تابع تسميات قطنا - وادي المغارة - 3
27) مغارة خريطون : تقع مغارة « خريطون » في فلسطين ، في برية القدس ، في منطقة محاطة بعدة مستوطنات ، ومناطق تدريب عسكرية .
ويعتبر استكشاف هذه المغارة الضخمة حلمًا للكثيرين ، فهي تعتبر من المناطق غير المكتشفة بشكل كامل ، رغم الاهتمام الذي تبديه بشأنها السلطات الإسرائيلية المختصة ، وعادة لا يتجاوز المغامرون عندما يدخلون إليها أكثر من 350 مترًا ، رغم أن طولها أكثر من ذلك بكثير، مما يستوجب عملية استكشاف واسعة لها من جهات عالمية مستقلة .
واكتسبت المغارة اسمها من قديس مسيحي عرف باسم خريطون ، وأقام في تلك المنطقة نحو عام 230 ق.هـ( ) ، حيث انتشر النساك في برية القدس ، الذين هربوا من الاضطهاد الروماني ، قبل أن تصبح المسيحية ديانة الإمبراطورية الرومانية الرسمية ، وعثر عام 1347هـ( ) في المنطقة التي تدعى وادي خريطون ، على بقايا ترجع إلى عصور ما قبل التاريخ ، واكتشاف النار . ويعتبر وادي خريطون بالإضافة إلى جبل الكرمل من أقدم مواقع العالم الذي سكنه الإنسان الحجري ، مستخدمًا في حياته اليومية أدوات حجرية كالسكين ، حيث وجدت أدوات حجرية كثيرة تدل على وجود الإنسان الحجري الأول في هذا الوادي . وفي موقع هذا الوادي توجد عشرات المغاور والكهوف أهمها كهف « عرق الأحمر » ، الذي عاشت فيه جماعات في فترة ما قبل التاريخ 1500سنة ق.هـ( ) ، وكهف « أم قلعة » وهو يعتبر نموذجًا حيًّا للكهوف التي عاش فيها إنسان قبل التاريخ ، وهذا الكهف هو أهم الكهوف على الإطلاق ويعود للعصر الحجري الأول 52200 - 13000ق.هـ( ). ويمكن الاستنتاج من الكهوف المتعددة ، وبقايا البنايات الحضرية ، وحجارة الفسيفساء المتنوعة المتناثرة التي تعود لبقايا بنايات وكنائس على الحضارة الرومانية والبيزنطية التي شهدتها المنطقة . وفي عمق الوادي تأسر الحجارة الملساء المغامرين الصغار ، التي يجري عليها نهر من المياه الجوفية ومياه الأمطار التي تغذيه الجبال المجاورة في فصل الشتاء ، وتصب في البحر الميت ، ولكن الشواهد تدل على أن الوادي كان غزير المياه في السابق ، وتكاد الحجارة التي شكلتها المياه أن تنطق بذلك ، وكذلك معلومات الأثريين الذين يؤكدون بان الطواحين المائية انتشرت على جنبات الوادي وعلى امتداد صحرائه . وينتشر في برية القدس الثعلب الأحمر والضبع والوبر الصخري وأنواع مختلفة من الأفاعي ، وزهرة السوسن السوداء بالغة الجمال التي اختارها الأردن زهرة وطنية له ، وهي لا تنبت إلا في فلسطين والأردن وربما باقي بلاد الشام ، وهي مهددة بالانقراض . وتسود العتمة القاسية داخل المغارة ، وهي تعيق اكتشاف أنفاق ودهاليز المغارة التب تتم بمساعدة الشموع والحبال المثبتة مسبقًا على أرض المغارة وحيطانها . ويضطر كثير من المغامرين إلى الزحف على البطون في نفق طوله نحو 15 مترًا وأكبر ارتفاع له نصف متر. وفي نهاية هذا النفق ، يوجد حاجز صخري ثم منطقة نزول قوية إلى ما يعتقد انه البئر الرئيسي في المغارة ، ويتم النزول إليه بالحبال ويبقى خطر الانزلاق والسقوط مخيمًا بوجود الحجارة الملساء التي كونتها الطبيعة خلال ملايين السنين . وبعد النزول في البئر المتسع ، والتقاط الأنفاس ، يشعر المغامرون بنداء خفي ملح يدعوهم لإكمال الطريق ، فينطلقون بحماس إلى نفق آخر طوله 16 مترًا ، ويتراوح ارتفاعه بين 120-150 سم وعرضه 60 سم . ويقود هذا النفق المتعدد الفتحات والمسارب والكوات إلى بئر أو مغارة أخرى( ).
