جامع الشيخ حسن الراعي - 1
2. جامع ومقام وزاوية الشيخ حسن الراعي:
جامع ومقام وزاوية الشيخ حسن الراعي
يقع في جنوب بلدة قطنة القديمة ، في منطقة قطنا القبلية ، ويشرف على بساتينها الجميلة ، وأراضيها الغناء الرائعة ، ولعل الشيخ حسن الراعي اختار هذا الموقع منزلاً له في بداية أمره في قطنة ثم أقام فيه زاوية لإقامة الأذكار بعد اتباعه لطريقة شيخه أحمد الرفاعي ، وذلك لقربه من نهر الماء الرئيس للبلدة ، حيث يستطيع أن يتوضأ منه المسلم في العصور القديمة ، ويدخل الزاوية طاهرًاً لأداء العبادة بيسر وسهولة ، حيث أن جامع العمري يقع وسط البلدة ولا يتمتع بهذه الميزة !؟ لذا كان من يريد الصلاة فيه أن يتوضأ في منزله ثم يأتيه ، أو يتوضأ في مياه النهر إلى أن تيسر مد أنابيب المياه في البلدة ، فمد إليه الماء وتيسر – بفضل الله تعالى - ويفصل بينه وبين نهر الماء طريق قبلي يمر في جنوبه ، ويتعرج هذا الطريق بتعرج النهر ، واتجاهه من الشرق إلى الغرب تقريبًاً . والباب الرئيس المؤدي إلى الجامع والمقام والغرف والمقبرة يفتح على هذا الطريق القبلي ، حيث يدخل الداخل منه إلى فناء واسع يدعى صحن الجامع ، ثم إلى ممر صغير واقع بين الجامع والمقام والغرف حيث تفتح عليه أبوابها ، ويقع الجامع الصغير شمال غرب الفناء ، وبابه الداخلي يتجه نحو الشرق .
ولا يعرف بالضبط أول من بناه ولا تاريخ بنائه ، ولعل الشيخ حسن الراعي أقام في مكان الجامع منزله أول ما وصل مهاجراً من شهبة ، وبقي فيه مستفيداً من موقعه الممتاز آنذاك فهو يقع جنوب البلدة على طرفها ، ويطل على النهر الذي يحتاج إليه لسقي الأغنام التي يرعاها عند عودته مساء من رعيها ، وأيضاً هو يستفيد من كونه مكاناً مهجوراً لا يملكه أحد ، وبالتالي لا يضايقه فيه أحد من ناحية التملك ، حيث كان مكانه معبداً لما يسمى الآلهة » عشتار « التي ترمز إلى كوكب » الزهرة « ، لذا يسميه بعض المؤرخين بمعبد الزهرة ، أو هيكل الزهرة ، وقد بني في العهد اليوناني ، ثم حول إلى معبد روماني . وقد أصابته يد التخريب البشرية كالتخريب والتدمير التي كانت تتعرض لها البلدة في أثناء وعقب بعض الحروب ، كما أصابته الكوارث الطبيعية كالزلازل التي دمرت البلدة أو معظمها لأن مبانيها كانت من اللبن الطيني ، وقد يكون اختياره هذا المكان المهجور نابعًاً من تقواه وورعه اللذين اشتهر بهما ، ونحن نرى بعض صوفية ذلك الزمن يؤون إلى المغاور والخرائب زهداً منهم في الدنيا ومتعها وشهواتها ، وقد تكون خرائب ذلك المعبد مناسبة مع بعض الترميم والإصلاحات في أيامه ليسكن فيها ويضع الأغنام التي يرعاها لأهل البلدة وإيوائها ، وأخيراً فهذا الموقع مناسب لتجميع أغنام القرية في الصباح حيث يأتي صاحب كل غنم بأغنامه إلى هذا المكان القريب ثم ينطلق ليرعاها في الحقول والبساتين أو البراري الواقعة في جنوب البلدة أو شرقيها أو غربيها . وكذلك في أثناء عودته في المساء حيث يأتي أصحابها لأخذها ، كما كان يفعل الرعاة في البلدة إلى وقت قريب . ومن بعد ذلك لما تعلم الشيخ حسن وصار عالماً وشيخ طريقة صار يجتمع مع أصحابه وأتباعه في هذا