تابع جبل الشيح - جبل لبنان - 1
23- جبل لبنان
جاء في مقال لبنان في الكتاب المقدس : أن لبنان اسم سامي معناه أبيض أو شبيه بالأبيض ، وقد أطلق عليه هذا الاسم إما لكثرة تساقط الثلوج على قممه العالية معظم أيام الشتاء ، أو لبياض حجارته الكلسية « الجيرية » المتوفرة في الطبقات العليا من جباله وهو الأرجح( ) . ثم رد التسمية إلى ثلاثة أصول محتملة :
الأول : أن لبنان مشتقة من « لبن » السامية والتي تعني « أبيض » . وذلك بسبب لون الثلوج البيضاء المكللة لجباله .
الثاني : مشتقة من كلمة « اللبنى » أي شجرة الطيب ، أو « اللبان » أي البخور ، وذلك لطيب رائحة أشجاره وغاباته .
الثالث : هي اسم سرياني مؤلف من « لب » و « أنان » وتعني « قلب الله » . إذ اشتهرت جبال لبنان كموقع للآلهة عند الأقدمين . كما ذكر بالكتابات الفرعونية كـ « ر م ن ن » ، والمعروف أن « ر » الفرعونية ترمز إلى الكنعانيين( ) .
الرابع : أما كتب التلمود فتشير إلى أن لبنان حمل اسمه هذا « لأنه يبيّض الخطيئة . وبالتالي رُبِطَ بالهيكل ، بالخلاص » ... وفي كتابات الحاخامين ، نجد أن 99 في المئة منهم يقصدون بلبنان الهيكل. فالهيكل ينقي ، ولهذا السبب سمي لبنان ، لكونه يطهر من الخطيئة بثلوجه ، ولغابات الأرز التي تغطيه( ).
الخامس : قال ابن عربي وابن تيمية : لبنان من اللبانة : وهي الحاجة( ).
ولجبل لبنان أهميته في الكتاب المقدس ، فقد توسل موسى إلى الله أن يدعه يرى « الأرض الجيدة التي في عبر الأردن هذا الجبل الجيد ولبنان» « تث 3: 25». وكذلك كان الساحل الفينيقي حتى بابلوس . أي « أرض الجبليين وكل لبنان » « يش 13: 5» ، كل هذه كانت جزءًا من أرض الموعد ، ولكن بني إسرائيل لم يستولوا عليها مطلقًا . ولعل ما جاء عن رغبة سليمان « في أورشليم وفي كل أرض سلطنته » « 1 مل 9: 19، 2 أ خ 8: 6» إشارة إلى السفوح الشرقية للبنان المجاورة للبقاع التي امتدت إليها امبراطورية داود وسليمان ، فلا يحتمل مطلقاً أن الامبراطورية العبرية قد امتدت إلى فينيقية نفسها أو إلى جبل لبنان نفسه( ). وترى أبي عاد أن : لبنان العهد القديم لم يكن لبنان المعروف اليوم . وتشير أبي عاد إلى أنه كان مقصودًا بتلك اللفظة « جبل محدد هو جبل حرمون ، أو جبل الشيخ ، كما يسمى حاليًا » ... ويطلّ لبنان في الكتاب المقدس الذي تتكلم كتبه الشعرية ، منها سفر المزامير ونشيد الأناشيد وبعض الكتب النبوية ، على جمال « الجبل الابيض » وفرادته. ويشكل حرمون قبلة العين وتوق القلب ، تهليلًا لله . « أنت خلقت الشمال والجنوب ، لاسمك يهلل تابور وحرمون » ، كما جاء في المزمور 89/13 التسبيحي لله بمخلوقاته . وفي هذه الصورة ، « يفرض حرمون نفسه ، لأن موقعه هو الأعلى » ، تقول أبي عاد : « ولا شيء يصده أو يقابله ، بل يشرف على كل المنطقة : فينيقيا ، فلسطين ، دمشق ، ونهر الأردن . وبالتالي ، هو أسمى المخلوقات التي تسبّح الرب » ( ).
