من ألقاب الشيخ حسن الراعي
لقب الفتى - الحلقة الأولى
قال الشاعر :
إن الفتى من يقول ها أنا ذا ليس الفتى من يقول كان أبي
قال مؤلف الفتح الصمداني : « وقد ذكرنا شيئًا يسيرًا جدًا من ترجمته الشريفة – أي ترجمة الشيخ أحمد بن علي الرفاعي - ليدرك اللبيب فخر خليفته العارف الرباني ، الأستاذ الشيخ حسن القطناني – رضي الله عنهما - :
وإن فتى كان الرفاعي شيخه فمركزه في العارفين رفيع » ( )
فمن هو الفتى ؟ وما هي أهم الصفات التي يتميز بها والتي تميزه عن غيره من الشباب ؟ والتي إذا انعدمت سلبت منه هذه التسمية ؟ ولماذا استخدم القرآن الكريم مصطلح « فتى » ولم يستخدم مصطلح " شاب " ؟ ولماذا استخدم الصوفية هذا المصطلح ؟ وهل له مفهوم عندهم يختلف عن اصطلاحه اللغوي ؟ للإجابة عن هذه التساؤلات يستدعي الأمر الرجوع إلى المعاجم اللغوية والتفاسير والتاريخ والأدب وكتب الصوفية والمصطلحات وغيرها .
فالفتى مصطلح يحسبه الكثيرون ليس غامضًا في اللغة ، ولكن مدلولاته وإيحاءاته قد تخفى على بعض الناس ، ومن هنا كان لا بد لأي بحث من تناول المعاني والمدلولات اللغوية . والفتوّة : صفة يرجع اشتقاقها إلى جنس الذّكور وما يتحلّون به من صفات القوّة ونحوها ، فالفتوّة ترجع إلى الفتى ، وفي المجال الأخلاقيّ « أو الاصطلاحيّ) ، فإن الفتوّة تعني اتّصاف المرء بما يوصف به الفتى من النّجدة والنّشاط وتوقّد الذّكاء ، قال طرفة :
إذا القوم قالوا من فتى ؟ خلت أنّني عنيت ، فلم أكسل ولم أتبلّد( )
يقال : الفَتيُّ والفَتِيَّةُ : الشَّابُّ والشَّابَّةُ ، والقياس : فَتُو فَتَاءً . وجمع الفَتَى : فِتْيَةَ وفِتيان ، وتَفَتَّى فلانٌ : أي تَشَبَّهَ بالفِتيان . ويجمع الفَتَى على الأفتاء( ). والفتى : السَّخِيُّ الكَرِيمُ . يقال : هو فَتًى بَيِّنُ الفُتُوَّةِ( ) . قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ : الفَتَى : الْكَرِيمُ ، هُوَ فِي الأَصل مَصْدَرٌ فَتِيَ فَتًى وُصف بِهِ ، فَقِيلَ : رَجُلٌ فَتًى( ). ومِنْ مَعَانِي الْفُتُوَّةِ فِي اللُّغَةِ : الْحُرِّيَّةُ وَالْكَرَمُ( ) ، وَيُسمى العَبْد وَالْأمة فَتى وفتاة وَإِن كَانَا كبيرين لِأَنَّهُمَا لَا يوقران توقير الْكِبَار لرِقِّيَتْهُما( ). وَفِي المِصْباح : الفَتَى فِي الأصْلِ يقالُ للشابِّ الحديثِ ، ثمَّ اسْتُعِيرَ للعَبْدِ وَإِن كانَ شيْخاً مجَازًا لتَسْمِيَتِه باسْمِ مَا كانَ عَلَيْهِ . وقولُه تَعَالَى : « وَإِذ قالَ موسَى لفَتاهُ » ( ) جَاءَ فِي التَّفْسِير أَنَّه يُوشَعُ بن نُون( ) ، سَمَّاهُ بذلكَ لأنَّه كانَ يَخْدمُه فِي سَفَرِه ، ودَلِيلُه قولُ : « آتِنا غَدَاءَنا » ( ) . والفَتِيُّ ، كغَنِيَ : الشَّابُّ من كلِّ شيءٍ . ويكنَى بالفَتَى والفَتاةِ عَن العَبْدِ والأَمَةِ ؛ وَمِنْه قولُه تَعَالَى : « تُراوِدُ فَتَاها عَن نَفْسِه » ( ) . يقالُ : فَتًى بَيِّن الفُتُوَّةُ ؛ وهُما فَتَيانِ ، بالتَّحْريكِ ؛ وَمِنْه قولُه تَعَالَى : « ودخَلَ مَعَه السِّجْن فَتَيان » ( ) جائِزٌ كَوْنهما حَدَثَيْن أَو شَيْخَين لأنَّهم كَانُوا يسمّون المَمْلوكَ فَتًى . قَالَ الشَّاعِر :
