تسميات قطنا -1
تسميات قطنا
يذكر الباحثون أن قطنا سميت بأسماء عديدة على مر تاريخها الطويل ، والتي تعبر – ربما في بعض الأحيان – عن المراحل التاريخية التي مرت بها ، أو الأماكن التي عاش السكان بها واشتهروا فيها عن غيرهم ، أو الصفة الهامة التي ميزتها عن غيرها من البلدان . ومن هذه الأسماء ما كان خاصًا بالبلدة وحدها وعلمًا عليها ، ومنها ما كان عامًا شمل البلدة والإقليم التابع لها ، نذكر منها : وادي المغارة ، أو المعرة ، وقطيا ، ووادي العجم ، وإقليم البلان ، وقطنا .
2. وادي المغارة
يرى بعض الباحثين في تاريخ قطنا وجغرافيتها أن الآراميين الذين سكنوا قطنا بعد الكنعانيين ، وأنهم الذين أطلقوا عليها اسم « وادي المغارة » لكثرة المغاور فيها( ) . وأرى أن هذه التسمية هي أقدم تسمياتها المعروفة ، وهي ترجمة لمعنى كلمة المعرة الآنفة الذكر . والمعروف أن اللغة الآرامية قد تركت بصماتها واضحة في تاريخ سورية ، وأن اللغة الآرامية سميت بـ « السريانية » بعد تحول أهلها إلى النصرانية حيث سموا بالسريان . وقد ذكر الله تعالى المغارة وما في معناها كالكهف والكن في كتابه الكريم ، فقد وردت كلمة المغارة في صيغة الجمع في قوله : « وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ ، وَمَا هُمْ مِنْكُمْ ، وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ . لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ »( ) قال أبو حيان : والمغارات جمع مغارة وهي الغار ، ويجمع على غيران بني من : غار يغور إذا دخل ، مفعلة للمكان كقولهم : مزرعة . وقيل : المغارة : السرب تحت الأرض كنفق اليربوع . والغار : النقب في الجبل . والجمهور على فتح ميم « مَغَارَات » ، وقرأ سعد بن عبد الرحمن ابن عوف « مُغَارَات » - بضم الميم - فيكون من : أغار . قيل : وتقول العرب : غار الرجل وأغار بمعنى دخل ، فعلى هذا يكون مغارات من أغار اللازم . ويجوز أن يكون متعديًا من أغار المنقول بالهمزة من غار ، تقول : أَغَرْتُ زيداً ، أي : أدخلته في الغار ، فعلى هذا يكون مِنْ أغار المتعدي ، والمفعول محذوف ، أي : أي أماكن في الجبال يُغيرون فيها أنفسهم ، أي : يُغَيِّبونها . وقال الزجاج : ويصح أن يكون من قولهم : جبل مغار أي مفتول . ثم يستعار ذلك في الأمر المحكم المبرم ، فيجيء التأويل على هذا : لو يجدون نصرة أو أموراً مرتبطة مشدّدة تعصمهم منكم أو مدّخلاً لولوا إليه . وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون من أغار الثعلب إذا أسرع ، بمعنى مهارب ومغارّ( ). وقال أبو حفص النعماني : « المغارات » : جمع « مغارة » ، وهي الموضع الذي يغور الإنسان فيه ، أي : يستقر . وقال أبُو عبيدٍ : كل شيءٍ جزتَ فيه فغبتَ فهو مغارة لك ، ومنه : غار الماء في الأرض ، وغارت العين . وهي مفعلة ، مِنْ : غَارَ يغُورُ ، فهي كالغَار في المعنى( ). وقيل : المَغَارَة : جمع مغاور من غار في الأرض : ذهب فيها ، والمغارة : الكهف أو الحجرة تحت الأرض( ). وذكر الله عز وجل الكهف أيضًا في كتابه العزيز ، وسمى سورة باسمه ، قال تعالى في قصة الفتية أصحاب الكهف : « أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا . إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا : رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا . فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا »( ). وما ذلك إلا ليحصل التمييز والتفريق بينهما في المعنى . قال الواحدي : الكهف : هو المغارة في الجبل( ) وزاد