ويقع لبنان في شرقي البحر المتوسط ، ويطلق في الكتاب المقدس على سلسلته الشرقية والغربية ، والممتدتين من الشمال إلى الجنوب ، ويفصل بينهما وادي خصيب يجري فيها نهرا العاصي « أورينتس » والليطاني « ليونتس » . وقد كان هذا الوادي قديمًا يدعى « كيليسورية » أي سورية الجوفاء ، ويعرف الآن بالبقاع . ولا تزال السلسلة الشرقية تعرف إلى الآن باسم « أنتيلبنان » ، وهو لبنان الشرقي . وأما السلسلة الغربية فيطلق عليها اسم جبل لبنان المعروف الآن ، وهي تمتد من الجنوب من مكان يبعد 15 ميلًا إلى الجنوب الشرقي من صيداء ، إلى الشمال إلى مكان يبعد 12 ميلًا إلى الشمال من مدينة طرابلس ، والمسافة بين طرفيها نحو 100 ميل . يبلغ أعلى ارتفاع السلسلة الشرقية في الجنوب في جبل الشيخ « جبل حرمون » ، أما أعلى ارتفاع السلسلة الغربية فيقع في الشمال في جبل المكمل بقمته القرنة السوداء التي تعتبر أعلى قمة جبلية في غرب آسيا . وقد كانت المنحدرات والأودية مغروسة بكروم العنب والزيتون ، وكانت الجبال مكسوة بالغابات وأشجار الأرز والسرو ، وكانت الأسود والفهود تقطن هذه الغابات . غير أن هذه الأشجار قطعت لبناء القصور والمعابد ولصنع السواري لمراكب الفينيقيين . وقد عثر علماء الآثار على نقش عليه اسم لبنان يرجع إلى حوالي 3750 ق.هـ( ) ، كما عرفت سلسلة الجبال الواقعة على الساحل الشرقي للبحر المتوسط باسم « جبال لبنان » منذ زمن سحيق موغل في القدم ، فقد ذكرت في ملحمة جلجامش 12 مرة ، قرابة 3632 ق.هـ( ) ، وفي آثار إيبلا ، و70 في الكتاب المقدس منها 64 مرة في العهد القديم ، وفيه إشارات أنه كان جزءًا من أرض الموعد( ). قال ياقوت : لُبْنَان : اسم جبل مطل على حمص ، يجيء من العرج الذي بين مكة والمدينة حتى يتصل بالشام ، فما كان بفلسطين فهو جبل الحَمَل ، وما كان بالأردن فهو جبل الجليل ، وبدمشق سنير ، وبحلب وحماة وحمص لبنان ، ويتصل بأنطاكية والمصيصة فيسمى هناك اللكام ، ثم يمتد إلى ملطية وسميساط وقاليقلا إلى بحر الخزر فيسمى هناك القبق . وقيل : إن في هذا الجبل سبعين لسانًا لا يعرف كل قوم لسان الآخرين إلا بترجمان ، وفي هذا الجبل المسمى بلبنان كورة بحمص جليلة ، وفيه من جميع الفواكه والزرع من غير أن يزرعها أحد ، وفيه يكون الأبدال من الصالحين( ) . قال ابن تيمية : وهؤلاء العباد والزهاد الذين ليسوا من أولياء الله المتقين المتبعين للكتاب والسنة تقترن بهم الشياطين ، فيكون لأحدهم من الخوارق ما يناسب حاله ، لكن خوارق هؤلاء يعارض بعضها بعضًا ، وإذا حصل من له تمكن من أولياء الله تعالى أبطلها عليهم ، ولا بد أن يكون في أحدهم من الكذب جهلاً أو عمدًا . و من الإثم ما يناسب حال الشياطين المقترنة بهم ليفرق الله بذلك بين أوليائه المتقين وبين المتشبهين بهم من أولياء الشياطين . قال الله تعالى : « هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ »( ) والأفاك : الكذاب ، والأثيم الفاجر( ). وقال تحت عنوان مغارات الشياطين : ولما كان هذا الانقطاع إلى المغارات والبوادي من البدع التي لم يشرعها الله ولا رسوله صارت الشياطين كثيرًا ما تأوي المغارات والجبال مثل مغارة الدم التي بجبل قاسيون وجبل لبنان الذي بساحل الشام وجبل الفتح بأسوان بمصر وجبال بالروم وخراسان وجبال بالجزيرة وغير ذلك وجبل اللكام وجبل الأحيش وجبل سولان قرب أردبيل وجبل شهنك عند تبريز وجبل ماشكو عند أتشوان وجبل نهاوند وغير ذلك من الجبال التي يظن بعض الناس أن بها رجالًا من الصالحين من الإنس ويسمونهم : « رجال الغيب » وإنما هناك رجال من الجن ، فالجن رجال كما أن الإنس رجال ، قال تعالى : « وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقًا »( ) ومن هؤلاء من يظهر بصورة شعراني ، جلده يشبه جلد الماعز فيظن من لا يعرفه أنه إنسي وإنما هو جني ، ويقال : بكل جبل من هذه الجبال الأربعون الأبدال ، وهؤلاء الذين يظنون أنهم الأبدال هم جن بهذه الجبال كما يعرف ذلك بطرق متعددة( ). وقال أيضًا : وكذلك ما يسافر إليه بعض الناس من المغارات ونحوها من الجبال قاصدين لتعظيم