قطنا
مرحبا بك في منتديات قطنا الثقافية و العلمية
و نشكر زيارتكم
ولتتمكن من الإستمتاع بكافة ما يوفره لك هذا المنتدى من خصائص, يجب عليك أن تسجل الدخول الى حسابك في المنتدى. إن لم يكن لديك حساب بعد, نتشرف بدعوتك لإنشائه.
و يرجى الانتباه بادخال الايميل الصحيح لانه عند التسجيل ستصلك رسالة تفعيل رمز الدخول الى بريدك الالكتروني و بعد التفعيل ستتمكن من الدخول بالاسم و كلمة المرور التي ادخلتها
كما ندعوكم لزيارة موقعنا قطنا نت www.qatana.net
قطنا
مرحبا بك في منتديات قطنا الثقافية و العلمية
و نشكر زيارتكم
ولتتمكن من الإستمتاع بكافة ما يوفره لك هذا المنتدى من خصائص, يجب عليك أن تسجل الدخول الى حسابك في المنتدى. إن لم يكن لديك حساب بعد, نتشرف بدعوتك لإنشائه.
و يرجى الانتباه بادخال الايميل الصحيح لانه عند التسجيل ستصلك رسالة تفعيل رمز الدخول الى بريدك الالكتروني و بعد التفعيل ستتمكن من الدخول بالاسم و كلمة المرور التي ادخلتها
كما ندعوكم لزيارة موقعنا قطنا نت www.qatana.net
قطنا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
قطنا

منتدى مدينة قطنا
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  
"وقـل اعمـلوا فسـيرى الله عـملكم ورسـوله والمؤمنـون"    

 

 تابع جبل الشيخ - الحلقة الثانية (2)

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
ابو محمد الشيخ
عضو فعال
عضو فعال
avatar


المزاج : قطنا
ذكر
عدد المساهمات : 111
نقاط : 331
تاريخ الميلاد : 30/01/1948
العمر : 76
تاريخ التسجيل : 08/11/2010
مكان الإقامة : سوريا-قطنا

تابع جبل الشيخ - الحلقة الثانية (2) Empty
مُساهمةموضوع: تابع جبل الشيخ - الحلقة الثانية (2)   تابع جبل الشيخ - الحلقة الثانية (2) Emptyالأحد مارس 18, 2012 12:36 pm

تابع جبل الشيخ – الحلقة الثانية (2)
تابع 2- جبل حرمون
ومن هذه النصوص وغيرها يتبين لنا أن جبل الشيخ جبل مقدس في الفكر الإسلامي ، لأنه جزء لا يتجزأ من بلاد الشام « الأرض المقدسة » . حيث كان مقدسًا منذ العصور الأولى للبشـرية التي أطلقت عليه اسم : « الجبل المقدس »( ) ، هذا الجبل المقدس الشامخ تحدثت عنه شعوب كثيرة مختلفة ، استوطنت المنطقة منذ أوائل الألف الثالث قبل الهجرة النبوية( ) ، لا بل قبل ذلك بآلاف السنين كما ورد في الدراسات الجينية التي جرت مؤخرًا . ويمكن تقســيم دراسـة عبادات الشعوب التي أقامت في المنطقة وأطلت على الجبل إلى أربعة مراحل تاريخية ، وذلك خلافًا للدراسات التي لا تعبر عن الحقيقة والواقع ، وإنما تعبر فقط عن فكر ضيق ، وأفق ثقافي محدود ، متأثر بالفكر الأوربي الوافد والغزو الثقافي والحضاري للحضارة الغربية ، والتي تقسمها إلى قسمين فقط هما :
1) مرحلة العبادات الوثنيـة .
2) مرحلة الأديان والرســالات السـماوية( ) .
وهذه المراحل الأربعة هي :
1- مرحلة التوحيد الأولى
2- مرحلة العبادات الوثنية
3- مرحلة الرسالات السماوية
4- مرحلة الوثنية الأخيرة
وسـيكون لنا محطات ســريعة في كل مرحلة من المراحل تؤكد على أهمية هذا الجبل ومقامه عند الأقوام التي سـكنت حوله أو مرت به :-
1- مرحلة التوحيد الأولى : إن هذه المرحلة بدأت بنزول آدم وزوجته حواء إلى الأرض من الجنة ، فآدم – عليه السلام – وزوجته كانا مسلمين ، وذريتهما كانت مسلمة ، ويمثلون الأمة الإسلامية في تلك الحقبة الطويلة من الزمن ، ولذا كانت عبادتهم لله خالصة من شوائب الشرك ، قائمة على التوحيد الخالص . وهذا ما دلت عليه الكتب السماوية والأحاديث النبوية الشريفة . فعن أَبي أُمَامَةَ ، أَنَّ رَجُلًا ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَبِيٌّ كَانَ آدَمُ ؟ قَالَ : « نَعَمْ ، مُكَلَّمٌ » قَالَ : فَكَمْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نُوحٍ ؟ قَالَ : « عَشَرَةُ قُرُونٍ »( ) . وكان أَبو أُمَامَةَ ، يُحَدِّثُ أَنَّ رَجُلًا ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أنبيًا كَانَ آدَمُ ؟ قَالَ : « نَعَمْ » قَالَ : كَمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نُوحٍ ؟ قَالَ : « عَشْرَةُ قُرُونٍ » قَالَ : كَمْ كَانَ بَيْنَ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ ؟ قَالَ : « عَشْرَةُ قُرُونٍ » قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ كَانَتِ الرُّسُلُ ؟ قَالَ : « ثَلَاثَ مِئَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ »( ). وفي رواية : « ثَلَاثُمَائةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ »( ). وعَنْ عِكْرِمَةَ وأبي سلمة قَالَ : كَانَ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ عَشَرَةُ قُرُونٍ ، كُلُّهُمْ عَلَى الإِسْلامِ( ). وعن ابن عباس أنه كان يقول بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم يعمل بطاعة الله( ) . وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – قَالَ : « كَانَ بَيْنَ نُوحٍ وَآدَمَ عَشَرَةُ قُرُونٍ كُلُّهُمْ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْحَقِّ ، فَاخْتَلَفُوا فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ »( ) . وعن أيوب بن عتبة قال كان بين آدم ونوح عشرة آباء وذلك ألف سنة وكان بين نوح وإبراهيم عشرة آباء( ). وقال وهب بن منبه : كان يقول بين آدم ونوح عشرة آباء ، وبين إبراهيم ونوح عشرة آباء( ). وقَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ وَاقِدٍ الأَسْلَمَيُّ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا : كَانَ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ عَشَرَةُ قُرُونٍ . وَالْقَرْنُ مِائَةُ سَنَةٍ . وَبَيْنَ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ عَشَرَةُ قُرُونٍ . وَالْقَرْنُ مِائَةُ سَنَةٍ . وَبَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عَشَرَةُ قُرُونٍ . وَالْقَرْنُ مِائَةُ سَنَةٍ( ). وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – قَالَ : « كَانَ بَيْنَ آدَمَ ، وَنُوحٍ عَشَرَةُ قُرُونٍ كُلُّهُمْ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْحَقِّ ، فَلَمَّا اخْتَلَفُوا بَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ وَأَنْزَلَ كِتَابَهُ فَكَانُوا أُمَّةً وَاحِدَةً »( ). وعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قال : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ أَوَّلُ الْأَنْبِيَاءِ ؟ قَالَ : « آدَمُ » . قُلْتُ : نَبِيٌّ كَانَ ؟ قَالَ : « نَعَمْ ، مُكَلَّمٌ » . قُلْتُ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : « نُوحٌ ، وَبَيْنَهُمَا عَشْرَةُ آبَاءٍ » . قُلْتُ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : « إِبْرَاهِيمُ ، وَبَيْنَهُمَا عَشْرَةُ آبَاءٍ »( ) . قَالَ الْوَاقِدِيُّ : يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ « وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا »( ) فَكَانَ بَيْنَ نُوحٍ وَآدَمَ عَشَرَةُ قُرُونٍ ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ إِبْرَاهِيمَ عَشَرَةُ قُرُونٍ ، فَوُلِدَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ عَلَى رَأْسِ أَلْفَيْ سَنَةٍ مِنْ خَلْقِ آدَمَ( ).

