وإليك بعض النصوص الواردة في ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى تكون على بينة من الأمر :
1) عن أَبي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : « لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الخَلَصَةِ » وَذُو الخَلَصَةِ : طَاغِيَةُ دَوْسٍ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الجَاهِلِيَّةِ( ) ، وكانت صنمًا تعبدها دَوْس في الجاهلية بتُبَالة( ). وقال صلى الله عليه وسلم لجرير بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: « ألا تريحني من ذي الخلصة ؟ » فركب إليه بمن معه فأحرقه وهدمه ، ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره . قال : فبَرَّكَ على خيل أحمس ورجالها خمسًا( ) . وذهب بعض الباحثين إلى أن الصنم « ذو الخلصة » المذكور في كتب أهل الأخبار ، والذي كان له بيت يدعى : « الكعبة اليمانية » ويقال له : « الكعبة الشامية » أيضًا ، والذي هدم في الإسلام ، هو تعبير آخر عن الصنم « عثتر » : « الزهرة » ، أي الإله المكون مع القمر والشمس للثالوث( ). وروى ابن حبان عن معمر قال : إن عليه الآن بيتًا مبنيًّا مغلقًا( ). وذكر الكلبي أنه : عتبَة بَاب مَسْجِد تبَالَة( ). وقال حمود بن عبد الله التويجري : وقد وقع الأمر طبق ما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث الصحيح ، وعظم افتتان أهل تبالة ومن حولهم من القبائل بذي الخلصة ، وأعادوا سيرتها الأولى في الجاهلية ، حتى ظهر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ، فدعا إلى التوحيد ، وجدد ما اندرس من معالم الدين ، وسعى في محو الشرك ووسائله وما يدعو إليه ويرغب فيه ، فبعث إمام المسلمين في ذلك الزمان - وهو عبد العزيز بن محمد بن سعود - جماعة من المسلمين إلى ذي الخلصة ، فخربوها ، وهدموا بعض بنائها ، وبقي بعضه قائمًا ، وزال الافتنان بها في زمن ولاية النجديين على الحجاز ، ولما زالت ولايتهم عن الحجاز ؛ عاد الجهال إلى ما كانوا عليه من الافتنان بها ، حتى ولي الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود على الحجاز وما حوله ، فبعث عامله على تلك النواحي جماعة من المسلمين ، فهدموا ما بقي من بنائها ، ورموا بأنقاضها في الوادي ، فعفى بعد ذلك رسمها ، وانقطع أثرها ، وذلك في سنة ألف وثلاثمائة وأربع وأربعين أو خمس وأربعين من الهجرة( ).
2) عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : « لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللَّاتُ وَالْعُزَّى » . فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ! إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ حِينَ أَنْزَلَ اللهُ : « هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ »( ) أَنَّ ذَلِكَ تَامًّا . قَالَ « إِنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللهُ ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ رِيحًا طَيِّبَةً ، فَتَوَفَّى كُلَّ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ ، فَيَبْقَى مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ ، فَيَرْجِعُونَ إِلَى دِينِ آبَائِهِمْ »( ) .
3) عَنْ ثَوْبَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين ، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان »( ).
4) عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض : الله الله » ، وفي رواية : « لا إله إلا الله »( ) .
ففي هذه الأحاديث دلالة قاطعة على أن الشرك واقع في هذه الأمة ، فإذا الأمر كذلك فيجب على المسلمين أن يبتعدوا عن كل الوسائل والأسباب التي قد تؤدي بأحدهم إلى الشرك ، مثل ما نحن فيه من بناء المساجد على القبور ، ونحو ذلك مما حرمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحذر أمته منه . ولا يغتر أحد بالثقافة العصرية فإنها لا تهدي ضالًا ، ولا تزيد المؤمن هدًى إلا ما شاء الله ، وإنما الهدى والنور فيما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم - وصدق الله العظيم إذ يقول : « قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ ، وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ ، وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ »( ). وقد تجلت بداية هذه المرحلة في جبل الشيخ بإقامة أحد جنود القوات الدولية صليبًا ضخمًا من مخلفات الأسلحة وذخائرها التي استخدمت في معارك جبل الشيخ ، وذلك على أعلى قمة من قممه !؟
صورة الصليب الذي أقامه أحد جنود القوات الدولية في جبل الشيخ
وفي ختام حديثي عن الوثنية الأخيرة أذكر ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيُّ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ مَسْلَمَةَ بْنِ مُخَلَّدٍ ، وَعِنْدَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ : لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ الْخَلْقِ ، هُمْ شَرٌّ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ، لَا يَدْعُونَ اللهَ بِشَيْءٍ إِلَّا رَدَّهُ عَلَيْهِمْ ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ ، فَقَالَ لَهُ مَسْلَمَةُ : يَا عُقْبَةُ ، اسْمَعْ مَا يَقُولُ عَبْدُ اللهِ ، فَقَالَ عُقْبَةُ : هُوَ أَعْلَمُ ، وَأَمَّا أَنَا فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : « لَا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى أَمْرِ اللهِ ، قَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ ، حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ » ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ : أَجَلْ ، « ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ رِيحًا كَرِيحِ الْمِسْكِ مَسُّهَا مَسُّ الْحَرِيرِ، فَلَا تَتْرُكُ نَفْسًا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَّا قَبَضَتْهُ ، ثُمَّ يَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ عَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ »( ). قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو : « ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ بَعْدَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَقْبِضُ رُوحَ عِيسَى وَأَصْحَابِهِ ، وَكُلُّ مُؤْمِنٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ » قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو : يَبْقَى بَقَايَا الْكُفَّارِ وَهُمْ شِرَارُ الْخَلْقِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ مِائَةَ سَنَةٍ( ). والله من وراء القصد ، وهو الهادي إلى سواء السبيل .
الباحث محمود الشيخ