تلك البقعة بالشام ومصر والجزيرة وخراسان وغيرها ، وكل موضع تعظمه الناس غير المساجد ومشاعر الحج فإنه مأوى الشياطين ، ويتصورون بصورة بني آدم أحيانًا حتى يظن كثير من الناس أنهم من الأنس ، وأنهم رجال الغيب ، ويقولون الأربعون الأبدال بجبل لبنان أو غيره من الجبال ، وهي مأوى الجن وهم رجال الغيب ، كما قال تعالى : « وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقًا »( ) سماهم الله رجالًا ، وسموا جنًّا لأنهم يجتنون عن الأبصار أي يستترون ، كما تسمى الإنس إنسًا لأنهم يؤنسون أي يبصرون ، كما قال موسى عليه السلام : « إني آنست نارًا »( ) أي أبصرت نارًا . والحكايات عنهم في هذا الباب كثيرة معروفة لكن كثير من الناس يعتقد أنهم من الإنس ، وأنهم صالحون يغيبون عن أبصار الخلائق . ولا ريب أن بعض الإنس قد يحجبه الله أحيانًا عن أبصار بعض الناس إما إكرامًا له أو منعًا له من ظلمهم إن كان وليًّا ، وإما احتجاب إنسي طول عمره عن جميع الإنس فهذا لم يقع ، بل هذا نعت الجن الذين قال الله فيهم : « إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم »( ). والمسافرون إلى هذه الجبال إنما يسافرون إلى مأوى الشياطين ، وما يرونه من الخوارق هناك ما هو من إضلال الشياطين لهم ، كما تفعله الشياطين عند الأصنام فإنهم يضلون عابديها بأنواع : حتى قد يظن أن الصنم كلمه ، وقد يظهرون للسدنة أحيانًا كما كانوا في الجاهلية ، وكذلك يوجد عند النصارى من هذا كثير( ). وقال : ويوجد لأهل البدع وأهل الشرك المتشبهين بهم من عباد الأصنام والنصارى والضلال من المسلمين أحوال عند المشاهد يظنونها كرامات وهي من الشياطين : مثل أن يضعوا سراويل عند القبر فيجدونه قد انعقد ، أو يوضع عنده مصروع فيرون شيطانه قد فارقه . يفعل الشيطان هذا ليضلهم ، وإذا قرأت آية الكرسي هناك بصدق بطل هذا ، فإن التوحيد يطرد الشيطان ، ولهذا حمل بعضهم في الهواء فقال : لا إله إلا الله فسقط ، ومثل أن يرى أحدهم أن القبر قد انشق وخرج منه إنسان فيظنه الميت وهو شيطان( ) . وقال ابن شداد : ومن جبال دمشق : لُبْنَان وهو جبل معمور بالأبدال والسياح والمنقطعين إلى الله تعالى عن الخلق ، لما فيه من الأشجار والأنهار ، وفيه سائر الحشائش ومنها يرتزق الصالحون . ومما جاء في فضل لبنان من الحديث قوله - صلَّى الله عليه وسلم -: « أحد جبل من جبال الجنة ؛ وطور جبل من جبال الجنة ؛ ولبنان من جبال الجنة »( ) . وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - : « أن البيت أسس على خمسة أحجار: حجر من حراء ، وحجر من طور سيناء ، وحجر من لبنان ، وحجر من ثبير ، وحجر من جوديّ » . وفي رواية : عوض عن ثبير طور زَيتا . وفي رواية : عوضُ عن ثبير أحد . وعن كعب قال : جبل لبنان كان عصمة الأنبياء( ). وجاء عنه : أنه أحد الأجبل الثمانية التي تحمل العرش يوم القيامة . وعن أبي الزاهرية فيما أسنده عنه الحافظ ابن عساكر في قوله تعالى : « وَيَحمِلُ عَرْشَ رَبَّكَ فَوْقَهُم يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ »( ) . قال : جبل لبنان أحد حملة العرش يوم القيامة( ).
وجاء في الكتاب المقدس – العهد القديم « التوراة » أدبيات كثيرة عن لبنان وجباله وأرزه حتى غدا ترنيمة على ألسن الكثيرين ، وأنشودة عذبة في فم المحبين ، وتغريدة لكل الزائرين ، وأملًا لكل المتطلعين . وإليك بعض هذه الأدبيات :
• جاء على لسان موسى عليه السلام : « وتضرعت إلى الرب في ذلك الوقت قائلًا : يا سيد الرب ! أنت قد ابتدأت تري عبدك عظمتك ويدك الشديدة ، فإنه أي إله في السماء وعلى الأرض يعمل كأعمالك وكجبروتك ؟ دعني أعبر وأرى الأرض الجيدة التي في عبر الأردن ، هذا الجبل الجيد ولبنان . لكن الرب غضب علي بسببكم ولم يسمع لي ، بل قال لي الرب : كفاك ! لا تعد تكلمني أيضًا في هذا الأمر . اصعد إلى رأس الفسجة ، وارفع عينيك إلى الغرب والشمال والجنوب والشرق ، وانظر بعينيك ، لكن لا تعبر هذا الأردن . وأما يشوع فأوصه و شدده وشجعه لأنه هو يعبر أمام هذا الشعب ، وهو يقسم لهم الأرض التي تراها »( ).