قال الألباني : من الثابت في الشرع أن الناس منذ أول عهدهم كانوا أمة واحدة على التوحيد الخالص ثم طرأ عليهم الشرك ، والأصل في هذا قول الله تبارك وتعالى : « كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ »( ). قال ابن عروة الحنبلي : وهذا يرد قول من زعم من أهل التاريخ من أهل الكتاب أن قابيل وبنيه عبدوا النار( ). وقال الألباني : وفيه رد أيضًا على بعض الفلاسفة والملاحدة الذين يزعمون أن الأصل في الإنسان الشرك وأن التوحيد هو الطارىء ، ويبطل هذا الزعم ، ويؤيد الآية السابقة حديثان صحيحان : الأول : قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه : « وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا( )» : أي استخفتهم فجالوا معهم في الضلال ، يقال : جال واجتال : إذا ذهب ، وجاء منه : الجولان في الحرب .
الثاني : قوله - صلى الله عليه وسلم -: « مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ ، وَيُنَصِّرَانِهِ ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ، كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ ؟ » ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : « فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ »( ).

قال الألباني في الحديث الصحيح الموقوف عن ابن عباس الوارد آنفًا : فإنه وإن كان موقوفًا رواية ؛ فهو مرفوع دراية ؛ فإنه في تفسير قوله تعالى : « كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين »( ) ، وبخاصة أنه من رواية ترجمان القرآن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - وفيه ما يؤكد رفعه ، وهو قوله : « وكذلك هي في قراءة عبد الله » يعني : عبد الله بن مسعود رضي الله عنه . وفيه فائدة هامة ؛ وهي أن الناس كانوا في أول عهدهم أمة واحدة على التوحيد الخالص ! ( ).

إذا تبين هذا فإن من المهم جدًا أن يتعلم المسلم كيف طرأ الشرك على المؤمنين بعد أن كانوا موحدين ؟ لقد ورد عن جماعة من السلف روايات كثيرة في تفسير قول الله سبحانه في قوم نوح : « وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا » ( ) أن هؤلاء الخمسة ودًّا ومن ذكر معه كانوا عبادًا صالحين ، فلما ماتوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن يعكفوا على قبورهم ، ثم أوحى إلى الذين جاؤوا من بعدهم أن يتخذوا لهم أصنامًا ، وزين لهم ذلك بأنه أدعى لهم على أن يذكروهم فيقتدوا بأعمالهم الصالحة ، ثم أوحى إلى الجيل الثالث أن يعبدوهم من دون الله تعالى ، وأوهمهم أن آباءهم كانوا يفعلون ذلك . فأرسل الله لهم نوحًا - عليه السلام - آمرًا لهم أن يعبدوا الله تعالى وحده ، فلم يستجيبوا له إلا قليلاً منهم . وقد حكى الله - عزوجل - قصته معهم في سورة نوح . قال : وكان أول ما عبد غير الله في الأرض « ود » . وذلك عند انطفاء العلم وكثره الجهل وقلة الناصحين وتعاون شياطين الجن والإنس على إضلال الناس وإخراجهم من عبادة الله تبارك وتعالى( ) .

