تابع أضواء على ألقاب الشيخ حسن الراعي
- لقب الفتى - الحلقة الخامسة
ولقد أكثر الشعراء في أقوالهم في الفتى ، فمن ذلك :
قول حسان بن ثابت :
إِنَّ الْفَتَى لَفَتَى الْهَوَاجِرِ وَالسُّرَى وَفَتَى الطِّعَانِ وَمِدْرَهُ الْحَدَثَانِ
إِنْ كَانَ كَهْــلًا أَوْ فَتًى فَهُوَ الْفَتَى لَيْسَ الْفَتَى بِعَمَلَّــجِ الشُّـــــبَانِ( )
وقَول النمر بن تولب العكلي :
يود الْفَتى طول السَّلامَة والغنى فَكيف ترى طول السَّلامَة يفعل( )
وقول الشاعر :
وَلَيْسَ الْغنى والفقر من حِيلَة الْفَتى وَلَكِن أحاظ قسمت وجدود( )
وقَول الحطيئة :
هُوَ الْفَتى كل الْفَتى فاعلمي لَا يفْسد اللَّحْم لَدَيْهِ الصُّلولْ( )
وقال نابغة بني شيبان :
كلُّ المصيباتِ إنْ جَلَّتْ وإنْ عظُمَت إلا المصيبةَ في دينِ الفتى جَلَلُ( )
وقول لبيد :
كلُّ شيءٍ ما خلا الموتَ جَلَلْ والفتى يسعى ويُلهيه الأَمَلْ( )
وقول الشاعر :
إِنَّ الشجاعةَ فِي الفَتَى والْجُود من كَرَمِ الغَرائزْ( )
وقول الشَّاعِر :
لَعَمْرُكَ مَا الْفِتْيَانُ أَنْ تَنْبُتَ اللِّحَى وَلَكِنَّمَا الْفِتْيَانُ كُلُّ فَتًى نَدِي( )
وَقَول ابْن هَرْمة :
قد يَبْلُغُ الشرف الفتى ورداؤه خلقٌ وجَيْبُ قَميصه مَرْقُوعُ( )
وقول الشاعر :
لِسانُ الفتى سَبْعٌ عليه شــذاته وإلا يزع عن غَرْبِه فهو قاتِلُه
وما الجَهلُ إلا منطقٌ متسرع ســـواءٌ عليه حقٌ أمرٍ وباطِلُه( )
وقَول كَعْب بنُ زُهَيْر:
يَسْعَى الفتَى لأُمُورٍ ليس يُدْرِكُها والنَفْسُ وَاحِدَةٌ وَالَهمُّ مُنْتَشــــــرُ
والمرءُ ما عاشَ ممدودٌ له أمَلٌ لا تَنْتَهِي العَينُ حتى يَنْتَهِي الأثَر( )
وقول الشاعر :
إذا لم تك الحاجاتِ من هِمَّة الفتى فليس بمُغْنٍ عنك عَقْدُ الرَتائِمِ( )
وقول الشاعر :
فقُلتُ لَهَا لَا تُنْكرِيني فقلَّما يَسودُ الْفَتى حَتَّى يَشِيبَ ويَصْلَعا( )
وقول الشاعر :
لَيْسَ الْفَتى بالمُسْمِنِ المُخْتالِ وَلَا الَّذِي يَرْفُل فِي الحِلاَل( )
وقَول الشَّاعِر:
إِذا الْفَتى لم يَرْكَب الأهْوَالا وخالفَ الأعمامَ والأخوَالا
فأعْطِه المِــــرْآةَ والمِكْحَالا واســــــــعَ لَهُ وعُدَّه عيالا( )
وقَول الشَّاعِر:
لَعَمْرُك مَا مَال الْفَتى بِذَخيرةٍ ولكنَّ إخْوَان الصَّفاء الذَّخائرُ( )
وقَول الشَّاعِر:
ويُعْطِي الفَتَى في العَقْلِ أَشْطَارَ مالِه وفي الحَرْب يَرْتاسُ السِّنَانَ فَيَقْتُل( )
وقَول قَيْسُ بْنُ الخَطِيم :
وَمَا بَعْضُ الإِقامةِ فِي دِيارٍ يُهانُ بِهَا الْفَتَى إِلا بلاءُ( )
وقَوْلُ الشَّاعِرِ :
إنَّ الفَتَى حَمّالُ كلِّ مُلِمَّةٍ ليسَ الفَتَى بمُنَعَّمِ الشُّبَان( )
وقول عبد الله بن أوفى الخزاعيُّ في امرأته :
