تابع جبل الشيح - جبل الرؤى - 4
وفي ختام حديثنا عن الرؤيا نتذكر الرؤيا الصادقة التي بدئ بها الوحي على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والتي استمرت ستة شهور . فعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ : « أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ »( ). وعن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ ، وَالحُلُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ ، فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلُمًا يَخَافُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا ، فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ »( ). وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : « الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللهِ ، وَالرُّؤْيَا السَّوْءُ مِنَ الشَّيْطَانِ ، فَمَنْ رَأَى رُؤْيَا فَكَرِهَ مِنْهَا شَيْئًا فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَارِهِ ، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ، لَا تَضُرُّهُ وَلَا يُخْبِرْ بِهَا أَحَدًا ، فَإِنْ رَأَى رُؤْيَا حَسَنَةً ، فَلْيُبْشِرْ وَلَا يُخْبِرْ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ »( ). وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ : أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : « الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ »( ). وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ »( ). وعَن أَبي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : « لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا المُبَشِّرَاتُ » قَالُوا : وَمَا المُبَشِّرَاتُ ؟ قَالَ : « الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ »( ). وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ : « الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ بِشَارَةٌ مِنَ اللهِ ، وَالتَّحْزِينُ مِنَ الشَّيْطَانِ ، وَمِنَ الرُّؤْيَا يُحَدِّثُ بِهِ الرَّجُلُ نَفْسَهُ ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يَكْرَهُهَا فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ ، وَأَكْرَهُ الْغُلَّ فِي النَّوْمِ وَيُعْجِبُنِي الْقَيْدُ ، فَإِنَّ الْقَيْدَ ثُبَاتٌ فِي الدِّينِ »( ). وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ يَقُولُ : « هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا ؟» ، وَيَقُولُ : « إِنَّهُ لَيْسَ يَبْقَى بَعْدِي مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ »( ). وعَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : « لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا »( ) فَقَالَ : مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ غَيْرُكَ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ مُنْذُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : « مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ غَيْرُكَ مُنْذُ أُنْزِلَتْ ، هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا المُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ »( ). وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ ، قَالَ وَفَدْنَا إِلَى مُعَاوِيَةَ مَعَ زِيَادٍ وَمَعَنَا أَبُو بَكْرَةَ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ : حَدِّثْنَا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَسَى اللهُ أَنْ يَنْفَعَنَا بِهِ قَالَ : نَعَمْ ، كَانَ نَبِيُّ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُعْجِبُهُ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ وَيَسْأَلُ عَنْهَا ، فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنِّي رَأَيْتُ رُؤْيَا ، رَأَيْتُ كَأَنَّ مِيزَانًا دُلِّيَ مِنَ السَّمَاءِ فَوُزِنْتَ أَنْتَ وَأَبُو بَكْرٍ فَرَجَحْتَ بِأَبِي بَكْرٍ ، ثُمَّ وُزِنَ أَبُو بَكْرٍ بِعُمَرَ فَوَزَنَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ ، ثُمَّ وُزِنَ عُمَرُ بِعُثْمَانَ فَرَجَحَ عُمَرُ بِعُثْمَانَ ، ثُمَّ رُفِعَ الْمِيزَانُ فَاسْتَاءَ لَهَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ - قَالَ : « خِلاَفَةُ نُبُوَّةٍ ثُمَّ يُؤْتِي اللهُ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ » . فَغَضِبَ مُعَاوِيَةُ وَزُخَّ فِي أَقْفَائِنَا فَأُخْرِجْنَا ، فَقَالَ زِيَادٌ لأَبِي بَكْرَةَ : مَا وَجَدْتَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثًا تُحَدِّثُهُ غَيْرَ هَذَا ؟ قَالَ : وَاللهِ لاَ أُحَدِّثُهُ إِلاَّ بِهِ حَتَّى أُفَارِقَهُ . قَالَ : فَلَمْ يَزَلْ زِيَادٌ يَطْلُبُ الإِذْنَ حَتَّى أُذِنَ لَنَا فَأُدْخِلْنَا ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : يَا أَبَا بَكْرَةَ حَدِّثْنَا بِحَدِيثٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَنْفَعَنَا بِهِ قَالَ : فَحَدَّثْتُهُ أَيْضًا بِمِثْلِ حَدِيثِهِ الأَوَّلِ ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ : لاَ أَبَا لَكَ تُخْبِرُنَا أَنَّا مُلُوكٌ ؟! فَقَدْ رَضِينَا أَنْ نَكُونَ مُلُوكًا( ). وعَنْ أَبِي رَزِينٍ ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : « الرُّؤْيَا مُعَلَّقَةٌ بِرِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ يُحَدِّثْ بِهَا صَاحِبُهَا ، فَإِذَا حَدَّثَ بِهَا وَقَعَتْ ، وَلَا تُحَدِّثُوا بِهَا إِلَّا عَالِمًا ، أَوْ نَاصِحًا ، أَوْ لَبِيبًا ، وَالرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ »( ).