• وجاء في التوراة : « في عبر الأردن ، في أرض مؤاب ، ابتدأ موسى يشرح هذه الشريعة قائلًا : الرب إلهنا كلمنا في حوريب قائلًا : كفاكم قعود في هذا الجبل . تحولوا وارتحلوا وادخلوا جبل الأموريين ، وكل ما يليه من العربة والجبل والسهل والجنوب وساحل البحر : أرض الكنعاني ولبنان إلى النهر الكبير نهر الفرات . انظر ! قد جعلت أمامكم الأرض ، ادخلوا وتملكوا الأرض التي أقسم الرب لأبائكم إبراهيم وإسحاق ويعقوب أن يعطيها لهم ولنسلهم من بعدهم »( ) .
• وجاء في التوراة : « لكي تكثر أيامك وأيام أولادك على الأرض ، التي أقسم الرب لآبائك أن يعطيهم إياها كأيام السماء على الأرض . لأنه إذا حفظتم جميع هذه الوصايا التي أنا أوصيكم بها لتعملوها ، لتحبوا الرب إلهكم ، وتسلكوا في جميع طرقه ، وتلتصقوا به . يطرد الرب جميع هؤلاء الشعوب من أمامكم ، فترثون شعوبًا أكبر وأعظم منكم . كل مكان تدوسه بطون أقدامكم يكون لكم : من البرية ولبنان ، من النهر - نهر الفرات - إلى البحر الغربي يكون تخمكم . لا يقف إنسان في وجهكم ، الرب إلهكم يجعل خشيتكم ورعبكم على كل الأرض التي تدوسونها كما كلمكم »( ).
• وجاء في التوراة : « وكان بعد موت موسى عبد الرب : أن الرب كلم يشوع بن نون خادم موسى قائلًا : موسى عبدي قد مات ، فالآن قم اعبر هذا الأردن ، أنت وكل هذا الشعب ، إلى الأرض التي أنا معطيها لهم - أي لبني إسرائيل - كل موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته كما كلمت موسى : من البرية ولبنان هذا ، إلى النهر الكبير نهر الفرات ، جميع أرض الحثيين ، وإلى البحر الكبير نحو مغرب الشمس يكون تخمكم . لا يقف إنسان في وجهك ، كل أيام حياتك كما كنت مع موسى أكون معك ، لا أهملك ولا أترك . تشدد وتشجع لأنك أنت تقسم لهذا الشعب الأرض التي حلفت لآبائهم أن أعطيهم . إنما كن متشددًا ، وتشجع جدًّا لكي تتحفظ للعمل حسب كل الشريعة التي أمرك بها موسى عبدي ، لا تمل عنها يمينًا ولا شمالًا لكي تفلح حيثما تذهب . لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك ، بل تلهج فيه نهارًا وليلًا ، لكي تتحفظ للعمل حسب كل ما هو مكتوب فيه ، لأنك حينئذ تصلح طريقك ، وحينئذ تفلح . أما أمرتك ؟ تشدد وتشجع ، لا ترهب ولا ترتعب ، لأن الرب إلهك معك حيثما تذهب »( ).
• وجاء فيها أيضًا : « ولما سمع جميع الملوك الذين في عبر الأردن : في الجبل وفي السهل ، وفي كل ساحل البحر الكبير ، إلى جهة لبنان : الحثيون والأموريون والكنعانيون والفرزيون والحويون و اليبوسيون . اجتمعوا معًا لمحاربة يشوع وإسرائيل بصوت واحد »( ).
• وجاء أيضًا : « كما أمر الرب موسى عبده ، هكذا أمر موسى يشوع ، وهكذا فعل يشوع ، لم يهمل شيئًا من كل ما أمر به الرب موسى . فأخذ يشوع كل تلك الأرض : الجبل وكل الجنوب ، وكل أرض جوشن ، والسهل والعربة ، وجبل إسرائيل وسهله . من الجبل الأقرع الصاعد إلى سعير ، إلى بعل جاد في بقعة لبنان ، تحت جبل حرمون ، وأخذ جميع ملوكها وضربهم وقتلهم . فعمل يشوع حربًا مع أولئك الملوك أيامًا كثيرة ... فأخذ يشوع كل الأرض حسب كل ما كلم به الرب موسى ، وأعطاها يشوع ملكًا لإسرائيل حسب فرقهم وأسباطهم ، واستراحت الأرض من الحرب »( ).