28) كهف السيد المسيح : يقع في صير - بيت إيدس ، على بعد (4) كم غرب بلدة بيت إيدس في لواء الكورة ، في الأردن ، وهو موقع مشرف على نهر الأردن , ويبعد عنه حوالي (10) كم شرقاً , كما يرتفع على سطح البحر حوالي (2570م ) ويبلغ مساحة الكهف حوالي (17،7م2) ، وقد استخدم منذ العصر الروماني معصرة للزيتون ، ويجاور الكهف معصرة عنب ، وقبران فريدان منحوتان في الصخر ، إضافة إلى بئر ماء . وكنيسة السيد المسيح تقع في خربة خلة عيسى ، الواقعة غرب بلدة إيدس ، والكنيسة تعود للقرن الأول الهجري( ). وتكمن أهمية هذا الموقع الأثري في أنه على علاقة محتملة برحلة قام بها السيد المسيح - عليه السلام - في الكهف ، حيث تم العثور على اسم الموقع القديم وهو « حير » الذي ترجع مصادر تاريخية أنه المكان الذي شرفه السيد المسيح بزيارته قادمًا من الجليل ، وعابرًا نهر الأردن بمرافقة عدد من أتباعه( ).
29) مغارة برقش « الظهر» : هي تكوين جيولوجي طبيعي يعود للعصر الكريتاسي 35-40 مليون سنة ، وبالتالي فإن العمر المقدر لها هو 40 مليون سنة ، وتتكون من عدة مغارات ودهاليز متصلة ببعضها البعض ، وتقدر مساحتها بـ4-5 دونمات ، وقد تختلف هذة الأرقام لاحقًا تبعًا لاكتشاف المزيد فيها . وتقع دون مستوى سطح الأرض ما بين 20 إلى 30 مترًا ضمن تكوين صخري سماكته 50 - 60 مترًا ، وتبعد عن الشارع العام حوالي 150 مترًا . واكتشفت المغارة في عام 1416هـ( ) من قبل الباحث البيئي أحمد الشريدة ، وكان الدخول إليها يقتضي الزحف لمسافة 3 أمتار عبر « عنق » صخري لا يتجاوز قطره نصف متر قبل أن يتم توسعته وتكسيره في عام 1425هـ( ) بحيث أصبح بالإمكان الدخول إليها وقوفًا بقامة منتصبة ، وكان هذا العنق يشكل حائلًا طبيعيًا وقف دون دخول الناس إليها مما ساهم في الحفاظ عليها ، وحال دون سكنى البشر فيها قديمًا ، حيث لم يعثر بداخل المغارة ما يشير إلى سكنى أحد بها ، ويسود الظلام الدامس أجواء المغارة ، فيما تتواجد بقع صغيرة من الماء هنا وهناك ، إحداها تعود أصلا لما كان عين ماء صغيرة . وتتصف المغارة بالبرودة صيفًا والدفء شتاء , بحرارة معدلها 18 درجة مئوية ، فيما تفيد أجواؤها المنعشة المصابين بالأزمة التنفسية ، ويتراوح ارتفاع المغارة من المتر إلى الـ20 مترًا . وتتميز المغارة بتشكيلاتها الصخرية والتي تكونت عبر ملايين السنين بألوان متعددة أضفتها المعادن الذائبة في المياه التي تسربت عبر الشقوق مسببة تآكل وذوبان الصخور الجيرية ، ومن ثم تبخرها مكونة الصواعد stalagmite والهوابط stalactite والتي يحتاج كل سم منها إلى ما يتراوح ما بين 200 إلى 300 سنة ليتكون ! قطرة قطرة : « color5c9 c=red» . وتعتبر مغارة برقش من أجمل المغارات الجيولوجية في العالم ، وتضاهي بجمالها وشكلها مغارة جعيتا في لبنان . وهي تقع وسط غابات برقش ، على بعد80 كم شمال عمان ، وتنتشر على مساحة 20 ألف دونم ، وعلى مسافة 30 كيلو مترًا إلى الغرب من إربد ، وهذه المغارة تعد الكهف الطبيعي الوحيد المكتشف في الأردن ، وهي عبارة عن تجويف طبيعي مكون من عدة مغارات ودهاليز متصلة ببعضها البعض ، تكونت في الأزمنة الجيولوجية الغابرة . وتقدر مساحة المغارة بين 3 و 4 آلاف متر مربع . والوصول