غيره : إلا أنه واسع( ). قال المفسرون : « الكهف » : هو المغارة في الجبل ، إِلا أنه واسع ، فإذا صغر ، فهو غار . وقال ابن الأنباري : قال اللغويون : الكهف بمنزلة الغار في الجبل( ). وقال الشعراوي : المغارة وهي الكهف في الجبل( ). قال الرازي : الغارُ والمَغَار والمَغَارة كالكهف في الجبل( ). قال الزعبلاوي : يجمع المغار والمغارة على مغاور قياسًا ، كما يجمع المغارة بالتاء على مغارات ، ولكن هل يصح المغارات جمعًا لـ « مغار » ؟... المغار مفعل من غار يغور، فقياس جمعه « مغاور » لا مغارات . فما جمع بالألف والتاء من مذكر ما لا يعقل إنما هو الوصف اطرادًا . أما الاسم فيما اتفق من جمعه بالألف والتاء فهو متروك للسماع( ). وقال الشعراوي في تفسير قوله تعالى : « وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا »( ) . جمع كِنْ ، وهو الكهف أو المغارة في الجبل تكون سكنًا وساترًا لمن يلجأ إليها ويحتمي بها ، والكِنّ من الستر ؛ لأنها تستر الناس ، ونحن نقول مثلاً للولد : ِكنْ يعني : اسكُنْ وانستر( ) . وقال ابن عجيبة : جمع : كن ، ما تكنون ، أي : تستترون به من الحر والبرد كالكهوف والغيران والبيوت المجوفة فيها( ). وقال الجياني : جمع كن وهو ما ستر ووقى من الحر والبرد( ). وقال ابن عاشور : الأكنان : جمع كِن - بكسر الكاف - وهو فعل بمعنى مفعول ، أي مكنون فيه ، وهي الغيران والكهوف( ). وقال الزمخشري : أكنانًا : جمع كِنّ وهو ما يستكنّ به من البيوت المنحوتة في الجبال والغيران والكهوف( ). وعلى هذا فالأكنان يشمل مدلولها المغاور والكهوف والبيوت المنحوتة في الجبال ، فهي أوسع معنى من سابقتيها . ويمكن ترتيبها حسب اتساع مدلول لفظها وشموله من الأصغر إلى الأكبر ، المغارة – الكهف – الكن .
وقد عرَّف بعضهم المغارة قائلاً : المغارة : فجوة في طرف جبل داخل صخر ، ووجود المغاور يكثر في البلاد ذات الحجارة والأراضي الكلسية( ). ولما كانت بلاد الشام من هذا النوع فهي تمتلئ بالمغاور ، والمغارة تشبه الكهف ، لكنها تتميز عنه بأنها أصغر منه ، وقد كان للمغاور والكهوف أهميتها في العصور القديمة ، إذ كان المطاردون يختبئون فيها ، ويجدون في جدرانها المناعة ، ويسكنون فيها إذا كانت واسعة وصالحة للسكن ، وحتى اليوم لا يزال بعض الناس يلجأ إلى المغاور في أوقات الحروب والفتن والأزمات والثورات ، وانتشار الفوضى وانعدام الأمن ، لا بل كانت المغاور والكهوف المساكن الطبيعية لسكان أوائل العهود التاريخية ، لذا لا عجب أن يتخذها العباد والزهاد والنساك من شتى الملل والنحل والأديان مساكن لهم على مر العصور ولاسيما في سلاسل جبال لبنان . وقد اشتهرت عدة مغاور في التاريخ القديم في بلاد الشام ، ولا زال بعضها موجودًا إلى الوقت الحاضر ، وبعضها زال أثرها ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر نذكر :
أ- مغارة مكفيلة في فلسطين ، وهي المغارة التي اشتراها إبراهيم – عليه السلام – مع حقل عفرون من عفرون بن صوحر الحثي بأربعمائة شاقل فضة ، لدفن زوجته سارة بعد وفاتها فيها ، في مدينة الخليل « حبرون » في أرض كنعان( ) ، ولما مات إبراهيم – عليه السلام – دفن فيها أيضًا ، كما دفن فيها إسحاق ويعقوب – عليهما السلام - حسب وصاياهم - وبعض زوجاتهن( ). وقد قام وزير الدفاع الإسرائيلي موشي ديان برفع البلاطات المجاورة للمنبر والنزول إلى المغارة وتصوير داخلها . وطالب شلومو غورين كبير حاخامي الجيش بتقسيم مغارة المكفيلة بين المسلمين واليهود أو بإعطائها كلها لليهود( ).
