تابع أضواء على ألقاب الشيخ حسن
- لقب الفتى - الحلقة السادسة
حفل لباس الفتوة
قال الشاعر :
وإن كان في لبس الفتى شرف له فما السيف إلا غمده والحمائل( )
وَقد وصف لنا بعضهم صُورَة هَذا الحفل وما يتم فيه من مراسم وتقاليد وأمور وعادات فقال : إنَّ قَوْمًا يَجْتَمِعُونَ فِي بَيْتِ أَحَدِهِمْ ، فَإِذَا اجْتَمَعُوا وَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ قَامَ نَقِيبُهُمْ وَأَنْشَدَ أَبْيَاتًا تَتَضَمَّنُ اسْتِئْذَانَهُمْ فِي شَدِّ وَسَطِهِ ، فَيَأْذَنُونَ لَهُ ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِإِحْدَى يَدَيْهِ شَرْبَةً فِيهَا مَاءٌ ، وَيَأْخُذُ بِيَدِهِ الْأُخْرَى مِلْحًا ، وَيَخْطُبُ خُطْبَةً يَقْرَأُ فِي آخِرِهَا « وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ » [الفرقان: 53] وَيُومِئُ بِرَأْسِهِ إلَى الْمَاءِ ، « وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ » [الفرقان: 53] وَيُومِئُ إلَى الْمِلْحِ ، وَيَضَعُ الْمِلْحَ فِي الْمَاءِ وَيَرْفَعُ الشَّرْبَةَ ، ثُمَّ يَقُومُ زَعِيمُ الْقَوْمِ وَهُوَ الَّذِي يُلْبِسُهُمْ سَرَاوِيلَاتِ الْفُتُوَّةِ فَيَجْلِسُ وَسْطَ الْقَوْمِ ، وَيَقُولُ لَهُ النَّقِيبُ : مَنْ يَطْلُبُ فَيُسَمِّي مَنْ يُرِيدُ مِنْ الْحَاضِرِينَ ، فَيَقُومُونَ وَاحِدًا وَاحِدًا كُلَّمَا قَامَ أَحَدُهُمْ شَدَّ الزَّعِيمُ وَسَطَهُ وَأَوْقَفَهُ ، فَيَقُولُ هَذَا الْمَشْدُودُ الْوَسَطُ : أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى ، وَأَسْأَلُ السَّادَةَ الْحَاضِرِينَ ، كُلُّ مَا أَقَامَنِي وَشَدَّ وَسَطِي أَنْ يُقْعِدَنِي فَتًى كَامِلًا . ثُمَّ يَقُولُ النَّقِيبُ : مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا الرَّجُلِ ؟ فَيُثْنُونَ ثَنَاءً حَسَنًا ، وَيَقُولُونَ : نِعْمَ الْأَخُ ، ثُمَّ يَنْصِبُونَ ثَوْبًا كَهَيْئَةِ الْقَوْصَرَّةِ يُسَمُّونَهُ التَّنُّورَةَ ، وَيُدْخِلُونَ الزَّعِيمَ وَاَلَّذِي يَلْبَسُ إلَى وَسْطِهَا ، فَيُلْبِسُهُ سَرَاوِيلَ بِيَدِهِ ، وَيُدْخِلُ الزَّعِيمُ يَدَهُ تَحْتَ ثِيَابِ اللَّابِسِ إلَى مَرْبِطِ السَّرَاوِيلِ وَيَشُدُّ بِيَدِهِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ ، وَيَقْرَأُ الْقَوْمُ حِينَئِذٍ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ ، ثُمَّ يَقُولُ النَّقِيبُ : اللِّبَاسُ لِبَاسُ فُلَانٍ ، وَالْفُتُوَّةُ فُتُوَّةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، فَالْزَمْ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ، وَاتِّبَاعِ الشَّرْعِ الْمُطَهَّرِ ، مَا تَكْرَهُهُ لِنَفْسِك لَا تَرْضَاهُ لِغَيْرِك ، وَمَا تَكْرَهُهُ لِغَيْرِك لَا تَرْضَاهُ لِنَفْسِك ، عَلَيْك بِتَقْوَى اللَّهِ ، هَذَا شَرْطُنَا عَلَيْك ، وَاَللَّهُ نَاظِرٌ إلَيْك ، يَفْعَلُ ذَلِكَ بِكُلِّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَلْبَسَ ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ رَفَعُوا التَّنُّورَةَ ، وَخَرَجَا مِنْ وَسْطِهَا ، ثُمَّ يَأْتِي النَّقِيبُ بِالشَّرْبَةِ الْمَذْكُورَةِ فَيُقَدِّمُهَا إلَى شَيْخِهِمْ فَيَأْخُذُهَا بِيَدِهِ ثُمَّ يَقُولُ : السَّلَامُ يَا فِتْيَانِ ، السَّلَامِ مَرَّتَيْنِ ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ وُقُوفِي لِلَّهِ ، وَاتِّبَاعِي بِالْفُتُوَّةِ لِآلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَخُصُّ بِهَذِهِ الشَّرْبَةِ الْعَفِيفَةِ النَّظِيفَةِ لِكَبِيرِي فُلَانٍ وَيُسَمِّيهِ ، ثُمَّ يُسْنِدُهَا عَنْ شَيْخٍ بَعْدَ شَيْخٍ إلَى الْإِمَامِ النَّاصِرِ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، ثُمَّ يَشْرَبُ وَيَدْفَعُهَا إلَى غَيْرِهِ فَيَفْعَلُ كَذَلِكَ حَتَّى يَشْرَبَ الْقَوْمُ جَمِيعُهُمْ( ) .