إلى المغارة يتطلب من الزائر قطع مسافة حوالي 80 كيلومترًا إلى الشمال من عمان . وتشكل المغارة معلمًا سياحيًا بارزًا بما تحتويه من مخاريط من الصواعد في أرضيتها ومخاريط النوازل والهوابط المدلاة من سقفها بلونها القرمزي ، إضافة إلى لوحات جدارية طبيعية متدرجة في الألوان ، والأطاريف ذات جمال طبيعي نادر ، تشكلت في دهاليزها التي يزيد طول بعضها عن المائة متر عبر ملايين السنين . وتشكلت الصواعد والنوازل في صور أعمدة كلسية يصل طول بعضها إلى 170 سنتمترًا ، في حين ما يزال بعضها في طور التشكيل . وتتدلى النوازل التي تلتصق بالسقف بطريقة رائعة وبألوان وردية تشبه تمامًا صخور خزنة البتراء الأثرية . ويجري العمل حاليًا على تنظيف مدخل المغارة بازالة الطمم والأتربة والحجارة المتراكمة تمهيدًا لتاهيلها لاستقبال الزوار بعد اكتمال البنية التحتية . وتطل برقش التي ترتفع 875 مترًا عن سطح البحر على مرتفعات الضفة الغربية غربًا وهضبة الجولان السورية وجبل الشيخ اللبناني شمالًا وقلعة عجلون جنوبًا . وتحتوي المغارة على سراديب ضيقة يمر منها جسم الإنسان بصعوبة . ومن المفيد أن نشير هنا إلى غابات جبل برقش التي تقع في الجزء الجنوبي الشرقي من لواء الكورة ، وإلى الجنوب من محمية برقش للأحياء البرية ، ولهذه الغابات مزايا بيئية تتمثل في وجود قمة لهذه الغابة تعرف « برأس برقش » الذي يرتفع حوالي 875 متراً فوق مستوى سطح البحر . ومن مميزاتها الجغرافية أنها تشرف على معظم مناطق شمال الأردن وسهول حوران وجبال الشيخ . وتضم هذه الغابات أشجارًا حراجية حوالي مليوني شجرة قديمة من السنديان والبلوط والبطم والزعرور . وفي عام 2000 تم المباشرة بتجهيزمحمية جديدة للسياحة البيئية في منطقة رأس برقش « أعلى قمة في المنطقة » ، فأحضرت مجموعة من الغزلان الحوامل من ألمانيا وأستراليا إضافة إلى الأيل الأسمر من تركيا « حوامل وذلك لضمان توالدها وتكاثرها هنا) لإعادة توطينها في المنطقة بعد انقراضها منها . كما تم تجهيز مسيجات خاصة « الشبك الأزرق » للطيور التي كانت تعيش في هذه المنطقة مثل الفزنت والحجل والحبش والطاووس وغيرها( ).
الطريق إلى مغارة برقش
مغارة برقش
مغارة برقش
محمية برقش للأحياء البرية
30) مغارة أو مقام النبي شعيب : تقع في بلدة الشونة بالأردن بطريق فيه صعود ومتعرّج بجانب وادي عميق , يُسّمى وادي النبي شعيب - صلى الله عليه وسلم - وهو يمتد من مدينة السلط حتى بلدة الشونة ، ويصب في نهر الأردن قرب أريحا . وفي أعلى الوادي من الجهة الجنوبية بالقرب من مدينة السلط توجد مغارة كبيرة ويقال بأن النبي شعيب قد سكنها ردحاً من الزمن بعد مجيئه من قرية عجور - قضاء الخليل - في فلسطين . ويوجد هناك صخرة كبيرة جدًا تحتها مغارة واسعة بعلو ثلاثة أمتار، مدخلها وعرضها ثلاثة أمتار ونصف وعمقها أربعة أمتار تقريباً ، وبابها من الجهة الغربية . وعلى بُعد عشرة أمتار من بابها يسكن رعاة الماعز. ويقال النبي شعيب من منطقة السلط وضواحيها . وكان من يُتهم بشيء يرافقه المختار مع المؤذن في الجامع إلى هذه المغارة لكي يقسم اليمين الشرعي . وقد رممت المغارة وبني ضريح رمزي وأقيم مسجد أمام باب المغارة بأمر الملك حسين بن طلال( ).