ب- مغارة بيت لحم التي ولد فيها المسيح -عليه السلام – وقد دفن فيها داود وابنه سليمان عليهما السلام( ) .
ج- مغارة مقيدة في فلسطين التي اختبأ فيها ملوك العموريين « الأموريين » الخمسة : ملك أورشليم ، وملك حبرون ، وملك يرموت ، وملك لخيش ، وملك عجلون بعد هزيمتهم أمام جيش يوشع بن نون ، فأخذهم وأعدمهم ، ثم أعاد جثثهم إلى المغارة ، وسدها بالحجارة عليهم ، واستولى على مدينة مقيدة( ).
د- مغارة الدم : وهي الموضع الذي قتل فيه قابيل أخاه هابيل من جبل قاسيون المشرف على دمشق( ) على ما يزعم المؤرخون القدامى . وذكر ابن بطوطة مغارة الدم فقال : وفوقها بالجبل دم هابيل بن آدم - عليه السلام - وقد أبقى الله منه في الحجارة أثراً محمراً ، وهو الموضع الذي قتله أخوه به ، واجتره إلى المغارة . ويذكر أن تلك المغارة صلى فيها إبراهيم وموسى وعيسى وأيوب ولوط - صلى الله عليهم أجمعين - وعليها مسجد متقن البناء يصعد إليه على درج ، وفيه بيوت ومرافق للسكنى ، ويفتح في كل يوم اثنين وخميس ، والشمع والسرج توقد في المغارة . ومنها كهف بأعلى الجبل ينسب لآدم - عليه السلام - وعليه بناء( ) . وقال ابن جبير : وبجبل قاسيون أيضاً لجهة الغرب ، على مقدار ميل أو أزيد من المولد المبارك ، مغارة تعرف بمغارة الدم ، لأن فوقها في الجبل دم هابيل قتيل أخيه قابيل ابني آدم - صلى الله عليه وسلم - يتصل من نحو نصف الجبل المغارة ، وقد أبقى الله منه في الجبل آثاراً حمرًا في الحجارة تحك فتستحيل ، وهي كالطريق في الجبل ، وتنقطع عند المغارة ، وليس يوجد في النصف الأعلى من المغارة آثار تشبهها ، فكان يقال : أنها لون حجارة الجبل ، وإنما هي من الموضع الذي جر منه القاتل لأخيه حيث قتله حتى انتهى المغارة( ).
ه- مغارة الجوع : توجد أسفل كهف منسوب لآدم - عليه السلام - مغارة تعرف بمغارة الجوع ، في سفح جبل قاسيون بدمشق ، يذكر أنه أوى إليها سبعون من الأنبياء - عليهم السلام - وكان عندهم رغيف ، فلم يزل يدور عليهم ، وكل منهم يؤثر صاحبه به ، حتى ماتوا جميعًاً - صلى الله عليهم - وعلى هذه المغارة مسجد مبني ، والسرج توقد فيه ليلاً ونهاراً ، ولكل مسجد من هذه المساجد أوقاف كثيرة معينة( ) .
و- مغارة الروم : قال وحشي بن حرب : لما فتحنا اليرموك مع أبي عبيدة ابن الجراح بقيت مغارة الروم فيها عدة من فرسانهم وغير ذلك لا يستطاع فتحها فقالوا : من لها ؟ فقلت : أنا لها ، هل من درع ؟ فأتوني بدرع فلبستها على درعي ، ثم قلت : هل من درع أخرى ؟ فأتوني بدرع أيضًا ، فلبستها كهيئة السراويل ، وشددتها علي شدًّا جيدًا ، وأخذت سيفي بيدي ، وأخذت حبلا ووضعته في وسطي ، وأمرتهم أن يدلوني في المغارة ، فقالوا : يا أبا حرب ! قد كبرت سنك ، وما إن تجشم ذا . فقلت لهم : ما رحمت نفسي منذ صاحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدلوني فقتلت فرسانها ، وأحرقت من كان فيها ، وقد كنت أسمع سيفي في رؤوسهم كالفأس في الحطب الجزل ، ولقد غريت يدي على سيفي من الدم ، وما أخرجته من يدي حتى أنقعته بالماء المسخن ( ).