وَإِذا قيل من هجان قُرَيْش كنت أَنْت الْفَتى وَأَنت الهجان( )
قَالَ ابْن السّكيت يُقَال : تَفَتَّتْ الْجَارِيَة إِذا راهَقَت فخُدِّرَتْ ومُنعتْ من اللَّعب مَعَ الصّبيان ، وَقد فُتِّيَتْ تَفْتيةً . وَيُقَال لِلْجَارِيَةِ الحَدَثة : فتاةٌ ، وللغلام فَتى ، وتَصْغيرُ الفتاةِ فُتيَّةٌ ، وتصغير الفَتى فُتَيُّ . يُقَال لِلْجَارِيَةِ فتاةٌ ، وللغلام فَتًى ، وفَتِيٌّ من النَّاس بيِّن الفُتوَّة . قَالَ ابن قُتيبة : لَيْسَ الْفَتى بِمَعْنى الشابِّ والحَدثِ ، إنَّما هُوَ بِمَعْنى الْكَامِل الجزْل من الرِّجَال . يَدلُّك على ذَلِك قَول الشَّاعِر :
إِن الْفَتى حَمَّالُ كلِّ مُلِمَّةٍ ليْس الْفَتى بِمُنعَّم الشُّبانِ( )
ويقال : هذا فتي بيّن الفتوة وهي الحرية والكرم . قال عبد الرحمن بن حسان :
إن الفتى لفتى المكارم والعلى ليس الفتى بمُغَمَلَّجِ( ) الصبيان
وقال آخر:
يا عزّ هل لك في شيخ فتًى أبدًا وقد يكون شبابٌ غير فتيان
وتقول العرب : فتًى من صفته كيت وكيت من غير تمييز بين الشيخ والشاب ، وهذا فتًى بيّن الفتاء وهو طراءة السنّ . وهما فتاي وفتاتي : أي غلامي وجاريتي ، وسئل أبو يوسف عمن قال : أنا فتى فلانٍ ، فقال : هو إقرار منه بالرق". وقال لفتيته " و" لفتيانه ". قال قتادة : لغلمانه . وفُتّيت بنت فلان : منعت من الخروج وسترت وهي صغيرة وألحقت بالفتيات ، وتفتت هي . وأبرد من شيخ يتفتّى : أي يتشبّه بالفتيان . وتقول : هؤلاء فتوٌّ ما فيهم فتوة ، وهو جمع : فتًى( ). وقَوْله صلى الله عليه وسلم : « لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ : عَبْدِي وَأَمَتِي ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ : فَتَاي وَفَتَاتِي »( ) : أَي غلامي ، وَكَأَنَّهُ كره أَن تنْسب الْعُبُودِيَّة إِلَى غير الله تَعَالَى( ) . والْفَتَى مِنْ النَّاسِ : الشَّابُّ الْقَوِيُّ الْحَدَثُ ، وَيُسْتَعَارُ لِلْمَمْلُوكِ وَإِنْ كَانَ شَيْخًا كَمَا الْغُلَامُ( ). والفُتُوَّةُ : الكَرَمُ والسَّخاءُ ، هَذَا لُغَة ؛ وَفِي عُرْفِ أَهْلِ التَّحْقِيقِ : أَنْ يُؤْثرَ الخَلْقَ على نفْسِه بالدُّنْيا والآخِرَةِ . وصاحِبُ الفُتُوَّة يقالُ لَهُ : الفَتَى ، وَمِنْه قولُ الشاعِرِ:
فإنّ فَتى الفتيان من رَاحَ واغْتَذَى لضرّ عدوَ أَو لنَفْعِ صَدِيقِ
وقَول امْرئ الْقَيْسِ :
لَنِعْمَ الْفَتَى تَعْشُو إِلَى ضَوْءِ نَارِهِ طَرِيفُ بْنُ مَالٍ لَيْلَةَ الْقُرِّ وَالْخَصَرِ( )
وقول آخر :
وَمَا الزَّيْنُ فِي بَادٍ تَرَاهُ وَإِنَّمَا يَزِينُ الْفَتَى مَخْبُوءُهُ حِينَ يُخْبِرُ( )
وأَنْشَدَ لِلْأَعَوَّرِ الشَّنِّيِّ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ :
لِسَـــانُ الْفَتَى نِصْفٌ وَنِصْفٌ فَؤَادُهُ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا صُورَةُ اللَّحْمِ وَالدَّمِ
وَكَائِنْ تَرَى مِنْ صَامِتٍ لَكَ مُعْجِبٍ زِيَادَتُهُ أَوْ نَقْصُــــــهُ فِي التَّكَلُّمِ( )
والفتوة : التجافي عن مطالبة الخلق بالإحسان إليه ولو أحسن إليهم ؛ لعلمه بأن إحسانه وإساءتهم إليه ، كل ذلك مخلوق لله تعالى( )« وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ »( ) . وعُبِّرَ عَنْ الفتوة فِي الشَّريعةِ بمكارِمِ الأخْلاقِ ، وَلم يَجِىءْ لَفْظُ الفُتُوَّة فِي الكِتابِ والسُّنَّةِ ، وإنّما جاءَ فِي كَلامِ السَّلَفِ ، وأَقْدَمُ مَنْ تكلَّمَ فِيهَا جَعْفَرُ الصّادِقِ ، ثمَّ الفضيلُ ، ثمَّ الإمامُ أَحمدُ وسهلُ والجنيد وَلَهُم فِي التَّعْبيرِ عَنْهَا أَلْفاظٌ مُخْتَلفَةٌ والمآلُ واحِدٌ . وفَتَوْتُهُمْ أَفْتُوهُم : غَلَبْتُهُمْ فِيهَا ، أَي فِي الفُتُوَّة( )ومن هذا الحكم الاستقرائي للفيروزآبادي وابن القيم والزبيدي يلاحظ « أن اسم الفتوة لا أصل له في الوحيين الشريفين ، يُبين بجلاء أنه من مستحدث الاصطلاح في التعبُّد ، وإن قال به بعض الأكابر، فالأولى عدم استعماله( )» . وقيل : الفتى في كلام العرب هو الحدث بالنسبة إلى غيره ، ثم إنها غلبت في عرف كثير من الناس على مكارم الأخلاق ، لكون الشباب ألين أخلاقًا من الشيوخ ، وصاروا يطلقون الفتوة على ذلك ، حتى قال بعض المشايخ : طريقتنا تَتَفَتَّى وليس تَتَعَرَّى( . وكما قال آخر منهم : التصوف خُلُقٌ ، مَن زاد عليك في الخلق زاد عليك في التصوف( ). وقيل : الْفُتُوَّةِ أَيْ : كَرَمُ النَّفْسِ وَتَخْلِيصِهَا مِنَ الْأَوْصَافِ الْمَذْمُومَةِ إِلَى الْأَوْصَافِ الْمَمْدُوحَةِ ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ : الْفُتُوَّةُ : الْكَرَمُ ، وَقَدْ تَفَتَّى وَتَفَاتَى يَعْنِي : تَعَاطَى أَوْصَافَ الْفُتُوَّةِ وَتَخَلَّقَ بِهَا ، وَرَاضَ نَفْسَهُ حَتَّى صَارَ مِنْ ذَوِيهَا ، وَفَتَوْتُهُمْ إِذَا غَلَبْتَهُمْ فِيهَا( ) . وَأَصْلُ الْفُتُوَّةِ الشَّبَابُ ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ الْفَتَى فِيمَنْ كَمُلَتْ فَضَائِلُهُ وَمَكَارِمُهُ كَمَا جَاءَ « لَا فَتًى إلَّا عَلِيٌّ »( ) وَمِنْ هَذَا أَخَذَ الصُّوفِيَّةُ الْفُتُوَّةَ الْمُتَعَارَفَةُ بَيْنَهُمْ ، وَأَصْلُ مَدْلُولِهِ الْغُلَامُ الصَّغِيرُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الرَّجُلِ الْمُسْتَحْكِمِ الْقُوَّةِ ، وَهُوَ عَلَى هَذَا إمَّا مَأْخُوذٌ مِنْ الْغُلْمَةِ وَهِيَ شَهْوَةُ النِّكَاح( ). وذكر ابن القيم أن الهروي ذكر من منازل « إِيَّاكَ نَعْبُدُ ، وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ » ( ) : منزلة : الفتوة . وقال : « الفتوة هي استعمال الأخلاق الكريمة مع الخلق » . ثم شرحها بقوله في « مدارج الساكين » : « وأصل الفتوة : من الفتى ، وهو الشاب الحدث السن »، قال الله تعالى عن أهل الكهف : « إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ( ) آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً » ( ). وأصل الفتوة عند الصوفية : « أن يكون العبد أبدًا في أمر غيره » . فعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : « لا يَزَالُ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَاجَةِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ »( ). سئل جعفر الصادق عنها فقال للسّائل : ما تقول أنت ؟ قال : إِن أُعطيت شكرت ، وإِن مُنِعت صبرت . فقال : الكلاب عندنا كذلك . فقال : يا ابن رسول الله ! فما الفتوّة عندكم ؟ قال : إِن أُعطينا آثرنا ، وإِن مُنِعنا شكرنا . وقال الفضيل بن عياض : الفتوّة : الصّفح عن عَثَرَات الإِخوان( ) . وسئل الإِمام أَحمد عن الفتوّة ، فقال : ترك ما تهوَى لما تخشى( ) . وسئل الجنيد عنها فقال : أَلاَّ تنافِر فقيرًا ، ولا تعارض غنيًّا . وقال الحارث المحاسبيّ : الفتوة أَن تُنْصف ولا تَنْتصف . وقال عمرو بن عثمان المكيّ : الفتوة حُسْن الخلق . وقال محمّد ابن علي الترمذيّ : الفتوة أَن تكون خصيماً لربّك على نفسك . وقيل : الفتوة أَلاَّ ترى لنفسك فضلاً على غيرك . وقال الدقَّاق : هذا الخُلُق لا يكون كمالُه إِلاَّ لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فإِنَّ كلَّ أَحد يقول يوم القيامة : نفسي نفسي ، وهو يقول : « أُمّتي أُمّتي » ( ) . وقيل الفتوّة : كسر الصّنم الذى بينك وبين الله وهو نفسك( ) ؛ فإِنَّ الله تعالى حكى عن قصة إِبراهيم أَنَّه جعل الأَصنام جُذَاذًا فكسر الأَصنام له ، فالفتى من كسر صنمًا واحدًا لله . وقيل : الفتوّة أَلاَّ تكون خصمًا لأَحد – يعني : في حظِّ نفسك - ، وأَمّا في حق الله فالفتوّة : أَن تكون خصمًا لكل أَحد ولو كان الحبيب المصافيا . وقال الثوريّ : أَن يستوي عندك المقيم والطَّارىءُ . وقال بعضهم : أَلاَّ يميز بين أَن يأْكل عنده وَليّ أَو كافر . وقال الجُنَيْد أَيضًا : الفتوة كفُّ الأَذى ، وبذل الندَى ، وترك الشكوى( ) . وقال سهل : هي اتِّباع السنَّة . وقيل : الوفاءُ والحفَاظ . وقيل : فضيلة تأْتيها ولا ترى نفسك فيها . وقال : أَلا تحتجب ممّن قصدك . وقيل : أَلاَّ تهرُب إِذا أَقبل العافي ، يعنى طالب المعروف . وقيل : إِظهار النعمة ، وإِسرار المحنة . وقيل : أَلاَّ تدّخر ولا تعتذر( ) . وقيل : تزوّج رجل امرأَة فلمّا دخل عليها رأَى بها الجُدريّ فقال : عيني ثم قال : عمِيتُ . فبعد عشر( ) سنين ماتت ولم تعلم أَنه بصير . وقيل : ليس من الفتوّة أَن تَرْبح على صديق . ويذكر أَن رجلا نام من الحاجّ بالمدينة ففقد هِمْيانًا فيه أَلف دينار . فقام فزِعًا فوجد جعفر بن محمّد فتعلَّق به وقال : أَخذتَ هِيْماني . فقال : أَيشٍ كان فيه ؟ فقال : أَلف دينار . فأَدخله داره ووزن له أَلف دينار، ثمّ إِنه وجد هِيْمانه فجاءَ معتذرًا إِلى جعفر بالمال ، فأَبى أَن يقبله ، وقال : شيءٌ أَخرجته من يدي لا أَستردّه أَبدًا( ). وقال الشيخ عبد الله الأَنصاري الهروي : « نكتة الفتوة : أَلاَّ تَشهد لك فضلاً ، ولا ترى لك حقَّا » يشير إِلى أَن قلب الفتوّة وإِنسان عينها : أَن تغيب بشهادة نقصك وعيبك عن فضلك ، وتغيب بشهادة حقوق الخَلْق عليك عن شهادة حقوقك عليهم »( ). وَقِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ السِّجْزِيَّ : مَا يَدْفَعُكَ عَنْ لُبْسِ الْمُرْقَعَّةِ( ) ؟ قَالَ : « مِنَ النِّفَاقِ أَنْ تَلْبَسَ لِبَاسَ الْفِتْيَانِ وَلَا تَدْخُلَ فِي حَمْلِ أَثْقَالِ الْفُتُوَّةِ ، فَقِيلَ لَهُ : وَمَا الْفُتوَّةُ ؟ قَالَ : رُؤْيَةُ أَعْذَارِ الْخَلْقِ وَتَقْصِيرَكَ ، وَتَمَامَهُمْ وَنُقْصَانَكَ ، وَالشَّفَقَةُ عَلَى الْخَلْقِ كُلِّهُمْ : بَرِّهِمْ وَفَاجِرِهِمْ ، وَكَمَالُ الْفُتُوَّةِ هُوَ أَنْ لَا يَشْغَلَكَ الْخَلْقُ عَنِ اللَّهِ »( ). وَسُئِلَ أَبُو الْحَسَنِ الْبُوشَنْجِيَّ عَنِ الْفُتُوَّةِ ، فَقَالَ : « حُسْنُ الْمُرَاعَاةِ وَدَوَامُ الْمُرَاقَبَةِ ، وَأَنْ لَا تَرَى مِنْ نَفْسِكِ ظَاهِرًا يُخَالِفُهُ بِاطِنُكَ »( ). وقال لما سُئِلَ عَنِ الْفُتُوَّةِ أيضًا : « الْفُتُوَّةُ عِنْدِي : فِي آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَخَبَرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَمَّا قَوْلُ اللهِ تَعَالَى : « يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ، وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا ، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ »( )، وَخَبَرٌ عَنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « لَا يُؤْمِنُ الْعَبْدُ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ - يَعْنِي مِنَ الْخَيْرِ - وَيَكْرَهُ لِأَخِيهِ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ »( ) ، فَمَنِ اجْتَمَعَ فِيهِ هَاتَانِ الْحَالَتانِ فَلَهُ الْفُتُوَّةُ »( ). وَقال عَنِ الْفُتُوَّةِ : « حُسْنُ السِّرِّ» ( ). وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ الْخَلَدِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْخَوَّاصُ : « الْفُتُوَّةُ : احْتَقَارُ النَّفْسِ وَتَعْظِيمُ حُرْمَةِ للْمُسْلِمِينَ »( ) وقال أبو سليمان الداراني : « الفتوة : أن لا يراك الله حيث نهاك ، ولا يفقدك حيث أمرك »( ). وَقيل : لَمَّا كَانَ الشَّابُّ أَلْيَنَ عَرِيكَةً مِنْ الشَّيْخِ صَارَ فِي طَبْعِهِ مِنْ السَّخَاءِ وَالْكَرَمِ مَا لَا يُوجَدُ فِي الشُّيُوخِ ، فَصَارُوا يُعَبِّرُونَ بِلَفْظِ الْفَتَى عَنْ السَّخِيِّ الْكَرِيمِ . يُقَالُ : هُوَ فَتًى بَيِّنُ الْفُتُوَّةِ ، وَقَصَدَ يَفْتَى وَيُفَاتَى . وَاسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْفَتَى بِمَعْنَى : الْمُتَّصِفِ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ ، وَقَدْ يُظَنُّ أَنَّ لَفْظَ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا ، وهو ما أشار إليه مصنفو نضرة النعيم بقولهم : « ويتأكّد هذا المعنى اللّغويّ للفتوّة بما جاء في الذّكر الحكيم من وصف أهل الكهف بأنّهم « فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ »( ) ، وفي هذا إشارة واضحة إلى أنّ صفة الفتوّة فيهم تفيد : قوّة تحمّلهم ، وصلابة عزيمتهم ، وكمال عقولهم المتمثّل في الإيمان بالله تعالى( ) ، وأيدوا ذلك بقول ابن كثير في تفسير هذه الآية الكريمة : « ذكر الله تعالى أنّهم فتية ، وهم الشّباب ، وهم أقبل للحقّ وأهدى للسّبيل من الشّيوخ الّذين قد عتوا وانغمسوا في دين الباطل ، ولهذا كان أكثر المستجيبين لله ورسوله شبابًا ، وأمّا الشّيوخ من قريش فعامّتهم بقوا على دينهم ولم يسلم منهم إلّا القليل »( ). وَمِنْهُ قَوْلُ بَعْضِ الشُّيُوخِ : طَرِيقُنَا تَفْتَى وَلَيْسَ تَنْصُرُ . يَعْنِي : هُوَ اسْتِعْمَالُ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ؛ لَيْسَ هُوَ النُّسُكُ الْيَابِسُ . وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي إسْمَاعِيلَ الْأَنْصَارِيِّ الهروي : « الْفُتُوَّةُ :أَنْ تُقَرِّبَ مَنْ يَقْصِيك ، وَتُكْرِمَ مَنْ يُؤْذِيك ، وَتُحْسِنَ إلَى مَنْ يُسِيءُ إلَيْك سَمَاحَةً لَا كَظْمًا وَمُوَادَّةً لَا مُصَابَرَةً »( ). والفُتُوَّة نهاية الكَرَم . والفُتُوَّة منزلة حقيقتها منزلة الإِحسان وكفّ الأَذَى عن الغير وَاحتمال الأَذى منهم . فهي في الحقيقة نتيجة حُسْن الخُلُق وغايته . وبهذا يتّضح أنّ الفتوّة تشير إلى معان ذات قيمة أخلاقيّة عظمى ، حتّى وإن كانت في الأصل لا تشعر بمدح ولا ذمّ كما يقول الفيروزاباديّ ، ثمّ انتقلت اللّفظة بعد ذلك للدّلالة على معنى « استعمال الأخلاق الكريمة مع الخلق » كما يقول ابن القيّم( )ومعنى هذه العبارة أنّ الفتوّة هي التّطبيق العمليّ والتّنفيذ الفعليّ لما تقتضيه الأخلاق الحميدة الّتي لا بدّ أن يتحلّى بها من اتّصف بالفتوّة ، التي عدّت من منازل « إِيَّاكَ نَعْبُدُ ، وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ » وهي نتيجة حسن الخلق ، واستعماله « أي إخراجه إلى حيّز الوجود بعد أن كان هيئة راسخة في النّفس ، وقد لخّص ابن القيّم هذه الأقوال عند ما ذكر أنّ أصل الفتوّة عند القوم هي أن يكون العبد أبدًا في أمر "خدمة" غيره( ) . وقيل : الفرق بينها وبين المروءَة أنَّ المروءَة أَعمّ ، والفتوّة نوع من أَنواعها ؛ فإِنَّ المروءَة استعمال ما يجمّل ويزين ممّا هو مختصّ بالعبد ، أَو متعدّ إِلى غيره ، وترك ما يدنّس ويَشين ممّا هو مختصّ به أَو متعلِّقٌ بالغير ، أي إنّ المروءة تتعلّق بالنّفس وبالغير، والفتوّة تتعلّق بالغير فقط إذ هي أن يكون المرء في خدمة غيره( ) . وهي لم يعبَّر عنها في الشريعة باسم الفتوّة ، بل عُبّر عنها باسم مكارم الأَخلاق ؛ كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم : « إِنَّ اللهَ بعثني لتمام مكارم الأَخلاق ، ومحاسن الأَفعال »( ). وقال الثعلبي : في خبر أصحاب الكهف : « إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ »( ) : شبان وأحداث آمَنُوا بِرَبِّهِمْ ، حكم الله لهم بالفتوّة حين آمنوا بلا واسطة لذلك . وقال أهل اللّسان : رأس الفتوّة الإيمان . وقيل : الفتى من لا يدّعي قبل الفعل ، ولا يزكّي نفسه بعد الفعل . وقيل : ليس الفتى من يصبر على السياط ، إنما الفتى من جاز على الصراط . وقيل : ليس الفتى من يصبر على السكين ، إنما الفتى من يطعم المسكين( ). والْفَتى : الشَّاب أول شبابه بَين المراهقة والرجولة ، والسخي وَذُو النجدة وَالْخَادِم . والفتوة : الشَّبَاب بَين طوري المراهقة والرجولة والنجدة ، ومسلك أَو نظام ينمي خلق الشجَاعَة والنجدة فِي الْفَتى( ). وَمِن جُموعِ الفَتَى : فِتْيَة ، وَمِنْه قولُه تَعَالَى : « إِذا أَوَى الفِتْيَةُ إِلَى الكَهْفِ » ( ) ، وجمع فتاة : فَتَياتً وَمِنْه قولُه تَعَالَى : « وَلَا تُكْرِهُوا فَتَياتِكم على البغاءِ » ( ) ، أَي إماءَكُم( ). قال الفقهاء : الناس : غلمان وصبيان وأطفال وذراري إلى البلوغ ، ثم هم بعد البلوغ شبان وفتيان إلى الثلاثين ، ثم هم بعدها كهول إلى الأربعين ، ثم بعدها شيوخ . واستنبط بعضهم ذلك من القرآن في حق بعض الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - قال الله تعالى في حق يحيى : « وآتيناه الحكم صبيًا » ( ) ، وفي حق عيسى : « يكلم الناس في المهد وكهلاً » ( )، وعن إبراهيم : « قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم » ( )، وعن يعقوب : « إنّ له أبًا شيخًا كبيرًا » ( ). وقيل : الفتى : الشاب من سن خمس عشرة إلى ثلاث وثلاثين( ). وقد كشف الراغب الأصفهاني عن العلاقة الوطيدة بين الفتوة والتصوف فقال : وأما الفتوة فكالمروءة : فإنها اسم لما يختص به الفتى من الفضائل الإنسانية ، لكن هي بالرجولية أشبه ، وقد استعارت الصوفية لفظ الفتوة للتصوف ، لكونها مشاركة له في جميع أفعالها إلا في الغرض ، فإن غرض الفتيان استجلاب محمدة الأقران ، وغرض المتصوفة استجلاب محمدة الرحمن ، بل مجرد مرضاته تعالى( ). ومثل ذلك ما قاله ابن المبارك في التفرقة بين الفتوة والقراءة : ما رأيت بين الفتوة والقراءة فرقاً إلا في شيء واحد : ما حظرت القراءة شيئاً إلا قبحته الفتوة ، وإنما يفترقان في أن القراءة يراد بها وجه الله تعالى ، والفتوة يراد بها وجوه الناس ومدحهم . وقد كان أستاذه سفيان الثوري يقول : من لم يحسن يتفتى لم يحسن يقترّى . أيّ : من لم يعرف أحكام التفتي فيقوم بها حتى يستحق وصف فتى لم يحكم أوصاف التقري حتى يوصف بأنه قارئ( ) . وقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ في شرح عبارة سفيان : إِنَّ مِنْ عَادَةِ الْفِتْيَانِ وَمَنْ أَخَذَ بِأَخْذِهِمْ بَشَاشَةَ الْوَجْهِ وَسَجَاحَةَ الْخُلُقِ وَلِينَ الْعَرِيكَةِ ، وَمِنْ شِيمَةِ الْأَكْثَرِينَ مِنَ الْقُرَّاءِ الْكَزَازَةُ وَسُوءُ الْخُلُقِ ، فَمَنِ انْتَقَلَ مِنَ الْفُتُوَّةِ إِلَى الْقِرَاءَةِ كَانَ جَدِيرًا أَنْ يَتَبَاقَى مَعَهُ تِلْكَ الذَّوْقَةَ وَالْهَشَاشَةَ ، وَمَنْ تَقَرَّأَ فِي صِبَاهُ لَمْ يَخْلُ مِنْ جَفْوَةٍ أَوْ غِلْظَةً . وَقَدْ يَتَوَجَّهُ قَوْلُ سُفْيَانَ إِلَى وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ : أَنَّهُ إِذَا انْتَقَلَ مِنَ الْفُتُوَّةِ إِلَى الْقِرَاءَةِ كَانَ مَعَهُ الْأَسَفُ عَلَى مَا مَضَى ، وَالنَّدَمُ عَلَى مَا فَرَطَ مِنْهُ ، فَكَانَ أَقْرَبَ لَهُ إِلَى أَنْ لَا يُعْجَبَ بِعَمَلٍ صَالِحٍ يَكُونُ مِنْهُ ، وَإِذَا كَانَ عَارِفًا بِالشَّرِّ كَانَ أَشَدَّ لِحَذَرِهِ وَأَبْعَدَ مِنَ الْوُقُوعِ فِيهِ( ) .
