3- العجم اسم علم على الشيء المختفي غير الظاهر البين الواضح : قَالَ الْخَلِيلُ : العَجَمُ : النَّوَى لاختفائِه( ) ، وقال ابن منظور : والعَجَمُ : النَّوَى : نَوى التمرِ والنَّبِقِ ، الواحدةُ عَجَمةٌ مثل قَصَبةٍ وقَصَب ، يقال : ليس لهذا الرُّمَّان عَجَم ، وهو العُجام أَيضاً ، وقال أبو حنيفة : وكلُّ ما كان في جوف مأْكولٍ كالزبيب وما أَشبهه عَجَمٌ ، قال أَبو ذؤيب يصف :
مَتْلَفاً مُسْتوقدٌ في حَصاهُ الشَّمْسُ ... تَصْهره كأَنه عَجَمٌ بالبِيدِ مَرْضُوخُ( )
قال المبرد : يقال لنوى كل شيء : عجمٌ( ). ومن ذلك رؤيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عَجْم التمر ، فعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : « رأيت كأني أتيت بكتلة تمر فعجمتها في فمي ، فوجدت فيها نواة آذتني فلفظتها ، ثم أخذت أخرى فعجمتها فوجدت فيها نواة فلفظتها ، ثم أخذت أخرى فعجمتها فوجدت فيها نواة فلفظتها » ، فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: دعني فلأعبرها ، قال : قال : « اعبرها » ، قال : هو جيشك الذي بعثت يسلم ويغنم فيلقون رجلاً فينشدهم ذمتك فيَدعونه ، ثم يلقون رجلاً فينشدهم ذمتك فيدعونه ، ثم يلقون رجلاً فينشدهم ذمتك فيَدعونه ، قال : « كذلك قال المَلَكُ » . وزاد الدارمي : أن الراوي عن مجالد قال له : ما ينشد ذمتك ؟ قال : يقول : لا آله إلا الله( ). وفي الحديث عن أبى ذر – رضي الله عنه -: » كلوا التين ، فلو قلت : إن فاكهة نزلت من الجنة قلت هذه ، لأن فاكهة الجنة لا عجم فيها ، فكلوها فإنها تقطع البواسير وتنفع من النقرس »( ). ونذكر هنا ما رآه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فعن معدان بن أبي طلحة اليعمري أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قام على المنبر يوم الجمعة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر أبا بكر - رضي الله عنه - ثم قال : رأيت رؤيا لا أراها إلا لحضور أجلي ، رأيت كأن ديكًا نقرني نقرتين - زاد في إحدى الروايات قال : وذكر لي أنه ديك أحمر - فقصصتها على أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر - رضي الله عنهما – فقالت : يقتلك رجل من العجم . ورواه الحاكم ولفظه قال : إني رأيت في المنام كأن ديكًا نقرني ثلاث نقرات ، فقلت : أعجمي( ). وفي التفسير عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله عز وجل : » فيهما فاكهة ونخل ورمان »( ) قال : نخل الجنة جذوعها زمرد أخضر ، وكرانيفها ذهب أحمر ، وسعفها كسوة لأهل الجنة ، منها مقطعاتهم وحللهم ، وثمرها أمثال القلال أو الدلاء : أشد بياضًا من اللبن ، وأحلى من العسل ، وألين من الزبد ، وليس لها عجم( ). وقال أبو طالب المكي : نغص اللّه تعالى فاكهة الدنيا وغيرها بحشو العجم والثفل ليزهد فيها وأخبر أنها مقطوعة ممنوعة ليرغب في الدائم الموهوب( ).
