « عنقك كبرج من العاج ، وعيناك كبركتي حشبون عند باب الجماعة ، وأنفك كبرج لبنان الناظر إلى دمشق »( ). وبرج لبنان في هذا النص هو « جبل حرمون » في السلسلة الشرقية من جبال لبنان الذي يطّل على دمشق ، حيث كان اسم « لبنان » يستعمل منذ العصور القديمة للدلالة على الكتلة الجبلية الممتدة من النهر الكبير في شمال جبال لبنان ، سلسلتين : السلسلة الشرقية والسلسلة الغربية( ). وإذا كان جبل الشيخ ليس أعلاها ارتفاعًا حيث أن قمة جبل المكمل المسماة بالقرنة السوداء في السلسلة الغربية أعلى منه إذ يصل ارتفاعها 3088 م ، إلا أنه أشهر منها بكثير ، فهو وإن كان الثاني في ارتفاع أعلى قممه إلا أنه الأول في الشهرة بسبب أهميته التي أبرزناها من خلال هذا البحث . ووصفه في الكتاب المقدس بالبرج له دلالته ، فالبُرْجُ في اللغة معناه : الواحدٌ من بُرُوج الفلك ، وهو اثنا عشر بُرجًا . وبرج سور المدينة والحصن : بُيُوتٌ تُبنى على السور ، وتُسمى البُيُوتُ تُبنى على أركان القصر بُرجاً . والبُرُجُ : سعةُ بياضِ العين مع حُسنِ الحدقةِ( ). والبُرُوجُ : النجومُ ، والبُرْج : القَصْرُ المستطيلُ( ). وقال الأزدي : والبرج من بروج الْحصن أَو الْقصر : عَرَبِيّ مَعْرُوف . والبرج من بروج السَّمَاء لم تعرفه الْعَرَب إِنَّمَا كَانَت تعرف منَازِل الْقَمَر وَقد جَاءَ فِي كَلَامهم . والبرج : نقاء بَيَاض الْعين وصفاء سوادها( ). وقال ابن فارس : البرجُ : شدة بياض العين في شدة السواد( ). وقال الرازي : (بَرَجَ) الْبَاءُ وَالرَّاءُ وَالْجِيمُ أَصْلَانِ : أَحَدُهُمَا الْبُرُوزُ وَالظُّهُورُ ، وَالْآخَرُ الْوَزَرُ وَالْمَلْجَأُ . فَمِنَ الْأَوَّلِ الْبَرَجُ وَهُوَ سَعَةُ الْعَيْنِ فِي شِدَّةِ سَوَادِ سَوَادِهَا وَشِدَّةِ بَيَاضِ بَيَاضِهَا ، وَمِنْهُ التَّبَرُّجُ ، وَهُوَ إِظْهَارُ الْمَرْأَةِ مَحَاسِنَهَا . وَالْأَصْلُ الثَّانِي الْبُرْجُ وَاحِدُ بُرُوجِ السَّمَاءِ . وَأَصْلُ الْبُرُوجِ الْحُصُونُ وَالْقُصُورُ( ). قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : « وَلَوْ كُنتُمْ فِى بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ »( ). البروج هَاهُنَا الحُصُون ، واحدُها بُرْج( ). قال الجوهري : بُرْجُ الحِصن : رُكنه . والجمع بروج وأبراج . وربَّما سمِّي الحصنُ به( ). وقال ابن منظور : كلُّ ظَاهِرٍ مُرْتَفِعٍ فَقَدْ بَرَجَ ، وإِنما قِيلَ للبُروج بُروج لِظُهُورِهَا وَبَيَانِهَا وَارْتِفَاعِهَا( ). وقال الفيومي : البرج : الْكَوْكَبُ الْعَظِيم( ). قَالَ الزّجاج فِي قَوْله تعالى « جَعَلَ فِي السَّمَآءِ بُرُوجاً »( ) : البروج : الْكَوَاكِب الْعِظَام ، والْبَرَجُ : كل ظَاهر مُرْتَفع ، وَإِنَّمَا قيل لَهَا البروج لظهورها وبيانها وارتفاعها( ). وبرج بروجًا : ارْتَفع وَظهر ، وَالبرج : الْبناء العالي الذَّاهِب فِي السَّمَاء( ). ومن حاصل أقوال أهل العلم السابقة يتبين أن جبل الشيخ وصف بالبرج للأمور التالية :
1) لظهور جبل الشيخ وبيانه وارتفاعه وعلوه الشاهق عما حوله من جبال الذاهب في السماء ، وتشبيهًا له بالنجوم والكواكب العظام لارتفاعها وشدة ظهورها وبيانها ، وبالقصور المرتفعة الظاهرة عما حولها ، والحصون والقلاع الظاهرة التي تبنى عادة في الأماكن المرتفعة الصعبة المرتقى ، والتي لعلوها تظهر للرائي من بعيد .
