تابع جبل الشيخ - طور تلجا
12- طور تلجا
هذه التسمية سماه بها الآراميون الذين خلفوا العموريين والفينيقيين في بلاد الشام ، وتعني كلمة « طور » الآرامية " السريانية " : جبل ، وكلمة « تلجا » الآرامية : ثلج - ولا زال أهل المنطقة يقلبون الثاء تاء ويلفظونها « تلج » إلى وقتنا الحالي - ومعناها « جبل الثلج » . وقد وردت كلمة « الطور» في القرآن الكريم ، وفيه سورة كاملة سميت باسمه بدئت بقوله تعالى : « وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ » ( ) ، كما وردت في قوله تعالى : « وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ » ( ) ، وقوله تعالى « وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ »( ) وقوله تعالى : « وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ »( ) ، وقوله تعالى : « وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ »( ) ، وقوله تعالى : « آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا »( ) ، وقوله تعالى : « وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا »( ) ، وقوله تعالى : « وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ »( ) ، ويُضافُ إِلى سيناءَ في قوله تعالى « وشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ »( ). وتعني كلمة « الطور » باللغة العربية : الجبل . قال ابن سيده : والطُّورُ : الجَبَلُ ، وقد غَلَبَ على طُور سَيْناءَ : جَبَلٍ بالشّأمِ ، وهو بالسُّرْيانِيّةِ طُورَى ، والنَّسَبُ إليه طُورِيٌّ ، وطُورِانيٌّ( ) . وفي الرّوْضِ اُلأُنُفِ : الطُّورُ : كُلُّ جَبَل يُنْبِتُ الشَّجَرَ ، فإِن لم يُنْبِتْ شَيْئاً فليس بطُورٍ . وقال الفَرّاءُ في قوله تعالى : « والطُّورِ وكِتَابٍ مَسْطُور » إنه هو الجَبَلُ الذي بمَدْيَنَ الذي كلَّم الله تَعَالى موسَى - عليه السلامُ - عليه تَكْليِمًا . وقال المصنّف في البَصَائِر بعد ذِكْر هذه الآية : هو جبل محيط بالأرض ، وجَبَلٌ بالقُدْسِ عن يَمِينِ المَسْجِدِ ويعرفُ بطُورِ زيتَا . والطُّورُ : جَبَلٌ آخَرُ عنْ قِبْلِيّهِ به قَبْرُ هَارونَ - عليه السّلامُ - . والطُّورُ : جَبَلٌ برأْسِ العَيْنِ . والطُّورُ : جَبَلٌ آخَرُ مُطِلُّ على طَبَرِيَّة بالأرْدُنِّ . والطُّورُ أيضاً : جَبَلٌ شاهِقٌ عند كُورَة تَشتملُ على عدَّةِ قُرىً تُعرَف بهذا الاسمِ بمِصْرَ من القِبْليَّةِ ويُنْسَبُ إليه الكُمَّثْرَى الجَيِّد ، وزَعَمَتْ طائِفَةٌ من اليهودِ أنّه جَبَلُ التَّجَلِّي وهو كَذِبٌ( ) . قال المفسرون في قول الله - عز وجل -: والسماءِ ، والليلِ ، والضحى ، والفجرِ ، والنجمِ ، والطورِ ، معناه : ورب الليل ، ورب الفجر ، ورب الطور . وقال الفراء وقُطرب : إنما أقسم الله - عز وجل - بهذه الأشياء ليُعَجِّب منها المخلوقين ، ويعرفهم قدرته فيها لعظم شأنها عندهم ، ولدلالتها على خالقها( ). وحدث خلاف بين أهل اللغة حول ورود كلمات غير عربية الأصل في القرآن ، فكان أبو عبيدة يذهب إلى أنه ليس في القرآن شيئاً من غير لغة العرب ، وما ورد من كلمات مشتركة اللفظ بين العربية وغيرها إنما : هو اتفاق وقع بين اللغتين ، وكان غيره يزعم وقوع ألفاظ غير عربية فيه ، ومنها : « الطُّور » الجبل بالسُّريانية ، و « اليَمُّ » البحر بالسريانية( ). قال أحمد بن محمد الدمشقي : الطور : الجبل أو عظيمه( ). وقال الدميري : قال في المشترك : والطور في اللغة العبرانية : اسم لكل جبل ، ثم صار علمًا لجبال بعينها ، منها جبل طور زيتا بلفظ الزيت ، وهو اسم لجبل برأس عين من بلاد الجزيرة ، وجبل بالقدس ، وجبل مطل على طبرية ، وطور هارون بالقدس ، وطور سينا - وهو المراد هنا - وهو جبل داخل في بحر القلزم ، على رأسه دير عظيم ، وفي واديه بساتين وأشجار ، وهو على مرحلة من فرضة الطور المتقدمة الذكر في تحديد بحر القلزم ، وكأنها سميت باسمه لقربها منه( ). قال الحطيئة :
جاءَتْ به مِن بلادِ الطُّورِ تَحْدُرهُ ... حَصّاءُ لم تَتَّرِكْ دونَ العَصَا شَذَبَا( )
قال ذي الرُّمَّة :