ز- مغارة إيليا « إلياس » – عليه السلام – في جبل الله : حوريب ، يقول كتاب التوراة أن إلياس : دخل هناك المغارة و بات فيها ، وكان كلام الرب إليه يقول : ما لك ههنا يا إيليا ؟ فقال : قد غرت غيرة للرب إله الجنود ، لأن بني إسرائيل قد تركوا عهدك ، ونقضوا مذابحك ، وقتلوا أنبياءك ، لأقف على الجبل أمام الرب ، وإذا بالرب عابر ، وريح عظيمة وشديدة قد شقت الجبال وكسرت الصخور أمام الرب ، ولم يكن الرب في الريح ، وبعد الريح زلزلة ، ولم يكن الرب في الزلزلة . وبعد الزلزلة نار ، ولم يكن الرب في النار ، وبعد النار صوت منخفض خفيف . فلما سمع إيليا ، لف وجهه بردائه ، وخرج ووقف في باب المغارة وإذا بصوت إليه يقول : ما لك ههنا يا ايليا ؟ فقال غرت غيرة للرب إله الجنود ، لأن بني إسرائيل قد تركوا عهدك ، ونقضوا مذابحك ، وقتلوا أنبياءك بالسيف ، فبقيت أنا وحدي ، وهم يطلبون نفسي ليأخذوها . فقال له الرب : اذهب راجعًا في طريقك إلى برية دمشق ، وادخل وامسح حزائيل ملكًا على آرام ، وامسح ياهو بن نمشي ملكًا على إسرائيل ، وامسح اليشع بن شافاط من ابل محولة نبيًا عوض عنك . فالذي ينجو من سيف حزائيل يقتله ياهو ، والذي ينجو من سيف ياهو يقتله اليشع ..( ). وكذلك مغارة إيليا في جبل الشيخ( ).
ح- وادي المغارة الذي تكثر فيه المغاور في جبل الكرمل في فلسطين التي اكتشف فيها آثار من العصر الحجري .
ط- مغارة بيت المقدس : قال أبي بن كعب : هذه الصخرة من عجائب الله ، فإنها صخرة شعثاء فى وسط المسجد الأقصى ، قد انقطعت من كل جهة ، لا يمسكها إلا الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ، ومن تحتها المغارة التي انفصلت من كل جهة ، فهي معلقة بين السماء والأرض . قال الإمام أبو بكر بن العربي في شرح الموطأ : انمنعت لهيبتها أن أدخل من تحتها ، لأني كنت أخاف أن تسقط عليّ بالذنوب ، ثم بعد مدة دخلتها ، فرأيت العجب العجاب تمشي في جوانبها من كل جهة فتراها منفصلة عن الأرض ، لا يتصل بها من الأرض شيء ولا بعض شيء ، وبعض الجهات أشد انفصالا من بعض( ). وقال أبو تيمية إبراهيم : وبالمسجد صخرة عظيمة طولها 70, 17 م وعرضها 50, 13 م ، و يبلغ ارتفاعها عن الأرض نحو 25 ,1 مترًا إلى مترين ، وينزل إلى المغارة التي تحتها بإحدى عشرة درجة من جهة القبلة ، وهي محاطة بدرابزين ، قيل : من الحديد ، و قيل : من الخشب . وعليها قبة تعرف بـقبة الصخرة ، و هي مثمنة الشكل ، طول كل جانب 67 قدمًا ، وارتفاعها 170 قدمًا ، و هي مبنية على أربع دعائم ، واثني عشر عمودًا ، و لها أربعة أبواب إلى الجهات الأربعة( ). وقد سماها ابن شداد : مغارة الأرواح . لأنهم يزعمون أن أرواح المؤمنين يجمعها الله فيها . ويُنزَلُ في هذه أربع عشرة درجة . ويقال إن بهذه المغارة قبر زكريا عليه الصلاة والسلام( ).
ي- مغارة قطنَّة قرب القدس( ).
ك- وادي المغارة الكائن في الحفة التابعة لمحافظة اللاذقية( ).
وادي المغارة – الحفة - سوريا
ل- مغارة السيدة العذراء في قاع وادي القطربية .. وهو كهف حجري تزينه أشجار السنديان والغار.