وهذه المراسم التي تقام بين فترة وأخرى كان لا بد للعلماء أن يسألوا عنها ، وعن حكم الشرع فيها ، فقد وجهت لهم الأسئلة حينًا بعد آخر ، فمَاذا قُال السَّادَةُ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْفُتُوَّةِ الَّتِي فَشَتْ وَظَهَرَتْ فِي ذلك الزَّمَانِ ؟ وَهَلْ الْهَيْئَةُ الْمَذْكُورَةُ سُنَّةٌ أَمْ بِدْعَةٌ ؟ وَهَلْ قَوْلُ النَّقِيبِ « هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ »( ) وَإِشَارَتُهُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَطَأٌ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ قَوْلُهُ أَيْضًا : أَسْأَلُ اللَّهَ وَأَسْأَلُ الْحَاضِرِينَ بِوَاوِ الْعَطْفِ خَطَأٌ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ هَذِهِ الشَّرْبَةُ الَّتِي يُسْنِدُهَا إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لَهَا أَصْلٌ أَمْ لَا ؟ وَإِذَا كَانَ لَهَا أَصْلٌ فَهَلْ مُتَّصِلَةٌ أَمْ مُنْقَطِعَةٌ ؟ وَالْحَالَةُ هَذَا أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى « فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ »( ) وَقَالَ تَعَالَى « إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ »( ) .
جواب السبكي : الْحَمْدُ لِلَّهِ هَذِهِ بِدْعَةٌ لَا يَشُكُّ فِيهَا أَحَدٌ وَلَا يُرْتَابُ فِي ذَلِكَ ، وَيَكْفِي أَنَّهَا لَمْ تُعْرَفْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا فِي زَمَنِ أَصْحَابِهِ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ ، وَإِدْخَالُ الزَّعِيمِ يَدَهُ تَحْتَ ثِيَابِ اللَّابِسِ إلَى مَرْبِطِ السَّرَاوِيلِ وَشَدُّهُ ، الْغَالِبُ أَنَّهُ يَحْصُلُ مَسُّ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَمَسُّ ذَلِكَ الْمَكَانِ حَرَامٌ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَوْرَةِ . وَاسْتِعْمَالُ الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَعْنَاهُ خَطَأٌ ، وقَوْله تَعَالَى « هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ »( ) إنَّمَا الْإِشَارَةُ فِيهِ إلَى الْبَحْرَيْنِ ، فَالْإِشَارَةُ بِهِ إلَى غَيْرِهِمَا خَطَأٌ ، وَذَلِكَ الْمَاءُ وَالْمِلْحُ اللَّذَانِ بِيَدِهِ غَيْرُهُمَا ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْإِشَارَةَ إلَى الْجِنْسَيْنِ فَيَكُونَ أَخَفَّ مَعَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ لَا تَزُولُ ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ إنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِيمَا أُرِيدَ بِهِ ، وَالْجُلُوسُ فِي وَسْطِ الْحَلْقَةِ مَكْرُوهٌ .