2) جبل الشيخ كان – وما زال – ملجأ وملاذًا للمستضعفين على مر العصور ، يأوون إليه عندما يهاجمهم أعداؤهم الأقوياء ، فيتحصنون به وبمعاقله الطبيعية ، كما يتحصن غيرهم في الحصون والقلاع التي بنوها لغرض الدفاع عن أنفسهم .
3) إن بياض جبل الشيخ سواء أكان عن طريق الثلوج التي تكلله ، أو عن طريق الصخور الجيرية البيضاء التي تتكون منها كثير من صخوره التي تعطيها الظلال عن بعد لونًا أسودًا ، أو الغطاء العشبي والشجري الذي يعبر به العرب عن اللون الأخضر فيقولون مثلاً سواد العراق يكنون به عنه . تقول أبي عاد : يبرز الغنى الطبيعي المستوحى من لبنان . ويأتي الثلج الأبيض في الطليعة ، ولا سيما ديمومته على قمم حرمون العالية على مدار السنة ، بما شكل سحرًا جذابًا لعيون الناظرين إليه من البعيد : « هل يخلو صخر القدير من ثلج لبنان ، أم تنضب المياه الغريبة الباردة الجارية ؟ " « أرميا 18/14» . العلاقة وثيقة ما بين الثلج ولبنان . وما يعنيه النبي بهذا السؤال هو أنه « يقدم إلى شعبه جبل حرمون مثالًا ، كأنه يقول : لا يمكن شريعة الرب أن تزول ، بقدر ما هو مستحيل أن يخلو جبل حرمون من ثلجه » .
4) الحسن والجمال الذي يبرز في نسيج تكوين جبل الشيخ ومظهره الخارجي ، وتناسق ألوانه ، وبديع صنعه يشبه بذلك محاسن المحبوب الفاتنة الذي يبرز زينته ليرى الناس ما حباه الله من محاسن وكمالات .
5) إتقان بناء الجبل وتناسق أجزائه ، وإحكام نسجه ، ومتانته وقوة بنيانه كتناسق بنيان القصور والقلاع والحصون وإحكامها ومتانتها .
قد يكون ذلك مرتبطًا بإحدى البشارات بالرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – وظهور رسالته ، وعلو شريعة ربه على كل الشرائع ، وارتفاعها ارتفاعًا كبيرًا عن مشابهة شرائع المخلوقين ، وسموها في كمالاتها وحسنها . فرمزت البشارة إلى ذلك كله بتشبيهها بجبل الشيخ ، ففي النشيد الخامس من سِفْر نشيد الأناشيد نقرأ البشارة : « حبيبي فتىً كالأرز ، طَلْعَتُهُ كلبنان ... أَنفُهُ كبُرجِ لبنان الناظرِ إلى دمشق » . قال تعالى - جل جلاله -: « هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ »( ) وذلك بعد ذكر الله لبشارة عيسى – عليه السلام – به ومحاولات الكافرين المستميتة لإطفاء نورها . وقال أيضًا : « هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا »( ). ولما كان السابقون من أهل الكتاب يعبرون عن الملوك والرؤساء بالجبال ، فإننا نلمح هنا أن الرسول – الذي علا ذكره على ذكر كل الرسل ، هو كبرج لبنان الذي سما وارتفع عن باقي الجبال ، وهو سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم .
34- برج لبنان
ورد اسم جبل الشيخ في الكتاب المقدس - العهد القديم وصفًا لأنف المحبوب : « عنقك كبرج من العاج ، وعيناك كبركتي حشبون عند باب الجماعة ، وأنفك كبرج لبنان الناظر إلى دمشق »( ). وبرج لبنان في هذا النص هو « جبل حرمون » في السلسلة الشرقية من جبال لبنان الذي يطّل على دمشق ، حيث كان اسم « لبنان » يستعمل منذ العصور القديمة للدلالة على الكتلة الجبلية الممتدة من النهر الكبير في شمال جبال لبنان ، سلسلتين : السلسلة الشرقية والسلسلة الغربية( ). وإذا كان جبل الشيخ ليس أعلاها ارتفاعًا حيث أن قمة جبل المكمل المسماة بالقرنة السوداء في السلسلة الغربية أعلى منه إذ يصل ارتفاعها 3088 م ، إلا أنه أشهر منها بكثير ، فهو وإن كان الثاني في ارتفاع أعلى قممه إلا أنه الأول في الشهرة بسبب أهميته التي أبرزناها من خلال هذا البحث . ووصفه في الكتاب المقدس بالبرج له دلالته ، فالبُرْجُ في اللغة معناه : الواحدٌ من بُرُوج الفلك ، وهو اثنا عشر بُرجًا . وبرج سور المدينة والحصن : بُيُوتٌ تُبنى على السور ، وتُسمى البُيُوتُ تُبنى على أركان القصر بُرجاً . والبُرُجُ : سعةُ بياضِ العين مع حُسنِ الحدقةِ( ). والبُرُوجُ : النجومُ ، والبُرْج : القَصْرُ المستطيلُ( ). وقال الأزدي : والبرج من بروج الْحصن أَو الْقصر : عَرَبِيّ مَعْرُوف . والبرج من بروج السَّمَاء لم تعرفه الْعَرَب إِنَّمَا كَانَت تعرف منَازِل الْقَمَر وَقد جَاءَ فِي كَلَامهم . والبرج : نقاء بَيَاض الْعين وصفاء سوادها( ). وقال ابن فارس : البرجُ : شدة بياض العين في شدة السواد( ). وقال الرازي : (بَرَجَ) الْبَاءُ وَالرَّاءُ وَالْجِيمُ أَصْلَانِ : أَحَدُهُمَا الْبُرُوزُ وَالظُّهُورُ ، وَالْآخَرُ الْوَزَرُ وَالْمَلْجَأُ . فَمِنَ الْأَوَّلِ الْبَرَجُ وَهُوَ سَعَةُ الْعَيْنِ فِي شِدَّةِ سَوَادِ سَوَادِهَا وَشِدَّةِ بَيَاضِ بَيَاضِهَا ، وَمِنْهُ التَّبَرُّجُ ، وَهُوَ إِظْهَارُ الْمَرْأَةِ مَحَاسِنَهَا . وَالْأَصْلُ الثَّانِي الْبُرْجُ وَاحِدُ بُرُوجِ السَّمَاءِ . وَأَصْلُ الْبُرُوجِ الْحُصُونُ وَالْقُصُورُ( ). قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : « وَلَوْ كُنتُمْ فِى بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ »( ). البروج هَاهُنَا الحُصُون ، واحدُها بُرْج( ). قال الجوهري : بُرْجُ الحِصن : رُكنه . والجمع بروج وأبراج . وربَّما سمِّي الحصنُ به( ). وقال ابن منظور : كلُّ ظَاهِرٍ مُرْتَفِعٍ فَقَدْ بَرَجَ ، وإِنما قِيلَ للبُروج بُروج لِظُهُورِهَا وَبَيَانِهَا وَارْتِفَاعِهَا( ). وقال الفيومي : البرج : الْكَوْكَبُ الْعَظِيم( ). قَالَ الزّجاج فِي قَوْله تعالى « جَعَلَ فِي السَّمَآءِ بُرُوجاً »( ) : البروج : الْكَوَاكِب الْعِظَام ، والْبَرَجُ : كل ظَاهر مُرْتَفع ، وَإِنَّمَا قيل لَهَا البروج لظهورها وبيانها وارتفاعها( ). وبرج بروجًا : ارْتَفع وَظهر ، وَالبرج : الْبناء العالي الذَّاهِب فِي السَّمَاء( ). ومن حاصل أقوال أهل العلم السابقة يتبين أن جبل الشيخ وصف بالبرج للأمور التالية :
1) لظهور جبل الشيخ وبيانه وارتفاعه وعلوه الشاهق عما حوله من جبال الذاهب في السماء ، وتشبيهًا له بالنجوم والكواكب العظام لارتفاعها وشدة ظهورها وبيانها ، وبالقصور المرتفعة الظاهرة عما حولها ، والحصون والقلاع الظاهرة التي تبنى عادة في الأماكن المرتفعة الصعبة المرتقى ، والتي لعلوها تظهر للرائي من بعيد .