فَبَئْسَ قُعَادُ الفتى وحدَهُ وبئستْ مُوَفِّيَةِ الأربع( )
وقول بشر بن المغيرة بن المهلب بن أبي صفرة :
وكُلُّكُمُ قد نال شِبعاً لبطنه وشبعُ الفتى لؤمٌ إذا جاع صاحبُهْ( )
وقول طرفة :
لَعَمْرُكَ إنّ المَوْتَ ما أَخْطأ الفَتَى لَكالطِّوَلِ المُرْخَى وثِنْياه باليَدِ( )
وأنشد أبو الغمر:
وما بابْنِ آدَم مِن قُـــوّةٍ تَرُدُّ القَضاءَ ولا مِن حِوَلْ
وكُلُّ بَلاءٍ أَصابَ الفَتَى إذا النارُ نُحِّيَ عنــها جَلَلْ( )
وقول المخبل :
وقد تَزْدرِي النَّفسُ الفَتى وهو عاقلُ ويُوفَنُ بعضُ القوم وهو حريمُ( )
وقَول حَاتِم طَيء :
أماوِيّ مَا يُغنى الثراءُ عَن الْفَتى إِذا حشرجَتْ يَوْمًا وضاق بهَا الصدرُ( )
وبلغت الفتوة أوجها في عصر الشيخ حسن الراعي ، وذلك عندما تلقفها أحد الخلفاء العباسيين ، وانتمى إليها ، وجعل نفسه زعيمًا مخلصًا لها ، وعاملا على نشرها في جميع بلاده ، ففي سنة 578هـ لَبِسَ الخليفة العباسي الناصر لدين الله أبو العبّاس أحمد ابن المستضيء بأمر الله (575-622هـ) لِبَاسَ الْفُتُوَّةِ من شيخ الفتوة عبد الجبار ولهج( ) بذلك ، وألبسه وتفتّى له خلق كثيرون من شرق الأرض وغربها( ) ، وبقي يلبس الملوك( ) سراويلات( ) الفتوة( ). وعلق الذهبي على ذلك بقوله المشعر بموقفه الممتعض من هذه البدعة : " إنما كمال المروة ترك لبس الفتوة( )". وَفِي سنة سبع وسِتمِائَة وَردت رسل الْخَلِيفَة النَّاصِر إِلَى مُلُوك الْأَطْرَاف أَن يشْربُوا لَهُ كأس الفتوة ويلبسوا لَهُ سراويلها وَأَن ينتسبوا إِلَيْهَا فِي رمى البندق( ) ويجعلوه قدوتهم فِيهِ فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِك( ) . ولباس الفتوة : الأقبية( ) وفي أرجلهم الأخفاف ، وكل واحد منهم متحزم على وسطه سكين ، وعلى رؤوسهم قلانس( ). ولما عظم شأن الفتوة صار لها كتاب يكتبون تواقيعًا " كلمات " تقال في حفل إلباس اللباس ، ومن تلك التوقيعات التي سجلها لنا كتاب ديواوين الإنشاء كنماذج ينسج على منوالها في مناسبات دخول عضو جديد . قال القلقشندي : " اعلم أنّ طائفة من الناس يذهبون إلى إلباس لباس الفتوّة ، ويقيمون لذلك شروطًا وآدابًا جارية بينهم . ينسبون ذلك في الأصل إلى أنّه مأخوذ عن الإمام عليّ كرّم الله وجهه . والطريق الجاري عليه أمرهم الآن أنّه إذا أراد أحدهم أخذ الطّريق عن كبير من كبراء هذه الطائفة ، اجتمع من أهلها من تيسّر جمعه ، وتقدّم ذلك الكبير فيلبس ذلك المريد ثيابًا ، ثم يجعل في كوز أو نحوه ماء ويخلط به بعض ملح ، ويقوم كلّ منهم فيشرب من ذلك الماء وينسبه إلى كبيره . وربّما اعتنى بذلك بعض الملوك . وقد جرت العادة في ذلك أنه إذا ألبس السلطان واحدًا من الأمراء أن يكتب له بذلك توقيعًا .