وقال الرازي : حُرُوفُ الْمُعْجَمِ ، وهِيَ الْحُرُوفُ الْمُقَطَّعَةُ ، سميت بذلك لِأَنَّهَا أَعْجَمِيَّةٌ . وَكِتَابٌ مُعَجَّمٌ ، وَتَعْجِيمُهُ : تَنْقِيطُهُ كَيْ تَسْتَبِينَ عُجْمَتُهُ وَيَتضِحَ . وَأَظُنُّ أَنَّ الْخَلِيلَ أَرَادَ بِالْأَعْجَمِيَّةِ أَنَّهَا مَا دَامَتْ مُقَطَّعَةً غَيْرَ مُؤَلَّفَةٍ تَأْلِيفَ الْكَلَامِ الْمَفْهُومِ ، فَهِيَ أَعْجَمِيَّةٌ ; لِأَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ( ). وهي على ذلك خفية المعنى غير واضحة الدلالة . وأضاف : وَالَّذِي عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِحُرُوفِ الْمُعْجَمِ حُرُوفُ الْخَطِّ الْمُعْجَمِ ، وَهُوَ الْخَطُّ الْعَرَبِيُّ ، لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ خَطًّا مِنَ الْخُطُوطِ يُعْجَمُ هَذَا الْإِعْجَامَ حَتَّى يَدُلَّ عَلَى الْمَعَانِي الْكَثِيرَةِ . فَأَمَّا إِعْجَامُ الْخَطِّ بِالْأَشْكَالِ فَهُوَ عِنْدُنَا يَدْخُلُ فِي بَابِ الْعَضِّ عَلَى الشَّيْءِ لِأَنَّهُ فِيهِ ، فَسُمِّيَ إِعْجَامًا لِأَنَّهُ تَأْثِيرٌ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى( ).
ويبدو من الاستعراض السابق : أن منطقة قطنا قد تكون سميت باسم وادي العجم لأن بلدانها وقراها ومزارعها متباعدة عن بعضها ، متفرقة وليست متصلة بعضها ببعض كقرى غوطة دمشق ، وأنها مختفية داخل جبالها وتلالها ووديانها ، تشبيهًا لها بنوى ثمار الأشجار المختفية ، وكذلك بالحروف المقطعة لخفاء معناها ودلالتها .
4- العجم : اسم يدل على الصلابة والجلد والقوة والدربة والاختبار : قال ابن منظور : قال علقمة يَصف فرساً :
سُلاَّءَةٌ كعَصا النَّهْدِيّ غُلَّ لها ... ذُو فَيْئةٍ من نَوَى قُرَّانَ معجومُ
قال ابن السكيت : معنى قوله غُلَّ لها : أَي أُدخِلَ لها إدخالاً في باطن الحافرِ في موضع النُّسور، وشَبَّه النُّسورَ بِنَوَى قُرَّانَ لأَنها صِلابٌ ، وقوله ذُو فَيئَة : يقول له رُجوعٌ ، ولا يكون ذلك إلا من صَلابتِه ، وهو أَن يَطعَمَ البعيرُ النَّوَى ثم يُفَتَّ بَعرُه فيُخْرَجَ منه النَّوَى فيُعلَفَه مَرَّةً أُخرى ، ولا يكون ذلك إلا من صَلابته ، وقوله مَعْجوم : يريد أَنه نَوى الفَم وهو أَجود ما يكون من النَّوى لأَنه أَصْلَبُ من نَوى النبيذِ المطبوخ . وخَطَب الحَجَّاجُ يوماً فقال : إِن أَميرَ المؤمنينَ نَكَبَ كِنَانَتَه فعَجَم عِيدانَها عُوداً عُوداً فوجَدَني أَمَرّها عُوداً . يريد أَنه قد رازَها بأَضْراسِه ليَخْبُرَ صَلابتَها . قال النابغة :
فَظَلَّ يَعْجُمُ أَعْلى الرَّوْق مُنْقَبِضاً * في حالك اللَّونِ صَدْقٍ غير ذي أودِ