تقع مغارة السيدة العذراء - عليها السلام - في أسفل الوادي المؤدي إلى قرية قطربية التابعة لمدنية جبلة ، وهي المكان الذي مكثت فيه السيدة أثناء نشرها للديانة المسيحية في الساحل السوري . ويصعب تقدير عمر هذه المغارة التي تعود إلى أيام السيدة العذراء . وتصادف زائر المغارة كهف حجري تزينه أشجار السنديان والغار والأرز البري حيث تتناثر الأشجار من كافة الاتجاهات المحيطة بالمغارة ، وتنبثق من جدران الكهف أو بالأحرى من قلب الصخر شجيرات وأعشاب خضراء شاهقة الارتفاع ، أما على الأرض فتتبعثر أوراق السنديان المتساقطة بين الدروب الترابية ، وكلما هب الهواء يملأ المكان رائحة السنديان الشهية .
وإلى الداخل حيث المكان الذي تقول روايات الأهالي : أن السيدة العذراء -عليها السلام - مكثت فيه يوجد تماثيل للعذراء ، وشموع وفخارة قديمة ومكان لإشعال البخور لمن يريد ، وكذلك يوجد زيت زيتون يستخدمه البعض ممن لديه أمراض ، ولكونه يوضع في المغارة يشعر المريض بالأرتياح أثناء وضعه على جسده كما يقول الشيخ اسماعيل جمعة . وهذه المغارة حافظت على طبيعتها كما هي منذ أن مكثت بها السيدة العذراء ، وهذا ما رواها لي أبي وجدي قبل وفاتهما ، ومن يدخل إلى الكهف يلاحظ بنفسه كم هو قديم ، ويشعر بقداسة المكان وروحانيته . وعند التجوال حول المغارة وتحديداً أسفلها من الناحية الشمالية يوجد نبع ماء ، ينبع من الصخور ويستقر في بركة على شكل جرن ، وتمتاز مياهه بالعذوبة والصفاء ولذة المذاق ، وهي سبيل للمارة وأبناء القرية يتذوقونها كلما مروا من جانبها . وعن التعديلات التي طرأت على المغارة يقول فياض أسبر أستاذ الجغرافيا .. المغارة كانت مفتوحة ، وما قام به أهل القرية وضع باب لها من الناحية الجنوبية ، في حين أن المساحة الخارجية بقيت على حالها ، وحتى أن الأشجار الموجودة بها يصعب تقدير عمرها ، خصوصا أنها من أشجار السنديان المعمرة .
وحول صحة ما يقال أن السيدة العذراء مكثت بالمغارة يقول الدكتور فؤاد زهرة أستاذ في علم البيئة وباحث في التاريخ : فقط أبناء القرى المجاورة يعرفون حقيقة هذه المغارة ، ومنهم انتقلت قصتها إلى البعض من إأخواننا المسيحيين الذين يزورونها باستمرار ، لكن من يقرأ بكتب التاريخ وتحديدًا الكتب التي تحكي عن انتشار المسيحية في الساحل السوري يجد أن العذراء مرت بهذه المنطقة بعد وفاة المسيح ، وقامت بنشر الديانة المسيحية برفقة أحد تلامذة السيد يسوع - عليه السلام . وهذه المغارة لها أهميتها وقدسيتها بين أبناء المنطقة الذي يقومون بتوثيقها شفويًا لأبنائهم ، وبدورهم يقومون برواية حكايتها للجيل الذي يليهم ، أي أن هذه المغارة حتى ولو لم يذكر عنها بالأماكن الأثرية إلا أنها تعتبر من أقدم الأماكن على الإطلاق ، ويكفي الاستعانة بذكريات أجداد أسلافنا للتأكد من حقيقتها . والمغارة ليست مسجلة ضمن لائحة المواقع والأماكن الأثرية في جبلة واللاذقية عمومًا ، وعن سبب ذلك يقول المهندس إبراهيم خير بك رئيس دائرة آثار جبلة .. سمعنا الكثير عن هذه المغارة الجميلة ، ومعظم ما سمعناه روايات شفوية تناقلتها الأجيال ، ولم تسجل ضمن قائمة المواقع الأثرية لكونها من الآثار الطبيعية التي شكلتها الطبيعة ولم يتدخل الإنسان بها ، كالبعض من المواقع الأثرية التي تصنف على أنها آثار صناعية ، أي أن الإنسان بناها . ولكثرة ما ذكر عن هذه المغارة قررنا القيام بدراسة تحليلة لها تمهيدًا لوضعها على قائمة الآثار المناسبة لها أي وضعها ضمن الآثار الطبيعية أو الصناعية حسب ما ينتج عن الدراسة( ).