وهذه نسخة توقيع بفتوّة ، من إنشاء القاضي محيي الدّين بن عبد الظاهر ، وهو : الحمد لله الّذي جعل أنساب الفتوّة ، متصلة بأشرف أسباب النّبوّة ، وأفضل من أمدّه منه بكلّ حيل وقوّة ، وأسعد من سما فكان عليًّا على كلّ من سام علوّه . نحمده حمدًا تغدو الأفواه به مملوّة ، ونشكره على مواهبه بآيات الشّكر المتلوّة ، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة من جعل إلى منهج التوحيد رواحه وغدوّه ، ونشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله الّذي شدّ الله أزره بخير من أفتى وفتّى فنال كلّ فتويّ من الفتيان به شرف الأبوّة والبنوّة ، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين نصروا وليّه وخذلوا عدوّه ، صلاة موصّلة إلى نيل الأمانيّ المرجوّة . وبعد ، فإنّ خير من اتّصل به رجاء الرجال الأجواد ، وطوى البعيد إلى تحصيل مرامه كلّ طود من الأطواد ، وأماط به عن مكارم الأخلاق لثام كلّ جود وامتطى ظهر خير جواد ، واستمسك من ملابس الشّرف بما يؤمّن ويؤمّل وما يشد به من كلّ خير لباس التّقوى ، وما تؤيّد به عزيمته فتقوى ، وما يتقيد به على رؤوس الأحزاب ، وما يتنزل به عليه أحسن آية من هذا الكتاب - من اشتهر بالشّجاعة الّتي تقدّم بها على قومه ، وحمد أمسها في يومه ، وبالشّهامة الّتي لها ما للسّهام من تفويق ، ولزرق الأسنّة من تحذيق ، ولبيض الصّفاح من حدّة متون ، وللسّمهريّة من ازدحام إذا ازدحمت المنون ، ومن صدق العزيمة ، ما يشهد به كرم الشّيمة ، ومن شدّة البأس ، ما يجتمع به على طاعته كثير من الناس ، ومن صدق اللهجة واللّسان ، ما اتّصف عفافه منهما بأشرف ما يتّصف به الإنسان ، ومن طهارة النّفس ما يتنافس على مثله المتنافسون ، ويستضيء بأنواره القابسون ، ويرفل في حلل نعمائه اللّابسون ؛ و كان من الذين أبانوا عن حسن الطاعة وأنابوا ، وإذا دعوا إلى استنفار جهاد واجتهاد لبّوا وأجابوا ، والذين لا يلوون ألسنتهم عن الصّدق ، ولا يولّون وجوههم عن الحقّ ، والذين لا يقعدهم عن بلوغ الأوطار مع إيمانهم حبّ الأوطان ، وإذا نفذوا في حرب الأعداء لا ينفذون إلا بسلطان . ولما كان فلان ذو المفاخر والمآثر، أمير الفتيان ، مميّز الإخوان والأعيان ، هو صاحب هذا المحفل المعقود ، والممدوح بهذا المقال المحمود ، والممنوح بهذا المقام المشهود ، والثّناء الّذي سرّباله بما سربله أثواب العزّة والفخار ، والاعتناء الّذي استخير الله في اصطفائه واختباره في ذلك فخار- اقتضى حسن الرأي الشريف - كرّم الله أنصاره ، وأعلى مناره - أن نجيب وسائل من وقف في هذا القصد وقفة سائل ، لينال بذلك كلّ إحسان وإحسان كلّ نائل ، ودعا إلى الكريم العامّ بالإنعام ، والدعاء لسلطان يدعى له ويدعو كلّ الأنام ، فقال : أسأل الله وأسأل سلطان الأرض ، ملك البسيطة إمام العصر، رافع لواء النّصر، ناصر الملّة المحمديّة ، محيي الدّولة العبّاسيّة ، فاتح البلاد والقلاع والأمصار ، قاهر الكفّار مبيد الفرنج والأرمن والتّتار ، سلطان الزّمان ، خسروان إيران ، شاهنشاه القان ، سلطان العالم وارث الملك ، سلطان العرب والعجم والتّرك ، الذي انتهى إليه عن أمير المؤمنين الإمام الأوّاب ، المغوار، عليّ بن أبي طالب ذي الفخار، شرف الفتوّة واتّصال الأنساب ."