المكان أولاً للذكر والأوراد ، ومن ثم حول إلى زاوية تشتمل على الجامع والمقام والغرف وأخيراً المقبرة المجاورة ، كما نرى في أقدم التراجم التي وصلتنا شذرات عن أصحابها من خلال الإجازات المعطاة من أولئك المشايخ من ذرية الشيخ حسن الراعي إلى أتباعهم ، والذين سنأتي على ذكر بعضهم . وقد اتخذ قرار تجديد بناء هذا الجامع مع المقام في عهد السلطان العثماني أحمد الثالث » 1115 – 1143 هـ « عام 1117 هـ ، لكن لم يتم تجديده فعليًاً إلا في عام 1170 هـ ، في عهد السلطان العثماني عثمان الثالث » 1168 – 1171 هـ « . وذلك وفق ما هو مدون ومرقوم على لوح من الحجر المنحوت مع اسم الجامع والمقام الذي وضع فوق المدخل الرئيس إليهما . ولعل هذا ما أوقع بعض الدارسين لتاريخ البلدة في بعض الأخطاء ، نتيجة التعميم وعدم المقارنة والموازنة بين التواريخ المتعددة . وفي الواقع فإن ما أطلق عليه جامع ما هو إلا مسجد صغير أو مصلى تقام فيه الصلوات الخمس في عصرنا الحاضر ، ولا يلاحظ وجود منبر ، ولا محراب فيه ، وإنما هو على شكل غرفة فقط . ولما سئل كثير من كبار السن عن منبره لم يعرفوه إلا واحداً ذكر بأنه كان يسمع عن وجود منبر يوضع في وقت صلاة الجمعة ، ثم يرفع ، والله أعلم ، وتدل تسميته باسم » جامع « على أنه كانت تقام فيه صلاة الجمعة عندما كان عدد السكان قليلاً ، وكان الجامع يتسع لهم في أيام الجمع والأعياد ، ولكن لما زاد عددهم وضاق الجامع عن استيعابهم نقلت منه إلى الجامع العمري واستقرت فيه لأنه يتسع لجميع المصلين من سكان البلدة .
ويذكر كبار السن من أهالي قطنة والمصادر التاريخية سبب هذا التجديد – على ما أورده الأستاذان أمين وسعد الين - وهو : أن والي الشام في عهد السلطان العثماني أحمد الثالث زار العاصمة العثمانية استانبول عام 1115 هـ ، ولاحظ أخت السلطان بحالة يرثى لها من المرض ، حيث أصيبت بجنة» الجنون « وصرع ، أو كانت مصابة بمرض نفسي » انفصام في الشخصية « أو » اختلال عقلي « وهذا ليس مرضاَ عضوياً - فسأل السلطان عن صحتها ، فأفاده بأنها مريضة ، وأنه تم عرضها على أمهر أطباء السلطنة وأوروبة ولكن دون فائدة وأن الأطباء عجزوا عن شفائها !! فاقترح عليه أن يحملها معه للشام لأن فيها أولياء صالحين ، وعلى رأسهم » الشيخ حسن الراعي « في قطنة . ووصف للسلطان أن بئرًا قرب مدفن الشيخ حسن الراعي في بلدة قطنة من أعمال الشام صالحة لشفاء أخته ؛ والشائع في تلك الأيام أن المصروع إذا وضع في البئر المذكورة يومًا يشفى . وبالفعل فإن السلطان وافق ، وأرسل أخته مع والي الشام من استانبول » القسطنطينية « ، فجاءت إلى قطنة مع نسوة بصحبتها معززة مكرمة ، وكالعادة أنزلت في البئر المحفورة بصحن الجامع » الفناء « ، ولم يذكر الرواة المدة التي بقيت فيها ، ثم خرجت منها معافاة سليمة ، وعادت إلى استانبول بأحسن حال » كذا « !! . عندها أمر السلطان أن يبنى للشيخ قبر وضريح ومسجد ومئذنة فتم ذلك ، وعرف المكان من وقتها بزاوية الشيخ حسن ، ولا تزال هذه البئر داخل المسجد لكنها سدت بالحجارة بأمر الحكومة القائمة عام 1360هـ ، ولم تعد تتخذ كمشفى . كما