ولكن قد يقول قائل ما علاقة ذلك كله بجبل الشيخ ، في الواقع إن بعض الروايات التاريخية المتداولة لا زالت تحمل اسم هذا الجبل منها - على سبيل المثال - ما يقول به بعض المؤرخين بوجود علاقة بين جبل حرمون وبين آدم - عليه الســلام( ). وما وجود مقام آدم أبي البشر والأنبياء « النبي شيث بن آدم » إلى جنوب بعلبك ببضعة أميال بالقرب منه إلا دليل على تلك العلاقة القديمة . وقال الدويهي : « إن قلعة بعلبك في جبل لبنان هي أقدم من جميع ما بناه البشر في العالم بأسره ، أعني أن « قايين » عندما اعتراه الارتعاش أمر ببنائها في السنة 133 من كون العالم ، ولقبها باسم ابنه أخنوخ »( ). ويقول بعضهم : إن جبل الشيخ قد حظي بالقداسة منذ عهود البشرية القديمة الأولى ، وحسب بعض الروايات منذ بدء الخليقة ، فتحت عنوان « حرمة جبل الشيخ وقدسيته » كتب الأستاذ سعد الدين شرف الدين « بطيخة » ما يلي : « بعد هبوط أبونا آدم – عليه السلام - وزوجته حواء من جنة رب العالمين إلى أرض عدن ، رزق بإحدى وعشرين توأمًا ، كل حمل مكون من ذكر وأنثى ، كان أولها « قابيل + قيليما » والثاني « هابيل + ليوذا » والثالث « شيث ---» . وعمل قابيل فلاحًا بينما عمل هابيل راعيًا للغنم ، وعندما شبَّا وقررا الزواج رغب هابيل في أخته قيليما أن تكون زوجة له ، ولكن قابيل رفض ذلك ، وحسمًا للخلاف تقدم كلٌّ منهما بقربان إلى الله ، فقدم قابيل ما تنتج الأرض من ثمرات وحبوب ، وقدم هابيل أفضل كباش غنمه « خراف » مشفوعًا بما علمه أبوه آدم – عليه السلام - مما علمه الله من أسماء ، عند حواره مع الملائكة وسجودهم إلا إبليس ، فتقبل الله قربان هابيل ، ولكن قابيل ركب رأسه وهدد وتوعد أخاه ، وتمت الجريمة الأولى وقتل أخاه هابيل . وأصبح التوأم الثالث « شيث » هو الأمين على ما علَّم الله لأبيه آدم من أسماء ، وكان من « الألوهيم » هو وذريته ، أي متصوفًا عابدًا راهبًا ، لا يقترب من النساء إلا من أجل التناسل . ولما يئسوا من عودتهم إلى جنة الخلد ، نزل وذريته الحرمون وقبره موجود في بعلبك مع ذريته ومجموعة من الأنبياء الياس ويحيى » ( ).
وتأتي الاكتشافات الأثرية في جبل الشيخ لتؤكد هذه المرحلة التوحيدية ، مرحلة عبادة الله وحده لا شريك له ، فيقول العلماء أنهم اكتشفوا مغارة في جبل الشيخ « حرمون » ، في أعلى قمة من قممه ، مغارة تسمى « مغارة إيليا » ، والمعتقد أن إيليا هو « إيل » أحد معبودات الكنعانيين والفينيقيين( ) والسومريين والآراميين وغيرهم من الشعوب السامية . فما معنى « إيل » ؟ قال الخليل : إيل : جاء في التَّفْسير أنّ كلّ اسم في آخره إيل نحو : « جبرائيلِ » فهو معبّد للَّه ، كما تقول : عبد اللَّه ، وعبيد اللَّه . وإيل : اسم من أسماء اللَّه - عزّ وجل – بالعبرانيّة . وإيلياء : هي مدينة بيت المقدس( ). وقال ابن سلام في مادة « إيل » : وَقَالَ أَبُو عُبَيْد فِي حَدِيثه - عَلَيْهِ السَّلَام - إِنَّه قَالَ : إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل ، كَقَوْلِك : عَبْد اللَّه وَعبد الرَّحْمَن . قَالَ الْأَصْمَعِي : معنى إيل : معنى الربوبية فأضيف جبر وميكا إِلَيْهِ . قَالَ أَبُو عَمْرو : وجبر هُوَ الرجل . وقال في مادة إلل : قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : فَكَأَن مَعْنَاهُ عبد إيل ، ورجل إيل مُضَاف إِلَيْهِ . فَهَذَا تَأْوِيل قَوْله : عَبْد اللَّه وَعبد الرَّحْمَن . وعَن يحيى بْن يعمر أَنه كَانَ يَقْرَأها : جبر إل ، وَيُقَال : جبر هُوَ عَبْد وإل هُوَ اللَّه( ) . وَعَن مُجَاهِد فِي قَوْله « لاَ يَرْقُبُوْنَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذمَّة » . قَالَ : الإل الله ، وعَن الشَّعْبِيّ قَالَ : الإل إِمَّا اللَّه ، وَإِمَّا كَذَا وَكَذَا أَظُنهُ قَالَ : الْعَهْد . قَالَ أَبُو عُبَيْد : ويروى عَن ابْن إِسْحَاق : أَن وَفد بني حنيفَة لما قدمُوا على أَبِي بَكْر - بعد قتل مُسَيْلمَة - ذكر لَهُم أَبُو بَكْر قِرَاءَة مُسَيْلمَة فَقَالَ : إِن هَذَا الْكَلَام لم يخرُج من « إل » . قَالَ أَبُو عُبَيْد : كَأَنَّهُ يَعْنِي الربوبية . قَالَ : والإل فِي غير هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ : الْقَرَابَة ، وَأنْشد لحسان بْن ثَابت الْأَنْصَارِيّ :
لَعَمْرُكَ إِن إلَّكَ من قُرَيْش ... كَإِلَّ السَّقْبِ من رَألِ النَّعَامِ
قَالَ أَبُو عُبَيْد : فالإل ثَلَاثَة أَشْيَاء : اللَّه تَعَالَى ، والقرابة ، والعهد( ). وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ : كل اسْم فِي الْعَرَب آخِره و« إل » أَو « إيل » فَهُوَ مُضَاف إِلَى الله - عز وَجل - نَحْو شُرَحْبِيل ، وَعبد ياليل ، وشراحيل ، وشهميل وَمَا أشبه هَذَا .. وَقد كَانَت الْعَرَب رُبمَا تَجِيء بالإل فِي معنى اسْم الله جلّ وَعز . قَالَ أَبُو بكر الصّديق - رَضِي الله عَنهُ - لما تلِي عَلَيْهِ سجع مُسَيْلمَة : إِن هَذَا شَيْء مَا جَاءَ من إل وَلَا بر ، فَأَيْنَ ذهب بكم ؟ . وَقد خففت الْعَرَب الإل أَيْضًا كَمَا قَالَ الْأَعْشَى :
أَبيض لَا يرهب الهزال وَلَا ... يقطع رحما وَلَا يخون إِلَّا
وعلق ابن سيده على قول الأعشى بقوله : قال أبو سعيد السيرافي في هذا البيت وجه آخر وهو : أن يكون إلاّ في معنى نِعْمة ، وهو واحد آلاءِ الله ، فإذا كان ذلك فليس من هذا الباب . والإِلُّ : الربوبية( ). والإل : الْوَحْي ، وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يَزْعمُونَ أَنه يُوحى إِلَى كهانهم . وَقَالَ أحيحة فِي تثقيل الإل وَهُوَ الْوَحْي :
فَمن شَاءَ كَاهِنًا أَو ذَا إِلَه ... إِذا مَا حَان من إل نزُول( )
وعلق ابن سيده على قول ابن الكلبي قائلاً : وَقد بَينا أَن هَذَا لَيْسَ بِصَحِيح ، إِذْ لَو صَحَّ لصرف جِبْرِيل وأشباهه ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مُضَاف إِلَى إيل وَإِلَى إل ، وهما منصرفان ، لِأَنَّهُمَا على ثَلَاثَة أحرف ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَن يرفعا مَكَان الرّفْع وينصبا فِي حَال النصب ويخفضا فِي حَال الْخَفْض كَمَا يكون عبد الله( ). وقال الجوهري وابن منظور : و« إيل » : اسم من أسماء الله تعالى ، عبرانيّ أو سريانيّ . وقولهم : جبرائيل وميكائيل ، إنَّما هو كقولهم : عبدُ الله وتَيْمُ الله( ). وأَيَّلُ : اسمُ جَبَلٍ ، قَالَ الشَّمَّاخُ :
تَرَبَّعَ أَكْنَافَ القَنَانِ فَصَارَةً ... فَأَيَّلَ فَالمَاوَانِ فَهُوَ زَهُومُ( )
وقال الفيروزآبادي : الإِلُّ ، بالكسر: العَهْدُ والحَلِفُ ، والجارُ ، والقَرابةُ والأصلُ الجَيِّدُ ، والمَعْدِنُ ، والحِقْدُ ، والعَداوةُ ، والربوبِيَّةُ ، واسمُ اللهِ تعالى ، وكلُّ اسمٍ آخِرُه إلٌ أو إِيلٌ فَمُضافٌ إلى اللهِ تعالى ، والوَحْيُ ، والأمانُ ، والجَزَعُ عند المُصيبةِ ، ومنهُ روِيَ : « عَجِبَ رَبُّكُمْ منْ إِلِّكُمْ »( ) ، ويُرْوَى : أزْلِكُمْ ، وهو أشْبَهُ ، وبالفتح : الجُؤارُ بالدعاءِ( ). وقال أبو البقاء في مادة إِسرائيل : لقب يَعْقُوب ، قيل : مَعْنَاهُ عبد الله ، لِأَن : « إيل » اسْم من أَسمَاء الله بالسُّرْيَانيَّة ؛ وَقيل صفوة الله ، وَقيل سر الله ؛ أَو لِأَنَّهُ انْطلق إِلَى حَاله خشيَة أَن يقْتله أَخُوهُ « عيصو » ، فَكَانَ يسري بِاللَّيْلِ ويكمن بِالنَّهَارِ ، وقصته مسطورة فِي بعض كتب الْأَحَادِيث . قَالَ بَعضهم : لم يُخَاطب الْيَهُود فِي الْقُرْآن إِلَّا بـ « يَا بني إِسْرَائِيل » دون « يَا بني يَعْقُوب » لنكتة هِيَ لأَنهم خوطبوا بِعبَادة الله ، وَذكروا بدين أسلافهم موعظة لَهُم وتنبيهًا من غفلتهم ، فسموا بِالِاسْمِ الَّذِي فِيهِ تذكرة بِاللَّه( ) . وقال في مادة « الإيلية » : كل اسْم إلهي مُضَاف إِلَى ملك أَو روحاني فَهُوَ الإيلية ، وَفِي « الْمُفْردَات » : قيل فِي جِبْرَائِيل : إِن إيل اسْم الله ، وَهَذَا لَا يَصح بِحَسب كَلَام الْعَرَب( ) . بينما قال الزبيدي : « وجَبْرَائِيلُ » : عَلَمُ مَلَك ، مَمْنُوع من الصَّرف للعَلَمِيَّة والعُجْمَةِ ، والتَّرْكِيبِ المَزْجِيِّ ، على قولٍ « أَي عبدُ اللهِ » . قَالَ الشِّهَاب : سُرْيانيٌّ ، وَقيل ؛ عِبْرانيّ ، وَمَعْنَاهُ عبدُ الله ، أَو عبدُ الرَّحمان ، أَو عبدُ العَزِيز . وَذكر الجوهريُّ والأَزهريُّ وكثيرٌ من الأَئِمَّة أَنّ « جَبْر» « ومِيك » بِمَعْنى عَبْد . و « إِيل » إسم الله ، وصَرَّح بِهِ البُخارِيُّ أَيضاً ، ورَدَّه أَبو عليَ الفارسيُّ بأَنَّ إِيل لم يَذكره أَحدٌ فِي أَسمائه تعالَى . قَالَ الشهَاب : وهذا لَيْسَ بشيْءٍ . قال شيخُنا : ونُقِلَ عَن بَعضهم أَنْ « إِيلَ » هُوَ العَبْدُ ، وأَنْ مَا عَداه هُوَ الاِسمُ مِن أَسماءِ الله ، كالرَّحمان والجَلالة ، وأَيَّدَه اختلافُها دُونَ « إِيل » ، فإِنه لازِمٌ ، كَمَا أَنْ عَبْداً دَائِمًا يُذْكَرُ ، وَمَا عَداه يَختلفُ فِي العربيَّة ، وزادَه تأْييداً بأَن ذلك هُوَ المعروفُ فِي إِضافة العَجَمِ . وَقد أَشار لمثل هذا البحثِ عبدُ الحَكِيم فِي حَاشِيَة البَيْضَاوِيِّ . قال الزبيدي : وأَحسنُ مَا قِيل فِيهِ أَن الجَبْرَ بمنزلةِ الرَّجُلِ ، والرجلُ عبدُ الله ، وَقد سُمِعَ الجَبْرُ بِمَعْنى الرَّجُلِ فِي قَول ابنِ أَحْمَرَ( ). وقال الدكتور سعدي أبو حبيب : جبريل : اسم سرياني مؤلف من كلمتين « جبر» وهو العبد و « إيل » وهو الله تعالى . وقيل : إنه عربي مشتق من جبروت الله ، وهذا مستبعد للاتفاق على منعه من الصرف . قال الحافظ ابن حجر: وهو وإن كان سريانيًا ، لكنه وقع فيه موافقة من حيث المعنى للغة العرب ، لأن الجبر هو إصلاح ما وهى ، وجبريل موكل بالوحي الذي يحصل به الإصلاح العام( ). وبَيَّنَ الزبيدي موضع جبل إيل فقال : وإيلٌ : جَبَلٌ ، وَالصَّوَاب : آيِلٌ ، بالمَدّ ، كَمَا ضَبطه نَصْرٌ ، وتَبِعه ياقوتُ ، وَقَالَ : هُوَ جَبَلٌ بالنَّقرَة ، فِي طَريقِ مَكَّةَ( ).