م- وادي المغارة : يقع في الجنوب الغربي لجزيرة سيناء . وُجدت فيه مناجم استغلّها المصريون في المملكة الحديثة( ). ويوجد فيه آلاف النقوش باللغات النبطية واليونانية والعربية ، وتدل على اهتمام المصريين بالتعدين وإرسال البعثات إلى تلك المناطق في وادي سدري ، شرق خليج السويس . ويلاحظ أن معظم نقوش المغارة قد تحطم( ).
ن- ن- مغارة جعيتا : تعتبر مغارة جعيتا جوهرة السياحة اللبنانية . وتقع المغارة في وادي نهر الكلب على بعد عشرين كلم تقريبًا شمال بيروت ، وتتكون من طبقتين أو مغارتين : الطبقة أو المغارة العليا « الجافة » والمغارةالسفلى « المائية » المغارة العليا الجافة . وقد توالى على اكتشاف المغارة عبر التاريخ رواد أجانب ومغامرون لبنانيون . وقد تم اكتشاف الجزء السفلي في عام 1252هـ( ) , والجزء العلوي عام 1378هـ( ). وقد افتتحت المغارة العليا في عام 1389هـ( )، وتم تأهيلها للزيارة على يد المهندس والفنان والنحات اللبناني غسان كلينك . وتتميز هذه الطبقة من المغارة بأنها تمنح زوارها متعة السير على الأقدام على مسافة 750 مترًا من طولها الذي يصل إلى 2200 متر بعد عبور نفق يبلغ طوله حوالي 120 متر ليطل في الممرات بعد ذلك على الأقبية العظيمة الارتفاع ، والموزعة فيها الأغوار بالاضافة إلى الصواعد والهوابط والأعمدة الكلسية وما إليها من أشكال مبهرة( ) . وما يميز مغارة جعيتا طبيعيًا هو حجمها وشكلها الداخلي الناتج عن الترسبات الكلسية ، التي يصل عمرها إلى ملايين السنين . يبلغ ارتفاع المغارة في أعلى نقطة في الداخل نحو 108 أمتار , وهو أعلى ارتفاع في أي مغارة في العالم , فتتسع بذلك لبناء مبنى من 23 طبقة . ويبلغ طول المغارة المائية نحو 9200 متر , وطول المغارة البرية نحو 6200 متر. وفي المغارة أكبر هابط في العالم بطول 8 أمتار و20 سنتمترًا . وهي من أروع التحف الطبيعية في الشرق . وهي عبارة عن تجاويف وشعاب ضيقة ، وردهات وهياكل وقاعات نحتتها الطبيعة ، وتسربت إليها المياه الكلسية من مرتفعات جبال لبنان . لتشكل مع مرور الزمن عالمًا من القباب والمنحوتات . والأشكال والتكوينات العجيبة التي يعجز اللسان عن وصفها . وجعيتا اليوم مدرجة على أهم اللوائح السياحية العالمية , ويزورها سنويًا آلاف السياح من أنحاء العالم( ).
مغارة جعيتا- العليا الجافة
مغارة جعيتا- العليا الجافة
المغارة السفلى
ه- مغارة الضوايات : في منطقة الجبال الساحلية السورية ، وتحديدًا في محافظة طرطوس ، وحيث يلتقي الوادي بالجبل بالبحر من خلال سلسلة طبيعية جميلة تتموضع بلدة « مشتى الحلو » الجميلة التي تعتبر من أجمل المواقع السياحية السورية ، وتضم أشهر المنتجعات ، قرب مشتى الحلو وعلى بعد نحو 1500 متر فقط - أي عشر دقائق عن مركز البلدة - تتموضع مغارة الضوايات التي تعتبر من أقدم المغارات التي تم استثمارها سياحيًا من قبل السوريين ، التي اكتشفت من قبل أهالي المنطقة سنة 1333هـ 1914م . وحسب تقديرات الجيولوجيين فإن عمر هذه المغارة نحو 20 مليون سنة ، أي من عمر مغارة جعيتا اللبنانية الشهيرة ، وترتفع المغارة عن سطح البحر 750 مترًا . والضوايات استثمرت سياحيًا ، وتمت إنارتها من الداخل ، وتبلغ مساحتها من الداخل 500 متر، وأخذت المغارة اسمها الضوايات من وجود فتحات في سقفها ، وتتميز المغارة أيضًا بمناظر بتصميمات رائعة من عمل الطبيعة ، وفيها نفق ضيق انسيابي الشكل يأخذك إلى قاعات عمرها من عمر المغارة . والوصول إلى مغارة الضوايات سهل بالسيارة أو مشيًا على الأقدام من بلدة مشتى الحلو ، فالطريق إليها معبد بشكل جيد، والتجول داخل المغارة ممتع .