أَي يَعَضُّ أَعْلى قَرْنِه وهو يقاتله ، والعَجْمُ : عَضٌّ شديدٌ بالأَضراس دُون الثّنايا ، وعَجَم الشيءَ يَعْجُمُه عَجْماً وعُجوماً : عَضّه ليَعْلَم صلابَتَه من خَوَرِه . وعَجمَ الرجلَ رَازَه على المَثَل ، والعَجْمِيُّ من الرجالِ : المُميِّزُ العاقلُ ، وعَجَمَتْه الأُمورُ : دَرَّبَتْه ، ورجل صُلْبُ المَعْجَمِ والمَعْجَمةِ : عزيزُ النفْس إذا جَرَّسَتْه الأُمورُ وَجَدَتْه عزيزاً صُلْباً . وفي حديث طلحة قال لعمر : لقد جَرَّسَتْكَ الأُمور( ) ، وعَجَمَتْك البَلايَا : أَي خَبَرَتْك ، من العَجْم : العَضّ . يقال : عَجَمْتُ الرجلَ : إذا خَبَرْتَه ، وعَجمْتُ العُودَ : إذا عَضَضْتَه لِتَنْظُرَ أَصُلْبٌ أَم رخْوٌ . وناقةٌ ذاتُ مَعْجَمةٍ : أَي ذاتُ صَبْرٍ وصلابةٍ وشِدّةٍ على الدَّعْك . وأَنشد بيت المَرَّار :
جِمالٌ ذاتُ مَعْجَمةٍ ونُوقٌ ... عَواقِدُ أَمْسَكَتْ لَقَحاً وحُولُ
وقال غيره : ذاتُ مَعْجَمةٍ : أَي ذاتُ سِمَنٍ . قال الجوهري : أي ذاتُ سِمَن وقُوةٍ وبَقِيَّةٍ على السَّير ، قال ابن بري : رجلٌ صُلْبُ المَعْجَم ، للذي إذا أَصابَتْه الحوادثُ وجدته جَلْداً ، من قولك : عَودٌ صُلْبُ المَعْجَمِ ، وكذلك : ناقة ذاتُ مَعْجَمةٍ ، للتي اخْتُبِرَتْ فوُجِدتْ قَويَّةً على قَطْع الفَلاة ، قال : ولا يُراد بها السِّمَنُ كما قال الجوهري ، وشاهده قول المتلمس :
جاوَزْتُه بأَمونٍ ذاتِ مَعْجَمة ... تَهْوي بكَلْكَلِها والرأْس مَعْكومُ
والعَجُومُ : الناقةُ القوِيَّةُ على السفَر ، والثَّوْرُ يَعْجُمُ قَرْنَه : إذا ضَرب به الشجرةَ يَبْلُوه ( ).
والنتيجة أنه من المحتمل أن أهل وادي العجم إنما لقبوا بهذا اللقب لصلابتهم وقوة أبدانهم وعقولهم ، وقدرتهم على تمييز الأمور وتبصرها ، ونفوذ بصيرتهم ، ودربتهم وخبرتهم ومراسهم الطويل في العمل والحياة ، وعزة نفوسهم ، وشدة صبرهم على المصائب ، وجلدهم عند نزول الرزايا وحلول البلايا ، وصبرهم على ما يحل بهم من الأذى والمحن ، وكثرة احتمالهم للدعك والتجارب والأسفار وغيرها .
5- العَجَمةُ : النخلةُ تنبُت من النَّواة . وقال أبو حنيفة : العَجَمةُ حبّة العِنب حتى تنبُت( ). ومن المحتمل أن وادي العجم سمي بذلك تشبيهًا بنوى النخيل وحبات العنب لكثرة أشجاره التي تنبت من عجم » النوى وبذور» الثمار المختلفة . أو لكثرة البذور التي تخرج من ثمار أشجاره المتنوعة ذات العجم » النوى » .
6- العَجَمات : صُخورٌ تَنبت في الأَودية . قال أَبو دُواد :
عَذْبٌ كماء المُزْنِ أَنْ ... زَلَه مِنَ العَجَماتِ بارِدْ
يصف رِيقَ جارية بالعذوبة ، والعَجَماتُ : الصُّخور الصِّلاب( ).
ومن المحتمل أن أهل وادي العجم سموا بذلك تشبيهًا لهم بالصخور الصلبة التي تكثر في الوادي ، بحيث كيف التفت تجدها حولك كأنها نبتت في كل مكان منه . أو أن الوادي سمي بذلك لكثرة الصخور الصلبة نفسها فيه مسببة وعورة مسالكه وسهوله وتلاله وأوديته التي تسمى بالعجمات تشبيهًا لها بنوى التمر الصلبة الجيدة .