وفي حق سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قص القرآن الكريم نماذج من الرؤى وقعت بعد النبوة ، منها على سبيل المثال : قوله تعالى : « إذ يريكهم الله فى منامك قليلاً ، ولو أراكهم كثيراً لفشلتم ، ولتنازعتم في الأمر ، ولكن الله سلم ، إنه عليم بذات الصدور »( ) ففي غزوة بدر الكبرى واجه المسلمون المشركين في أول واقعة حربية حاسمة ، وكان المشركون ضعف عدد المسلمين ، وقد وقعت رؤيا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم شاهد - فيها المشركين قلة قليلة ، فأخبر أصحابه يومئذ بذلك ، فكان تثبيتاً لهم ، وكانت تلك الرؤيا مناماً كما صرح بذلك القرآن ، فلا حاجة إلى تأويل بعضهم أنه رآهم بعينه التى ينام بها( ). وقال - عز وجل - : « لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون »( ). فقد أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - صحابته في العام السادس للهجرة برؤيا حق شاهد فيها المسلمين داخلين المسجد الحرام في أمن تام مؤدين المناسك ولما سار المسلمون ، ووصلوا إلى الحديبية لم يشك جماعة منهم أن الرؤيا النبوية تتحقق عامهم هذا .. وحين وقع ما وقع من صلح الحديبية تساءل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وقال : أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به ؟ قال : بلى ، أفأخبرتك أنا نأتيه العام ؟ قال : قلت : لا. قال : فإنك آتيه ومطوف به » ( ). وفعلاً ففي العام السابع ، وفي ذي القعدة أدى الرسول والمسلمون عمرة القضاء ، ودخلوا مكة معتمرين ملبين بعد سبع سنين طوال حرموا خلالها من رؤية الكعبة المشرفة( ). ومن رؤى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – التي قصتها علينا كتب الحديث الشريف والسيرة النبوية نذكر ، رؤياه قبل غزوة أحد سنة 3 هـ . فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ : تَنَفَّلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - سَيْفَهُ ذُو الْفَقَارِ يَوْمَ بَدْرٍ ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - : وَهُوَ الَّذِي رَأَى فِيهِ الرُّؤْيَا يَوْمَ أُحُدٍ ، وَذَلِكَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا جَاءَهُ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ أُحُدٍ كَانَ رَأْيُهُ أَنْ يُقِيمَ بِالْمَدِينَةِ فَيُقَاتِلَهُمْ فِيهَا ، فَقَالَ لَهُ نَاسٌ لَمْ يَكُونُوا شَهِدُوا بَدْرًا : تَخْرُجُ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَيْهِمْ نُقَاتِلُهُمْ بِأُحُدٍ . وَرَجَوْا أَنْ يُصِيبُوا مِنَ الْفَضِيلَةِ مَا أَصَابَ أَهْلُ بَدْرٍ ، فَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى لَبِسَ أَدَاتَهُ ، ثُمَّ نَدِمُوا ، وَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَقِمْ فَالرَّأْيُ رَأْيُكَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :« مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَضَعَ أَدَاتَهُ بَعْدَ أَنْ لَبِسَهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوِّهُ ». قَالَ : وَكَانَ مِمَّا قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَئِذٍ قَبْلَ أَنْ يَلْبَسَ الأَدَاةَ : « إِنِّي رَأَيْتُ أَنِّي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ ، فَأَوَّلْتُهَا : الْمَدِينَةَ ، وَأَنِّي مُرْدِفٌ كَبْشًا ، فَأَوَّلْتُهُ : كَبْشَ الْكَتِيبَةِ ، وَرَأَيْتُ أَنَّ سَيْفِي ذَا الْفَقَارِ فُلَّ ، فَأَوَّلْتُهُ : فَلاًّ فِيكُمْ ، وَرَأَيْتُ بَقَرًا تُذْبَحُ ، فَبَقَرٌ وَاللَّهُ خَيْرٌ ، فَبَقَرٌ وَاللَّهُ خَيْرٌ » فَكَانَ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ( ) . وفي رواية : فلما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم – بجيش مشركي قريش بقيادة أبي سفيان ، والمسلمون قد نزلوا حيث نزلوا ، قال - صلى الله عليه وسلم -: « إني قد رأيت - والله – خيرًا ، رأيت بقرًا تذبح ، ورأيت في ذباب سيفي ثلمًا . فأما البقر فهي ناس من أصحابي يقتلون ، وأما الثلم الذي في ذباب سيفي - طرفه الحاد - فهو رجل من أهل بيتي يقتل ، ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة . فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا ، فإن أقاموا أقاموا بشر مقام ، وإن هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها »( ).
والآن مع مشاهد من كتاب « الرؤى » لدى النصارى :
• رؤيا يوحنا اللاهوتي 14: 1- 5 : « ثمّ رأيت حملًا واقفًا على جبل صهيون ومعه مائة وأربعة وأربعون ألفًا ، كتب على جباههم اسمه واسم أبيه ، وسمعت صوتًا .. كأنه صوت منشدين على القيثارات يضربون بقيثاراتهم ، وكانوا بنشدون ترتيلة جديدة أمام عرش الله .. ولم يستطع أحد أن يتعلم هذه الترتيلة إلا المئة والأربعة والأربعون ألفًا المشترون من الأرض ، فهؤلاء لم ينجسوا أنفسهم مع النساء لأنهم أطهار ، وهم يتبعون الحمل حيثما ذهب ، وقد تمّ شراؤهم من بين الناس باكورة لله ، وتتحمل ، لم تنطق أفواههم بالكذب ، ولا عيب فيهم » .
• الرؤى 19 : 11 – 16 : « ثم رأيت السماء مفتوحةً ، وإذا فرسٌ أبيض والجالس عليه يدعى أميناً وصادقاً ، وبالعدل يحكم ويحارب ، وعيناه كلهيب نارٍ ، وعلى رأسه تيجان كثيرة ، وله اسم مكتوب ليس أحدٌ يعرفه إلا هو ، وهو متسربل بثوبٍ مغموسٍ بدمٍ ، ويدعى اسمه كلمة الله ، والأجناد الذين في السماء كانوا يتبعونه على خيل بيض لابسين بزاً أبيض ونقياً ، ومن فمه يخرج سيف ماضٍ لكي يضرب به الأمم ، وهو سيرعاهم بعصا من حديد ، وهو يدوس معصرة خمر سخط وغضب الله القادر على كل شيء » .
• الرؤى 2 : 26 : « ومن يغلب ويحفظ أعمالي إلى النهاية فسأعطيه سلطاناً على الأمم بقضيب من حديد .. » .