أمر السلطان بوقف قطنة وتوابعها على الشيخ أحمد وولده الشيخ حسن القطناني » الحسن الثاني - الصغير « ولأولاده وأحفاده من بعده نسلاً بعد نسل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، حسب نص التملك بالتركية ونقل إلى العربية ؛ أو بوقف جزء كبير من بساتين قطنا – بمعدل الثلثين تقريبًا – وذلك لخدمة المقام وإعادة تجديد بنائه سنة 1117 هـ . وقد وضعت إشارة الوقف على معظم العقارات في قطنة مضبوطة بتولية دائرة أوقاف الشيخ حسن . وهنا لا بد لنا من إيراد بعض الملاحظات على هذه الرواية :
1. الملاحظة الأولى هي الفترة الطويلة التي بين تاريخ الأمر بتجديد البناء سنة 1117 هـ وبين تاريخ تجديده الفعلي المسجل على اللوحة الحجرية المنقوشة فوق بوابته الرئيسة عام 1170 هـ ، ولا ندري لماذا تأخر هذا التجديد أكثر من نصف قرن من الزمان ، هل هو بسبب قلة الأموال التي قدمتها الدولة لمثل هذا العمل أو أنها لم تقدم شيئًا فتريث المتولون على الوقف حتى تم لهم تجميع الأموال الكافية لهذا العمل ؟ أم أن للحركات التي قام بها المعنيون والشهابيون والجزار وظاهر العمر وغيرهم أدت إلى اضطراب الأمن وزرع الخوف والفزع من هدم ما قاموا به ؟ خاصة وأن البلد قد تعرضت للتدمير عدة مرات في العصور السابقة . أم لأسباب أخرى مجهولة ؟
2. الملاحظة الثانية هي حصول زلازل مدمرة في بلاد الشام ومنها قطنة حتى أن الجامع الأموي في دمشق وكثير من مبانيها تصدع وتخرب واحتاج إلى ترميم أو إعادة بنائه بالكامل وذلك عام 1173 هـ ، ولا ندري هل تصدع جامع الشيخ حسن الراعي ومقامه بعد تجديده واحتاج إلى ترميم أم لا ، فالمصادر والروايات لا تفصح لنا شيئاً عن هذه الناحية ، ولا تشير إلا إلى أخذ بعض حجارة لمعبد اليوناني فالروماني وأعمدته الملقاة بجانبه إلى الجامع الأموي لترميمه .
3. الملاحظة الثالثة وهي أن السلاطين العثمانيين كانوا على معرفة بوجود الشيخ حسن الراعي ، وصلاح ذريته ، لا بل فإن السلطان العثماني أحمد الأول سنة 1013 هـ هو أول من جعل قطنة وتوابعها وقفاً ذرياً على ذرية الشيخ حسن في عهد أحد أحفاده وهو الشيخ أحمد بن حسن الصغير » الثاني « ابن عبد الله بن طعمة بن محمد أبو كرش بن عبد الله بن يوسف بن عبد الهادي بن عبد الرحيم بن حسن الراعي القطناني ، وليس السلطان أحمد الثالث كما ذكر بعض المؤرخين لقطنة . وسبب ذلك على ما ذكر صاحب الفتح الصمداني : » هو أن بعض عائلة الحضرة الشريفة السلطانية إذ ذاك ألمَّ به مرض ، ولما كان الشيخ أحمد – المشار إليه – من المعتقدين في ذلك الوقت أمره السلطان الواجب الطاعة والامتثال بأن يمدَّ ذلك المريض بهمة منه ، ففعل ، وعافى الله المريض ببركته ، فأحسن إليه – بلَّ الله ثراه بالرحمة – وملكه قرية قطنا وتوابعها « . ولا ندري هل هو أول من جدد بناء جامع الشيخ حسن في العهد العثماني أم لا ؟ فقد اشتهر عنه حبه لبناء المساجد وترميمها وولعه بذلك ولعاً شديداً ، ومن أهم الجوامع التي بناها الجامع الأزرق في استانبول الذي لا يزال إلى الآن معلماً حضارياً من معالم استانبول الرائعة . وقد يكون السلطان أحمد الثالث أضاف أوقافاً ذرية جديدة إضافة للأوقاف الأولى حسب ما أورده الأستاذان أمين وسعد الدين ، أو أنها أوقاف واحدة وتم الخلط في الروايتين بين اسم السلطان أحمد الأول والسلطان أحمد الثالث ، ومن المعلوم أنه بين حكم كل من هذين السلطان فترة تزيد عن مائة عام . ويذكر كبار السن من أهل قطنة أن قرى غوطة دمشق كانت وقفًا ذريًا على ذرية الشيخ حسن الراعي وبعض الدكاكين في دمشق وغيرها . ولعل أوقاف الغوطة والدكاكين المذكورة هي أوقاف قديمة جدًا تعود إلى عهد الشيخ حسن الراعي ، وهذا ما لم تشمله أوقاف السلطان أحمد الأول ولا أوقاف السلطان أحمد الثالث التي انحصرت في قطنة وتوابعها ، وذلك حسب مناسبة المثل المشهور بين سكان قطنة القائل : » أن كل من يشرب من البرداني يدفع وقف للقطناني «، ومناسبة هذا المثل أسطورة من الأساطير التي لم تثبت تاريخيًا حيث لم يذكرها أحد من مؤرخي الشام وموجزها أن بعض أهل دمشق أغضبوا الشيخ أرسلان الدمشقي فدعا الله أن يجعل مياه نهر بردى دمًا ، فاستجاب الله دعاءه وتحول ماء النهر إلى دم أحمر ، فاستغاث أهل دمشق إليه أن يدعو الله ليعيد إليهم ماء النهر كما كان فلم يفعل ، فلجأوا عندئذ إلى الشيخ حسن فاستجاب لهم ، ودعا الله تعالى فاستجاب له وعادت مياه النهر إلى سابق عهدها ، ومنذ ذلك التاريخ أوقف أهل الغوطة ودمشق أوقافًا للشيخ حسن وذريته من بعده . ومن المعلوم أن الشيخ أرسلان توفي عام 541هـ في القرن السادس الهجري ، وهي السنة التي ذكر الأستاذ أمين ولادة الشيخ حسن فيها !! . فلا معاصرة زمنية بين الرجلين .
4. الملاحظة الرابعة : أن الأستاذ أمين التبس عليه الأمر في الأوقاف إذ جعل نص الفتح الصمداني الوارد في أوقاف السلطان أحمد الأول سنة 1013هـ فجعله في أوقاف السلطان أحمد الثالث سنة 1115هـ .
ويقابل الجامع من جهة الشرق مقام الشيخ حسن الراعي ، ويفصله عن الجامع ممر ضيق قصير يصل إلى غرفتين : إحداهما في أقصى الشمال ، وتقابل الممر ، ويفتح بابها عليه من جهة القبلة ، ويستخدمها الإمام . والغرفة الثانية تقع شرقيها ، وهي شمال المقام ملاصقة له ، وهي أوسع وأكبر من الأولى ، ويفتح بابها إلى الغرب ، وتستخدم حالياً كمستودع ، يحفظ فيه الطبول وأدوات النوبة وغيرها وأخيرًا غرفة صغيرة فيها ضريح الشيخ حسن الذي لبس بالرخام ، وغطي بكساء أخضر من الحرير ، كتب عليه العبارة التالية : » مقام القطب الرباني الشيخ حسن الراعي المتوفى سنة 606 هـ« . واللون الأخضر في تلك الفترة كان شعار آل البيت !! . وباب المقام يقابل باب الجامع ، حيث يفتح على الممر غرب المقام . وقد بنيت قبة متوسطة الحجم فوق غرفة المقام ، وطليت باللون الأخضر ، وأول من اتخذ القبة الخضراء الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان في داره التي بناها بدمشق ، والتي سميت بالخضراء بسبب تلك القبة الخضراء . وقد نبتت شجرة تين صغيرة الحجم ، في أعلى جدارها القبلي ، في خط اتصال الجدار بالقبة الخضراء ، ولا تزال هذه الشجرة إلى وقتنا الحاضر ، وهي مثمرة ، وقد حاول بعض الناس التبرك بأكل ثمارها ، وليس لهذا التبرك أصل من الدين !!.