و- مغارة بيت الوادي : وهي ليست بعيدة عن مغارة الضوايات ، وفي محافظة طرطوس أيضًا ، وتقع مغارة بيت الوادي قرب بلدة دوير رسلان في جبال الساحل السوري ، والوصول لهذه المغارة المستثمرة سياحيًا سهل من خلال الطريق الدولي الواصل بين مدينتي حمص واللاذقية مرورًا بمدينة طرطوس ، وقبل الوصول إلى طرطوس بنحو 25 كلم يتموضع المفرق الموصل للمغارة .
ي- مغارة البارودية : إذا اجتزنا بالسيارة مدينة طرطوس واتجهنا نحو اللاذقية وبالقرب من مدينة بانياس على مسافة نحو 30 كلم تتموضع مغارة البارودية في وادي يسمى وادي الحمام بمنطقة بانياس ، وهي مغارة بلا حدود ، ومقسمة إلى غرف نظامية وممرات طبيعية وهوابط وصواعد .
أأ- مغارة الشير : وهي ليست بعيدة عن سابقتها ، وتبعد عنها مسافة 200 متر فقط . وهذه المغارة لم تستثمر بعد بشكل جيد ، ولا يعرف مداخلها وغرفها إلا السكان القريبين منها .
بب- مغارة القصير : توجد مغارة القصير قرب بلدة القصير السورية في محافظة حمص شمال غربي العاصمة دمشق التي تبعد 30 كلم عن مدينة حمص باتجاه الحدود اللبنانية ، كما تبعد نحو 5 كيلومترات فقط عن منابع نهر العاصي في منطقة الهرمل الحدودية ، ويمكن الوصول إليها مباشرة من الطريق الدولي الذي يربط العاصمة دمشق بحمص ، قبل الدخول إلى حمص بنحو 15 كلم حيث يوجد على يمين الطريق مفرق القصير ، وعلى مسافة 15 كلم فقط عن الطريق الدولي تقع المغارة الأعجوبة التي اكتشفت صدفة عندما كان عدد من عمال شركة حكومية يفجرون الصخور في موقع لبناء سد سطحي وكشفت الأعمال وجود هذه المغارة . والمغارة لم تستثمر سياحيًّا بعد بسبب الحاجة لإمكانيات مالية كبيرة لاستثمارها تفوق مقدرة مجلس المدينة على تحملها ، وقد نالت هذه المغارة الأعجوبة شهرة كبيرة عند اكتشافها خاصة من قبل الباحثين العلميين الجيولوجيين وغيرهم ، ومنهم الدكتور شاكر مطلق وهو طبيب وشاعر وباحث في مجال العلوم ومن أبناء محافظة حمص حيث تقع المغارة ، الذي وصفها بالأسطورة ، وقدّر عمرها بأكثر من 70 مليون عام ، وليس 50 مليون عام كما تم تداوله حين اكتشافها . وتتميز المغارة بمدخل عرضه نحو 10 أمتار وبارتفاع مترين ناجم عن تفجير الصخور ، يدخل منه إلى العمق أكثر فأكثر حيث ما زال هذا القسم من المغارة منارًا بضوء طبيعي ، يهبط بضعة أمتار لتشاهد مناظر فريدة من الصواعد والهوابط ، وعند حافة المنحدر تشاهد تشكيلات مذهلة على شكل شلالات حقيقية بنية اللون أو بيضاء ، وفي السطح هناك عدد هائل من الهوابط متعددة الأقطار . وقد وصفت الدكتورة فاتنة الشعار - إحدى الباحثات من مدينة حمص - هذه المغارة بأنها آية من آيات الجمال والفن ، أبدعتها يد الخالق بشكل لو اجتمع فنانو الأرض جميعًا لما استطاعوا أن يبدعوا مثلها . وتهوية المغارة جيدة ودرجة الرطوبة معتدلة خاصة في فصل الصيف حيث تصل الرطوبة إلى 55% وفي الشتاء إلى 