قال القلقشندي : هذا ما وقفت عليه من نسخة هذا التّوقيع .
وقد ذكر الشيخ شهاب الدّين محمود الحلبيّ في كتابه « حسن التوسل » نسخة تقليد أنشأه في الفتوّة ، أسقط منه أوّل الخطبة وهو :- وابتدأ منه بقوله : نحمده على ما منحنا من نعم شتّى، ووهبنا من علم وحلم غدونا بهما أشرف من أفتى في الكرم وفتّى ، وآتانا ملك خلال الشّرف الّذي لا ينبغي لغير ما اختصّنا به من الكمال ولا يتأتّى ، وخصّنا به من رفع أهل الطاعة إلى سماء النّعم يتبوّؤون من جنان الكرم حيث شاءوا : وغيرهم لا تفتّح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجّنة حتّى ، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة من انتمى في فخار أبوّة التّقى إلى حسب عليّ ، وانتهى من بنوّة المروءة إلى سبب قويّ ونسب زكيّ ، وارتدى حلل الوقار بواسطة الفتوّة عن خير وصيّ عن أشرف نبيّ ، ونشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله الّذي نور شريعته جليّ ، وجاه شفاعته مليّ ، وبسيفه وبه حاز النّصر من انتمى إليه : فلا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتى إلّا عليّ . وبعد ، فإنّ أولى من لبّى إحساننا نداء ودّه، وربّى امتناننا نتاج ولائه الموروث عن أبيه وجدّه ، ورقّاه كرمنا إلى رتبة علاء ، يقف جواد الأمل عن بلوغها عند حدّه ، وتلقّت كرائمنا وفد قصده بالتّرحيب ، وأنزلت جار رجائه من مصر نصرها بالحرم الآمن والرّبع الخصيب ، وأذنت لأمله ما نأى من الأغراض حتى بلغه بفضلها سهم اجتهاده المصيب ، وأعدّت له من حلل الجلالة ما هو أبهى من رداء السّماء الّذي تزداد على الأبد جدّة برده القشيب ، وخصّته لابتناء المجد بأجلّ بنوّة جعلت له في إرث خلال الشّرف أوفر حظّ وأوفى نصيب . من سمت منابر المجد بذكره ، وابتسمت أسرّة الحمد بشكر أوصافه ووصف شكره ، واختالت موادّ الثناء بحسن خلاله ، واختارت كواكب السّناء إقبال طوالعه بطوالع إقباله ، وتمّسك من طاعتنا بأمثل أسباب الهدى ، واعتصم بعروة بنوّة الأبناء فأوطأه التّوثّق بها رقاب العدا ، واتّصف بمحاسن الشّيم في مودّتنا فأضحى فتيّ السّنّ كهل الحلم يهتزّ للنّدى ، وانتمى إلينا فأصبح لدينا ملكًا مقرّبًا ، وأوجب من حقوق الطاعة علينا ما أمسى به لدينا - مع جلالة الأبناء - ابنًا وغدونا له - مع شرف الآباء - في نسب الفخر العريق أبًا ، ونشأ في مهاد الملك فسما به للعلم والعلم ، بالسّيف والقلم ، والبأس والكرم ، واعتزى إلى أبوّة حنوّنا ببنوّة رجائه فتشبّه بعدل أيامنا : « ومن يشبه أباه فما ظلم » ، وتحلّى بصدق الولاء وهو أوّل ما يطلب في سرّ هذا النّسب ويعتبر ، وتحلّى لنكاية عدوّ الإسلام بلطف مكايده إذ السيوف تجزّ الرّقاب « وتعجز عما تنال الإبر » . ولمّا كان فلان هو الّذي زان بموالاتنا عقود مجده ، وزاد في طاعتنا على ما ورث من مكارم أبيه وجدّه ، وساد الملوك في اقتبال شبابه ، وصان ملك أبيه عن عوارض أوصابه باتّباع ما أوصى به ، وأنفت صوارمه أن تكون