7- العجم : هم الناس الذين لون بشرتهم بيضاء : فقد نقل ابن منظور في كتابه » لسان العرب » في مادة » هجن » عن المبرد أنه قال : » يقال لولد العربي من غير العربية : هجين ؛ لأن الغالب على ألوان العرب الأدمة ، وكانت العرب تسمي العجم : الحمراء ؛ لغلبة البياض على ألوانهم ، ويقولون لمن علا لونه البياض : أحمر ، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة : « يا حميراء ! » ؛ لغلبة البياض على لونها . وقال - صلى الله عليه وسلم -: « بعثت إلى الأحمر والأسود » ؛ فأسودهم العرب ، وأحمرهم العجم ، وقالت العرب لأولادها من العجميات اللاتي يغلب على ألوانهن البياض : هجن وهجناء ؛ لغلبة البياض على ألوانهم وإشباههم أمهاتهم »( ). وزاد المبرد الأمر وضوحًا بقوله : الهجين عند العرب : الذي أبوه شريفٌ وأمّه وضيعة ، والأصل في ذلك أن تكون أمّةً ، وإنما قيل : « هجين » من أجل البياض ، وكأنهم قصدوا قصد الرّوم والصّقالبة ومن أشبههم ، والدليل على أن الهجين الأبيض أن العرب تقول : ما يخفى ذلك على الأسود والأحمر ، أي العربي والعجميّ ، ويسمّون الموالي وسائر العجم الحمراء( ). وقال أبو حمد : اختلفت العلماء في المعنى المراد من الأحمر والأسود هنا ، فقيل هم العرب والعجم ، لأن الغالب على العجم الحمرة والبياض وعلى العرب الآدمة والسواد ، وقيل أراد الأحمر والأبيض مطلقًا ، فإن العرب تقول إمرأة حمراء أي بيضاء( ). وقال ابن الأثير : الأحمر : كناية عن الأبيض ، والأسود : العرب لأن الغالب على ألوانهم الأدمة ، والأدمة قريبة من السواد . والأحمر : العجم ، لأن الغالب على ألوانهم البياض والحمرة( ).
وبناء على هذا القول أن أهل وادي العجم سموا بذلك لغلبة البياض والحمرة على ألوانهم ، وذلك تشبيهًا لهم بألوان العجم الذين يغلب على ألوانهم البياض . وسمي واديهم لذلك باسمهم الذي أطلق عليهم لا لعجمة ألسنتهم ولا لأصولهم العجمية . ومن الملاحظ أن سكان الجبال يغلب على لون بشرتهم البياض والحمرة .
8- العجم : الفلاحون ، فقد ذكر أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ ، قَالَ : كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى هِرَقْلَ صَاحِبِ الرُّومِ : « مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى صَاحِبِ الرُّومِ : إِنِّي أَدْعُوكَ إِلَى الْإِسْلَامِ ، فَإِنْ أَسْلَمْتَ فَلَكَ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْكَ مَا عَلَيْهِمْ ، فَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْإِسْلَامِ فَأَعْطِ الْجِزْيَةَ ، فَإِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى – يَقُولُ : « قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ »( ) وَإِلَّا فَلَا تَحِلُّ بَيْنَ الْفَلَّاحِينَ وَبَيْنَ الْإِسْلَامِ : أَنْ يَدْخُلُوا فِيهِ ، أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ » . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القاسم بن سلام المتوفى سنة 224هـ : قَوْلُهُ : وَإِلَّا فَلَا تَحِلُّ بَيْنَ الْفَلَّاحِينَ وَبَيْنَ الْإِسْلَامِ ، لَمْ يُرِدِ الْفَلَّاحِينَ خَاصَّةً ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَهْلَ مَمْلَكَتِهِ جَمِيعًا ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَجَمَ عِنْدَ الْعَرَبِ كُلُّهُمْ فَلَّاحُونَ ، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ زَرْعٍ وَحَرْثٍ ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ يَزْرَعُ فَهُوَ عِنْدَ الْعَرَبِ فَلَّاحٌ ، إِنْ وَلِيَ ذَلِكَ بِيَدِهِ أَوْ وَلِيَهُ لَهُ غَيْرُهُ( ).
وبناء على هذا القول فإن وادي العجم سمي بذلك لأن جميع أهله أو معظمهم يعمل بالفلاحة والزراعة ، تشبيهًا لهم بالعجم الذين يعمل غالبيتهم بها ؛ بينما كان البدو فيه كانوا يعملون برعي الماشية .