أَعاريبُ طُورِيُّونَ عن كُلِّ قَرْيَةٍ ... يَحيدُونَ عنها من حِذَارِ المَقَادِرِ
أَراد أَنَّهم من بلاد الطُّورِ يعني الشام( ). وقال ابن عاشور : والطور علم على جبل ببرية سينا ، ويقال إن الطور اسم جنس للجبال في لغة الكنعانيين نقل إلى العربية ، وأنشدوا قول العجاج :
دَانَى جَنَاحَيْهِ مِنَ الطُّورِ فَمَرّْ ... تَقَضَّيَ البازي إذا البازي كَسَرْ
فإذا صح ذلك فإطلاقه على هذا الجبل علم بالغلبة في العبرية ، لأنهم وجدوا الكنعانيين يذكرونه فيقولون الطور يعنون الجبل ، كلمة لم يسبق لهم أن عرفوها فحسبوها علمًا له ، فسموه الطور( ). وقال : الطور: الجبل باللغة السريانيّة قاله مجاهد . وأدخل في العربية وهو من الألفاظ المعربة الواقعة في القرآن . وغلب علَماً على طور سينا الذي ناجى فيه موسى - عليه السلام - وأنزل عليه فيه الألواح المشتملة على أصول شريعة التوراة . فالقسم به باعتبار شرفه بنزول كلام الله فيه ونزول الألواح على موسى ، وفي ذكر الطور إشارة إلى تلك الألواح لأنها اشتهرت بذلك الجبل فسميت طور المعرّب بتوراة . وأما الجبل الذي خوطب فيه موسى من جانب الله فهو جبل حُوريب واسمه في العربية « الزّبير » ، والقَسَم بالطور توطئة للقسم بالتوراة التي أنزل أولها على موسى في جبل الطور . والمراد بـ « كتاب مسطور ، في رَقّ منشور » : التوراةُ كلها التي كتبها موسى - عليه السلام - بعد نزول الألواح ، وضمَّنها كل ما أوحَى الله إليه مما أمر بتبليغه في مدة حياته إلى ساعات قليلة قبل وفاته . وهي الأسفار الأربعة المعروفة عند اليهود : سفر التكوين ، وسفر الخروج ، وسفر العَدد ، وسفر التثنية( ) . وقال السمين الحلبي : والطُّور : اسمٌ لكلَّ جبل ، وقيل لما أَنْبَتَ منها خاصةً دونَ ما لم يُنْبِتْ ، وهل هو عربي أو سُرْياني ؟ قولان ، وقال الكلبي : سُمِّي بـ « يطور بنُ إسماعيل » عليه السلام ، قال السهيليّ : فلعله محذوف الياء إن كان صح ما قاله( ) . وأضاف ابن عطية قوله : وقال ابن عباس أيضًا : « الطور » كل جبل ينبت ، وكل جبل لا ينبت فليس بطور . قال القاضي أبو محمد : وهذا كله على أن اللفظة عربية . وقال أبو العالية ومجاهد : هي سريانية اسم لكل جبل( ). والطور : قال بعض أهل اللغة كل جبل طور ، فكأنه أقسم بالجبال إذ هو اسم جنس . وقال آخرون : الطور: كل جبل أجرد لا ينبت شجرًا . وقال مجاهد في كتاب الطبري : الطور : الجبل بالسريانية وهذا ضعيف ، لأن ما حكاه في العربية يقضي على هذا . ولا خلاف أن في الشام جبلًا يسمى بـ « الطور » وهو طور سيناء( ). وقال الحسن : الطور : هو الجبل ، وسينين : المبارك( ). و« سيناء » : جبل يقع في شبه جزيرة سيناء . ويُسمَّى جبل سيناء في العهد القديم « حوريب » ، وهو اسم يُطلَق أيضاً على شبه الجزيرة كلها . كما يُشار إليه كذلك بأنه : « الجبل » أو « جبل الله » أو « جبل الإله في حوريب » . وجاء في سفر الخروج أن اليهود ضربوا خيامهم عند سفحه بعد خروجهم من مصر، بينما صعد موسى إلى قمته وتسلَّم الوصايا العشر . ولا يُعرَف أي الجبال في سيناء هو الجبل المقصود ، فيرى البعض أنه جبل موسى ، ويرى البعض الآخر أنه جبل سريال القريب منه . ويُعَدُّ جبل سيناء ومعه جبل صهيون الجبلين المقدَّسين اللذين يرتكز عليهما العالم روحياً في الرؤية الدينية اليهودية . وجاء في الأجاداه : أنه لولا أن أعضاء جماعة يسرائيل وقفوا أمام الجبل لسقطت الدنيا وتهدَّمت . ويُقال إن للجبل ثلاثة أسماء معلَّلة : فهو « جبل الله » لأن الإله كشف عن قدسيته عليه . وهو « جبل سيناء » لأن الإله كره « بالعبرية : سانا » أهل السماوات وفضَّل عليهم أهل الأرض من اليهود وأعطاهم التوراة . وهو « حوريب » لأن التوراة التي تُسمَّى « حريب » : أي « سيف » ، قد نزلت هناك . وثمة تفسير ديني آخر هو أن كره الأغيار للشعب اليهودي بدأ هناك في سيناء . وهذه تفسيرات شعبية إذ يبدو أن اسم « سيناء » مشتق من اسم إله القمر « سين » ، معبود أهل شبه جزيرة العرب . ويقع جبل سيناء في شبه جزيرة سيناء( ).
الباحث : محمود سعيد الشيخ