وقال الشعراوي في معنى الفتوة والفتوى والعلاقة بينهما : نسأل الله « أن يُوقِظ غفلتنا ويُنبِّهنا ويُحذِّرنا من دعاة الباطل الذين يُزيِّنون لنا الإسراف في أمور حياتنا ، ويُهوِّنون علينا الحرام يقولون : لا بأس في هذا ، ولا مانع من هذا ، وهذا ليس حرام . ربنا يعطينا المناعة اللازمة ضد هؤلاء حتى لا ننساق لضلالاتهم . لذلك جاء في الحديث الشريف : « استفت قلبك ، واستفتِ نفسك ، وإنْ أفتوك ، وإنْ أفتوك ، وإنْ أفتوك »( ) . وفي هذا دليل على أنه سيأتي أناس يُفتون بغير علم ، ويُزيِّنون للناس الباطل ، ويُقنعونهم به . والفتوى من الفُتوة : القوة ، ومنه قوله تعالى : « قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ » ( ). كذلك الفتوى تعني : القوة في أمر الدين والتمكُّن من مسائله وقضاياه ، وإنْ كانت القوة المادية في أمر الدنيا لها حَدٌّ تنتهي عنده فإنْ القوة في أمر الدين لا تنتهي إلى حَدٍّ ، لأن الدين أمدُه واسع ، وبحره لا ساحلَ له . والقوة نعرفها في أي ناحية من النواحي ، لكن قوة القوى هي القوة في أمر الدين . نقول : فلان فتيٌّ يعني : قويٌّ بذاته ، وأفتاه فلان أي : أعطاه القوة ، كأنه كان ضعيفاً في حُكم من أحكام الشرع ، فذهب إلى المفتي فأفتاه يعني : أعطاه فتوة في أمر الدين . مثل قولنا : غَنيَ فلان أي : بذاته ، وأغناه أي : غيره ، كما يقول سبحانه : « وَمَا نقموا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ الله وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ » ( ). إذن : فمهمة المفتي أن يُقوِّي عقيدتي ، لا أن يسرف لي في أمر من أمور الدين ، أو يُهوِّن عليَّ ما حرّم الله فيُجرِّئني عليه ، وعلى المفتي أن يتحرَّى الدقة في فتواه خاصة في المسائل الخلافية التي يقول البعض بحلِّها ، والبعض بحرمتها ، يقف عند هذه المسائل وينظر فيها رأي الإسلام المتمثل في الحديث الشريف : « الحلال بيِّن ، والحرام بيِّن ، وبينهما أمور مُشْتبهات ، فمن ترك ما شُبِّه له » - لا من فعل ما شُبِّه له يعني على الأقل نترك ما فيه شبهة – « فقد استبرأ لدينه » - إن كان متديناً – « وعِرْضه »( )- إن لم يكُنْ متدينًا - . إذن : مَنْ لم يقف هذا الموقف ويترك ما فيه شبهة لم يستبرىء لدينه ولا لعِرْضه . ومَنْ لم يُفْتِ على هذا الأساس من العلماء فإنما يُضعِف أمر الدين لا يُقوِّيه ، وبدل أن نقول : أفتاه . نقول : أضعفه( ). وقال محمد رشيد رضا : وَالِاسْتِفْتَاءُ فِي اللُّغَةِ السُّؤَالُ عَنِ الْمُشْكَلِ الْمَجْهُولِ ، وَالْفَتْوَى : جَوَابُهُ سَوَاءٌ أَكَانَ نَبَأً أَمْ حُكْمًا ، وَقَدْ غَلَبَ فِي الِاسْتِعْمَالِ الشَّرْعِيِّ فِي السُّؤَالِ عَنِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَمِنَ الشَّوَاهِدِ عَلَى عُمُومِهِ : « أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ » ( ) وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْفُتُوَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى مَعْنَى الْقُوَّةِ وَالْمَضَاءِ وَالثِّقَةِ( ).
وقد وردت كلمة الفتى في القرآن الكريم بمشتقاتها عشر مرات : فقد جاءت بصيغة المفرد المذكر أربع مرات وهي قَوله تبَارك وَتَعَالَى : « قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى( ) يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ » ( ) وَقَالَ : « وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا » ( ) ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : « فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا » ( ) و قَوْله تَعَالَى : « وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ » ( ) ، وَوردت بصيغة المثنى المذكر مرة واحدة في قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : « وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ » ( ). وجاءت بصيغة جمع المذكر ثلاث مرات في قوله تعالى : « إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا »( ) ، وقوله تعالى : « نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى »( )، وقوله تعالى : « وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ » ( ) . وجاءت بصيغة جمع المؤنث مرتبن في قوله تعالى :« وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ » ( )، وقوله تعالى : « وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ » ( ).
الباحث : محمود سعيد الشيخ