وَقَوْلُهُ : أَسْأَلُ اللَّهَ وَأَسْأَلُ الْحَاضِرِينَ إلَى آخِرِهِ خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : الْإِتْيَانُ بِوَاوِ الْعَطْفِ الَّتِي تَقْتَضِي التَّشْرِيكَ بَيْنَ اسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ غَيْرِهِ . وَالثَّانِي : أَنَّ هَذَا الْمَسْئُولَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْحَاضِرُونَ فَلَا يَجُوزُ طَلَبُهُ مِنْهُمْ ، وَإِنَّمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ اللَّهُ تَعَالَى . وَعَزْوُ هَذِهِ الشَّرْبَةِ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لَا أَصْلَ لَهَا ، وَافْتِتَاحُ الْمَجْلِسِ بِشِعْرٍ لَيْسَ بِجَيِّدٍ ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ تُفْتَتَحَ الْمَجَالِسُ بِحَمْدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَأَمَّا مَا فِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ : الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ، وَاتِّبَاعِ الشَّرْعِ الْمُطَهَّرِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ لِغَيْرِهِ مَا كَرِهَ لِنَفْسِهِ ، وَلِنَفْسِهِ مَا كَرِهَهُ لِغَيْرِهِ ، وَالْإِلْزَامُ بِتَقْوَى اللَّهِ فَكُلُّهُ حَسَنٌ دَاخِلٌ فِي قَوْله تَعَالَى « وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ»( ) وَ « لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ »( ) . وَالْفُتُوَّةُ مِنْ أَعْظَمِ خِصَالِ الْخَيْرِ جَامِعَةً كَمَالَ الْمُرُوءَةِ وَحُسْنَ الْخُلُقِ وَالْإِيثَارَ عَلَى النَّفْسِ وَاحْتِمَالَ الْأَذَى وَبَذْلَ النَّدَى وَطَلَاقَةَ الْوَجْهِ وَالْقُوَّةَ عَلَى ذَلِكَ ، حَتَّى تَكُونَ فُتُوَّتُهُ عَلَى ذَلِكَ فُتُوَّةَ الْفِتْيَانِ ، وَالصَّفْحِ عَنْ الْعَثَرَاتِ ، وَيَكُونُ خَصْمًا لِرَبِّهِ عَلَى نَفْسِهِ ، وَيُنْصِفُ مِنْ نَفْسِهِ وَلَا يَنْتَصِفُ ، وَلَا يُنَازِعُ فَقِيرًا وَلَا غَنِيًّا ، وَيَسْتَوِي عِنْدَهُ الْمَدْحُ وَالذَّمُّ وَالدُّعَاءُ وَالطَّرْدُ ، وَلَا يَحْتَجِبُ وَلَا يَدَّخِرُ ، وَلَا يَعْتَذِرُ وَيُظْهِرُ النِّعْمَةَ ، وَيُحَقِّقُ الْمَحَبَّةَ سِرًّا وَعَلَنًا ، فَإِذَا قَوِيَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ الْفَتَى ، وَإِذَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ عَلَى ذَلِكَ وَتَعَاهَدُوا عَلَيْهِ فَنِعْمَ مَا هُوَ .
وَأَمَّا شَدُّ الْوَسَطِ فَلَا سُنَّةٌ وَلَا بِدْعَةٌ ، وَكَأَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى الْحَزْمِ وَالنُّهُوضِ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ ، وَأَمَّا لُبْسُ السَّرَاوِيلِ فَأَيْضًا لَا سُنَّةٌ وَلَا بِدْعَةٌ ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَاهُ وَمَا لَبِسَهُ ، ثُمَّ صَارَ حَسَنًا لِلسَّتْرِ، وَأَمَّا لُبْسُهُ لِهَذَا الْغَرَضِ وَالِاجْتِمَاعُ عَلَيْهِ ، فَكَأنَ الْمَقْصُودُ بِهِ : لِالْتِزَامَ بِحِفْظِ مَا هُوَ سَاتِرٌ لَهُ مِنْ الْحَرَامِ وَغَيْرِهِ ، وَأَنْ يَكُونَ اللَّابِسُ لَهُ عَلَى أَحْسَنِ طَرِيقَةٍ مِنْ الْعَفَافِ وَالصِّيَانَةِ وَطَهَارَةِ الذَّيْلِ ، يَقِي مَا تَحْتَ الْإِزَارِ ، فَإِذَا قَصَدَ بِهِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَشُدَّ مِنْ فَوْقٍ ، أَوْ يُعْطِيَ اللَّابِسَ فَيَشُدَّهُ هُوَ بِيَدِهِ حَتَّى لَا يَحْصُلَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ لَمْسِ الْعَوْرَةِ ، وَأَمَّا الدُّخُولُ فِي الثَّوْبِ الَّذِي يُعْمَلُ كَالْقَوْصَرَّةِ فَقَدْ يُقَالُ : إنَّهُ مَكْرُوهٌ لِلنَّهْيِ عَنْ إفْضَاءِ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ، لَكِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي النَّوْمِ وَحَالَةِ التَّجَرُّدِ أَمَّا قَبْلَ هَذَا فَلَا . وَقَدْ صَحَّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا – قَالَتْ : « خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَدَاةً وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ ، فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ ، ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَدَخَلَ مَعَهُ ، ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا ، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ ، ثُمَّ قَالَ : « إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا »( ). وَأَمَّا شُرْبُ الْمَاءِ وَالْمِلْحِ فَمَعَ كَوْنِهِ لَمْ يَصِحَّ عَنْ عَلِيٍّ لَا أَصْلَ لَهُ عَنْ غَيْرِهِ أَيْضًا ، وَقَدْ « بَايَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَنْصَارَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ بِمِنًى فِي عَامٍ ، ثُمَّ فِي عَامٍ آخَرَ ، وَبَايَعَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ » وَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ مُبَايَعَاتِهِ أَكْلٌ وَلَا شُرْبٌ ، فَفِعْلُ ذَلِكَ بِدْعَةٌ ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ فِي الدِّينِ مَا لَيْسَ مِنْهُ ، وَلَا أَنْ نَعْتَقِدَ فِي شَيْءٍ أَنَّهُ سُنَّةٌ حَتَّى يَكُونَ لَهُ شَبِيهُ أَصْلٍ ؛ وَلَا يَكْفِي كَوْنُهُ مُبَاحًا فَإِنَّ جَعْلَهُ مِنْ الدِّينِ أَوْ مَطْلُوبًا وَسُنَّةً وَشِعَارًا إنَّمَا يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ ، وَمَا لِأَحَدٍ أَنْ يُحْدِثَهُ لَا شَيْخٍ وَلَا غَيْرِهِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . كَتَبَهُ عَلِيٌّ السُّبْكِيُّ فِي بُكْرَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَادِسِ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ 752 انْتَهَى( ).
وَسُئِلَ ابن تيمية : عَنْ حفل لباس الْفُتُوَّةِ وما يجري فيه من أمور، فَأَجَابَ قَائِلًا : أَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ " الْفُتُوَّةِ " الَّتِي يَلْبَسُ فِيهَا الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ سَرَاوِيلَ ، وَيَسْقِيه مَاءً وَمِلْحًا ؛ فَهَذَا لَا أَصْلَ لَهُ . وَلَمْ يَفْعَلْهَا أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ لَا عَلِيٌّ وَلَا غَيْرُهُ . وَالْإِسْنَادُ الَّذِي يَذْكُرُونَهُ فِي " الْفُتُوَّةِ " إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ : عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ طَرِيقَةِ الْخَلِيفَةِ النَّاصِرِ وَغَيْرِهِ إسْنَادٌ مُظْلِمٌ عَامَّةُ رِجَالِهِ مَجَاهِيلُ لَا يُعْرَفُونَ وَلَيْسَ لَهُمْ ذِكْرٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ( ) . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ : أَنَّهُ وَضَعَ سَرَاوِيلَ عِنْدَ قَبْرِ عَلِيٍّ فَأَصْبَحَ مَسْدُودًا ، وَهَذَا يَجْرِي عِنْدَ غَيْرِ عَلِيٍّ كَمَا يَجْرِي أَمْثَالُ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يُظَنُّ أَنَّهَا كَرَامَةٌ فِي الْكَنَائِسِ وَغَيْرِهَا مِثْلُ دُخُولِ مَصْرُوعٍ إلَيْهَا فَيَبْرَأُ بِنَذْرِ يُجْعَلُ لِلْكَنِيسَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذِبًا فَإِنَّهُ مِنْ فِعْلِ الشَّيَاطِينِ ، كَمَا يُفْعَلُ مِثْلُ ذَلِكَ عِنْدَ الْأَوْثَانِ ، وَأَنَا أَعْرِفُ مِنْ ذَلِكَ وَقَائِعَ مُتَعَدِّدَةً . وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ سَرَاوِيلَ الْفُتُوَّةِ لَا أَصْلَ لَهُ عَنْ عَلِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ السَّلَفِ . وَمَا يَشْتَرِطُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ الشُّرُوطِ إنْ كَانَ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِهِ وَرَسُولُهُ ، وَمَا نَهَى عَنْهُ مِثْلَ التَّعَصُّبِ لِشَخْصِ عَلَى شَخْصٍ وَالْإِعَانَةِ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ، فَهُوَ مِمَّا يُنْهَى عَنْهُ وَلَوْ شَرَطُوهُ ... فَمَنْ دَعَا إلَى مَا دَعَا إلَيْهِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ كَانَ مُحْسِنًا ، سَوَاءٌ سُمِّيَ ذَلِكَ فُتُوَّةً أَوْ لَمْ يُسَمَّه ، وَمَنْ أَحْدَثَ فِي دِينِ اللَّهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌ . وَالْغَالِبُ أَنَّهُمْ يُدْخِلُونَ فِي الْفُتُوَّةِ أُمُورًا يُنْهَى عَنْهَا فَيُنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ ، وَيُؤْمَرُونَ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ ، كَمَا يُنْهَوْنَ عَنْ الْإِلْبَاسِ وَالْإِسْقَاءِ ، وَإِسْنَادُ ذَلِكَ إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَمْثَالُ ذَلِكَ( ) .