ويوجد في أقصى الجنوب الشرقي من الفناء الداخلي مئذنة الجامع التي بنيت أولاً من اللبن ، ولكن لما سقطت فوق المقبرة بفعل الزلازل أعيد تجديد بنائها بالحجارة الصلبة المنحوتة مثل سائر حجارة الجامع والمقام والغرف ، وقد زينت بنجمة على شكل سداسي منتظم في القسم الأعلى منها من جهة الشرق ، ويقال إنها النجمة السداسية التي اتخذها اليهود شعارًاً لهم ، ووضعوها على معابدهم ، وأخيرًاً على أعلامهم بعد إقامة دولتهم المسماة إسرائيل ، ومدخلها من فناء الجامع حيث يوجد في داخلها درج حلزوني يصعد إلى أعلاها ، حيث يصل المؤذن إلى الشرفة التي أعلاها ، وقد سورت الشرفة بحجارة منحوتة ، بحيث تمكن المؤذن من السير عليها بأمان والتأذين في جميع الاتجاهات ، وفي الدورة التي كانت تحدث منذ وقت طويل في كل عام ولا سيما في عيدي الفطر والأضحى . وحدث مرة أن خرج الرجال ومعهم الطبول يقرعونها ، والدفوف يضربونها ، والأناشيد الدينية يذكرونها ويرددونها ، والأذكار يمارسونها ، وفي تلك الفترة تسلل إلى المئذنة ولدان ، وصعدوا إلى أعلى سور الشرفة ، فسقطت بعض حجارته فتكسرت وتحطمت ، وسقط الولدان منها على الأرض مغمى عليهما ، ثم أفاقا وقاما ولم يصابا بأذى - ولله الحمد - وقد سارع القائمون على خدمة الجامع إلى إحاطة سور الشرفة الحجري بطوقين من الحديد حتى لا تتكرر الحادثة . ويعلو الشرفة غطاء من الخشب والزنك ليحمي المؤذن من حرارة الشمس والمطر ، وكذلك يحمي الشرفة والمئذنة من تجمع الأمطار في شرفة المئذنة ثم توغلها إلى داخلها . وتعلو المئذنة كرة من الحجر المنحوت بعناية فائقة ، وفوقها وضع هلال معدني ، ويصل ارتفاعها إلى أكثر من 15 م .
وفناء الجامع والمقام واسع ، وهو عبارة عن فسحة سماوية غير مسقوفة تفصل بين المدخل الرئيس في الجنوب ، والجامع والمقام والغرف في الشمال ، ومقبرة الشيخ حسن من الشرق ، ودار بيت التقي من الغرب ، وقد بلط أرضه بالحجارة المنحوتة ، وكثيراً ما يصلي الناس فيه مع الإمام . وقد وضع في هذا الفناء جرن كبير منحوت من الحجارة إلى غرب المئذنة ، وكان يستخدم قديماً للوضوء منه ، حيث كان يملأ ماء من مياه النهر المجاور للطريق الفاصل بينهما . ويظن أنه من بقايا المعبد اليوناني الذي أقيم مكانه الجامع والمقام مكانه .
ومن المفيد أن نذكر البئر التي كانت في الفناء » صحن الجامع « ، والتي كانت قريبة جداً من المئذنة ، غرب زوايتها الشمالية الغربية ، وهي بئر جافة لا يوجد بها ماء . والطريف أن هذه البئر نسجت حولها الحكايات العديدة ، وكلها تدور حول شفاء الذين يدلون فيها ، وتغطى البئر بغطاء حجري نحت مطابقًا لفتحتها العليا التي يطلق عليها » فم البئر ، من بعض الأمراض النفسية كانفصام الشخصية والاختلال العقلي والجنون ... وسيرد بعد قليل حكايتها ، ويعد الناس ذلك من الكرامات !!