وقال الدكتور جواد علي : أما الأعلام القديمة فقد كانت تبدأ باسم الصنم المعبود ، وبعده الألفاظ الأخرى ، مثل : « الشرح » : « إيل شرح » ، و« اليفع » : « إيل يفع » ، و« الذرح » : « إيل ذرح » ، و« الكرب » : « إيل كرب » ، و« السمع » : « إيل سمع » ، و« اليثع » : « إيل يثع » وأمثال ذلك . أو تبدأ بكلمات ثم تليها أسماء الأصنام المعبودة ، إلا أنها ليست في حالة الإضافة ، بل على صورة الإخبار والفاعلية ، مثل « يذكر إيل » ، و« يثع إيل » ، و« يدع إيل » ، و« يشرح إيل » ، و« يسمع إيل » . و« إيل » و« إل » هنا هو اسم الإله : « إل » و« إيلو » المعروف عند جميع الساميين( ). وذكر العلماء أن لفظة « الآل » بمعنى الربوبية ، واسم الله تعالى . وأن كل اسم آخره « أل » أو « إيل » فمضاف إلى الله تعالى . وقد ذهب بعض علماء اللغة إلى أن اللفظة « إيل » من المعربات ، عربت عن العبرانية ، وهي فيها اسم الله . وهي من الألفاظ التي ترد في اللغات السامية ، ولا يعرف معناها على وجه مضبوط ، ويظن أنها بمعنى : القادر والعزيز والقهار ، والقوي ، والحاكم . وترد في الشعر وفي أسماء الأعلام في الغالب . وقلما نجدها ترد في النثر( ).

أما « إيل » عند الفينيقيين الذين عاشوا منذ الألف السادس قبل الهجرة( ) على الساحل المعروف في يومنا الحالي بالساحل اللبناني والساحل السوري ما يقارب خمسين قرنًا من الزمان حسب الدراسات الجينية للحمض النووي( ) ، فإنهم كان لهم دين واحد استمر طيلة وجودهم لم تطرأ عليه أي تغيرات بارزة إلا خلال النصف الثاني من القرن السادس قبل الهجرة( ) , أي تحديدًا في نهاية الحضارة الفينيقية . وهذه الديانة تتلخص بتمجيد العناصر والظواهر الطبيعية متجسدة في أصنام متعددة منظمة داخل مجلس الأصنام ، ولكل منها رتبته ووظائفه وفق نظام ميثولوجي معقد . وكانت العادة أن يكون لكل مدينة ثلاثة آلهة : إله مُسن يملك القوة والحكمة يسمى في العادة « بعل » أي سيد ، وإلهة أُنثى تمثل الحنكة والحياة ، وإله شاب يمثل النبات والولادة( ) .وكان أكبر الأصنام التي يعبدونها رتبة هو « إيل » ويمثل القوى الكامنة ، ويعتبرونه أنثى لذا أغدقوا عليه لقب « أشيرة البحر » أو « عشيرة البحر » . أما بعل فيعتبرونه الصنم الثاني بعد « إيل » . حيث وجد بعض التماثيل المجسدة لكلاهم في الفن الفينيقي المزدهر( ). ولكن في أصنام مدينة جبيل الفينيقية اختلف الأمر إذ كان الثلاثي هم : « إيل » المسن مذكرًا ، وبعلة جبيل الأنثى ، وإلى جانبهما الصنم الفتى « أدونيس »( ). وخص جبل الشيخ المسمى قديمًا بجبل لبنان بـ « بعل لبنان » الذي قدم له عامل « أحيرام » على « قرت حدشت » في قبرص الآنية البرونزية ، وبعل كاسيوس لجبل الأقرع ، وبعل صافون ، وبراتي « حرمون » : أصنام الجبال . ثم الصنم الأنثى « شمش » : الشمس( ) . ولدى السومريين نجد الصنم « إِيلَ » ورد بهذا الاسم ، كما ورد بأسماء أخرى منها « إنليل » كما عرف أيضًا باسم « بَعْلَ زَبُوبّ » ، وعرف أيضاً باسم « بَعْل » ، وقال كاتب المقال : و« إنليل » كان « إِيل » الأصلي الذي تطور لاحقاً إلى « بَعْلِ » . وبَعْل تعني : « سيد » أو « ملك » . كان يُلقب أيضاً بـ « الأمير بعل » . و « إنليل » كان صنمًا ذا شعبية كبيرة جدًا ، وكان الراعي لـ « نيبور» ، وهي مدينة في سومر التي تُعرف في يومنا الحاضر بالعراق فهو الصنم الذي يقذف الصواعق والبرق ضد أعداء الشيطان . ويُعتبر واهبًا للحياة الكريمة ومساندًا في الحياة ، يرعى شعبه ، وحيوانات الحقول ، وطيور السماء ، وأسماك البحار . وهو صنم الحرب ، وصنم السلام علي حد سواء : مدمر وحامي ، مدافع ومرمم ، معوض ومعاد ، عدائي و كريم .
وفيما يلي نورد ترنيمة سومرية قديمة للصنم إنليل تعبر عن مكانته :
لولا إنليل ، الجبل العظيم ، لم تُبْنَ المدن ولا القرى .
ولم يَفِضْ البحر بكنوزه الوفيرة .
ولم يضع السمك بيوضه بين أجمات القصب .
ولم تصنع طيور الجو أعشاشها في طول البلاد وعرضها .
لولاه لم تفتح الغيوم الماطرة أفواهها في السماء .
ولم تمتلئ الحقول والمروج بخيرات الحبوب .
ولم تطلع الحشائش والأعشاب بهيَّة في البوادي .
ولم تحمل الأشجار الضخمة في البساتين ثمارها( ).