لغير جهاد أعداء الله معدّة ، وعزائمه أن تتّخذ عدوّ الله وعدوّه أولياء تلقي إليهم بالمودّة ، وسهامه أن تسدّد إلّا إلى مقاتل العدا ، وأسنّته أن يبلّ لها من غير مناهل صدور الكفر صدى ، مع اجتماع خلال الشّرف لشرف خلاله ، وافتراق أسباب السّرار عن هالة كماله ، وسؤاله ما ليس لغيره أن يمدّ إليه يدًا ، والتماسه من كرمنا العميم أجلّ ما نحل والد ولدًا ؛ وأنّه وقف على قدم الرّجاء الثّابت ، ومتّ بقدم غروس الولاء الّتي أصلها في روض المودّة نابت ، وقال : أسأل الله وأسأل سلطان الأرض ، القائم لجهاد أعداء الله بالسّنة والفرض ، فاتح الأمصار، الذي لم تزل سيوفه تهاجر في سبيل الله عن غمودها إلى أن صار له من الملائكة الكرام أنصار، الذي كرّم الله شرف الفتوّة بانتمائها إليه ، وأعلى قدر بنوّة المروءة باتّصالها به عن الخلفاء الراشدين عن أب فأب عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليه ، وأورثه من خلقه الكرم والبأس فتحلّيا منه بأجلّ مواف وأكمل موافق ، ومنحه بحفظ العهد من خصائصه ما عهد به إليه النّبيّ الأمّيّ من أنّه ما يحبّه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق ، أعزّ الله سلطانه ، وأوطأ جياده معاقل الكفر وأوطانه ، أن يتقبل قصدي بقبول حسن ، ويقبل بوجه كرمه على أملي الّذي لم يقعد به عن فروض الطاعات وسننها وسن ، وينظمني في سلك عقود الفتوّة ملتزمًا بأسبابها ، مقتديًا بطاعته الّتي هي أكمل أنسابها ، متّصفًا بموالاته الّتي لا يثبت لها حكم إلّا بها ، آتيًا بشروط خدمته الّتي من لم يأت بها على ما يجب فما أتى البيوت من أبوابها . فاستخرنا الله تعالى في عقد لواء هذا الفخار لمجده فخار، ونظمناه لعقد هذا المقام الكريم واسطة لمثله كان يزينها الادّخار . فرسم بالأمر الشريف - لا زال جوده يعلي الجدود ، ويوطّد لأبناء ملوك الزّمن من رتب الشرف فوق ما وطّدت الآباء والجدود - أن نصل سببه بهذا السّبب الكريم ، ونعقد حسبه في الفتوّة بأواخي هذا الحسب الصّميم ، ونعذق نسبه بأصالة هذه الأبوّة الّتي هي إلا عن مثله عقيم ، ويفاض عليه شعار هذا لخلق المتّصل عن أكرم وصيّ بمن قال الله تعالى في حقّه : « إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ » فليحلّ هذه الهضبة الّتي أخذت من أفق العزّ بالمعاقد ، ويحلّ هذه الرتبة الّتي دون بلوغها من نوع الفراقد ألف راقد ، ويجرّ رداء الفخر على أهداب الكواكب ، ويزاحم بمواكب مجده النجوم على ورود نهر المجرّة بالمناكب ، وليصل شرف هذه النسبة من جهته بمن رآه أهلا لذلك ، وليفت في الفتوّة بما علم من مذهبنا الّذي انتهى فيه منّا إلى مالك ، وليطل على ملوك الأقطار، بهذه الرتبة الّتي تفانى الرّجال على حبّها ، ويصل على صروف الأقدار ، بهذه العناية الّتي جعلته - وهي حلية حزب الله - من حزبها ، وليصل سرّ هذا الفضل العميم بإيداعه إلى أهله ، وانتزاعه ممن لم يره أهلا لحمله( ) .
حفل لباس الفتوة
الباحث : محمود بن سعيد الشيخ