وسُئِلَ ابْنِ تَيْمِيَّة الْحَرَّانِي مرة أخرى : فِي جَمَاعَةٍ يَجْتَمِعُونَ فِي مَجْلِسٍ وَيُلَبِّسُونَ لِشَخْصِ مِنْهُمْ لِبَاسَ " الْفُتُوَّةِ " ، وَيُدِيرُونَ بَيْنَهُمْ فِي مَجْلِسِهِمْ شَرْبَةً فِيهَا مِلْحٌ وَمَاءٌ يَشْرَبُونَهَا ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ هَذَا مِنْ الدِّينِ ، وَيَذْكُرُونَ فِي مَجْلِسِهِمْ أَلْفَاظًا لَا تَلِيقُ بِالْعَقْلِ وَالدِّينِ . فَمِنْهَا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْبَسَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِبَاسَ الْفُتُوَّةِ ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يُلْبِسَ مَنْ شَاءَ . وَيَقُولُونَ : إنَّ اللِّبَاسَ أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صُنْدُوقٍ وَيَسْتَدِلُّونَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : « يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ »( ) الْآيَةَ - فَهَلْ هُوَ كَمَا زَعَمُوا ؟ أَمْ كَذِبٌ مُخْتَلَقٌ ؟ وَهَلْ هُوَ مِنْ الدِّينِ أَمْ لَا ؟ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الدِّينِ فَمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَوْ يُعِينُ عَلَيْهِ ؟ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْسِبُ ذَلِكَ إلَى الْخَلِيفَةِ النَّاصِرِ لِدِينِ اللَّهِ . إلَى عَبْدِ الْجَبَّارِ وَيَزْعُمُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الدِّينِ ؛ فَهَلْ لِذَلِكَ أَصْلٌ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ الْأَسْمَاءُ الَّتِي يُسَمَّوْنَ بِهَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا مِنْ اسْمِ الْفُتُوَّةِ وَرُءُوسِ الْأَحْزَابِ وَالزُّعَمَاءِ فَهَلْ لِهَذَا أَصْلٌ أَمْ لَا ؟ وَيُسَمَّوْنَ الْمَجْلِسَ الَّذِي يَجْتَمِعُونَ فِيهِ " دَسْكَرَةً " ، وَيَقُومُ لِلْقَوْمِ نَقِيبٌ إلَى الشَّخْصِ الَّذِي يُلْبِسُونَهُ فَيَنْزِعُهُ اللِّبَاسَ الَّذِي عَلَيْهِ بِيَدِهِ وَيُلْبِسُهُ اللِّبَاسَ الَّذِي يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لِبَاسُ الْفُتُوَّةِ بِيَدِهِ ، فَهَلْ هَذَا جَائِزٌ أَمْ لَا ؟ وَإِذَا قِيلَ : لَا يَجُوزُ فِعْلُ ذَلِكَ وَلَا الْإِعَانَةُ عَلَيْهِ ؟ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ مَنْعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ ؟ وَهَلْ لِلْفُتُوَّةِ أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ أَمْ لَا ؟ وَإِذَا قِيلَ : لَا أَصْلَ لَهَا فِي الشَّرِيعَةِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى غَيْرِ وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِمْ وَيَمْنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ أَمْ لَا ؟ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْإِنْكَارِ . وَهَلْ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَوْ التَّابِعِينَ أَوْ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَعَلَ هَذِهِ الْفُتُوَّةَ الْمَذْكُورَةَ أَوْ أَمَرَ بِهَا أَمْ لَا ؟...