وقد وضح عبد العزيز صالح كيفية ظهور عبادة « إنليل » لدى السومريين فقال : ويفهم مما سجله السومريون أن ديانتهم كانت ديانة طبيعية في مجملها ، وأن فقهاءهم تخيلوا السماء والأرض في بداية أمرهما ملتصقتين ، يحيط بهما محيط مائي عظيم . وكان في أولهما روح مذكر « آن » اعتبروا صاحبها الجد الأكبر للمعبودات ، وفي الثانية روح مؤنثة « كي » . وأضافوا أنه نتج من اتصال هذين الزوجين عنصر ثالث وهو « إنليل : روح ليل » : أي روح الهواء والأنفاس والفضاء ، فتدخل بينهما وفصلهما . ورفع أباه « آن » بسمائه إلى أعلى حيث استقر فيها ، وحط بأمه « كي » إلى أسفل حيث اختلط بها ، وترتب على وجوده معها أن بدأ ظهور بقية الأرباب . ومنهم من سموا باسم « الأنوناكي الحسين العظام والسبعة أصحاب المصائر » ، ثم بدأ خلق النباتات والأنعام والناس . وكان أكبر أبناء « إنليل » هو القمر أو معبود القمر« ننا » أو « ننار » أو « نانور» ، وقيل إنه أنجبه سفاحًا بعد أن اغتصب الصبية المقدسة « ننليل » على الرغم من « ضيق مهبلها ، ورقة شفتيها - كما قالوا - » ، فأدت فعلته هذه إلى تجرؤ بقية الأصنام عليه ونعتهم إياه بالشراسة والخلاعة ورغبتهم في نفيه ، على الرغم من أنه كان سيدهم وفي منزلة الأب منهم ، وعلى الرغم من عطفه السابق عليهم وعلى البشر . وكما أنجب « إنليل » القمر، اعتقد السومريون أن القمر بدوره أنجب « الشمس » أو « رب الشمس » : « أوتو» ، من المعبودة « إنانا » معبودة الزهرة أو من المعبودة « نين جال»( ).

ومن الجدير بالذكر أن الأصنام استعملت كشواهد في المعاهدات لتدل على احترام المعاهدات . فمثلاً ذكر أسرحدون في معاهدته مع بعل ملك صور « 1340 ق.هـ »( ) : الصنم بعل شميم « صنم السماء » باعتباره معبودهم الرئيس من دون الله ، والذي كان يحظى باحترام كبير ، وكان – حسب اعتقادهم - يعاقب من يخلّ بالاتفاقيّة بإحلال الكوارث على سفنه . وقد جمع كما يقولون في ذاته صفات إيل « أبي الأصنام » . وكان بعل شميم عند الصوريين إله الكون بأجمعه ، مرتبطاً أقل من غيره من الأصنام بالاعتبارات المحلية أو السياسية : القبيلة أو المدينة أو الشعب ، كما كانت هي الحال بين أصنام ذلك العهد ، ولذا انتشرت عبادته بسرعة وامتدت من بلاد ما بين النهرين في الشرق ، حتى سردينيا في الغرب ( ) .
ولفظة « الله » التي يذكرها المفسرون المسلمون في مقابل معنى لفظة « إيل » لم يعثر عليها علماء الآثار في نصوص الخط المسند المكتشفة . وتطلق كلمة « إله » في اللغة العربية على الإله الواحد ، وتقابل كلمة « إيلوه » في العبرانية الواردة في سفر « أيوب » ومنها كلمة « إيلوهيم » في حالة الجمع ، أي آلهة المستعملة في العهد القديم بالقياس إلى آلهة الوثنيين . وكلمة « إله » لا تعني على كل حال إلهًا معينًا على نحو ما تعنيه لفظة « الله » في اللغة العربية التي يراد بها الله الواحد الأحد ليس غير . أما « الله » ، وهي كلمة الجلالة ، فهي « اسم علم » خاص به على رأي ، وهي « علم مرتجل » في رأي آخر . وقد ذهب الرازي إلى أنه من أصل سرياني أو عبراني . أما أهل الكوفة فرأوا أنه من « ال إله » ، أي : من أداة التعريف « ال » ومن كلمة « إله » . وهناك آراء لغوية أخرى في أصل هذه اللفظة( ) . وهناك رواية تزعم أن الصنم الذكر« إيل » قد تزوج من الصنم الأنثى « عشيرة » أو « عشتارة » عن طريق التقبيل فقط ، وهما « شاليم » نجمة المساء و« شهار » نجمة الصباح ، فمنهما أصبح صنم « أور شاليم »( ). وقال صاحب قاموس الكتاب المقدس عن اسم « بعل » : هو اسم سامي معناه : « رب » أو « سيد » أو « زوج » . وهو إله كنعاني ، كان ابن الإله « إيل » ، وزوج الإلهة « بعلة » أو « عشيرة » أو « عنات » أو « عشتاروت » ، ويعرف كالإله « هدد»( ). ولما كان أصل الكنعانيين والفينيقيين من العرب من الجزيرة العربية ، فإن هذه الكلمة عربية الأصل .