2) جبل الشيخ كان – وما زال – ملجأ وملاذًا للمستضعفين على مر العصور ، يأوون إليه عندما يهاجمهم أعداؤهم الأقوياء ، فيتحصنون به وبمعاقله الطبيعية ، كما يتحصن غيرهم في الحصون والقلاع التي بنوها لغرض الدفاع عن أنفسهم .
3) إن بياض جبل الشيخ سواء أكان عن طريق الثلوج التي تكلله ، أو عن طريق الصخور الجيرية البيضاء التي تتكون منها كثير من صخوره التي تعطيها الظلال عن بعد لونًا أسودًا ، أو الغطاء العشبي والشجري الذي يعبر به العرب عن اللون الأخضر فيقولون مثلاً سواد العراق يكنون به عنه . تقول أبي عاد : يبرز الغنى الطبيعي المستوحى من لبنان . ويأتي الثلج الأبيض في الطليعة ، ولا سيما ديمومته على قمم حرمون العالية على مدار السنة ، بما شكل سحرًا جذابًا لعيون الناظرين إليه من البعيد : « هل يخلو صخر القدير من ثلج لبنان ، أم تنضب المياه الغريبة الباردة الجارية ؟ " « أرميا 18/14» . العلاقة وثيقة ما بين الثلج ولبنان . وما يعنيه النبي بهذا السؤال هو أنه « يقدم إلى شعبه جبل حرمون مثالًا ، كأنه يقول : لا يمكن شريعة الرب أن تزول ، بقدر ما هو مستحيل أن يخلو جبل حرمون من ثلجه » .
4) الحسن والجمال الذي يبرز في نسيج تكوين جبل الشيخ ومظهره الخارجي ، وتناسق ألوانه ، وبديع صنعه يشبه بذلك محاسن المحبوب الفاتنة الذي يبرز زينته ليرى الناس ما حباه الله من محاسن وكمالات .
5) إتقان بناء الجبل وتناسق أجزائه ، وإحكام نسجه ، ومتانته وقوة بنيانه كتناسق بنيان القصور والقلاع والحصون وإحكامها ومتانتها .
قد يكون ذلك مرتبطًا بإحدى البشارات بالرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – وظهور رسالته ، وعلو شريعة ربه على كل الشرائع ، وارتفاعها ارتفاعًا كبيرًا عن مشابهة شرائع المخلوقين ، وسموها في كمالاتها وحسنها . فرمزت البشارة إلى ذلك كله بتشبيهها بجبل الشيخ ، ففي النشيد الخامس من سِفْر نشيد الأناشيد نقرأ البشارة : « حبيبي فتىً كالأرز ، طَلْعَتُهُ كلبنان ... أَنفُهُ كبُرجِ لبنان الناظرِ إلى دمشق » . قال تعالى - جل جلاله -: « هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ »( ) وذلك بعد ذكر الله لبشارة عيسى – عليه السلام – به ومحاولات الكافرين المستميتة لإطفاء نورها . وقال أيضًا : « هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا »( ). ولما كان السابقون من أهل الكتاب يعبرون عن الملوك والرؤساء بالجبال ، فإننا نلمح هنا أن الرسول – الذي علا ذكره على ذكر كل الرسل ، هو كبرج لبنان الذي سما وارتفع عن باقي الجبال ، وهو سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم .
الباحث : محمود بن سعيد الشيخ