• وجاء أيضًا : « وهؤلاء هم ملوك الأرض الذين ضربهم يشوع وبنو إسرائيل : في عبر الأردن غربًا ، من بعل جاد في بقعة لبنان إلى الجبل الأقرع الصاعد إلى سعير ، وأعطاها يشوع لأسباط إسرائيل ميراثًا حسب فرقهم »( ).
• وجاء أيضًا : « من التيمن كل أرض الكنعانيين ، ومغارة التي للصيدونيين إلى أفيق ، إلى تخم الأموريين . وأرض الجبليين ، وكل لبنان نحو شروق الشمس ، من بعل جاد تحت جبل حرمون إلى مدخل حماة . جميع سكان الجبل من لبنان إلى مسرفوت مايم ، جميع الصيدونيين أنا أطردهم من أمام بني إسرائيل . إنما أقسمها بالقرعة لإسرائيل ملكًا كما أمرتك »( ).
• وجاء أيضًا : « فهؤلاء هم الأمم الذين تركهم الرب ليمتحن بهم إسرائيل ، كل الذين لم يعرفوا جميع حروب كنعان . إنما لمعرفة أجيال بني إسرائيل لتعليمهم الحرب الذين لم يعرفوها قبل فقط . أقطاب الفلسطينيين الخمسة وجميع الكنعانيين والصيدونيين والحويين ، سكان جبل لبنان : من جبل بعل حرمون إلى مدخل حماة »( ).
• وجاء في الفكر التوراتي : « ثم قالت جميع الأشجار للعوسج : تعال أنت واملك علينا . فقال العوسج للأشجار : إن كنتم بالحق تمسحونني عليكم ملكًا ، فتعالوا واحتموا تحت ظلي ، وإلا فتخرج نار من العوسج وتأكل أرز لبنان »( ).
• وجاء فيه أيضًا : « حينئذ أرسل أمصيا رسلًا إلى يهواش بن يهواحاز بن ياهو ملك إسرائيل قائلًا : هلم نتراءى مواجهة . فأرسل يهواش ملك إسرائيل إلى أمصيا ملك يهوذا قائلًا : العوسج الذي في لبنان أرسل إلى الأرز الذي في لبنان يقول : أعط ابنتك لابني امرأة . فعبر حيوان بري كان في لبنان وداس العوسج( ).
• وجاء أيضًا : « وهذا هو سبب التسخير الذي جعله الملك سليمان لبناء بيت الرب وبيته والقلعة وسور أورشليم وحاصور ومجدو وجازر . صعد فرعون ملك مصر ، وأخذ جازر وأحرقها بالنار ، وقتل الكنعانيين الساكنين في المدينة ، وأعطاها مهرًا لابنته امرأة سليمان . وبنى سليمان جازر وبيت حورون السفلى . وبعلة وتدمر في البرية في الأرض . وجميع مدن المخازن التي كانت لسليمان ومدن المركبات ومدن الفرسان ، ومرغوب سليمان الذي رغب ان يبنيه في أورشليم وفي لبنان وفي كل أرض سلطنته . جميع الشعب الباقين من الأموريين والحثيين والفرزيين والحويين واليبوسيين الذين ليسوا من بني إسرائيل . أبناؤهم الذين بقوا بعدهم في الأرض الذين لم يقدر بنو إسرائيل أن يحرموهم ، جعل عليهم سليمان تسخير عبيد إلى هذا اليوم . وأما بنو إسرائيل فلم يجعل سليمان منهم عبيدًا ، لأنهم رجال القتال وخدامه وامراؤه وثوالثه ورؤساء مركباته وفرسانه . هؤلاء رؤساء الموكلين على أعمال سليمان خمس مئة وخمسون الذين كانوا يتسلطون على الشعب العاملين العمل »( ).
• وفي سفر نشيد الإنشاد الذي يذكر اليهود والنصارى أن رب العالمين أوحاه إلى نبيه سليمان - عليه السلام - : « أَنْفُكِ شَامِخٌ كَبُرْجِ لُبْنَانَ الْمُشْرِفِ عَلَى دِمَشْقَ ، رَأْسُكِ كَالكَرْمَلِ ، وَغَدَائِرُ شَعْرِكِ الْمُتَهَدِّلَةُ كَأُرْجُوَانٍ »( ).