والذي يستشف من هذا العرض أن « إيل » كان يطلق على الله تعالى ، وأن انحرافًا اعتقاديًا حصل للشعوب القديمة بعد دخول الشرك عليهم فتطور مفهومه لديهم حتى أدخلوا شركهم على مدلوله ، فبعد أن كان معبرًا عن التوحيد الخالص ، التبس بشركهم تدريجيًا وصار له مدلولاً شركيًا عوضًا عن مدلوله التوحيدي إذ جعلوه المعبود الأول الرئيس ، وأعطوه لقب « أبي الآلهة » أو « سيد الآلهة » أو « ملك الآلهة » المعبر عنها بالاصطلاح الإسلامي بـ : « الأصنام » التي عبدوها من دون الله أو معه . وهذا الانحراف دل عليه القرآن في قوله تعالى : « أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ، وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ، إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ * لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ، سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ »( ). وهكذا تم تشويه مدلول لفظة « إيل » لدى الشعوب السامية القديمة ، وأصبح مرتبطًا بعبادة غير الله بعد أن كان يدل على التوحيد !! .
2- مرحلة العبادات الوثنية : وهي المرحلة الثانية من مراحل البشرية ، وقد سـبقت زمنيًا مرحلة التوحيد الثانية والرسالات السـماوية ، وقد أشار الله عز وجل إليها في كتابه الكريم فقال على لسان أول رسله لهداية البشرية الضالة : « قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا * وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا * وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا »( ).
قال ابن عجيبة : « ومَكَروا » : الماكرون هم الرؤساء ، ومكرهم : احتيالهم في الدين ، وكيدهم لنوح ، وتحريش الناس على أذاه ، وصد الناس عن الميل إليه ، « مكراً كُبّاراً » ؛ عظيماً في الغاية ، والكُبَّار : أكبر من الكبير ، « وقالوا لا تَذَرُنَّ آلهتكم » أي : لا تتركوا عبادتها على العموم إلى عبادة رب نوح ، « ولا تَذَرُنَّ وَدًّا » : صنم على صورة رجل ، « ولا سُوَاعاً » ؛ صنم على صورة امرأة ، « ولا يَغُوثَ » ؛ صنم على صورة أسد ، « وَيَعُوقَ » ؛ صنم على صورة فرس ، وهما لا ينصرفان للتعريف ووزن الفعل إن كانا عربيين ، والتعريف والعُجمة إن كانا عجميين ، « ونَسْراً » ؛ صنم على صورة النسر ، وخصُّوا بالذكر مع اندراجهم فيما سبق ؛ لأنها كانت أكبر أصنامهم وأعظمها عندهم ، وقد انتقلت هذه الأصنام عنهم إلى العرب ، فكان وَدّ لكلب ، وسُواع لهمدان ، ويغوث لمَذْحِج ، ويَعُوق لمُراد ، ونَسْر لحمير . وقيل : هي أسماء رجال صالحين ، كان الناس يقتدون بهم ، بين آدم ونوح عليهما السلام ، وقيل : أولاد آدم ، فلما ماتوا ، قال إبليس لمَن بعدهم : لو صوّرتم صورهم ، فكنتم تنظرون إليهم ، وتتبرّكون بهم ، ففعلوا ، فلمّا مات أولئك ، قال لمَن بعدهم : إنهم كانوا يعبدونهم ، فعبدوهم( ). وقال ابن عاشور : والمكر: إخفاء العمل ، أو الرأي الذي يراد به ضر الغير، أي مكروا بنوح والذين آمنوا معه بإضمار الكيد لهم حتى يقعوا في الضر ، قيل : كانوا يدبرون الحيلة على قتل نوح وتحريش الناس على أذاه وأذى أتباعه . و « كُبَّاراً » : مبالغة ، أي كبيرًا جدًا وهو وارد بهذه الصيغة في ألفاظ قليلة مثل طوال ، أي طويل جدًا ، وعجاب ، أي عجيب ، وحسان ، وجمال ، أي جميل وقراء لكثير القراءة ، ووضاء ، أي وضيء . قال عيسى بن عمر : هي لغة يمانية . « وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً » الخ ، أي قال بعضهم لبعض : ود ، وسواع ، ويغوث ، ويعوق ، ونسر، هذه أصنام قوم نوح ، وبهذا تعلم أن أسماءها غير جارية على اشتقاق الكلمات العربية ، روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، « صَارَتِ الأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي العَرَبِ بَعْدُ : أَمَّا وَدٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الجَنْدَلِ ، وَأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ ، وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ ، ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بِالْجَوْفِ ، عِنْدَ سَبَإٍ ، وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ ، وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ لِآلِ ذِي الكَلاَعِ ، أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ ، أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ ، فَفَعَلُوا ، فَلَمْ تُعْبَدْ ، حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ ، وَتَنَسَّخَ العِلْمُ عُبِدَتْ »( ) ، وعن محمد بن كعب : هي أسماء أبناء خمسة لآدم -عليه السلام - وكانوا عبادًا . وعن الماوردي أن « ودًا » أول صنم معبود . والآية تقتضي أن هذه الأنصاب عبدت قبل الطوفان ، وقد قال بعض المفسرين : كانوا أصنامًا بين زمن آدم وزمن نوح . ولا يلتئم هذا مع حدوث الطوفان ، إذ لا بد أن يكون جرفها وخلص البشر من الإشراك بعد الطوفان ، ومع وجود هذه الأسماء في قبائل العرب إلى زمن البعثة المحمدية ، فقد كان في دُومة الجندل بلاد كلب صنم اسمه « وَد » . قيل : كان على صورة رجل وكان من صفر ورصاص ، وكان لهذيل صنم اسمه « سواع » وكان على صورة امرأة ، وكان لمراد وغُطيف بطن من مراد بالجوف عند سبأ صنم اسمه « يغوث » ، وكان أيضًا لغطفان وأخذته أنعم وأعلى وهما من طيء وأهل جرش من مذحج فذهبوا به إلى مراد فعبدوه ، ثم إن بني ناجية راموا نزعه من أعلى وأنعم ففروا به إلى الحصين أخي بني الحارث من خزاعة . قال أبو عثمان النهدي : رأيت يغوث من رصاص وكانوا يحملونه على جمل أحرد - أي يخبط بيديه إذا مشى - ويسيرون معه ولا يهيجونه حتى يكون هو الذي يبرك ، فإذا برك نزلوا وقالوا : قد رضي لكم المنزل . فيضربون عليه بناء ينزلون حوله . وكان يغوث على صورة أسد . وكان لهمدان صنم اسمه « يعوق » وهو على صورة فرس ، وكان لكهلان من سبأ ثم توارثه بنوه حتى صار إلى همدان . وكان لحمير ولذي الكلاع منهم صنم اسمه « نسر » على صورة النسر من الطير . وهذا مروي في « صحيح البخاري » عن ابن عباس . وقال : صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح إلى العرب . فيجوز أن تكون انتقلت بأعيانها ويجوز أن يكون العرب سموا عليها ووضعوا لها صورًا . وأحسن ما رآه بعض المفسرين وما نريده بيانًا : أن أصنام قوم نوح قد دثرت وغمرها الطوفان ، وأن أسماءها بقيت محفوظة عند الذين نجوا مع نوح من المؤمنين ، فكانوا يذكرونها ويعظون ناشئتهم بما حل بأسلافهم من جراء عبادة تلك الأصنام ، فبقيت تلك الأسماء يتحدث بها العرب الأقدمون في أثارات عملهم وأخبارهم ، فجاء عمرو بن لحي الخزاعي الذي أعاد للعرب عبادة الأصنام ، فسمى لهم الأصنام بتلك الأسماء وغيرها ، فلا حاجة بالمفسر إلى التطوع إلى صفات الأصنام التي كانت لها هذه الأسماء عند العرب ، ولا إلى ذكر تعيين القبائل التي عبدت مسميات هذه الأسماء . ثم يحتمل أن يكون لقوم نوح أصنام كثيرة جمعها قوم كبراءهم : « لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ » ، ثم خصوا بالذكر أعظمها وهي هذه الخمسة ، فيكون ذكرها من عطف الخاص على العام للاهتمام به . ويحتمل أن لا يكون لهم غير تلك الأصنام الخمسة فيكون ذكرها مفصلة بعد الإجمال للاهتمام بها ، ويكون العطف من قبيل عطف المرادف . ولقصد التوكيد أعيد فعل النهي « وَلا تَذَرُنَّ » ولم يسلك طريق الإبدال . ونقل عن الآلوسي في طرة تفسيره لهذه الآية هذه الفقرة : قد أخرج الإفرنج في حدود الألف والمائتين والستين أصنامًا وتماثيل من أرض الموصل كانت منذ نحو من ثلاثة آلاف سنة . وتكرير « لا » النافية في قوله : « وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ » لتأكيد النفي الذي في قوله : « لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ » وعدم إعادة « لا » مع قوله : « وَيَعُوقَ وَنَسْراً » لأن الاستعمال جار على أن لا يزاد في التأكيد على ثلاث مرات( ).