وفي ختام هذه الجولة عن تسمية قطنا باسم وادي العجم لا بد أن نذكر أن سبب تسميته بهذا الاسم قد يرجع إلى تلك الأسباب المحتملة كلها أو بعضها ، ولا يختص بسبب واحد منها ، وإذا رجح الباحثون السبب البشري التاريخي منها لأهميته ودوره الحضاري إلا أنه لا يمكننا إهمال الأسباب الأخرى مهما قل شأنها ودورها في هذه التسمية . وهنا لا بد أن نلفت النظر إلى ما ذكره السيد » محمد حامدة » رئيس » المركز الثقافي العربي في قطنا » من : أن » قطنا » كانت حاضرة» مركز »( ) » وادي العجم » بإقليميه الشرقي والغربي( ). وفي الواقع فإن العثمانيين قد قسموا بلاد الشام إلى مقاطعات ، وأنه لما ألغيت حاكمية المقاطعات في عهد السلطان عبد الحميد الثاني سنة 1277هـ( ) ، قسمت سورية إلى أقضية ، وألحقت الزبداني وضواحيها بقضاء وادي العجم ، ومركزه قطنا( ). وأضاف الأستاذ أمين : أن قضاء وادي العجم مترامي الأطراف طوله من الغرب إلى الشرق 60 كم ، ومن الشمال إلى الجنوب 40 كم ، ومساحته 2400 كم2 ، وعدد سكانه حسب إحصائية عام 1374هـ( ) 47300 نسمة . وكان يتألف من ثلاث نواحي ؛ اثنتان جبليتان وهما : ناحية قطنا وناحية بيت جن ، وواحدة سهلية وهي ناحية الكسوة . وبيَّن الأستاذ أمين أن وادي العجم يقسم إلى قسمين إداريين هامين كما ذكرهما السيد حامدة منذ قليل هما :
الأول : وادي العجم الفوقاني » الغربي » ، ويشمل ناحيتي قطنا وبيت جن ويدعى إقليم البلان ، وهذه التسمية وردت في كثير من المصادر ، وخاصة خلال الثورة السورية الكبرى 1344- 1346هـ( ). وتسميته باسم البلان المستعمل في كنس الشوارع في تلك الأيام ، وهو نبات معروف ، ويكثر في منطقة قطنا ، وكان الناس يستخدمونه أيضًا في التدفئة وصناعة الخبز التنوري كما يستعمل في الأفران .
الثاني : وادي العجم التحتاني » الشرقي » : ويشمل ناحية الكسوة التي تسقى من مياه نهر الأعوج . وكان القضاء يضم داريا – قضاء الزبداني – وقد فصل عنه فيما بعد وجعل مركز قضاء مستقل يتبعه عدد من القرى في عام 1317هـ( ). وتغيرت حدود قضاء الزبداني بعد الاحتلال الفرنسي عن العهدين العثماني والفيصلي ، حيث كان يضم قرى معربون ويحفوفة ومزرعة جنتا ، ولكن الفرنسيين أعطوا هذه القرى للبنان ، وكذلك حاصبيا وراشيا والبقاع ، بعد أن فرضوا انتدابهم على سورية عام 1338هـ( ). وبعد الاستقلال وجلاء الأجانب عن سورية عام 1366هـ( ) استدعت الحكومة خبيرًا ، بلجيكي الجنسية ، تجول في محافظات القطر وأقضيتها واقترح بتقريره الذي ترجم وطبع ونشر : أن تؤسس الحكومة السورية قضاء باسم دمشق ، لكن العقبات المالية والمؤثرات المانعة للخير حالت دون تنفيذه . وقد قال : وجوب ربط ناحية الكسوة بهذا القضاء الحديث لأن مركزه يبعد عن قضاء قطنا والقنيطرة . وكان يضم هذا القضاء » وادي العجم » (74) قرية ومزرعة ، وحسب المرسوم التشريعي رقم (31) الصادر في عام 1369هـ( ) كانت ناحيتا بيت جن والكسوة تابعتين إلى قطنا قصبة وادي العجم ، وكان إحداثهما عام 1355هـ( ) حسب تأكيدات بعض المطلعين والمعمرين . وفي الثلث الأخير من القرن الرابع عشر الهجري( ) أطلقت تسمية قضاء قطنا على وادي العجم بأكمله ، وأبطلت تسميته » قضاء وادي العجم » . كما أبطل اسم إقليم البلان ، وأصبح القضاء محصورًا بحدوده الحالية : من الشمال قضاء الزبداني ، ومن الغرب قضاء راشيا وقضاء حاصبيا وخط الحدود الفاصل بين أراضي الجمهورية العربية السورية والجمهورية اللبنانية ، يأتي من غرب الزبداني في الشمال إلى غربي قرب رأس العين ورخلة وبرقش وقلعة جندل وبقعسم وريمة من قضاء قطنا ، نحو ذرى جبال حرمون مارًا بين قريتي عرنة السورية وشبعا اللبنانية ، إلى أن يبلغ غربي مجدل شمس في قضاء القنيطرة . ومن الجنوب قضاء القنيطرة والجولان ، ومن الشرق مشارف دمشق وداريا . وفي الستينات من القرن العشرين أطلق على القضاء اسم منطقة قطنا ، ولا يزال هذا الاسم حتى اليوم( ).