والجدير بالذكر هنا أن اليونان القدماء الذين احتلوا بلاد الشام وغيرها ، والذين عرفوا بالسلوقيين ، كانوا وثنيين يؤمنون بتعدد الآلهة ، وعبدوا الشمس والقمر والكواكب ولا سيما المشتري والزهرة ، شأنهم في ذلك شأن الآراميين ، وقد أقاموا في قطنة بناء فخماً تكريسًاً لعبادة ما يدعونه الآلهة » عشتار « التي ترمز إلى كوكب » الزهرة « ، لذا يطلق على المعبد أحيانًاً معبد الزهرة . وهو بناء حجري منحوت ، ويضم أعمدة أسطوانية ضخمة ، قطر كل منها حوالي السبعين سنتيمتراً ، ويتألف كل عمود من عدة قطع توضع فوق بعضها ، وقد رأيت قاعدتين من قواعد تلك الأعمدية البازلتية كانتا عند مدخل الباب الرئيس من الشرق والغرب وقاعدة ثالثة منها ، وهي رمادية اللون تميل إلى السواد تقريبًاً ، كانت ملقاة مقابل صنبور الماء الذي كان مقابل المدخل الرئيس لجامع ومقام الشيخ حسن الحالي ، عند زاوية شارع الشيخ حسن مع الشارع الذاهب للقبلة إلى البساتين ، ولكن بعد قيام الأستاذ أحمد تاج الدين الشيخ وأخوه فاروق اللذان ورثا العقار بتجديد عمارة دارهما المكونة من بناء أرضي وعلية قديمة ، واستبدالها ببناء حديث مكون من عدة طوابق ، ومن بعد ذلك صب البلدية مجرى النهر بالاسمنت ، وسقف مجراه بالاسمنت المسلح ، لتوسعة الطريق ، ثم تعبيد الطريق وتزفيته اختفت تلك القواعد البازلتية المنحوتة بعد ذلك ، كما اختفى معها حجر أبيض أملس من الرخام الأبيض من صخر المارن الكلسي ، طويل يزيد عن ثلاثة أمتار وسميك تزيد سماكته عن سبعين سنتيمتر ، كان بجوار المدخل الرئيس موضوع كمصطبة ملاصقة للجدار حيث كان الناس يجلسون عليها , وقد تكون ردمت أو نقلت إلى أمكنة أخرى لا أعلمها !! . وقد وضعت تلك الأعمدة التي ذكرناها أعلاه عند المداخل الرئيسة للمعبد » الهيكل « ، وكانت تتصل ببعضها بأقواس وعقود حجرية منحوتة . وقد أهمل هذا المعبد ودمر إلى أن شيد على أطلاله الدارسة جامع الشيخ حسن ومقامه وزاويته ، ويبدو أن بلدة قطنة قد امتدت نحو الجنوب ، حيث أقيم المعبد بالقرب من مصدر المياه » نهر رأس النبع « .
ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى أن كثيرًاً من حجارة معبد عشتار وأعمدته قد أخذت لترميم الجامع الأموي في دمشق قد استخدمت في ترميمه إثر الزلازل التي أصابت دمشق بدءًاً من سنة 420 هـ وانتهاء بسنة 1253 هـ ولا سيما زلزالي عام 552 هـ وعام 1173 هـ اللذين كان لهما أثر تدميري وتخريبي بالغ في الجامع الأموي ، وكذلك الحريق الكبير الذي أصابه أيام السلطنة العثمانية عام 1310هـ حيث جاء في الروايات المتناقلة والمتواترة أن حجارة وأعمدة أخذت من الهيكل » المعبد « اليوناني في قطنة ، وبأعمدة من بلدة السوجة التابعة لها خاصة في عهد السلطان عبد الحميد حيث جرى ترميمه وتجديده ، كما أخذ بعض حجارته بعد ذلك لبناء السرايا » دار الحكومة «بعد الحريق الذي أصابها في عهد الفرنسيين ، وذلك في سنة 1349هـ .
وتقع المقبرة القديمة لبلدة قطنة شرق المقام وصحن الجامع والمئذنة ، وتسمى بمقبرة الشيخ حسن ، وكان لها بابان في سورها الغربي الفاصل بينها وبين فناء الجامع ، أحدهما بالقرب من المئذنة ، والثاني من غرفة المقام ، وقد ارتفعت سوية أرضها أكثر من متر عن أرض فناء الجامع والمقام ، عند تجديدهما ، لأنه تم هدم المئذنة التي كانت مبنية من اللبن المدكوك ، وأهيل ترابها فوق المقبرة ، وصارت القبور بعمق يزيد على المترين إلى ثلاثة أمتار ونصف مما اضطر أهل قطنة - عند دفن موتاهم في هذه المقبرة - إلى استخدام الحبال في النزول إليها ، وإنزال جثمان الميت ، والصعود منها ، والمقبرة مسورة بسور يفصلها عن الجامع والمقام وعن الطريق العام .
ويشرف على جامع الشيخ حسن الراعي ومقامه أفراد من ذريته إلى وقتنا الحاضر . ومنهم من ذكره المؤرخون ومنهم من اندثر ذكره ، وامحت آثاره ، وعفى الزمن على أخباره ، ومنهم من أدركنا . فمن الذين ذكرهم التاريخ :
1) الشيخ عبد الله بن عبد الهادي بن عبد الرحيم بن حسن الراعي : أحد الفضلاء الصالحين ، ممن » أثنى عليهم الأعيان ، ونوَّه بذكرهم أئمة الزمان « ، وصفه أحد الفضلاء بأنه » العارف الجليل ، ذي الذراع الرحب ، والباع الطويل ، من أولياء الله تعالى له فضل عظيم وقدر فخيم ، ولي الله بلا دفاع « .
2) الشيخ علي بن عبد الله بن عبد الهادي القطناني ، السابق ذكره ، وصف بأنه » عارف مرشد « ، من أولياء الله تعالى . صار شيخ زاوية جده » الشيخ حسن الراعي « ، في قطنا ، فأم الناس في الصلوات ، وأقام الأذان ، وله » فضل عظيم ، وقدر فخيم « ، وبلغ من شهرته أن ترجم له الإمام شيخ الإسلام أحمد بن حجر العسقلاني المصري في كتابه » الدرر الكامنة في أخبار المائة الثامنة « فقال ما نصه : » علي بن عبد الله القطناني الرفاعي ، شيخ الطائفة الرفاعية « ، قال ابن رافع : » كان مشهوراً بالخير والصلاح والكرم ، مواظباً على عمل الساعات ، ومد الأسمطة . يقصده الأكابر « . مات في ذي القعدة سنة سبعمائة وسبعة وأربعين .
3) الشيخ أحمد بن عبد الله بن عبد الهادي القطناني ، أحد أولياء الله تعالى العارفين ، فاضل مرشد ، له فضل عظيم وقدر فخيم مثل أخيه المذكور قبله ، صار شيخ زاوية جده » الشيخ حسن الراعي « ، وقد انتشرت على يده » خرقة جده « في البلاد ، وسارت بذلك الركبان ، وأثنى عليه أهل الإرشاد ، كما نص على ذلك محمد العلمي المقدسي في سند إجازته بالطريقة الرفاعية .
4) الشيخ عبد الله بن طعمة القطناني الذي ينتهي نسبه إلى الشيخ حسن الراعي ، كان شبخ زاوية الشيخ حسن في عهده ، يؤم المصلين ، ويرشد المسلمين ، ويسلك المريدين ، ويعطي الإجازات بالطريقة لمن يستحقها .
5) الشيخ حسن » الصغير « ويعرف أيضاً بـ» الثاني « - وذلك تمييزاً له عن الشيخ حسن الراعي الذي لقب بـ» الكبير « و بـ » الأول « - ابن عبد الله بن طعمة القطناني ، ابن الذي قبله ، كان شيخ زاوية الشيخ حسن في عهده ، تولى إمامة الجامع ، وأقام فيه يرشد المسلمين ، ويجيب على أسئلة السائلين ، ويسلك المريدين ، ويعطي الإجازات بالطريقة الرفاعية لمن يستحقها ، ومن أشهر هؤلاء الذين أخذوا عنه تلك الإجازة الشيخ محمد بن عمر بن محمد العلمي المقدسي » من مجددي الطريقة الرفاعية في رجال الوصلة القطنانية « الذي ترجم له صاحب كتاب » خلاصة الأثر « بترجمة ضافية ، وفي سند إجازته له ذكر ذلك ، وقد توفي سنة 1004 هـ ، ودفن في مقبرة الشيخ حسن الراعي في قطنة .