ويعلق أحد المفكرين على هذه التجربة الأولى في تاريخ البشرية .. تاريخ التجربة الوثنية الأولى وتاريخ الرسالة السماوية الأولى على نوح - عليه السلام – والعرض الرباني لها لإخراج الناس من ظلمات الجاهلية إلى نور الإيمان فيقول : ونوح عليه السلام كان أول هؤلاء الرسل بعد آدم عليه السلام . وآدم لا يذكر القرآن له رسالة بعد مجيئه إلى هذه الأرض ، وممارسته لهذه الحياة ؛ ولعله كان معلمًا لأبنائه وحفدته حتى إذا طال عليهم الأمد بعد وفاته ضلوا عن عبادة الله الواحد . واتخذوا لهم أصنامًا آلهة . اتخذوها في أول الأمر أنصابًا ترمز إلى قوى قدسوها . قوى غيبية أو مشهودة . ثم نسوا الرمز وعبدوا الأصنام ! وأشهرها تلك الخمسة التي سيرد ذكرها في السورة . فأرسل الله إليهم نوحًا يردهم إلى التوحيد ، ويصحح لهم تصورهم عن الله وعن الحياة والوجود . والكتب المقدسة السابقة تجعل إدريس - عليه السلام - سابقاً لنوح . ولكن ما ورد في هذه الكتب لا يدخل في تكوين عقيدة المسلم ، لشبهة التحريف والتزيد والإضافة إلى تلك الكتب . والذي يتجه إليه من يقرأ قصص الأنبياء في القرآن ، أن نوحاً كان في فجر البشرية ؛ وأن طول عمره الذي قضى منه ألف سنة إلا خمسين عاماً في دعوته لقومه ، ولا بد أنهم كانوا طوال الأعمار بهذه النسبة .. أن طول عمره وأعمار جيله هكذا يوحي بأن البشر كانوا ما يزالون قلة لم تتكاثر بعد كما تكاثرت في الأجيال التالية . وذلك قياسًا على ما نراه من سنة الله في الأحياء من طول العمر إذا قل العدد ، كأن ذلك للتعويض والتعادل .. والله أعلم بذلك .. إنما هي نظرة في سنة الله وقياس( ). وسلك نوح - عليه السلام - أو حاول أن يسلك إلى آذان قومه وقلوبهم وعقولهم بشتى الأساليب ، ومتنوع الوسائل في دأب طويل ، وفي صبر جميل ، وفي جهد نبيل ، وراح يواصل جهوده النبيلة الخالصة الكريمة لهداية قومه ، بلا مصلحة له ، ولا منفعة ؛ ويحتمل في سبيل هذه الغاية النبيلة ما يحتمل من إعراض واستكبار واستهزاء .. ألف سنة إلا خمسين عامًا .. وعدد المستجيبين له لا يكاد يزيد ؛ ودرجة الإعراض والإصرار على الضلال ترتفع وتزداد ! ثم عاد في نهاية المطاف يقدم حسابه لربه الذي كلفه هذا الواجب النبيل وذلك الجهد الثقيل ! عاد يصف ما صنع وما لاقى ، وربه يعلم ، وهو يعرف أن ربه يعلم ، ولكنها شكوى القلب المتعب في نهاية المطاف ، إلى الجهة الوحيدة التي يشكو إليها الأنبياء والرسل والمؤمنون حقيقة الإيمان .. إلى الله( ) .. أما قومه فقد أعرضوا عن دعوته « ومكروا مكراً كباراً ». مكراً متناهياً في الكبر . مكروا لإبطال الدعوة وإغلاق الطريق في وجهها إلى قلوب الناس . ومكروا لتزيين الكفر والضلال والجاهلية التي تخبط فيها القوم . وكان من مكرهم تحريض الناس على الاستمساك بالأصنام التي يسمونها آلهة : « وقالوا : لا تذرن آلهتكم » بهذه الإضافة : « آلهتكم » لإثارة النخوة الكاذبة والحمية الآثمة في قلوبهم . وخصصوا من هذه الأصنام أكبرها شأناً فخصوها بالذكر ليهيج ذكرها في قلوب العامة المضللين الحمية والاعتزاز .. « ولا تذرن وداً ، ولا سواعاً ، ولا يغوث ، ويعوق ، ونسراً » .. وهي أكبر آلهتهم التي ظلت تعبد في الجاهليات بعدهم إلى عهد الرسالة المحمدية . وهكذا تلك القيادات الضالة المضللة تقيم أصناماً ، تختلف أسماؤها وأشكالها وفق النعرة السائدة في كل جاهلية ؛ وتجمع حواليها الأتباع ، وتهيج في قلوبهم الحمية لهذه الأصنام ، كي توجههم من هذا الخطام إلى حيث تشاء ، وتبقيهم على الضلال الذي يكفل لها الطاعة والانقياد : « وقد أضلوا كثيرًا » ككل قيادة ضالة تجمع الناس حول الأصنام .. أصنام الأحجار .. وأصنام الأشخاص .. وأصنام الأفكار .. سواء !! للصد عن دعوة الله ، وتوجيه القلوب بعيدًا عن الدعاة ، بالمكر الكبّار ، والكيد والإصرار!( ). وهذه التجربة المريرة تعرض على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي انتهت إليه أمانة دعوة الله في الأرض كلها في آخر الزمان ، واضطلع بأكبر عبء كلفه رسول .. يرى فيها صورة الكفاح النبيل الطويل لأخ له من قبل ، لإقرار حقيقة الإيمان في الأرض . ويطلع منها على عناد البشرية أمام دعوة الحق ؛ وفساد القيادة الضالة وغلبتها على القيادة الراشدة . ثم إرادة الله في إرسال الرسل تترى بعد هذا العناد والضلال منذ فجر البشرية على يدي جدها نوح عليه السلام . وتعرض على الجماعة المسلمة في مكة ، وعلى الأمة المسلمة بعامة ، وهي الوارثة لدعوة الله في الأرض ، وللمنهج الإلهي المنبثق من هذه الدعوة ، القائمة عليه في وسط الجاهلية المشتركة يومذاك ، وفي وسط كل جاهلية تالية .. ترى فيها صورة الكفاح والإصرار والثبات هذا المدى الطويل من أبي البشرية الثاني . كما ترى فيها عناية الله بالقلة المؤمنة ، وإنجاءها من الهلاك الشامل في ذلك الحين . وتعرض على المشركين ليروا فيها مصير أسلافهم المكذبين ؛ ويدركوا نعمة الله عليهم في إرساله إليهم رسولاً رحيماً بهم ، لا يدعو عليهم بالهلاك الشامل ؛ وذلك لما قدره الله من الرحمة بهم وإمهالهم إلى حين . فلم تصدر من نبيهم دعوة كدعوة نوح ، بعدما استنفد كل الوسائل ، وألهم الدعاء على القوم بما ألهم : « ولا تزد الظالمين إلا ضلالاً » .. « وقال نوح : رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا * إنك إن تذرهم ، يضلوا عبادك ، ولا يلدوا إلا فاجرًا كفارًا » .. ومن خلال عرض هذه الحلقة من حلقات الدعوة الإلهية على البشرية تتجلى حقيقة وحدة العقيدة وثبات أصولها ، وتأصل جذورها . كما يتجلى ارتباطها بالكون وبإرادة الله وقدره ، وأحداث الحياة الواقعة وفق قدر الله .. ولإقرار هذه الحقيقة في نفوس المسلمين قيمته في شعورهم بحقيقة دعوتهم ، وحقيقة نسبهم العريق ! وحقيقة موكبهم المتصل من مطلع البشرية ، وحقيقة دورهم في إقرار هذه الدعوة والقيام عليها ، وهي منهج الله القويم القديم . وإن الإنسان ليأخذه الدهش والعجب ، كما تغمره الروعة والخشوع ، وهو يستعرض بهذه المناسبة ذلك الجهد الموصول من الرسل - عليهم صلوات الله وسلامه - لهداية البشرية الضالة المعاندة( ) .