ومن قرى وادي العجم ومدنه إضافة إلى » قطنا » نذكر : كناكر ، الزريقية ، الكسوة ، داريا ، الطيبة ، الدرخبية ، الصبورة ، رخلة ، دير العشاير ، سعسع ، دير علي ، شقحب ، دير ماكر( ) ، البويضة( ). بيت جن ، بيت سابر ، كفر حور ، بيت تيما ، عرنة ، حينة ، قلعة جندل ، عرطوز ، جديدة عرطوز ، الزبداني ، حينة ، عرنة ، بيت تيما.( )
وأشهر قبائل وادي العجم نذكر » قبيلة النعيم » . قال كحالة في منازل هذه القبيلة ، منها : قطنا من أقضية محافظة دمشق . ومن أعظم أقسام هذه العشيرة ، نعيم الجولان ووادي العجم من أقضية محافظة دمشق ، وهم قسمان : أحدهما مستقر أهل زرع ، والثاني رحال أهل ضرع ، وهذا القسم الرحال ذو نجعة قصيرة لا يتعدى شرقي قضائي وادي العجم ودوما ، إلا في سني الخير العميم ، فإنه يبعد إلى ديرة التلول ويبلغ الحماد( ). ومن البكار : فرقة من نعيم الجولان ووادي العجم المستقر يعدون نحو 500 بيت( ). وقد اهتم العلماء في دمشق اهتمامًا كبيرًا بوادي العجم حتى أننا نجد الشيخ محمد جمال الدين القاسمي المتوفى سنة 1332هـ صاحب التفسير المشهور بتفسير القاسمي وعنوانه » محاسن التأويل » يصنف كتابًا يخصصه لأهل وادي العجم بعنوان : » بذل الهمم لموعظة أهل وادي العجم »( ). وقد ذكر صاحب كتاب » لكود القشعم » معاناة سكان وادي العجم وجيرانهم من البدو في عهد الدولة العثمانية تحت عنوان : عْمِّيشِيِةْ حوران والجيدور : إن أعمال القتل والسلب والنهب التي مارسها البدو والاعتداء على الزرع والمواشي ، أقلقت راحة سكان قرى حوران و الجيدور زمناً طويلاً . وقال صاحب عشائر الشام : » وقد اشتهر السلوط بشرورهم وبراعتهم في التعدي على الزرع والمواشي في قرى حوران والجيدور المجاورة لهم ، وربما بلغوا في دجى الليل قرى وادي العجم ، وفعلوا فعلتهم وانسلوا راجعين قبل أن يدري بهم أحد ، والشكوى منهم عظيمة لا تنقطع في كل عهد وظرف ، ولطالما أقلقوا الحكومة العثمانية ، وكانت كلما أرادت معاقبتهم تغلغلوا بين الصخور والكهوف فتعذر العثور عليهم »( ).
وكان لقطنا بلدية قديمة تعود إلى العهد العثماني ، احتضنها بناء سمي بـ» القصر البلدي » ، وكان مؤلفاً من طابقين من الخشب والطين ، ويقع داخل حديقة سميت بـ» المنشية » ولهذه التسمية مثيلات في المدن القديمة( ).
الباحث : محمود بن سعيد الشيخ