• « صوت الرب مكسر الأرز ، ويكسر الرب أرز لبنان . ويمرحها مثل عجل لبنان ، وسريون مثل فرير البقر الوحشي »( ).
• وجاء أيضًا : « الصديق كالنخلة ، يزهو كالأرز ، في لبنان ينمو »( ).
• « تشبع أشجار الرب : أرز لبنان الذي نصبه »( ).
• « هلمي معي من لبنان يا عروس ، معي من لبنان انظري ، من رأس أمانة ، من رأس شنير وحرمون ، من خدور الأسود ، من جبال النمور»( ). « شفتاك يا عروس تقطران شهدًا ، تحت لسانك عسل ولبن ، ورائحة ثيابك كرائحة لبنان »( ).
• « ينبوع جنات بئر مياه حية و سيول من لبنان »( ).
• « الملك سليمان عمل لنفسه تختا من خشب لبنان »( ).
• « وعلى كل أرز لبنان العالي المرتفع ، وعلى كل بلوط باشان »( ).
• « حتى السرو يفرح عليك و ارز لبنان قائلا : منذ اضطجعت لم يصعد علينا قاطع »( ).
• « أليس في مدة يسيرة جدًا يتحول لبنان بستانًا ، والبستان يحسب وعرًا »( ).
• « ناحت ، ذبلت الأرض ، خجل لبنان وتلف ، صار شارون كالبادية ، نثر باشان و كرمل »( ).
• « يزهر أزهارًا ، ويبتهج ابتهاجًا ويرنم ، يدفع إليه مجد لبنان ، بهاء كرمل وشارون هم يرون مجد الرب ، بهاء إلهنا »( ).
• « عن يد عبيدك عيرت السيد ، وقلت : بكثرة مركباتي قد صعدت إلى علو الجبال ، عقاب لبنان فاقطع أرزه الطويل ، وأفضل سروه ، وادخل أقصى علوه وعر كرمله »( ).
• « ولبنان ليس كافيًا للإيقاد ، وحيوانه ليس كافيًا لمحرقة »( ).
• « مجد لبنان إليك يأتي ، السرو والسنديان والشربين معًا لزينة مكان مقدسي ، وأمجد موضع رَجُلِي »( ).
• « ويقطع غاب الوعر بالحديد ، ويسقط لبنان بقدير »( ).
• « هل يخلو صخر حقلي من ثلج لبنان ، أو هل تنشف المياه المنفجرة الباردة الجارية »( ).
• « لأنه هكذا قال الرب عن بيت ملك يهوذا : جلعاد أنت لي رأس من لبنان ، إني أجعلك برية ، مدنًا غير مسكونة »( ).
• « اصعدي على لبنان واصرخي ، وفي باشان أطلقي صوتك ، واصرخي من عباريم ، لأنه قد سحق كل محبيك »( ).
• « وقل : هكذا قال السيد الرب : نسر عظيم ، كبير الجناحين ، طويل القوادم ، واسع المناكب ، ذو تهاويل جاء إلى لبنان ، وأخذ فرع الأرز »( ).
• « عملوا كل ألواحك من سرو سنير ، أخذوا أرزًا من لبنان ليصنعوه لك سواري »( ).
• « هوذا أعلى الأرز في لبنان ، جميل الأغصان ، وأغبى الظل ، وقامته طويلة ، وكان فرعه بين الغيوم »( ).
• « هكذا قال السيد الرب في يوم نزوله إلى الهاوية : أقمت نوحًا ، كسوت عليه الغمر ، ومنعت أنهاره ، وفنيت المياه الكثيرة ، وأحزنت لبنان عليه ، وكل أشجار الحقل ذبلت عليه . من صوت سقوطه أرجفت الأمم ، عند إنزالي إياه إلى الهاوية مع الهابطين في الجب ، فتتعزى في الأرض السفلى كل أشجار عدن ، مختار لبنان وخياره ، كل شاربة ماء »( ).
• « أكون لإسرائيل كالندى ، يزهر كالسوسن ، ويضرب أصوله كلبنان . تمتد خراعيبه ، ويكون بهاؤه كالزيتونة ، وله رائحة كلبنان . يعود الساكنون في ظله يحيون حنطة ، ويزهرون كجفنة ، يكون ذكرهم كخمر لبنان »( ).
• « ينتهر البحر فينشفه ، ويجفف جميع الأنهار ، يذبل باشان والكرمل ، وزهر لبنان يذبل »( ).
• « لأن ظلم لبنان يغطيك ، واغتصاب البهائم الذي روعها ، لأجل دماء الناس ، وظلم الأرض والمدينة وجميع الساكنين فيها »( ).
• « وأرجعهم من أرض مصر ، وأجمعهم من آشور ، وآتي بهم إلى أرض جلعاد ولبنان ، ولا يوجد لهم مكان » ).
• « فعظم إذ ذاك ملك نبوخد نصر ، وسمت نفسه ، فراسل جميع سكان قيليقية ودمشق ولبنان »( ).
• « ارتفعت كالأرز في لبنان ، وكالسرو في جبال حرمون »( ).
• « أو الشمس المشرقة على هيكل العلي . أو القوس المتلالئة بين سحب البهاء ، أو زهر الورد في أيام الربيع ، أو الزنبق على مجاري المياه ، أو نبات لبنان في أيام الصيف . أو النار أو اللبان على المجمرة . أو إناء الذهب المصمت المزين بكل حجر كريم . أو الزيتون المثمر ، أو السرو المرتفع إلى السحب ، إذ كان يأخذ حلة مجده ، ويلبس كمال زينته . ويصعد إلى المذبح المقدس ، كان يزيد لباس القدس بهاء . وإذ كان يتناول أعضاء الذبيحة من أيدي الكهنة ، وهو واقف على موقد المذبح ، كان يحيط به إكليل من الأخوة إحاطة الفروع بأرز لبنان »( ).
ومن مواقف الدفاع المشرفة التي وقفها العلماء المسلمون في الدفاع عن أهل الذمة وإحقاق الحق ودفع الظلم ، موقف الإمام الأوزاعي العالم الرباني فقيه الشام حين أجلى الأمير صالح بن عليٍّ بن عبد الله بن عباس أهل ذمة من جبل لبنان ، فكتب إليه الأوزاعي : « فكيف تؤخذ عامة بذنوب خاصة ، حتى يُخرَجوا من ديارهم وأموالهم ؟ وحكم الله تعالى : « ألا تزر وازرة وزر أخرى »( ) ، وهو أحق ما وقف عنده واقتدي به ، وأحق الوصايا أن تحفظ وترعى وصية رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فإنه قال : « من ظلم ذميًا أو كلَّفه فوق طاقته فأنا حجيجه »( ) ... فإنهم ليسوا بعبيد ، فتكونَ في حِلٍ من تحويلهم من بلد إلى بلد ، ولكنهم أحرار أهلُ ذمة »( ).
وقال أحمد بن الحسين بن حيدرة المعروف بابن الخراساني الطرابلسي :
دعوني لقًا في الحرب أطفو وأرسب ... ولا تنسبوني فالقواضب تنسـب
وإن جهلت جهـــــال قومي فضائلـي ... فقد عرفت فضلي معد ويعـرب
ولا تعتوني إذ خرجت مغاضبًا فمن . بعض ما في ساحل الشام يغضب وكيف التذاذي مـــاء دجــلة معــــرقًا ... وأمـــواه لبــــنان ألــــذ وأعـذب
فمـــــا لــي وللأيــــــام لا در درهـــا ... تشرق بي طورًا وطورًا تغرب( )
وقال المطران يوسف الدبس المتوفى سنة 1326هـ( ) : ليس من أحد يجهل اليوم موقع لبنان ونواحيه الأربع ، وكلّ يعرف أنَّ المراد به تلك السلسلة الجبليَّة الممتدَّة بين البحر المتوسِّط وبحر الشام والنهرين الشهيرين النهر الكبير والليطانيّ . « بيد أنَّ معناه لدى القدماء لا ينطبق على مفهومنا به في عهدنا . وأوَّل ما ينبغي استفتاؤه من كتب التاريخ الأسفارُ المقدَّسة ، فإنّ هذا الاسم فيها ورد على صورة « لبنون » ، وهكذا عرفه أيضًا الفينيقيّون . أمّا الأشوريّون فيدعونه « لَبَّنانو » . وممّا يستفاد من الكتاب الكريم أنَّ لبنان جبل شاهق فخيم في شماليّ نهر الليطانيّ يحدّ أرض الميعاد من تلك الجهة » . « وقد تكرَّر ذكرُ لبنان في صحف العهد القديم ، وإن كان هذا الجبل خارجًا عن ملك بني إسرائيل . وأكثر ما ورد اسمه في أوصاف الكتب الشعريَّة ، وذكروا بين خواصه الثلوج الغرّاء التي تكلِّل هامته ، فبيَّنوا بهذه الأوصاف أنَّهم أرادوا لبناننا لا سواه » . ولعلَّ المؤرِّخ « بوليب » أوَّل من سبق فبيَّن بضبط وتدقيق تخوم لبنان ، وهو يَفْصله عن الجبل الشرقيّ فصلاً صريحًا ، ويذكر بين السلسلتين سهل البقاع ، ويجعل في هذا السهل مخرج نهر العاصي . وممَّن أجادوا في تعريف اتِّساع