3- مرحلة الرسالات السماوية : انتهت الفترة الشركية الأولى برسالة نوح – عليه السلام – في مقاومة الجاهلية الأولى التي وقفت حجر عثرة في وجه الدعوة إلى الله إلى أن أزالها الله تعالى بالطوفان ونجاة المؤمنين . ولكن ما إن تكاثر البشر مرة ثانية على وجه الأرض حتى عاد الصراع مرة أخرى بين الحق والباطل ، واستطاع جنود إبليس أن يخدعوا الناس ويضلونهم من جديد ، وهكذا عادت موجة الشرك والوثنية إلى الظهور مرة أخرى ، وعادت الجاهلية بعتوها وجبروتها لتعلو في الأرض مرة أخرى ، سواء برموزها القديمة التي أطلت برأسها على العرب حيث تلك الأصنام التي عبدت من دون الله عادت لتعبد من جديد في جزيرة العرب وما جاورها ، وأضيف إليها أصنام جديدة لتناسب زمان الناس ومكانهم . روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: « صَارَتِ الأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي العَرَبِ بَعْدُ : أَمَّا وَدٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الجَنْدَلِ ، وَأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ ، وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ ، ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بِالْجَوْفِ ، عِنْدَ سَبَإٍ ، وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ ، وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ لِآلِ ذِي الكَلاَعِ »( ) ، وفي هذه المرحلة التاريخية من عمر البشرية عبد الإنســان الكواكب ومظاهر الطبيعة وقواها المختلفة ، ورموزها المختلفة المعبر عنها بالمصطلح الإسلامي « الأصنام » ، وهي مرحلة موغلة في القدم ، ولا يمكن بالتالي الإحاطة بها ودراسـتها دراسـة كاملة . ونأمل أن تعطينا الدراسـات والاكتشــافات الأثرية المزيد من المعلومات عنها . قال الدكتور جواد علي : أله بعض الناس الظواهر الطبيعية ؛ لتوهمهم أن فيها قوى روحية كامنة مؤثرة في العالم وفي حياة الإنسان مثل الشمس والقمر وبعض النجوم الظاهرة ، وقد كانت الشمس والقمر أول الأجرام السماوية التي لفتت أنظار البشر إليها ، لما في الشمس من أثر بارز في الزرع والأرض وفي حياة الإنسان بصورة مطلقة ، كذلك للقمر أثره في نفس الإنسان بما يبعثه من نور يهدي الناس في الليل ، ومن أثر كبير يؤثر في حس البشر ، فكانا في مقدمة الأجرام السماوية التي ألهها الإنسان ، عبدهما مجردين في بادئ الأمر ، أي دون أن يتصور فيهما ما يتصور من صفات ومن أمور غير محسوسة هي من وراء الطبيعة . فلما تقدم وزادت مداركه في أمور ما وراء الطبيعة ، تصور لهما قوى غير مدركة ، وروحًا ، وقدرة ، وصفات من الصفات التي تطلق على الآلهة . فخرجتا من صفتهما المادية البحتة ومن طبيعتهما المفهومة ، وصارتا مظهرًا لقوى روحية لا يمكن إدراكها ، إنما تدرك من أفعالها ومن أثرهما في هذا الكون . وإذا كانت هذه العبادة قد اقتصرت على الظواهر الطبيعية البارزة المؤثرة ، فإن هناك توسعًا في هذه العبادة تراه عند بعض الأقوام البدائية ، يصل إلى حد تقديس الأحجار والأشجار والآبار والمياه وأمثال ذلك ؛ إذ تصوروا وجود قوى روحية كامنة فيها ، فعبدوها على أن لها أثرًا خطيرًا في حياتهم . ونجد في أساطير الشعوب البدائية أن الإنسان من نسل الحيوان ومن الأشجار أيضًا ، كذلك تجد أمثلة عديدة من هذا القبيل في أساطير اليونان والرومان والساميين( ) . ويجب أن لا يغيب عن بالنا في غمرة الأحداث أن نسجل الملاحظة الهامة التي أشار إليها الدكتور المذكور بقوله : ويتبين من دراسة الأساطير السامية وجود شكل من أشكال التوحيد عند القبائل السامية البدائية ، يمثل في اعتقاد القبيلة بوجود إله لها واحد أعلى ، غير أن هذا لا يعني نفي اعتقادها بتعدد الآلهة . فإننا نرى أن تلك القبائل كانت تعتقد ، في الوقت نفسه ، بالأرواح كأنها كائنات حية ذات أثر وسلطان في مصير هذا الكون . وفي ضمنه الإنسان ، وبآلهة مساعدة للإله الكبير( ). وذهب « رينان » إلى أن العرب هم مثل سائر الساميين الآخرين موحدون بطبعهم ، وأن ديانتهم هي من ديانات التوحيد . وهو رأي يخالفه فيه نفر من المستشرقين . وقد أقام « رينان » نظريته هذه في ظهور عقيدة التوحيد عند الساميين من دراسته للآلهة التي تعبد لها الساميون ، ومن وجود أصل كلمة « أل » « إيل » في لهجاتهم ، فادعى أن الشعوب السامية كانت تتعبد لإله واحد هو « أل » « إيل » الذي تحرف اسمه بين هذه اللهجات ، فدعي بأسماء أبعدته عن الأصل ، غير أن أصلها كلها هو إله واحد ، هو الإله « أل » « إيل »( ). ويقول جواد علي :
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور قطنا
عضو متميز
عضو متميز
نور قطنا


المزاج : قطنا
empty
انثى
عدد المساهمات : 672
نقاط : 722
تاريخ الميلاد : 27/12/1986
العمر : 37
تاريخ التسجيل : 21/12/2009
مكان الإقامة : دبي

تابع جبل الشيخ - الحلقة الثانية (2) Empty
مُساهمةموضوع: رد: تابع جبل الشيخ - الحلقة الثانية (2)   تابع جبل الشيخ - الحلقة الثانية (2) Emptyالإثنين مارس 19, 2012 4:07 pm

تابع جبل الشيخ - الحلقة الثانية (2) 169580
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Chereen
عضو مميز
عضو مميز
Chereen


المزاج : قطنا
انثى
عدد المساهمات : 331
نقاط : 354
تاريخ الميلاد : 13/02/1988
العمر : 36
تاريخ التسجيل : 30/08/2009

تابع جبل الشيخ - الحلقة الثانية (2) Empty
مُساهمةموضوع: رد: تابع جبل الشيخ - الحلقة الثانية (2)   تابع جبل الشيخ - الحلقة الثانية (2) Emptyالإثنين مارس 19, 2012 4:10 pm

شكرا جزيلا على هذا الجهد المبارك

موسوعة بمعنى الكلمة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عين سلطان
عضو مميز
عضو مميز
avatar


المزاج : قطنا
empty
ذكر
عدد المساهمات : 237
نقاط : 244
تاريخ الميلاد : 17/06/1970
العمر : 54
تاريخ التسجيل : 24/12/2009
مكان الإقامة : بلاد الله الواسعة

تابع جبل الشيخ - الحلقة الثانية (2) Empty
مُساهمةموضوع: رد: تابع جبل الشيخ - الحلقة الثانية (2)   تابع جبل الشيخ - الحلقة الثانية (2) Emptyالإثنين مارس 19, 2012 4:14 pm

تابع جبل الشيخ - الحلقة الثانية (2) 815668

الله يحرسك يا بلادي من كيد الاعادي

و يدم رجالك امثال ابو محمد صاحب العلم القيم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تابع جبل الشيخ - الحلقة الثانية (2)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تابع جبل الشيخ - الحلقة الثانية
» تابع جبل الشيخ - الحلقة الثانية (3)
» تابع جبل الشيخ - الحلقة الثانية (3)
» تابع أضواء على ألقاب الشيخ حسن الراعي - لقب الفتى - الحلقة الثانية
» قطنا والحديث الشريف - تابع الحلقة الثانية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
قطنا :: المنتديات العامة :: شخصيات لها تاريخ-
انتقل الى: