جامع الشيخ حسن الراعي - 3
مزار حسن الراعي في فلسطين
(قرب مقام النبي موسى عليه السلام )
في زمن الحروب الصليبية بني كثير من مقامات الأولياء والأنبياء فوق أضرحة حقيقية أو وهمية على رؤوس الجبال ، أو في أماكن لها صفة القداسة ، بهدف أن تكون أماكن لتجمع الناس ، ولمراقبة تحركات الصليبيين ، ومن الطبيعي – أو بدافع ديني محض - أن تنمو حول المكان قرية ، ودعي المقام الذي يضم ضريح ولي من أولياء الله الصالحين بالمزار ، أما بيت الله فدعي بالمسجد .
ويبنى المزار في العادة على قمة جبل أو تلة أو على مرتفع بسيط في السهل ، وحتى تلك المزارات التي تبنى على جانب منحدر من الجبل أو في حوض الوادي فإنها تبنى في مكان يساعد الجميع على رؤيتها من كل جهة ، وكذلك بحيث تشرف على أكبر منطقة ممكنة ، إن ذلك مرتبط بفكرة : إنه من الضروري أن تكون المزارات قبلة لكل زائر ، وأن تكون واضحة المعالم ومعروفة .
وبناء المزار - في الغالب – يكون رباعي الزوايا ، ذا قبة ، وتعتبر القبة ملمحًا بارزًا من ملامح أهمية هذا المزار في بلاد الشام وغيرها . وللمزار باب واطئ وشباك صغير ، وفى بعض الحالات تكون هناك فتحات صغيرة تسمى الواحدة منها طاقة وجمعها طاقات ، أو إشراقة وجمعها إشرا قات ، ويتألف السطح من قبة بسيطة مقنطرة مع حجر عمودي في الوسط فوق القبة ومنحوت على شكل هلال ومن الممكن أن يكون الهلال من المعدن مع ثلاث كرات معدنية أدناها أكبرها .
والمزار من الداخل ( مقصورة أو مطين ) وكذلك مبيض بمحلول الكلس ، ولكن بما أن الأبنية قديمة ، فإن كل شئ خرب وآيل للسقوط ، والآن يوجد عدد من المقامات هي بحالة سيئة بسبب الإهمال ، وعواصف الشتاء ، والزمن الطويل ، والحروب التي دمرت عددًا من المزارات ، كما هو الحال في مزار الشيخ حسن في " بيت اكسا " ، ونهب الجنود أبوابها واستعملوها وقودًا ، وفي بعض الحالات قام السكان باستبدال الأبواب وأصلحوا حال المزارات بطرق بدائية . وفى داخل المزار نشاهد طاقات ، وهي فتحات غير نافذة ، وتستعمل أشبه بخزانة صغيرة ، نراها في جدران المزار وتستعمل في العادة لوضع المصباح والزيت والكبريت ، وهي في الغالب مكان غير نظيف .
ويزخرف المزار من الداخل بالنيلة أو الحنة أو كليهما ، وتتألف الزخارف من خطوط مستقيمة أو متعرجة تشكل " زنارًا " على الجدار الداخلي ، ونجد مثل هذه الزخارف على " اصداغات " الباب أو " الشايشة " وكذلك على الجدران الداخلية للمزار، وبشكل خاص بالقرب من المحراب . وهناك زخارف مؤلفة من آيات قرآنية مكتوبة بطريقة جميلة على الجدران ، وكذلك اسم الله واسم محمد تحيط بهما زخارف من أشكال الزهور وأسماء الأنبياء والصحابة وكذلك شعار : لا اله إلا الله ، محمد رسول الله ، والغرض الرئيسي من هذه الزخارف هو تجميل المزار فحسب . وقد يوجد محراب - المحراب ثغرة غير نافذة في جدار المزار تبين اتجاه القبلة - في كل مزار، وفي بعض المزارات نجد أكثر من محراب ، ففي قبر حسن الراعي قرب مقام النبي موسى – عليه السلام - هناك ثلاثة محاريب ، وفي بعض المزارات يكون المحراب مجرد خطوط مرسومة أو حزام ملصق . وتكون أرض المزار مفروشة بالحصر والسجاد ، وفي المزارات الفقيرة تجد الأرض عارية ، وأحيانًا تجد بعض الحصر.
وقبة المزار تكون مبنية على الجدران الأربعة مباشرة ، وهناك شكل آخر للقبة تتكئ فيه على " ركب " تعتمد على الجدران ، وفي حالة وجود قبتين تكون كل منهما سقفًا لغرفة وبين الغرفتين يبنى قوس قوي ليساعد على حمل السقف بدلاً من الجدار الملغى .
وفى بعض المزارات يوجد رواق : وهو قاعة كبيرة محمولة على أقواس ، وفي هذا الرواق يجتمع الناس للعلم والإرشاد والأكل والاحتفال ، وقد يضاف للمزار غرفة أو أكثر لتستعمل مطبخًا ، أو مكانًا لإقامة خادم المزار ( القيم ) ، ومن الممكن أن يكون هناك مستودع ، وغرفة للكتاب ( مدرسة القرية ) ، وأخرى للخطيب ( المدرس ) ، وفي بعض الحالات توجد غرفة ملحقة بالمزار تستعمل لغسل الموتى . وأحيانًا غرفة تستعمل كمضافة . وتخصص الغرف الزائدة لإقامة زوار المزار في الأعياد ، ويكون هناك خادم مكلف بالخدمة طوال العام . وهناك مزارات تتألف من غرفة واحدة لا تعطى أي انطباع بوجود ضريح ، أو محراب أو قبة ، وكثير من المقامات تبنى على شكل مزار مفتوح بحيث يتكئ السقف على أعمدة ، ومن هذا النوع مقام حسن الراعي إذ يفترض فيه أن يكون راعي غنم النبي موسى ، والمقام بناء مستطيل متعامد ، مبني من الحجر والملاط ، وذو سقف معقود متكئ على ستة أعمدة ، وبين هذه الأعمدة يوجد ضريح الولي .
إن كثيرًا من المقامات الموجودة في القرى تستغل أيضًا كمساجد يصلي فيها الناس ، وفى حالات أخرى بنيت المساجد بجوار المقامات ، وتوجد في المقامات أماكن مرتفعة من الحجر تظل نظيفة دائمًا وهى خارج البناء - وتستعمل كمصلى .
وفي بعض المزارات نرى كتابات توجد عادة فوق باب المزار، أو فوق مدخل البهو ، وربما نجدها فوق الشباك ، أو فوق أعمدة القبة ، مثل أعمدة قبة ( الشيخ حسن الراعي ) ، حيث كتب بين القبتين الشماليتين لمزار حسن الراعي : " إنشاء هذه القبة المباركة على حسن الراعي - قدس سره - صاحب الخير محمد باشا حين أتى من استقبال حجاج المسلمين ، فشرع في البناء ، فلم يلقَ ماء فبعلو همته - حفظه الله تعالى - نقل الماء على البلد من قرية أريحا ، وحصل الثواب سنة أربع عشر ومائة وألف ".
المغارة : هناك أشكال أخرى من الأماكن التي تستعمل بمثابة البيت ، ومن ذلك المغارة التي ينام فيها الرعاة على سرير بدائي مؤلف من " سدة " من فروع الشجر، أما باب المغارة فيغلق عادة بواسطة شجرة ضخمة مقتلعة من أصلها( )
منققول : الباحث محمود سعيد الشيخ