98% ، وبالتالي لا يشعر الزائر بأي انزعاج داخلها . تتألف المغارة من قاعة رئيسية كبيرة بمساحة تقدر بنحو 2350 مترًا مربعًا ، ويصل أقصى بعد لها إلى 125 مترًا ، وأقصى عرض 26 مترًا ، وبارتفاع 17 مترًا ، يتراوح طول النوازل بين نصف المتر وتسعة أمتار ، وتنغرس الأعمدة في قاعدة المغارة وكأنها سهام تشير بطرفها العلوي إلى سقف المغارة الموشى بالرسوم الطبيعية ، ويتقابل في كثير من الأحيان العمود الصاعد مع النازل ليشكلان عمودًا واحدًا ، وفي المغارة نحو 20 عمودًا يتراوح طولها بين 8 إلى 16 مترًا ، تتميز بألوانها الجذابة المتعددة ؛ الأبيض والأسود والموشى بألوان أخرى وكأنها تماثيل بأبعادها المغزلية والأسطوانية أو الأنبوبية ، بالإضافة للستائر على أشكال سيوف ورؤوس . وما يميز المغارة أيضًا وجود بعض السراديب . وبعض الباحثين يعتقد أن مغارة القصير تتشكل من عدة طوابق لم تظهر جميعها .
تت- مغارة عريقة جنوب دمشق : تقع مغارة « عريقة » في المنطقة الجنوبية من دمشق حيث جبل العرب ومحافظة السويداء ، على مسافة نحو 70 كلم عن دمشق جنوبًا و25 كلم عن السويداء شمالًا ، وهي بالفعل اسم على مسمى فالعراقة فيها لا حدود لها ، وهي كالمغارات الأخرى تضم مناظر طبيعية جميلة من صواعد ونوازل ، وفيها نبع ماء ، وتتميز بدفئها شتاء وبرودتها صيفًا مما جذب لها السياح على مر الفصول والأوقات من السنة ، كما أقيم بجانبها منتزه جميل تقام فيه الحفلات على مدار أيام السنة .
ثث- مغارة قنوات : تفع مغارة « قنوات » في محافظة السويداء ، وهي تتوسط موقعًا أثريًا جميلًا يضم عددًا من الأوابد التي تعود للعصر الروماني ولفترة العرب الأنباط ، وهي بين بساتين كروم العنب ، يزيد طولها عن 2 كلم وعرضها من 3 - 6 أمتار ، وارتفاعها من 2.5 - 5 أمتار ، وتتميز بطقسها اللطيف . ويعتقد بعض أهالي المنطقة أن المغارة مفيدة صحيًّا ، بسبب رطوبة مناخها المعتدل ، وهذا النوع من المناخ مفيد لمرضى الربو والتحسس والجهاز التنفسي والباحثين عن الهدوء والسكينة وعن علاج القلق والاكتئاب النفسي .
ومن الجدير بالذكر أن اليهود أخفوا الكثير من مخطوطات الأسفار المقدسة في مغاور في وادي قمران في القرن السابع قبل الهجرة( ) وقد كشف علماء الآثار أحد عشر كهفًا منها حتى الآن في كهوف ومغاور النهاية الشمالية الغربية للبحر الميت في فلسطين منها : خربة قمران ، ووادي المربعات ، وخربة المرد ، شمال وادي النار ، وكهف القشخة . وكانت اللفائف الكتابية مُغلقة ، وملفوفة ، ومحفوظة بعناية في قدور كبيرة من الفخار لصيانتها من الرطوبة أو العبث . ولا تزال الاكتشافات تتوالى في المنطقة وما حولها( ).
ومن الاستعراض السابق نجد أن تسمية قطنا بوادي المغارة تسمية مألوفة في بلاد الشام لعدد من الأماكن والمواقع فيها لا يزال بعضها يتمتع بهذه التسمية إلى عصرنا الحاضر .
الباحث : محمود بن سعيد الشيخ