6) الشيخ أحمد بن حسن القطناني المذكور قبله ، وهو شيخ زاوية قطنة بعد أبيه ، وهو الذي أحسن إليه السلطان العثماني أحمد الأول ابن السلطان محمد ، وملكه قرية قطنة وتوابعها ، ووقفها على أولاده وأحفاده نسلاً بعد نسل ، وجيلاَ بعد جيل ، بموجب تمليك أصدره له سنة 1013 هـ ، » ومنه يدرك ما كان للشيخ حسن الصغير القطناني ، وأولاده من الشهرة والحرمة والمكانة في عصره عند » الملوك والخلفاء والرعايا والحكام « العثمانيين .
7) الشيخ علي بن حسن الصغير القطناني ، صحب والده ، وأجازه بالطريقة الرفاعية ، صار شيخ زاوية جده الشيخ حسن الراعي في قطنة ، بعد أخيه المذكور قبله . كان عارفًاً مرشدًاً ذا » فضل « .
وممن سمعنا عنهم أو أدركنا منهم في عصرنا الحاضر نذكر :
1) جد عبد الرحمن الشيخ
2) أحمد إسماعيل و أبوه
3) الشيخ عبد الله بن محمد شريف بن محمد التقي : فاضل ، كان مختار طائفة المشايخ في قطنة ، ويعمل معقباً للمعاملات العقارية وغيرها ، وفي تجارة الأراضي . كان دمث الأخلاق والمعاشرة ، وكان يقوم بإمامة المصلين في الجامع ، والأذان فيه ، ويشرف على خدمة الزوار لمقام الشيخ حسن الراعي ، ويقوم بمعونتهم وإرشادهم ، وسنرفق صورته إن شاء الله تعالى ، توفي عام 1393 هـ .
4) الشيخ أحمد بن محمد شريف بن محمد التقي : كان به عرج في رجله ، لذا لقب بالأعرج ، وكان لا يستطيع السير إلا بالاعتماد على عكازة : فاضل ، قام بإمامة الجامع بالنيابة عن أخيه المذكور قبله والأذان فيه ، كان يعمل بتجارة المواد الغذائية في دكان مستأجر من الأوقاف ، من دكاكين الجامع العمري ، ولما بدئ بتجديد الجامع العمري ، تم إخلاء تلك الدكاكين من مستأجريها ، على أن يعادوا إلى دكاكين جديدة ، ولم يخصص لهم أي مبالغ مالية خلال فترة التجديد ، فساءت أحوال بعضهم الاقتصادية ، وأثر ذلك في نفوسهم وفي صحتهم الجسمية ، ومنهم الشيخ أحمد حيث أصابته الحاجة ، وكان يدعو على المتسبب في ذلك ، وتوفي بعد مدة قليلة عام
5) الشيخ عدنان بن عبد الله بن محمد شريف التقي : قام بإمامة الجامع والأذان فترة بعد وفاة والده ، ثم حصل نزاع بينه وبين أخيه شريف على إرث والدهم وبقية إلإخوة ، وانتهى الأمر بتخلي عدنان عن إمامة الجامع والأذان لأخيه شريف حوالي عام 1415 هـ .
6) الشيخ شريف بن عبد الله بن محمد شريف التقي : ولد في قطنة عام 1367 هـ ، ودرس في مدارسها إلى أن حصل على الثانوية ، ثم عمل محاسباً في الرياض بالمملكة العربية السعودية في إحدى الشركات ، ثم أنهى أعماله فيها وعاد إلى بلده ، فتح محلاً للبراويز ، ثم تركه ، وكان قد ابتلي بالشراب والسكر ، ثم تاب وترك ذلك ، وأقام على إمامة الجامع والأذان فيه منذ خمسة عشر عاماً ، وأخيراً وضع مؤذن للجامع منذ شهرين اسمه محمد حسن . ولا يزال قائمًا بأمور الإمامة إلى وقتنا الحاضر .
الباحث : محمود بن سعيد الشيخ