ويعلق الدكتور نصر الله عبد الرحمن حبيب على الاستشهادات الرؤياوية الثلاثة بقوله : لسنوات طويلة ترددت كثيرًا في الاستشهاد بشيء من كتاب الرؤى ، فليس هو من الوحي المنسوب الى الأنبياء ، بل هو مما نسب بدون سند إلى أحد تلاميذ المسيح ، وقد اختلط كله بعقيدة يرى الباحثون والمؤلفون على أنها لم تكن عقيدة تلاميذ المسيح ، وقد كانت عقيدتهم توحيد الله والإيمان بالمسيح بشرًا رسولًا . ومع هذا فيبدو أنّ بالكتاب عبارات قد يكون لها أصل من تعاليم المسيح - عليه السلام - ومن هاهنا أكرر ذكر هذا الاستشهادات المحدودة لنرى هل تحققت في المسيح - عليه السلام - أم أنها فعلًا مما قد يكون قيل أصلًا في حقّ المصطفى محمد - صلى الله عليه وسلم - مما يمكن منه الاستنتاج بأنّ المسيح عيسى - عليه السلام - قد حدّث به تلاميذه ضمن حديثه لأصحابه عن خاتم الأنبياء ومملكته القادمة .
• يخطب في مئة وأربعة وأربعون ألفًا : مع تسليمي بضعف الاستشهادات هنا إلا أنه من الصعب تجاوز مشهد خطبة الوداع والرسول - عليه الصلاة والسلام - يخطب في حوالي مئة وثلاثون ألفًا من الصحابة .. الذين هم خير أمة أخرجت للناس .. ولا نعرف مثل هذا الاجتماع للمسيح - عليه السلام - وإن كان النص يبدو وكأنه يتحدث عن أمر بالمستقبل سيحدث للمسيح عند عودته الثانية .. إلا أن أخبار العودة الثانية لعيسى - عليه السلام - كثيرًا ما كانت أصلًا أخبار عن المصطفى المنتظر.. هذا ولا يخفى أن قد يكون هؤلاء هم الذبن أعفوا من الحساب رحمة من الله - عزوجل - وكرامة لرسوله وشفاعة منه ، وأن يكون الحديث هو عن كرامة هذه الأمة ورسولها باليوم الآخر.. وعلى القاريء أن يلاحظ أن توافق عدد المستمعين لخطبة النبي الذي سيأتي من بعد عصر عيسى - عليه السلام - يطرحه كاتب الرؤى على أنه عيسى - عليه السلام - في عودته الثانية التي ستتبعها أحداث هي من أحداث القيامة كبعث الموتى - مع عدد الذين استمعوا لخطبة الوداع أيام العيد الأكبر في تاريخ الإسلام .. ومع الذين سيدخلون الجنة بغير حساب ولاعذاب يوم القيامة وهم سبعون ألفًا ومثلهم معهم « أي مئة وأربعون ألفًا »( ) رحمة من الله - عزوجل - وتكريمًا للمصطفى شفيعهم يوم القيامة ..
• خاتم الأنبياء - ابن الإنسان - مؤيد بالسيف والملائكة .. قال الإمام الآلوسي : فهل غيره - أي محمد - صلى الله عليه وسلم - من عيسى إلى زمنه رعى الناس بعصا من حديد ؟ وهل كان غيره يدعى أميناً ؟ وهل غيره أعطي سلطاناً على الأمم كافةً ؟ وهل غيره حارب ؟ وهل نزلت الملائكة على خيلٍ شهبٍ مع غيره ؟ وهل درس وأزال معصرة الخمر غيره ؟ وهل استولى على الملوك بأقصر زمن غيره وغير خلفائه ؟ فإنكار هذا مكابرةٌ وغشٌ . الجواب الفسيح : ص 326 . وهو الذي فتحت له السماء فعرج والتقى فيها بالأنبياء ، لكن من الواضح ان هنالك خلط قد وقع بإضافة إشارات إلى المسيح عيسى - عليه السلام - مثل القول بأنه مغموس بالدم وبأنه سيدعى كلمة الله ، وهو غير مستغرب من الذين خلطوا بالكتاب عقيدة التوحيد التي جاء بها عيسى - عليه السلام - مع الوثنية من عقائد الأمم السابقة.. ويبقى أن هذا الخلط قد يضعف الاحتجاج بهذه البشارة لكن المؤمنين يلمسون أن الصادق الأمين في الأغلب ما كان إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو لقبه الذي أثبتته له الأمة التي عاصرته من قبل بعثته ، ويعرفه به حتى أطفال المسلمين ، خاصة أن الحديث هنا هو عن المصطفى في المستقبل من بعد عصر عيسى عليه السلام ..