31) مغارة الريحان : معلم طبيعي يضاهي جعيتا : تقع في جبل عامل بلبنان في بلدة الريحان المتربعة في عش النسر في أعالي جبل أخذت منه اسمه ، فصارت ريحانة قرى وبلدات جبل عامل . وتكتنز بلدة الريحان في جوفها مغارة طبيعية وهبها إياها الخالق ، لتزيد إلى البلدة معلماً سياحياً ، سيجعل منها عند افتتاحه مقصداً للسياح والمصاطفين والمتنزهين ، وسيتقدم بالريحان خطوات على طريق الإنماء . لكن هل تكون هذه المغارة هي البوابة التي ستخرج الريحان منها إلى دائرة الضوء ، لتتربع فوق قمة البلدات السياحية اللبنانية ؟ ويؤكد بعض المختصين : أن "مغارة الريحان كنز مدفون منذ عقود ، وما نعمل عليه حالياً هو إخراجه إلى الحياة . وقد تم اكتشاف المغارة في ثلاثينيات القرن الماضي من خلال أحد الرعاة الموجودين في المنطقة " وقد تم مباشرة العمل بها في بداية عام 2003، حيث تم استحداث مدخل يمكن الدخول منه الى المغارة سيرًا على الأقدام ، وفي عام 2006 أنجزت البلدية موقف للسيارات والحافلات الكبيرة في الباحة الخارجية للمغارة ، كما تم بناء قاعة داخلية مرصوصة ومرصوفة بحجارة من نفس حجارة المنطقة ، في نفس الوقت أنجز فريق المهندسين والعمال تأهيل المغارة بالتعاون مع شركة ماباس التي تدير شركة مغارة جعيتا ، فتم إنهاء الممرات الداخلية ، وإضافة إنارة باردة تتحمل الرطوبة في الممرات والإنارة التجميلية ووسائل السلامة العامة ، بينما كانت البلدية تقوم بعمليات تشجير واسعة في محيطها وتأمين الانارة اللازمة وتزفيت ورصف الطرقات ووضع مقاعد للسياح والزوار . ويبلغ طول المغارة 180مترًا وعرضها يصل في بعض الأماكن إلى عشرة أمتار. وسيكون هناك ممرات إجبارية للزائرين لمنعهم من الاقتراب أو لمس أثريات المغارة من منحوتات طبيعية أو كريستال . والمغارة فيها مكونات كلسية في غاية الجمال والروعة تأخذ أشكالا متنوعة ومختلفة تجعل من المغارة معلمًا سياحيًا هامًا على صعيد المنطقة ولبنان تضاهي بجمالها مغارة جعيتا ومعالم أخرى موجودة في لبنان . وإضافة إلى وجود المغارة تتمتع الريحان بموقع جغرافي متميز فهي تقع في وسط غابات الصنوبر والسنديان والينابيع المنتشرة فيها , وفيها الكثير من المعالم التراثية .
وتخطط البلدية لجذب المتمولين والمهتمين للقيام بمشاريع بالقرب من المغارة كالاستراحات والمحلات التجارية والفنادق الصغيرة . وتتميز منطقة الريحان بغاباتها الشاسعة المعمرة وأعشابها وأزهارها النادرة، بالإضافة إلى أشجار الجوز والسنديان والصنوبر والزيتون والزعرور( ).
مدخل مغارة الريحان القديم
مدخل مغارة الريحان الحديث
ومن الجدير بالذكر أن اليهود أخفوا الكثير من مخطوطات الأسفار المقدسة في مغاور في وادي قمران في القرن السابع قبل الهجرة( ) وقد كشف علماء الآثار أحد عشر كهفًا منها حتى الآن في كهوف ومغاور النهاية الشمالية الغربية للبحر الميت في فلسطين منها : خربة قمران ، ووادي المربعات ، وخربة المرد ، شمال وادي النار ، وكهف القشخة . وكانت اللفائف الكتابية مُغلقة ، وملفوفة ، ومحفوظة بعناية في قدور كبيرة من الفخار لصيانتها من الرطوبة أو العبث . ولا تزال الاكتشافات تتوالى في المنطقة وما حولها( ).
ومن الاستعراض السابق نجد أن تسمية قطنا بوادي المغارة تسمية مألوفة في بلاد الشام لعدد من الأماكن والمواقع فيها لا يزال بعضها يتمتع بهذه التسمية إلى عصرنا الحاضر . ولكن لنا ملاحظة هامة على هذه التسمية وهي أن لفظي : وادي ، مغارة كل منهما مبهم غامض لا يصلح أي أن يسمى به اسم بلدة تميز به عن غيرها من البلدان ، لذلك يحتاج كل منهما إلى لفظ يوضح معناه ويزيل عنه الغموض والإبهام ويميزه عن الأسماء الأخرى مثل وادي النيل أو وادي الرمة ... أما لفظ مغارة فلا يزيل هذا الغموض والإبهام بدليل احتياجه هو الآخر إلى لفظ آخر يزيل ما علق به من غموض وإبهام والتباس ، ويميزه ويبينه ويوضحه مثل قولنا مغارة الدم مغارة برقش ... حتى ولو أضفنا كلمة وادي إلى مغارة فنحتاج إلى مثل ما ذكرناه مثل وادي مغارة الكرمل ، أو وادي مغارة جعيتا ... وهذا يقودنا إلى النظر في التسمية التالية .
الباحث : محمود بن سعيد الشيخ