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، أَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ إلْبَاسِ لِبَاسِ " الْفُتُوَّةِ " السَّرَاوِيلَ أَوْ غَيْرَهُ وَإِسْقَاءِ الْمِلْحِ وَالْمَاءِ فَهَذَا بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ ، وَلَمْ يَفْعَلْ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، لَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَلَا غَيْرُهُ وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ . وَالْإِسْنَادُ الَّذِي يَذْكُرُونَهُ مِنْ طَرِيقِ الْخَلِيفَةِ النَّاصِرِ إلَى عَبْدِ الْجَبَّارِ إلَى ثُمَامَةَ فَهُوَ إسْنَادٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ ، وَفِيهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ ، وَلَا يَجُوزُ لِمُسْلِمِ أَنْ يَنْسُبَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ هَذَا الْإِسْنَادِ الْمَجْهُولِ الرِّجَالِ أَمْرًا مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَا تُعْرَفُ عَنْهُ ، فَكَيْفَ إذَا نُسِبَ إلَيْهِ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ كَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ عَلَيْهِ ؟ فَإِنَّ الْعَالِمِينَ بِسُنَّتِهِ وَأَحْوَالِهِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا مِنْ الْكَذِبِ الْمُخْتَلَقِ عَلَيْهِ وَعَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ نُزُولِ هَذَا اللِّبَاسِ فِي صُنْدُوقٍ هُوَ مِنْ أَظْهَرْ الْكَذِبِ بِاتِّفَاقِ الْعَارِفِينَ بِسُنَّتِهِ . وَ " اللِّبَاسُ الَّذِي يُوَارِي السَّوْأَةَ " هُوَ كُلُّ مَا سَتَرَ الْعَوْرَةَ مِنْ جَمِيعِ أَصْنَافِ اللِّبَاسِ الْمُبَاحِ . أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ لَمَّا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً وَيَقُولُونَ : ثِيَابٌ عَصَيْنَا اللَّهَ فِيهَا لَا نَطُوفُ فِيهَا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ ، وَأَنْزَلَ قَوْلَهُ : « خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ »( ) . وَالْكَذِبُ فِي هَذَا أَظْهَرُ مِنْ الْكَذِبِ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ لِبَاسِ الْخِرْقَةِ ، وَأَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَاجَدَ حَتَّى سَقَطَتْ الْبُرْدَةُ عَنْ رِدَائِهِ ، وَأَنَّهُ فَرَّقَ الْخِرَقَ عَلَى أَصْحَابِهِ ، وَأَنَّ جِبْرِيلَ أَتَاهُ وَقَالَ لَهُ : إنَّ رَبَّك يَطْلُبُ نَصِيبَهُ مِنْ زِيقِ( ) الْفَقْرِ ، وَأَنَّهُ عَلَّقَ ذَلِكَ بِالْعَرْشِ . فَهَذَا أَيْضًا كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يسَقَطَ عَنْهُ ثَوْبٌ مِنْ ثِيَابِهِ فِي ذَلِكَ ، وَلَا قَسَمَهُ عَلَى أَصْحَابِهِ وَكُلُّ مَا يُرْوَى مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ كَذِبٌ مُخْتَلَقٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِسُنَّتِهِ .
وَالشُّرُوطُ الَّتِي تَشْتَرِطُهَا شُيُوخُ " الْفُتُوَّةِ " مَا كَانَ مِنْهَا مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ كَصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَأَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَاجْتِنَابِ الْمَحَارِم وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ ، وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ ، أَوْ كَانَتْ مُسْتَحَبَّةً : كَالْعَفْوِ عَنْ الظَّالِمِ وَاحْتِمَالِ الْأَذَى وَبَذْلِ الْمَعْرُوفِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَأَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى السُّنَّةِ وَيُفَارِقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ إذَا كَانَ عَلَى بِدْعَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، فَهَذِهِ يُؤْمِنُ بِهَا كُلُّ مُسْلِمٍ سَوَاءٌ شَرَطَهَا شُيُوخُ الْفُتُوَّةِ أَوْ لَمْ يَشْرُطُوهَا . وَمَا كَانَ مِنْهَا مِمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ : مِثْلُ التَّحَالُفِ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُصَادِقُ صَدِيقَ الْآخَرِ فِي الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَيُعَادِي عَدُوَّهُ فِي الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ ، وَيَنْصُرُهُ عَلَى كُلِّ مَنْ يُعَادِيه سَوَاءٌ كَانَ الْحَقُّ مَعَهُ أَوْ كَانَ مَعَ خَصْمِهِ ، فَهَذِهِ شُرُوطٌ تُحَلِّلُ الْحَرَامَ وَتُحَرِّمُ الْحَلَالَ ، وَهِيَ شُرُوطٌ لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ . وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : « الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ : إلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا » ( ) وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي بَيْنَ الْقَبَائِلِ وَالْمُلُوكِ وَالشُّيُوخِ وَالْأَحْلَافِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهَا عَلَى هَذَا الْحُكْمِ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ ، مَا كَانَ مِنْ الْأَمْرِ الْمَشْرُوطِ الَّذِي قَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ فَإِنَّهُ يُنْهَى عَنْهُ كَمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ . وَلَيْسَ لِبَنِي آدَمَ أَنْ يَتَعَاهَدُوا وَلَا يَتَعَاقَدُوا وَلَا يَتَحَالَفُوا وَلَا يَتَشَارَطُوا عَلَى خِلَافِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ ؛ بَلْ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يُوفُوا بِالْعُقُودِ وَالْعُهُودِ الَّتِي عَهِدَهَا اللَّهُ إلَى بَنِي آدَمَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : « وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ». وَكَذَلِكَ مَا يَعْقِدُهُ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ كَعَقْدِ النَّذْرِ أَوْ يَعْقِدُهُ الِاثْنَانِ : كَعَقْدِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا ، أَوْ مَا يَكُونُ تَارَةً مِنْ وَاحِدٍ وَتَارَةً مِنْ اثْنَيْنِ : كَعَقْدِ الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ ؛ فَإِنَّهُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْعُقُودِ مَتَى اشْتَرَطَ الْعَاقِدُ شَيْئًا مِمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ كَانَ شَرْطُهُ بَاطِلًا . وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : « مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ » ( ) . وَالْعُقُودُ الْمُخَالِفَةُ لِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ هِيَ مِنْ جِنْسِ دِينِ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَهِيَ شُعْبَةٌ مِنْ دِينِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ عَقَدُوا عُقُودًا أَمَرُوا فِيهَا بِمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ وَنَهَوْا فِيهَا عَمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ . فَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَتَجَنَّبَهُ( ) .
وَأَمَّا لَفْظُ " الْفَتَى " فَمَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ الْحَدَثُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : « إنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ )) وقَوْله تَعَالَى « قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إبْرَاهِيمُ » وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى « وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ ». لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ أَخْلَاقُ الْأَحْدَاثِ اللِّينَ صَارَ كَثِيرٌ مِنْ الشُّيُوخِ يُعَبِّرُونَ بِلَفْظِ " الْفُتُوَّةِ " عَنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ . كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ : طَرِيقُنَا تُفْتَى وَلَيْسَ تُنْصَرُ . وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ : " الْفُتُوَّةُ " أَنَّ تُقَرِّبَ مَنْ يُقْصِيك وَتُكْرِمَ مَنْ يُؤْذِيك وَتُحْسِنَ إلَى مَنْ يُسِيءُ إلَيْك : سَمَاحَةً لَا كَظْمًا وَمَوَدَّةً لَا مُضَارَةً . وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ : " الْفُتُوَّةُ " تَرْكُ مَا تَهْوَى لِمَا تَخْشَى . وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الَّتِي تُوصَفُ فِيهَا الْفُتُوَّةُ بِصِفَاتِ مَحْمُودَةٍ مَحْبُوبَةٍ سَوَاءٌ سُمِّيَتْ فُتُوَّةً أَوْ لَمْ تُسَمَّ وَهِيَ لَمْ تَسْتَحِقَّ الْمَدْحَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إلَّا لِدُخُولِهَا فِيمَا حَمِدَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ ، كَلَفْظِ الْإِحْسَانِ وَالرَّحْمَةِ وَالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ وَالْحِلْمِ وَكَظْمِ الْغَيْظِ وَالْبِرِّ وَالصَّدَقَةِ وَالزَّكَاةِ وَالْخَيْرِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْحَسَنَةِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ هَذِهِ الْمَعَانِيَ . فَكُلُّ اسْمٍ عَلَّقَ اللَّهُ بِهِ الْمَدْحَ وَالثَّوَابَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَانَ أَهْلُهُ مَمْدُوحِينَ ، وَكُلُّ اسْمٍ عَلَّقَ بِهِ الذَّمَّ وَالْعِقَابَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَانَ أَهْلُهُ مَذْمُومِينَ كَلَفْظِ الْكَذِبِ وَالْخِيَانَةِ وَالْفُجُورِ وَالظُّلْمِ وَالْفَاحِشَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَأَمَّا لَفْظُ " الزَّعِيمِ " فَإِنَّهُ مِثْلُ لَفْظِ الْكَفِيلِ وَالْقَبِيلِ وَالضَّمِينِ قَالَ تَعَالَى : « وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ » فَمَنْ تَكَفَّلَ بِأَمْرِ طَائِفَةٍ فَإِنَّهُ يُقَالُ هُوَ زَعِيمٌ ؛ فَإِنْ كَانَ قَدْ تَكَفَّلَ بِخَيْرِ كَانَ مَحْمُودًا عَلَى ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ شَرًّا كَانَ مَذْمُومًا عَلَى ذَلِكَ . وَأَمَّا " رَأْسُ الْحِزْبِ " فَإِنَّهُ رَأْسُ الطَّائِفَةِ الَّتِي تَتَحَزَّبُ ، أَيْ : تَصِيرُ حِزْبًا ، فَإِنْ كَانُوا مُجْتَمِعِينَ عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ ، فَهُمْ مُؤْمِنُونَ لَهُمْ مَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ زَادُوا فِي ذَلِكَ وَنَقَصُوا مِثْلَ التَّعَصُّبِ لِمَنْ دَخَلَ فِي حِزْبِهِمْ بِالْحَقِّ وَالْبَاطِلِ ، وَالْإِعْرَاضِ عَمَّنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي حِزْبِهِمْ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ ، فَهَذَا مِنْ التَّفَرُّقِ الَّذِي ذَمَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ ، فَإِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَمَرَا بِالْجَمَاعَةِ والائتلاف ، وَنَهَيَا عَنْ التَّفْرِقَةِ وَالِاخْتِلَافِ ، وَأَمَرَا بِالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، وَنَهَيَا عَنْ التَّعَاوُنِ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : « مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ ، إذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ » وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : « الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا » وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ . وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : « الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يُسْلِمْهُ وَلَا يَخْذُلْهُ » وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : « اُنْصُرْ أَخَاك ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ مَظْلُومًا ، فَكَيْفَ أَنْصُرُهُ ظَالِمًا ؟ قَالَ : تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ ؛ فَذَلِكَ نَصْرُك إيَّاهُ » . وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : « خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ: يُسَلِّمُ عَلَيْهِ إذَا لَقِيَهُ؛ وَيَعُودُهُ إذَا مَرِضَ وَيُشَمِّتُهُ إذَا عَطَسَ؛ وَيُجِيبُهُ إذَا دَعَاهُ. وَيُشَيِّعُهُ إذَا مَاتَ » . وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : « وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ». فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَأَمْثَالُهَا فِيهَا أَمْرُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ حُقُوقِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : « لَا تَقَاطَعُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا » . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : « إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا : أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ؛ وَأَنْ تَنَاصَحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ » وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : « أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ؟ قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ ». فَهَذِهِ الْأُمُورُ مِمَّا نَهَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَنْهَا . وَأَمَّا لَفْظُ " الدَّسْكَرَةِ " فَلَيْسَتْ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَهَا أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ فَيَتَعَلَّقُ بِهَا حَمْدٌ أَوْ ذَمٌّ ؛ وَلَكِنْ هِيَ فِي عُرْفِ النَّاسِ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْمَجَامِعِ . كَمَا فِي حَدِيثِ هِرَقْلَ : أَنَّهُ جَمَعَ الرُّومَ فِي دَسْكَرَةٍ ؛ وَيُقَالُ لِلْمُجْتَمِعِينَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ : إنَّهُمْ فِي دَسْكَرَةٍ ؛ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا اللَّفْظِ حَمْدٌ وَلَا ذَمٌّ ؛ وَهُوَ إلَى الذَّمِّ أَقْرَبُ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي عُرْفِ النَّاسِ أَنَّهُمْ يُسَمَّوْنَ بِذَلِكَ الِاجْتِمَاعَ عَلَى الْفَوَاحِشِ وَالْخَمْرِ وَالْغِنَاءِ . وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ؛ لَكِنَّهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ ؛ فَإِنْ قَامَ بِهِمَا مَنْ يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ مِنْ وُلَاةِ الْأَمْرِ ؛ أَوْ غَيْرِهِمْ . وَالْأَوْجَبُ عَلَى غَيْرِهِمْ أَنْ يَقُومَ مِنْ ذَلِكَ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ( ).
الباحث : محمود بن سعيد الشيخ