• خاتم الأنبياء منصورٌ على الأمم : هذه بشارة منسوبة في كتاب الرؤى إلى المسيح - عليه السلام - وقد تكون مما حفظ من عباراته ، وإن كانت قد صيغت بما يتوافق مع عقيدة تأليه المسيح « كأنّما المسيح عيسى - عليه السلام - هو الذي يرسل المرسلين » ، فإن صحت فإنّها تخبر بأن النبي من بعد المسيح عيسى - عليه السلام - سيكون منصوراً على الأمم يحكمها « يغلبهم ؟ » بقضيبٍ من حديد « السيف ؟ » ويمضي على نهجه إلى ختام الزمان .. والسؤال مَن غير الرسول - صلى الله عليه وسلم - جاء بعد عيسى وتنطبق عليه هذه النبوّة ؟ والإشارة إلى السيف للمصطفى المنتظر قد وردت في نبوءات أخرى سابقة( ) .
والآن ما علاقة هذه الرؤى بجبل الشيخ ؟ من الواضح أن الخليل إبراهيم – عليه السلام – الذي عاش في الأرض المقدسة في بلاد الشام قد ذهب إلى الحجاز الأرض المقدسة في الجزيرة العربية ، وأسكن زوجته هاجر وابنها إسماعيل في مكة ، ودعا ربه أن يرزق تلك الذرية رزقًا حلالا طيبًا مباركًا ، فارتبطت منذ ذلك التاريخ بالأرض المقدسة في بلاد الشام ، وكذلك يوسف - عليه السلام - وأبوه يعقوب – عليه السلام – وأيضًا عيسى بن مريم وتلامذته ، حيث عاش عدة من أبطال تلك الرؤى ومعبروها على أرضها وفوق جبالها ومنها جبل الشيخ « حرمون » بمفهومه العام ومدلوله الواسع ثم انتقلوا منها إلى أماكن أخرى سواء في مصر أو الحجاز أو بقوا على أرضها .
والآن مع قصيدة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لـلدكتور صابر عبدالدايم :
ماذا أقــول وقــد أتــت ذكــراك حطمـت حبـك أم وأدت هـــداكا ؟
ماذا أضيء وليس حولي ومضــة أســمو بهــدي رجائها لعـلاكا ؟
أأردد النبض القديم وفي دمي بكر الرؤى نضجــت بنـار هــواكا ؟
لكن بركان الهــوى في خاطــري ما زال لا يــدري متى يلقـــاكا ؟
أين الطريق إليك في زمــن تنا.... فس كل ما فيه لمحــو خطــاكا ؟
لكنها في الأرض أصـــل ثابـــت وفروعـــها تتبـــوأ الأفــــــلاكا
خطرت على الســــيف المشــــع محبة للعالمين وقوضت أعـداكا
فإذا الحيــــاة - كما أردت - حديقة وثمــارها غرس ســقته يــداكا
وإذا العقول - كما بنيت - منارة وإذا النفوس - كما هويت – فداكا
تمضي القرون وأنت أنت محمد تهب الوجود المر فيض شـــذاكا
صنعوا من الصخر الأصم وجودهم فغدوا دمى لا تستطيع حراكا
ورفضت حتى أن نرى لك صورة فبقيت والقــرآن ســـــر بقــاكا
ما الخــــلد أن تبقى أمــــام عيـــوننا لكنه أن لا نحـــب ســـــواكا( )
الباحث : محمود بن سعيد الشيخ