لبنان « ديودور الصقلّيّ » في القرن الثامن قبل الهجرة( ) ، حيث قال : « إنَّ لبنان يمتدّ من صيدا ، إلى جبيل وطرابلس وإنَّ غابات الأرز تظلِّل قممه » . أمّا معاصره « استرابون » فإنَّ في كلامه لبسًا وإبهامًا . وهاك تعريب ما كتب قال : « إنَّ سورية المجوَّفة واقعة بين جبلين تفصلهما على التقريب مسافة واحدة في طولهما . وكلاهما يبتدئ قريبًا من البحر . أمّا لبنان فإنَّ أوَّله عند طرابلس وجبل ثيوبروسوبون « رأس الشقعة » . وأمّا جبل أنتيليبانوس فبدؤه بقرب صيدا (كذا) وهما ينتهيان عند الجبال الغربيَّة التي تشرف على إقليم دمشق » . وفي الفصل ذاته قد أثبت « استرابون » أنَّ منتهى لبنان عند رأس الشقعة ، وهو يروي أنَّ أعالي لبنان كصنّان وبوروما يأوي إليها قوم من اللصوص وقطّاع الطرق ، وكذلك يزعم أنَّ هؤلاء الأوباش يملكون على البتورون وجيغرتا ويسكنون الكهوف المشرفة على البحر وحصن الشقعة . وذكر « لامنس » ثلاثة مؤرِّخين دوَّنوا في اليونانيَّة : « بوليب ، ديودور، استرابون » . ومؤرخًا في اللاتينيَّة « بلين » وفي وصف بلين ما هو أقرب إلى الحقيقة من سواه . وهو يجعل أوَّل لبنان عند صيدا . ثمَّ يذكر امتداده شمالاً إلى مدينة سيمرة القديمة ، أعني وراء مصبّ النهر الكبير بقليل حيث يبتدئ جبل بريلوس وجبل النصيريَّة . ويقدِّم الأب اليسوعيّ حكمه : فترى من ثمَّ أنَّ القدماء في حدود القرن الرابع كانوا وقفوا على حقيقة موقع لبنان ، وأفرزوه عن الجبل الذي هو قائم في وجهه ، وبيَّنوا وجهة امتدادهما . غير أنَّ كتبة القرون التالية عادوا فخلطوا بين الجبلين . وما أفضى بهم إلى هذا اللبس التقاسيم السياسيَّة التي أدخلها ملوك الروم في ذلك العهد ، فاختلطت الأسماء وصارت الأعلام تدلُّ على غير ما وُضعت له سابقًا . وسبق له في الصفحة عينها فانتقد مقال « استرابون » الذي أوقف حدود لبنان عند طرابلس ، لأنَّ جبل عكّار يعدّ أيضًا من لبنان . قال : غير أنَّ استرابون وهَم وهمًا جسيمًا بأنَّ كلا الجبلين يبدأ بقرب البحر عند صيدا ، وهو خطأ لا صحَّة له في أنتيليبانوس . وكذلك قد أخطأ بقوله إنَّ الجبلين ينتهيان عند دمشق وهذا يصدَّق عن لبنان . وقد ساء ظنُّه في الجبلين إذ وصف سيرهما من الغرب إلى الشرق أي من البحر إلى داخل بلاد الشام ، وهما في الحقيقة يسيران من الشمال إلى الجنوب فيجاوران سيف البحر( ).
ويرى بعض الباحثين : أن أكثر المشاهد المبنية في لبنان وغيرها من بلدان المسلمين مكذوبة لا تصح نسبتها إلى أصحابها ، وكما يقول شيخ الإسلام : « وكم من مشهد يعظمه الناس وهو كذب ، بل يقال إنه قبر كافر، كالمشهد الذي بسفح جبل لبنان الذي يقال إنه قبر نوح ؛ فإن أهل المعرفة يقولون إنه قبر بعض العمالقة ، وكذلك مشهد الحسين الذي بالقاهرة ، وقبر أبيّ بن كعب الذي في دمشق ، اتفق العلماء على أنه كذب »( ). وإضافة إلى ذلك ضريح دمشق المنسوب ليحيى بن زكريا ـ عليهما السلام ـ فإن له مزاراً آخر في صيدا جنوب لبنان في قمة جبل يشرف على البلد والبحر، وله أيضاً مقام ثالث في الجامع الأموي بحلب ؛ حيث توجد حجرة تعرف بـ « الحضرة النبوية » يقال إن بها رأس يحيى ابن زكريا ـ عليهما السلام ـ في صندوق جرن ، وقيل إن بها عضواً من أعضاء نبي الله زكريا ـ عليه السلام ـ في صندوق مرمر( ).
الباحث : محمود بن سعيد الشيخ